قبل ثورة 25 يناير كان للكنيسة صولة وجولة عند النظام المصري وقد تجبرت على المجتمع وصارت الحكومة أمامها كالفأر المذعور الذي يخشى سطوة قط مفترس، وقد استلبت الكنيسة بعضاً من اختصاصات الحكومة كالقبض والاعتقال على بعض المواطنين حتى صار رئيس الكنيسة نداً لرئيس الجمهورية، وقد كان المرء يحار في تفسير هذا التجبر من قبل الكنيسة في مقابل الضعف والمهانة من قبل نظام الحكم، وقد أذن الله بزوال النظام وظنّ الناس أن المسوغات التي كانت تحمل النظام على الضعف والمسكنة أمام الكنيسة قد زالت وأن الحكومة سوف تسترد عافيتها وتبسط ولايتها على جميع رعاياها، لكن الأيام التي تلت الثورة قد كشفت عن مزيد من الضعف والتخاذل وعدم القدرة على اتخاذ موقف صحيح أمام طغيان الكنيسة وتجبرها رغم اتضاح وجه الحقيقة في كثير من المسائل بما لا يدع مجالا للشك -فهناك المسلمات المأسورات في الأديرة -وهناك حالات التحرش بالمسلمين والاعتداء عليهم إلى حد القتل -وهناك المظاهرات وقطع الطريق العام وتعطيل السير والاعتداء على العابرين، لا أريد الخوض في تفاصيل ذلك فكله أضحى معلوماً للعامة والخاصة، لكن ما الذي يدفع الحكومة والمجلس العسكري للسكوت وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية في كل ذلك؟! أنا أحسن الظن بهم وأعلم أن النظام السابق قد ترك البلد خرابة والفساد منتشر في كل أركانها والتركة ثقيلة ثقيلة تنوء بالعصبة أولي القوة وهم يحاولون في كل ذلك المقاربة والتسديد للوصول بالبلد إلى بر الأمان، لكن ليسمحوا لنا أن نختلف معهم في أن الطريق الذي سلكوه لا يوصل للهدف الذي يأملون .
إن محاولة" الطبطبة" وتسكين الأمور قد يمكن قبولها في الأمور المشتبهة غير الواضحة، أما الأمور الواضحة التي قد تبين فيها وجه الحق فلا يصلح معها إلا التصرف الحازم الجازم الذي يعطي الحق لصاحبه ويكف الظالم عن ظلمه من غير تسويف أو مماطلة، إن مسلك الطبطبة لن يكون له من أثر سوى زيادة طغيان الطاغين.
ليس من المقبول إرضاء طرف على حساب طرف آخر فما بالنا إذا كان الطرف المسترضى هو الطرف الظالم الذي تجاوز النظام والقانون، وإذا كان الطرف المغبون صابراً صامتاً في انتظار عودة الحق إلى أهله ومعاقبة الظالم الجاني فما الذي يضمن لنا مع طول الانتظار وعدم الفصل بالحق ألاّ ينفد صبر الطرف المظلوم ويبادر إلى أخذ حقه بيده، حينها ستكون فوضى لا يعلم مداها إلا الله، وقد يكون هذا ما يخطط له أعداء الثورة مستغلين آمال البعض في أن يحصل على ما ليس له بحق وأن يكون في وضع أعلى من حقيقة وضعه في المجتمع ولعلي أوجه ندائي إلى القائمين على البلد لا تكونوا عوناً لأعداء الثورة في تحقيق مخططهم وذلك بالتراخي عن بسط العدل والتهاون في معاقبة الظالم الباغي بل اشتدوا في الحكم بالعدل ولا تتهاونوا في طغيان الطاغين والشعب معكم من بين أيديكم ومن خلفكم يؤيدكم ويشد من أزركم، ولا تخشوا بأس التدخل الأجنبي فأنتم لم تفعلوا شيئا سوى تنفيذ قانون الدولة، وإذا قدر أن هناك مغامر تحدثه نفسه بالتدخل فقد سعى-كما يقال في المثل-إلى حتفه بظلفه.
كما أوجه ندائي إلى المتعصبين لا تغمضوا أعينكم حتى لا تبصروا الوهدة التي يقودكم إليها المغامرون ولا تكونوا وقوداً لطموحات شخصية لا تستند إلى عقل أو نقل تكونوا أكثر من يكتوي بنارها ولهيبها واعلموا أنه لو مات مقابل كل واحد يموت منكم عشرة من غيركم لفنيتم وبقوا هم وكان عدد الباقي منهم أكثر من عددكم الآن أضعافاً.
المسلمون يحبون الخير للناس جميعاً ويبذلون أوقاتهم وأموالهم بل وأرواحهم لهداية الناس ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، لكن في المقابل يأبون الضيم ولا يقبلون بالمذلة وهم على يقين أنهم أصحاب حق وأنّ الله معهم وناصرهم ولن يخذلهم.
حفظ الله مصر وبلاد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من كل سوء وفتنة .
عن مجلة البيان :
http://www.albayan.co.uk/article.aspx?id=893
dh H,gdhx hgHl,v HQg.Al,h hg;kdsm p],]ih ,Ygh thkj/v,h hg',thk
المفضلات