بسم الله الرحمن الرحيم
زعم تناقض بعض الآيات مع بعض
1-في سورة يونس :
وفي سورة النحل :( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ... ( [يونس:15] ,
ففي الآية الأولى طُلب منه التبديل فرفض , والآية الثانية تم التبديل.( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ( [النحل:101].
والجواب :
أن التبديل في الآية الأولى كان بطلبٍ من الكفار لرسوله ( أن يأتي بقرآن جديد أو يبدل هذا القرآن ورسول الله ( يقول لا أستطيع ، فذلك كلام الله ينسخ منه سبحانه ما يشاء ويثبت ما يشاء ، وأنا أتبع ما يوحى إليَّ نسخا أو إثباتا .
والآية الثانية تذكر أن الله سبحانه إذا نسخ حكما بحكم قال الكفار لمحمد : أنت مفتر في هذا القرآن؛ لأنك غيرت حكماً قررته من قبل ، ثم تقرر الآية التالية أن ذلك من الله تعالى ، نزله الله بواسطة جبريل روح القدس ،ومحمد لا يغير .
فأي تناقض بين الآيتين ! كلتاهما تثبت أن القرآن من عند الله, وأن محمداً ( لا يستطيع أن يغير منه شيئاً .
2-الآية 106 في سورة البقرة:
الآية 27 في سورة الكهف :( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ( [البقرة:106]
فالآية الثانية تخبر أن كلمات الله لا تبدل ،والأولى تخبر أنها تنسخ وتنسى،والنسخ نوع تبديل.( واتل ما أُيوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته.. ( [الكهف:27].
الجواب:
الآية الأولى تتحدث عن نسخ الأحكام وتغيير حكم بآخر ، وهذا أمر لا بد منه في حال أمة جاهلية نقلها الإسلام تدريجيا إلى حال جديدة متكاملة ، والآية الثانية تذكر أنه لا أحد غير الله يستطيع أن يبدل كلماته ، أو يرد حكما أنزله سبحانه ، والطاعنون لم يفهموا النص فظنوه تناقضا ، وكلتا الآيتين توضح أن الله وحده يمحو ما يشاء ويثبت ، تماما كالآية السابقة قلتُ:التبديل يطلق على تبديل الأحكام ,وهذا سائغ ، ويطلق على تبديل الأخبار, وهذا الذي لا يمكن في القرآن ، فكل آية لها مورد، فالنسخ والتبديل يكونان في الأحكام لا الأخبار.
3- الآية 9 من سورة الحجر :
الآية 39 من سورة الرعد :( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ( [الحجر:9] ،
يعني كيف يجتمع الحفظ مع المحو ؟.( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.. ( [الرعد:39]
الجواب:
آية الحجر تصف القرآن أنه تنـزيل من الله تعالى, وأن الله حافظه من الزوال والتحريف ، وصدق الله وصدق قرآنه ، فالمسلمون بعد أربعة عشر قرنا يقرأون القرآن غضا طريا صريحا صحيحا كما أنزله الله تعالى ، وكما قرأه محمد ( على أصحابه ، فأين كتاب موسى وأين وصاياه ، وأين إنجيل عيسى ؟ هذه كتب لم يحفظها الله تعالى فذهبت مع الأيام ، والقرآن لم يضع منه شيء ولن يضيع.
وأما آية الرعد تذكر أن الله يمحو أحكاما ويثبت أخرى ، ويمحو مقادير ويثبت غيرها، أفي هذا تضارب ؟
قلتُ: آية الرعد ليست في القرآن, بل المراد منها الصحف التي بيد الملائكة التي فيها مقادير الخلق ، فإن الله تعالى يغيرها حسب مشيئته وحكمته ،واختلف العلماء في ذلك ولكن كل الخلاف دائر في باب القدر،ولو سلمنا أن آية الرعد في القرآن ، فإن المقصود بالمحو والإثبات هو في وقت حياة النبي ( , وأما بعد اكتمال القرآن وموت النبي ( ,فإن الله يحفظ القرآن ويصونه.
