الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيقول "شيخ الإسلام ابن تيمية" -رحمه الله-: "وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعله سلمًا إلى الدراية. فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات، وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنة، أهل الإسلام والسنة، يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والقويم. وغيرهم من أهل البدع والكفار إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد، وعليها من دينهم الاعتماد، وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل، ولا الحالي من العاطل . وأما هذه الأمة المرحومة وأصحاب هذه الأمة المعصومة؛ فإن أهل العلم منهم والدين هم من أمرهم على يقين، فظهر لهم الصدق من المَيْن، كما يظهر الصبح لذي عينين، عصمهم الله أن يجمعوا على خطأ في دين الله معقول أو منقول". "مجموع الفتاوى: 1/9".
ويقول "محمد بن حاتم بن المظفر" -رحمه الله-: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفهابالإسناد، وليس لأحد من الأمم قديمها وحديثها إسناد موصول، إنما هي صحف في أيديهم،وقد خلطوا بكتبهم أخبارَهم، فليس عندهم تمييز ما نزل من التوراة والإنجيل وبين ماألحقوه بكتبهم من الأخبار التي اتخذوها عن غير الثقات.
وهذه الأمة الشريفةزادها الله شرفـًا بنبيها -صلى الله عليه وسلم- إنما تنقل الحديث عن الثقة المعروف في زمانه المشهوربالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفواالأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول فالأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقلمجالسة، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهًا وأكثر، حتى يهذبوه من الغلط والزلل،ويضبطوا حروفه ويعدوه عدًا، فهذا من أعظم نعم الله -تعالى- على هذه الأمة، نستوزعالله شكر هذه النعمة". "شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص65".
لو تأملت هذا الكلام ثم نظرت في عقائد النصارى وما يدينون به لرأيت عجبًا؛ كيف يؤمنون بما لا يمكن إثباته، والشك متطرق إليه، بل الكذب والوضع ظاهر عليه؟!
إن أعظم ما ينقض جدار النصرانية لبنة لبنة حتى يدعه هباءًا منثورًا هو "الإسناد"، فأي إسناد عند هؤلاء يجعلهم يخالفون الفطرة الربانية التي فطر الله العباد عليها، فيستبدلون الخبيث بالطيب، والكفر بالإيمان؟؟!!
فالنصارى لا يعرفون عن معتقداتهم إلا أنها نصوص توارثوها جيلاً بعد جيل عمن حرف دينهم من حنيفية سمحة إلى وثنية عسرة، والعجيب أن تكون هذه النصوص المحرفة "[COLOR=window####]خطوط حمراء[/COLOR]"لا يجوز المساس بها، ومن يحاول التشكيك في مصداقيتها فليس له إلا اللعن والطرد من الملكوت المزعوم، كما فعلوا مع إخوانهم من أهل ملتهم في "[COLOR=window####]مجامع اللعنة[/COLOR]".
وإن أي مسلم لو تفكر في حقيقة ما عليه النصارى لسهل عليه نقضه بسؤال واحد فقط؛ أين إسناد تلك العقائد؟
فمنذ اختلاف النصارى حول ألوهية المسيح -عليه السلام- وعقد مجمع نيقية عام "325م"، ثم استصدار قانون الإيمان المسيحي الذي يقرر ألوهية المسيح، تم اختيار أربعة أناجيل عليها مدار إيمان طوائف النصارى، وهي أناجيل "متى" و"مرقس" و"لوقا" و"يوحنا".
والسؤال الذي يطرح نفسه:
لماذا اختيرت هذه الأناجيل الأربعة دون غيرها مما هو أقدم منها؟
فقد أثبتت المخطوطات أن إنجيل "يهوذا" وجد في القرن الثالث الميلادي، أي قبل ظهور المجامع المسكونية التي اختيرت فيها تلك الأناجيل الأربعة في القرن الرابع الميلادي! فكان الأولى أن يقدم إنجيل "يهوذا" على هذه الأناجيل، هذا إن تنزلنا في ثبوت إنجيل "يهوذا" أصلاً، وإلا فإنه ينطبق عليه ما ينطبق على هذه الأناجيل من فقدان السند المتصل إلى كاتبه.
