الإسلام والأيمان
وتحت هذا العنوان يقول صاحب الكتاب :
"الآن ندخل منطقة أكثر غرابة وهي هل هناك فارق بين الإيمان والإسلام ؟
قالت الإعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولم يدخل الإيمان في قلوبكم ( الحجرات 49 : 14 )
وهنا فارق كبير بين الإيمان والإسلام فالأعراب مسلمين ولكن غير مؤمنين رغم تلك الآيات العجيبة التي توحد بين الإيمان والإسلام .
ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا (النساء4: 94)
ما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (الروم 30 : 53 )
إن منا المسلمون ومنا القاسطون ( الكفار ) فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ( الجن 72 : 14 )
يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين أدخلوا الجنة (الزخرف 43 : 68-69 )
من كل تلك الآيات السابقة نجد أن المؤمنين والمسلمين واحد لا فرق بينهما .
وفي الحديث عن أهل الكتاب وعرب الجاهلية الأميين :
قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فأن أسلموا فقد اهتدوا .( آل عمران 3 : 20 )
وهنا الإسلام هو الهداية . في الحديث عن النصارى يقول القرآن :
يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وآمنوا برسوله ( محمد ) يؤتيكم كفلين من رحمته ( الحديد 57 :28 )
الواضح هنا أن القرآن يسمي النصارى مؤمنين رغم عدم إيمانهم بمحمد وقرأنه ولهم كفل ( نصيب ) من رحمة الله ، وفي الحديث عن موسى :
لما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه .... قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين (الأعراف 7 : 143 ) "
إنتهى قوله
ربما لو كان الحوار بيني وبين الكاتب مباشر لما سأل هذه الأسئلة ولما وجد فيها غريب كما يقول ، وللرد على قوله عن الإسلام ،والإيمان أنهما يختلفان في آية ويتحدان في المعني آيات أخرى ،أُذكر بحديثي السابق للتفريق بين كلمة اسلم في اللغة و دين الإسلام الذي بُعث به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
فنجد أن لفظ أسلام لا يعني دين الإسلام لغة بل تعني الخضوع والانقياد والاستسلام .
وأن كل أمة جاءت رسالتها بالإسلام على شرائع محتلفة .
وللتفريق بين الإيمان والإسلام فالقاعدة تقول أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ... ستحتاج هذه القاعدة إلى تفسير بالطبع أوجز لك عزيزي القاري تفسيرها فيما يلي ..
إن إطلاق كلمة الإسلام وحدها تعني الانقياد لله والاستسلام له ،و التعبد لله تعالى بما شرعه من العبادات ، ويدخل في ذلك الإيمان ،والتصديق الكامل بمعنى تصديق بالقلب ،ونطق باللسان ،وعمل بالأركان .
وكذلك الحال إذا تلفظنا بكلمة الإيمان وحدها ،فهي تعني التصديق بالقلب، وعمل بالجوارح والأركان .
أما إذا قورن الإسلام بالإيمان فُسِّر الإسلام بالأعمال الظاهرة من أقول اللسان ،وعمل الجوارح، وفُسِّر الإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب ،وأعمالها .
والأدلة على ذلك كثيرة نورد منها قول الله تعالى :
(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة الحجرات الآية 14 .
وقد جاء في تفسير بن كثير
" فهؤلاء الإعراب المذكورون في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا في ذلك، وإنما قلنا هذا لأن البخاري رحمه اللّه ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك، وقد روي عن سعيد بن جبير ومجاهد {ولكن قولوا أسلمنا}: أي استسلمنا خوف القتل والسبي، قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة، وقال قتادة: نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والصحيح الأول أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يحصل لهم بعد فأدبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا، وإنما قيل لهؤلاء تأديباً: {قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} أي لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد، ثم : {وإن تطيعوا اللّه ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً} أي لا ينقصكم من أجوركم شيئاً كقوله عزَّ وجلَّ: {وما ألتناهم من عملهم من شيء}، وقوله تعالى: {إن اللّه غفور رحيم} أي لمن تاب إليه وأناب."
وهذه قصة نبي الله لوط تعطي دليلاً واضحاً على ما أسلفت يقول الله تعالى :
(فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) سورة الذاريات الآية 35،36.
هنا كان بيت لوط عليه السلام في ظاهره مسلماً ، ولكن كانت فيه إمرأة لوط كانت من الكافرين ، فنجي الله المؤمنين من بيت المسلمين ، فكان الإيمان أخص من الإسلام ، فالإسلام الظهار والأيمان الباطن .
ويتضح ذلك من قوله جلا وعلا أنه نجي المؤمنين بقلوبهم فقط وأما ما كانوا يتظاهرون به فهو يعلم ولم ينجهم (إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ) سورة الصافات 134. 135
ومما يدل على التفريق بين الإسلام والإيمان إذا اجتمعا ما جاء في حديث جبريل عليه السلام كما جاء في سنن الترمذي وصحيح ابن ماجة وغيرهم :
" كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل شديد بياض الثياب شديد سواد شعر الرأس لا يرى عليه أثر سفر ولا يعرفه منا أحد فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبته ووضع يديه على فخذيه ثم قال يا محمد ما الإسلام قال شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت فقال صدقت فعجبنا منه يسأله ويصدقه ثم قال يا محمد ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره قال صدقت فعجبنا منه يسأله ويصدقه ثم قال يا محمد ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك قال فمتى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فما أمارتها قال أن تلد الأمة ربتها قال وكيع يعني تلد العجم العرب وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البناء قال ثم قال فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث فقال أتدري من الرجل قلت الله ورسوله أعلم قال ذاك جبريل أتاكم يعلمكم معالم دينكم "
وهنا نلاحظ أن الإسلام هو الأعم ،وقد تدرج جبريل عليه السلام من الأعم فالأخص فالأخص منه ، وعليه يكون كل مؤمن مسلم ولكن ليس كل مسلم مؤمن ،و لذلك يحكم للمنافق في أحكام الدنيا بالإسلام، وليس في قلبه من الإيمان شيء .