4-السجدة آية 5 :
المعارج آية (4 ) :( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( [السجدة:4]
يعني أن ألف سنة في الآية تناقض خمسين ألف سنة في الآية الأخرى.( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( [المعارج:4]
الجواب :
إن الآية تصف يوم القيامة بالطول ، وأنه في طوله يعدل ألف سنة مما يعدل الناس ، ولا يراد منها إفادة التكثير ، كما تقول لصاحبك كتبت لك خمسين خطابا ،وترددت على بيتك عشرين مرة ، واللغويون يقولون دائما : العدد لا مفهوم له .
فإذا وَصَفَت الآية الثانية هذا اليوم بأن مقداره خمسين ألف سنة فلا تناقض لأن كلا منهما تصفه بالطول ،وقيل :وهذا اليوم يختلف مع الناس باختلاف مواقفهم وما يعانيه كل منهم ، فقد يطول اليوم على شخص لشدة مشقته, ويقصر على آخر لعدم المشقة .
قلت: إن الآيتين ليستا على مورد واحد ، بل الأولى تتحدث عن أمر لا تتحدث عنه الأخرى، فالآية الأولى تتحدث عن مدة يوم معراج الأوامر ومدته ألف سنة، والثانية تتحدث عن يوم القيامة ومدته خمسين ألف سنة ،كما هو ظاهر من السياق:( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ(*)لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ(*)مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ(*)تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ(*)فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا(*)إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا(*)وَنَرَاهُ قَرِيبًا(*)يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ(*)وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ(*)وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا([المعارج:1-10]،وهو القول الراجح فقد ذكر ابن كثير أربعة أقوال في المراد من اليوم ومال إلى أن المراد به يوم القيامة، وهو الراجح بدليل ما أخرجه مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( :« مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ, فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ, فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ ,كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ, فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ... » .
وقد ذكر العلماء أجوبة كثيرة وغالبها وجيه، وقد سُئل ابنُ عباس عن هذه الآية وأجاب عنها(701)، ومع هذا لا زال هذا الإشكال يكرر إلى يومنا هذا.
5- سورة البلد جاء فيها :
سورة التين :( لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ( [البلد:1-2]
فكيف : لا أقسم بهذا البلد ثم أقسم به؟.( والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين ( [التين:1-3]
الجواب :
فَهِمَ القومُ -وهم كما يدل أسلوبهم وكتابتهم علماء جدا في اللغة - أن (لا) في (لا أقسم) نافية ، وهذا جهل بلغة العرب ، وإنما تأتي لا في القسم توكيدا وهذا شائع في اللغة ، كما في قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم .. ( أي أقسم بربك أنهم كذلك ،وكما قال النابغة :
فَلاَ وَحًقَّ الَّذِي مَسَّحْتً كَعْبَتَهُ وَمَا هُرِيقً عَلَى الأنْصَابِ مِنْ جَسَدِ
وقول الآخر :
فَــلاَ وَاللهِ لاَ يُلْقَى لمَــاِبى وَلاَ لمِّــا ِبهــمْ أبَــداً دَواءُ
وقول طرفه :
فَــلاَ وَأَبِيـكَ ابنة العامري لا يــدعي القــوم أني أفـر
وقال علماء اللغة :إن هذا القسم يفيد تعظيم المقسوم به ، كما في سورة البلد ، وكما في قوله تعالى : ( فلا اقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم أنه لقرآن كريم ( [الواقعة:75-77]، وكقوله :( لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ( [القيامة:1-2]، فهذه كلها أقسام وليس هذا من دقائق اللغة وإنما هو من أولياتها ولكن القوم لا يعلمون .
وإذا اعتبرت (لا) نافيه والجملة خبرية فهي مقيدة ؛ أي لا أقسم به و أنت حل به ، ولكن أقسم به وأنت غير حل به ، فلا تناقض أيضاً .
6-قوله تعالى :
مع قوله:( قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون ( [الزمر:44]
هل هذه الآيات متناقضة؟( مالكم من دونه من ولي ولا شفيع، أفلا تتذكرون ( [السجدة:4] وقوله: ( يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ( [يونس:3].
الجواب :
الآيات الثلاث تذكر أن الله وحده هو المتصرف في خلقه ،ولا يشفع عنده إلا من أذن له ، لله وحده الشفاعة ، لا شفيع من دونه ولا بغير إذنه .. فأي تناقض بين هذه الآيات ؟ أليست الشفاعة في هذا كله لله وحده ؟ أفلا تذكرون ؟.