وهذا السؤال وحده كاف لنفي قداسة تلك الأناجيل، فضلاً عن التدقيق والتحقيق حول أي منها، إذ لا يجد النصارى أي جواب حول سبب تقديم هذه الأناجيل الأربعة على السبعين التي رفضها مجمع نيقية.
وأما تفاصيل الشكوك التي تنقض هذه الأناجيل فإليك بيانها:
1- ينقسم الكتاب الذي يؤمن به النصارى إلى قسمين؛ الأول منهما يطلق عليه: "العهد القديم" وهو عبارة عن أسفار موسى -عليه السلام- وأسفار أخرى منسوبة لغيره من الأنبياء، ويطلق على ذلك تجوزًا اسم "التوراة" وإن كان إطلاقها في الأصل على أسفار موسى فقط.
2- والنصف الثاني من الكتاب هو "العهد الجديد"؛ الذي كتبه ثمانية رجال وهم: "متى" و"مرقس" و"لوقا" و"يوحنا"؛ أصحاب الأناجيل الأربعة، و"بولس"، و"بطرس" و"يعقوب" و"يهوذا".
3- يزعم النصارى أن بعض هؤلاء من "حواريي المسيح" وهم: "متى" و"يوحنا" و"بطرس" و"يعقوب" و"يهوذا"، وأما "بولس" و"مرقس" فتنصرا بعد رفع "المسيح"، وأما "لوقا" فهو تلميذ "بولس".
4- يتكون "العهد الجديد" والذي يطلق عليه مجازًا اسم "الإنجيل" من: الأناجيل الأربعة، ورسائل العهد الجديد التي تتكون من سفر أعمال الرسل الذي كتبه "لوقا"، ثم "رسائل بولس الأربع عشرة"، ثم "الرسائل الكاثوليكية السبعة"؛ ثلاث منها لـ"يوحنا"، وثنتان لـ"بطرس"، وواحدة لكل من "يعقوب" و"يهوذا"، ثم رؤيا "يوحنا". فيكون مجموع الأسفار كلها "سبعة وعشرين سفرًا".
أولاً "إنجيل متى":
1- يتكون "إنجيل متى" من "28" إصحاحًا تحكي حياة "المسيح" -عليه السلام-، وتزعم الكنيسة أن متى كاتب الإنجيل هو متى الحواري تلميذ المسيح والذي ورد اسمه في "إنجيل متى" "10: 3".
2- اختلف علماء النصارى حول توقيت كتابة "إنجيل متى" هل كان سنة "37" أو "38" أو "41" أو "43" أو "48" أو "61" أو "62" أو "63" أو "64"؟، ويرى المحققون أنه كتب الفترة من "85" إلى "105" من الميلاد.
3- اختلف علماء النصارى حول اللغة التي كُتب بها "إنجيل متى" ومكان كتابته، وأكثرهم على أن "متى" استعمل اللغة العبرانية، فكتب إنجيله بها لليهود المتنصرين في "فلسطين"، والذين كانوا ينتظرون شخصًا موعودًا من نسل "إبراهيم" و"داود"، ثم ترجمه المترجمون كل واحد على قدر فهمه واستطاعته، وأما متى فهو لم يترجم إنجيله لليونانية، والمترجم غير معروف من هو.
4- أما نسخة "إنجيل متى" الموجودة الآن باللغة العبرانية فهي مترجمة عن الترجمة اليونانية، ولا يوجد عندهم سند هذه الترجمة، ولا يعرفون اسم المترجم ولا أحواله كما اعترف بذلك القس "جيروم" - 420م"، ولكنهم يقولون بالظن: لعل فلانًا أو فلانًا ترجمه، وبمثل هذا الظن لا يثبت إسناد الكتاب إلى مصنفه.