وبهذا بات الأمر ظاهراً للقارئ الفرق بين الإيمان والإسلام في حال المقارنة أو ذكر كلاهما ، أما إذا ذكر أحدهما فيشمل الآخر .
وما استدل به الجاهل على اتحاد معني اللفظين حين يجتمعان فى الآية الكريمة رقم 94 من سورة النساء هو تأكيد للتفرقة لا دليل على اتحاد المعنى كما سأفسر لك عزيزي القارئ... فالآية تقول
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )) .
جاء في تفسير بن كثير :
" ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأهوى إليه المقداد فقتله فقال له رجل من أصحابه أقتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله ؟ والله لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد فقال "ادعوا لي المقداد يا مقداد أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله فكيف لك بلا إله إلا الله غدا" قال فأنزل "الله يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا" ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد " كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل " وقوله فعند الله مغانم كثيرة أي خير مما رغبتم فيه من عرض الحياة الدنيا الذي حملكم على قتل مثل هذا الذي ألقى إليكم السلام وأظهر لكم الإيمان فتغافلتم عنه واتهمتموه بالمصانعة والتقية لتبتغوا عرض الحياة الدنيا فما عند الله من الرزق الحلال خير لكم من مال هذا "
وفي ظلال القرآن يأمر الله المسلمين إذا خرجوا غزاة , ألا يبدأوا بقتال أحد أو قتله حتى يتبينوا ; وأن يكتفوا بظاهر الإسلام في كلمة اللسان [ إذ لا دليل هنا يناقض كلمة اللسان ] .
ومن هنا نجد أن الآية تعطي معني بأنه يجب معاملة البشر على إسلامهم ،لان الإيمان في القلب يعلمه الله ،وما دام الإنسان قد تلفظ بالشهادتين وعمل بأركان الإسلام فهو مسلم ،كما وضحنا ويبقى الإيمان بينه وبين الله باطناً علينا ظاهراً لله .
وهنا ذكر السائل آية أخرى وهي قول الله تعالى :
(وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) سورة الروة الآية 53 .
وهذه الآية دليل على أن الأيمان أخص من الإسلام فجاءت الآية بقول يؤمنون بآياتنا من الخصوص لتعطي الوجه العام فهم مسلمون
جاء في تفسير الجلالين
(وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن) ما (تسمع) سماع إفهام وقبول (إلا من يؤمن بآياتنا) القرآن (فهم مسلمون) مخلصون بتوحيد الله.
وقد تكررت هذه الآية مرة أخرى:(
وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) سورة النمل الآية 81.
ويستدل أيضاُ الدكتور هانز بآية 14 من سورة الجن
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا)
وهنا استدلاله بهذه الآية استدلال خاطئ فما وجدنا في الآية الإيمان بل أن الجن يقول ان منهم المسلمون ، ومنهم القاسطون ،وليس في هذا تعارض عما ذكرنا أنفاً.
(يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) سورة الزخرف الآية 68 .69
وفي هذا أيضاً تفريق والدليل واو العطف فقد آمنت قلوبهم فكانوا من الذين آمنوا وعملت جوارحهم فكانوا مسلمين .
وتفسير الآية في بن كثير
"
أي آمنت قلوبهم وبواطنهم وانقادت لشرع الله جوارحهم وظواهرهم قال المعتمر بن سليمان عن أبيه إذا كان يوم القيامة فإن الناس حين يبعثون لا يبقى أحد منهم إلا فزع فنادي مناد "يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون" فيرجوها الناس كلهم قال فيتبعها "الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين" قال فييأس الناس منها غير المؤمنين."
وهذا قول هانز بعد ذكر الآيات ...
"من كل تلك الآيات السابقة نجد أن المؤمنين والمسلمين واحد لا فرق بينهما ."
فأرد عليه قائلاً ها قد أوضحنا لك الآيات ترتيباً وتفصيلا فلم يبقى لك إلا أن تعترف بالحق ..
فيتابع قوله
"قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فأن أسلموا فقد اهتدوا .( آل عمران 3 : 20 )
وهنا الإسلام هو الهداية . في الحديث عن النصارى "
أقول وما علاقة هذا بما أنت يصدده الآن ؟!!!! نعم الإسلام هو طريق الهداية
ويتابع هانز .."
(يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وآمنوا برسوله ( محمد ) يؤتيكم كفلين من رحمته )الحديد 57 :28 )
الواضح هنا أن القرآن يسمي النصارى مؤمنين رغم عدم إيمانهم بمحمد وقرأنه ولهم كفل ( نصيب ) من رحمة الله "
والله إني رأيت من هذا الجاهل العجب ..
أولا : لا تخص الآية النصارى بل تخص أهل الكتاب
ثانيا : ألم يؤمنوا أهل الكتاب بنبيهم ؟!!!
فقد أمن اليهود بموسى عليه السلام، وآمن النصارى بعيسى عليه السلام ، وبالتالي هم مؤمنون برسالات أنبيائهم ، وإن امنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم يكون لهم كفلين من رحمة الله ،لأنهم امنوا بالتوراة ،والإنجيل من قبل ولأنهم امنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الأن . ولذا جاء الخطاب بلفظ الذين امنوا.
والله أعلم ....
يتبع
المفضلات