بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الروائح والتوازن العظيم
توجد منطقة شمية واحدة في النهاية العلوية لكل من منخري الأنف، وتحت مابين العينين مباشرة. (كما فى الشكل)، وكل منطقة من هاتين المنطقتين تشغل مساحة تقدر ب2.5 سم مربع، وتحاط بمادة مخاطية، وهي مادة لزجة تفرز من قبل غدة بومان، وسمك هذه الطبقة المخاطية التي تحيط بالمنطقة الشمية يبلغ0.06 مم تقريبا .
http://www.harunyahya.com/arabic/boo...taste/33_a.jpg
ولوكان سمك هذه الطبقة أكثر مما هو عليه لضعفت مقدرة حاسة الشم كثيرا. وهذا يفسر ضعف حاسة الشم عند الإصابة بالرشح نتيجة الإفراز المفرط للمخاط داخل القناة الأنفية. ولو كان سمك المخاط أقل مما هو عليه لضعفت المناعة في الجسم ولأصيبت السّويطات الموجودة داخل الطبقة المخاطية بالضرر.ولو ألقينا نظرة عامة على عالم الروائح الواسع لظهرت أمامنا مسألة مهمة جدا وهي وجود علاقة خاصة قائمة على التناسب والتوازن بين الروائح المحيطة بنا وبين ما نشعر به من تقبل لهذه الروائح واستمتاع بها، فما يفيدنا نستمتع برائحته وما يضرنا ننفر من رائحته، فالروائح المنبعثة من المأكولات والمواد الغذائية المفيدة لأجسامنا تثير فينا قبولا واستحسانا وميلا نحو تناول تلك المواد. فرائحة الطعام المطبوخ تثير فينا ميلا نحو الأكل وخصوصا إذا كانت بطوننا خاوية. وبهذه الطريقة تحقق هدفين الأول الاستمتاع بالأكل، والثاني ملء البطن والاستفادة من الأكل.
ذن فالحقيقة التي لا جدال فيها هي أن الروائح ذات أهمية حياتية قصوى بالنسبة إلى الإنسان. وبشكل عام تتميز المواد الضارة بالروائح غير المقبولة، ولذلك يمكن تمييزها بسهولة من خلال هذه الصفة، فعلى سبيل المثال يشبه نبات البقدونس نبات الشيكران من ناحية المظهر الخارجي أما من ناحية الرائحة فهما مختلفان عن بعضهما البعض اختلافا تاما.
ومثلما لكل شيئ في الوجود موازين ومعايير دقيقة فكذلك الأمر بالنسبة إلى أجهزة الشم، فحاسة الشم عند كل كائن حي مصممة كي تتلاءم مع الوسط الذي يعيش فيه، ولنأخذ الإنسان على سبيل المثال، فلو كانت حاسة شمه أضعف مما هي عليه لما استطاع تمييز الحالات الخطرة التي قد تدهم حياته، ولو كانت أقوى مما هي عليه كأن تكون على الدرجة نفسها من القوة عند الكلب فإن حياته تصبح مليئة بالمواقف الصعبة التي تشغله طيلة الوقت، وربما تحولت حياته إلى جحيم لا يطاق لاستغراقه بالكامل في تحسّس الروائح المختلفة المحيطة به. والمعاير الدقيقة التي نتحدث عنها يمكن ملاحظتها لدى الجزيئات التي تتكون منها الروائح.
وعلى سبيل المثال تكون رائحة معينة مقبولة و طيبة عند التراكيز الطبيعية، ولكنها تغدو غير مقبولة ومنفرة في حالة التراكيز العالية. ونذكر مثالا على ذلك رائحة النباتات المختلفة في حديقة ما، فهي مقبولة ومنعشة، ولكنها تصبح غير مقبولة عندما تحول هذه الروائح إلى محاليل مركزة. وهذا دليل على أنها مخلوقة وفق نسب مثالية كي تتواءم مع طبيعة الإنسان.
ويتضح لنا أنّ كل ما يتعلق بالروائح من تفاصيل تركيبية وبنائية مخلوق ومصمم من قبل الله عز وجل الذي أنعم بها على الإنسان من جملة نعمه التي لا تحصى، و من أجل استيعاب حقيقة نعمة واحدة من النعم الإلهية يمكن افتراض عكس ما هو موجود في نظام الكائنات، فتكون للمواد المفيدة لنا والموجودة في الطبيعة روائح غير مقبولة بل مثيرة للاشمئزاز، كيف كان سيصبح حالنا لو أن الماء انبعثت منه رائحة مثل رائحة البنزين أو أن الخبز كان ذا رائحة مثل رائحة الغذاء المتعفن؟ فحينذاك يصبح تناولنا لهذه المواد صعبا بل متعذرا مهما كانت درجة الجوع عندنا، بل ولتحول تناولنا لأشهر المأكولات التي تعجبنا إلى عذاب نفسي لا يطاق.
إن هذه الروائح موجودة معنا في الطبيعة، و نحن نتحسسها منذ لحظة الولادة، غير أنّ البعض من السارحين في بحر الغفلة يظن أن الروائح وجدت بالمصادفة أو من تلقاء نفسها.
ولكن لو فكروا بعمق و روية في المعلومات التي سقناها سابقا لانكشفت أمام أعينهم الحقيقة الكبرى المتمثلة في أن الله الخالق البارئ المصور جلت قدرته هو الذي خلق جميع هذه المواد الغذائية التي تحتاجها أجسامنا وأكسبها روائحها المميزة والمقبولة، وهو الذي خلق حاسة الشم في أجسامنا وأكسبها الصفات المميزة والمتلاءمة مع طبيعة الإنسان والمحيط الذي يعيش فيه مثلما خلق باقي الحواس وأجهزة الجسم المختلفة. ولا شك أن هذا الخلق المعجز ما هو إلا قطرة من بحر رحمته الواسع. وبرحمته حبب إلينا المفيد من تلك الروائح الطيبة، وما على الإنسان إلا أن يشكر الله عز وجل، وسيجزي الذين شكروا ريح الجنة إن شاء الله، تلك الريح التي هي أصل كل الروائح الطيبة في الدنيا.

الاساس العلمى (بعض المقالات للكاتب التركي هارون يحي)

hgv,hzp ,hgj,h.k hgu/dl