5- ليس هناك ثمة دليل على أن متى كاتب الإنجيل هو متى الحواري المذكور في الإنجيل، بل الأدلة الواضحة على خلاف ذلك تمامًا، فمن ذلك:
- أن "متى" اعتمد في إنجيله على "إنجيل مرقس"، فقد نقل من "مرقس" "600" فقرة من فقراته التي بلغت "612" فقرة!! وهذا شيء مسلم به عند كافة النصارى كما يقول "القس فهيم عزيز".
فإذا كان "متى" التلميذ هو كاتب الإنجيل فكيف ينقل عن "مرقس" الذي كان عمره عشر سنوات أيام دعوة "المسيح"؟ هل ينقل الشاهد المعاين للأحداث عن الغائب الذي لم يشهدها؟!!
- وأما ما تزعمه الكنيسة من أن "متى" كاتب الإنجيل هو نفسه المذكور في الإنجيل، فلماذا يتحدث عن نفسه بصيغة الغائب فيقول "9: 9": "وفيما يسوع مجتاز هناك رأى إنسانًا عند مكان الجباية اسمه متى فقال له اتبعني فقام وتبعه". ولو كان "متى" هو نفسه التلميذ لقال: "رآني"، "قال لي"، "تبعته".
- كذلك مما يؤيد عدم نسبة هذا الإنجيل إلى "متى" أن أكثر الشراح والمحققين يرون أن الإنجيل كتب بعد عام "70م" وهي السنة التي مات فيها متى الحواري!!
ولِما سبق فإن كثيرًا من علماء النصارى ينكرون نسبة "إنجيل متى" إلى تلميذ "المسيح"، ويؤيدون القول بجهالة كاتبه، ومن هؤلاء: القديس "وليمس"، والأب "ديدون"، والبروفيسور "هارنج"، والقس "فهيم عزيز"، ومفسر "إنجيل متى": "جون فنتون".
والخلاصة كما يقول "الشيخ محمد أبو زهرة" -رحمه الله- عن "إنجيل متى":
"مجهول الكاتب، ومختلف في تاريخ كتابته، ولغة الكتابة، ومكانها، وتحديد من كتب له هذا الإنجيل، ثم شخصية المترجم وحاله من صلاح أو غيره وعلم بالدين، واللغتين التي ترجم عنها والتي ترجم إليها، كل هذا يؤدي إلى فقدان حلقات في البحث العلمي".
ثانيًا "إنجيل مرقس":
1- يتكون "إنجيل مرقس" من "16" إصحاحًا تحكي حياة "المسيح" منذ تعميده وحتى صلبه المزعوم، وهو أقصر الأناجيل، ويعتبره النقاد أصحها كذلك، ويكادون يجمعون على أنه أول الأناجيل تأليفـًا، وأن "متى" و"لوقا" اعتمدا عليه في كتابة إنجيليهما.
2- اختلف علماء النصارى حول توقيت كتابة "إنجيل مرقس" فيما بين سنة "39" إلى سنة "75" من الميلاد.
3- اختلف علماء النصارى حول اللغة التي كتب بها الإنجيل ومكان كتابته، فالأكثرون على أنه كتب باللغة اليونانية، وذكر بعضهم أنه كتب باللاتينية أو الرومانية، وأما مكان كتابته فقيل في روما وقيل في الإسكندرية.
4- لا يُعرف من هو "مرقس" هذا الذي كتب الإنجيل، ويتفق علماء النصارى أنه لم يعاصر "المسيح" -عليه السلام-، وأنه كان من تلامذة "بطرس" و"بولس".
يقول "دنيس نينهام" في تفسيره لـ"إنجيل مرقس" ص39: "لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة وعلاقة خاصة بالمسيح، أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى".
5- تزعم الكنيسة أن "مرقس" هو "يوحنا مرقس" المذكور في أعمال الرسل "12: 12، 25"، وفي ذلك يقول "دنيس نينهام": "لقد كان من عادة الكنيسة الأولى أن تفترض جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد، إنما ترجع جميعها إلى شخص واحد له هذا الاسم، ولكن عندما نتذكر أن اسم "مرقس" كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعًا في الإمبراطورية الرومانية؛ فعندئذ نتحقق من مقدار الشك في تحديد الشخصية في هذه الحالة".
6- كذلك من مشاكل "إنجيل مرقس" خاتمته، ذلك أن الأعداد من 9 إلى 20 -التي تتحدث عن ظهور المسيح ودعوته التلاميذ لتبشير العالم بالإنجيل- هذه تعتبر إلحاقية، أي أنها أضيفت فيما بعد بحوالي "110" سنة بعد كتابة الإنجيل، فلم تظهر لأول مرة إلا حوالي سنة "180م"، كما يقول"دنيس نينهام" في "تفسير إنجيل مرقس" ص11.
ثالثـًا "إنجيل لوقا":
1- هو أطول الأناجيل؛ إذ يتكون من "24" إصحاحًا، يتحدث الإصحاحان الأولان منها عن "نبي الله يحيى -عليه السلام-" الذي يدعونه "يوحنا المعمدان"، وتتحدث باقي الإصحاحات عن سيرة "المسيح" حتى القيامة المزعومة، وقد اعتمد "لوقا" في كتابته على "إنجيل مرقس"؛ إذ نقل عنه "350" فقرة من فقراته التي تبلغ "661" فقرة.
2- اختلفت الآراء حول توقيت كتابة هذا الإنجيل في الفترة بين عامي "53" و "80" من الميلاد.
3- اتفق علماء النصارى على أن "لوقا" لم يكن من تلامذة "المسيح"، وأنه لم يكن يهوديًا، وأنه كان رفيق "بولس" المذكور في كولوسي "4: 14".
4- يبدأ "إنجيل لوقا" بهذه العبارة: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة؛ رأيت أنا أيضًا إذ تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز "ثاوفيلس" لتعرف صحة الكلام الذي علمت به".
وهي بظاهرها تثبت أن "لوقا" لم يكن يكتب بإلهام من الروح القدس -كما يزعم النصارى-، بل كان يتسلم معلوماته من الذين كانوا معاينين وخدامًا للمسيح، وهو في ذلك يتتبع ويدقق ويرسل رسائله على التوالي إلى صديقه "ثاوفيلس" الذي لم يعرف علماء النصرانية من يكون إلى الآن!! ولذلك أنكر إلهامية هذا الإنجيل عدد من كبار علماء النصارى منهم "مستر كدل" و"واتسون".
5- يؤكد المحققون أن "لوقا" لم يكتب الإصحاحين الأولين من إنجيله، وأنهما ألحقا بالإنجيل بعد ذلك؛ لأن "لوقا" يقول في أعمال الرسل "1: 1" -وهو كاتبه أيضًا-: "الكلام الأول الذي أنشاته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه". والإصحاحان الأولان إنما يتكلمان عن ولادة المسيح لا عن أعماله.
رابعًا "إنجيل يوحنا":
1- هو أكثر الأناجيل أهمية لدى النصارى؛ إذ إنه كتب لإثبات "ألوهية المسيح". ويتكون هذا الإنجيل من "21" إصحاحًا تتحدث بأسلوب يختلف تمامًا عن الأناجيل الثلاثة السابقة، وتنسبه الكنيسة إلى "يوحنا الصياد" أحد "حواريي المسيح".
2- اللغة التي كتب بها الإنجيل هي اليونانية باتفاق النصارى، ولكن اختلفوا في مكان كتابته، فقيل في "تركيا" وقيل في "الإسكندرية".
3- يختلف "إنجيل يوحنا" في أسلوبه ومضمونه عن الأناجيل الثلاثة الأخرى، فهو الإنجيل الوحيد الذي يتحدث عن "ألوهية المسيح"، وهو الوحيد الذي يتحدث عن "نظرية الفيض" المعروفة عند "فيلون الإسكندراني"، ولا يمكن لصائد السمك "يوحنا" أن يكتبه، خاصة أنه عامي كما وصفه سفر أعمال الرسل "4: 13": "فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا"؛ ولذلك تقول دائرة المعارف الأمريكية "13/73" ما نصه: "إن هناك مشكلة هامة وصعبة تنجم عن التناقض بين الإنجيل الرابع والثلاثة المتشابهة. إن الاختلاف بينهم عظيم، لدرجة أنه لو قبلت الأناجيل المتشابهة باعتبارها صحيحة وموثوقـًا فيها فإن ما يترتب على ذلك هو عدم صحة إنجيل يوحنا".
4- لا يظهر في أي موضع من هذا الإنجيل أن كاتبه هو "يوحنا الحواري" تلميذ المسيح، ولو كان كذلك لكتب الحالات التي رآها بعينه أو الحوادث التي وقعت بحضوره، بل تشهد عبارات هذا الإنجيل على أن كاتبه شخص آخر غير "يوحنا الحواري"؛ فهو يقول في ختام هذا الإنجيل "21: 24": "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا ونعلم أن شهادته حق"؛ فاستعمل الكاتب في حق يوحنا ضمير الغائب، لكنه قال في حق نفسه نعلم على صيغة المتكلم، فثبت أن كاتبه غير يوحنا الحواري قطعًا.
5- كذلك؛ فإنه بالنظر إلى تاريخ كتابة الإنجيل، فإن النصارى اختلفوا في ذلك في الفترة بين عامي "68" و"98" من الميلاد، وهذا يقطع بعدم صحة نسبة هذا الإنجيل إلى "يوحنا الحواري"؛ فإن "يوحنا الحواري" مات مشنوقـًا عام "44م" على يد "غريباس الأول"، كما يقول "تشارلز ألفريدط و"روبرت إيزلز".
6- نفى كثير من محققي النصارى نسبة هذا الإنجيل إلى "يوحنا الحواري"، فيقول المحقق "رطشنبدر": "إن هذا الإنجيل كله، وكذا رسائل "يوحنا" ليست من تصنيفه، بل صنفها أحد في ابتداء القرن الثاني، ونسبه ليوحنا ليعتبره الناس"، ويرى "يوسف الخوري" أن كاتب الإنجيل هو تلميذ يوحنا المسمى "بروكلوس".
بينما يذهب آخرون إلى أن هناك أكثر من كاتب لهذا الإنجيل، وإلى هذا يذهب المحقق "كولمان".
بينما يجيب القس "فهيم عزيز" عن سؤال: "من الكاتب الحقيقي للإنجيل؟". فيقول: "هذا السؤال صعب، والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة، وغالبًا ما تنتهي بالعبارة: لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل".
الخلاصة:
1- باستحضار ما سبق؛ فإنه من الطبيعي جدًا أن يظهر التناقض والاختلاف في تلك الأناجيل، إذ إنها لا تعبر إلا عن وجهة نظر شخصية لكل واحد من الكتبة المجهولين لهذه الأناجيل، فلو سلمنا جدلاً بصحة واحد منها، فإن الحكم المتقرر من ذلك هو عدم صحة الباقين، وعلماء النصرانية أنفسهم يعترفون بوجود الاختلاف بين الأناجيل كما سبق بيانه.
2- مسألة إسناد الأناجيل من المسائل التي تقطع بنقض هذه الأناجيل، والتي لا يمكن للنصارى أن يجدوا لها جوابًا حتى قال "فيلسيان شالي" في كتابه "موجز تاريخ الأديان" ص230: "هذه المسألة تثير صعوبات من كل الأنواع، أما اليوم فإنه ينظر إلى الأناجيل جملة كما لو أنها كتب مجهولة المؤلف". ونسب هذا القول إلى المؤرخ "منتت" في كتابه "تاريخ الكتاب المقدس".
3- طلب الشيخ "رحمت الله الهندي" مرارًا من علماء النصارى في مناظراته لهم بيان السند المتصل لأي كتاب من كتب العهدين، فاعتذروا بأن سبب فقدان السند المتصل هو وقوع المصائب والفتن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة.
فثبت أنهم يقولون في أسانيد كتبهم بالظن والتخمين الذي لا يغني شيئًا، ودل امتناعهم عن الإتيان بسند متصل لأي كتاب من كتب العهدين على عدم قدرتهم على ذلك، فلو قدروا ما قصروا، وثبت بالوجه القطعي أن كتبهم فاقدة للسند المتصل، ولا يصح بحال نسبة القداسة والعصمة لكتب هذا شأنها.
وبذلك فقد ثبت ما كان يقوله "عبد الله بن المبارك" -رحمه الله-: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".
أين إنجيل المسيح؟؟!!
مع ما سبق حول بيان عدم صحة هذه الأناجيل الأربعة؛ فلنا أن نسأل النصارى: أين إنجيل المسيح؟ فهم المطالبون بإخراجه وإظهاره؛ إذ إنهم يدعون للانتساب للمسيح وتعاليمه ودعوته، فليظهروا إنجيله إن كانوا صادقين.
أما نحن فنعتقد أن إنجيل المسيح قد تم تحريفه وتغييره، ولم يعد له ذكر إلا بقايا قليلة في الأناجيل الموجودة، قدر الله ألا تصل إليها يد التحريف، ومن هذه البقايا نصوص ورد فيها ذكر إنجيل المسيح -عليه السلام-، ودعوته الناس للإيمان به.
ومن هذه النصوص ما ورد في "إنجيل مرقس 1: 14-15":
"وبعدما أُسلم "يوحنا" جاء "يسوع" إلى الجليل "يكرز" ببشارة ملكوت الله ويقول: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل".
وكذلك ما ورد في إنجيل "مرقس" أيضًا "8: 35": "من يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها".
وكذلك ما ورد في "متى 26: 13" من قول المسيح في المرأة التي سكبت الطيب عند قدميه: "الحق أقول لكم: حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضًا ما فعلته هذه تذكارًا لها".
بل إن "رسائل بولس" التي ألفت في النصف الثاني من القرن الأول تتحدث في نصوص كثيرة عن "إنجيل المسيح"، ولا تذكر شيئًا عن الأناجيل الأربعة، فلم يكن كتب منها أي شيء في حياة "بولس"، إذ إنه قتل سنة "62م" بينما يذهب محققو النصارى أن "مرقس" كتب إنجيله -وهو أقدم الأناجيل- سنة "65م"، وأما "بولس" فقد أكثر من ذكر "إنجيل المسيح" في رسائله، مثل الذي ذكره في رسالته إلى أهل "غلاطية 1: 6-8"، ورسالته الأولى إلى أهل "كورنثوس 9: 12-14".
وكل هذه النصوص قاطعة بوجود "إنجيل المسيح"، لا كما يزعم بعضهم أنه لا وجود له؛ لزعمهم أن "المسيح" هو الرب الذي يوحي لا الذي يوحى إليه، وهذه النصوص المذكورة تبطل ما ادعوه من عدم وجود "إنجيل المسيح" ومن كونه هو الرب، بل تثبت أن المسيح عبد رسول، قد بشر بالإنجيل الذي أرسل به من عند الله، والذي آمن به الحواريون.
فأين هو إنجيل المسيح؟!Hdk Yk[dg hglsdp?
المفضلات