قلت: نفى الله تعالى الشفاعة الشركية التي يعتقدها المشركون في معبوداتهم، وأثبتها له وحد، ولمن يأذن له فيها، فهو سبحانه ينفيها في حال ويثبتها في حال آخر.
7-في سورة الواقعة جاء مرة :
ثم جاء مرة أخرى :( ثلثة من الأولين وقليل من الآخرين ( [الواقعة:13-14]
فهل هذا تناقض ؟( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ( [الواقعة:39-40].
الجواب:
الآية الأولى تتحدث عن السابقين المقربين ، والثانية تتحدث عن أصحاب اليمين ... استفيقوا أيها الناقدون .
8- الحجر في الآية 85 :
تناقض بالتوبة الآية73( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم ... (
ووجه التناقض فيما يرى الطاعن أن الآية الأولى أمرت بالصفح ,والثانية أمرت بالغلظة.( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ... (.
الجواب :
سورة الحجر مكية ، وفي مكة لم يكن أذن بالقتال ، والله تعالى يقول في آية الحجر أنه لم يخلق هذا الكون عبثا يفسد فيه من يفسد ويصلح من يصلح ، بل الله جامع الناس بعد ذلك وجاز كلا بما فعل ، فلا تحزن يا محمد لمخالفة القوم إياك ومعارضتهم دعوتك ، وغدا تقوم الساعة فيجزون بسوئهم وتجزى بإحسانك ، فأعرض عنهم حتى يأتي أمر الله.
وسورة التوبة مدنية ,وتسمى الفاضحة؛ لأنها فضحت المنافقين ، قد نزلت في حج أبي بكر بالناس ،وكان الجهاد قد شرع قبل ذلك ، ويسمى هذا العام عام الوفود؛ إذ أخذت قبائل العرب تتوافد على المدينة يدخلون في دين الله أفواجا ،ولم يبق بعدُ مسوغ لبقاء الكفار الذين يعبدون من دون الله أوثانا ، ولا لبقاء المنافقين الذين يفشون أسرار المسلمين ويخدعونهم, ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، فيجب جهادهم لقطع قوم عن الكفر وآخرين عن النفاق ,كي يعيش الناس في جو نظيف ,خال من فساد العقيدة وفساد الأخلاق !
فأين التناقض ؟
الناس جميعاً يفعلون هذا ، يقول قائد الفرقة لجيشه: لا تضربوا. وبعد مدة يقول: اضربوا . ويقول المهندس الزراعي لفلاحيه : لا تزرعوا الآن. بعد شهر يقول: ازرعوا ،وكُلَّ حِكْمَةْ .
قلتُ: ومن الأجوبة أن الآية الأولى المقصود بها حال الدعوة، والثانية حال الجهاد، فاختلف مورد كل آية ، كما أن الوالد في حال نجاح ابنه يفرح ويحسن إليه بهدية، وفي حال رسوبه يغضب ويعاقبه ، ولا يقال: إن هذا الوالد متناقض ؛لأنه مرة يفرح ومرة يغضب، ففرحه في مجال وغضبه في مجال آخر.
9- الأعراف أية 37:
في الأعراف آية 17 يقول الشيطان لله تعالى :( حتى إذا أدركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا(
هذا تناقض عند الطاعنين، كبراء القوم أضلوهم ،والشيطان قال إنه يضلهم. فمن الذي يضل هل هو الشيطان أم الكبراء؟( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (
الجواب :
وهل من التناقض أن يُضَلَّلَ الشخص من كثيرين ؟ وأنتم أعضاء المجلس الملي ،وجماعة المدعين أضلكم الشيطان, وأضلكم رؤساؤكم وأضللتم أنفسكم ,وأضلكم جهلكم ، وأضلكم كتابكم ، ولا تناقض في شيء من هذا.
10-الآية 275من البقرة وهي :
الآية 29 من التوبة وهي:( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل البيع وحرم الربا ( .
هل هاتان الآيتان متناقضتان؟ هل الجزية مثل الربا؟( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون(،
الجواب:
ويبدوا أنهم أرادوا تكثير عدد الآيات ؛ لأنهم ذكروا سورة والتين وسورة والبلد مرتين تكثير للعدد ! وهل الجزية رِباً ؟ هذا فهمهم ولا يفهمه سواهم .
قلت: شتان بينهما ؛ فالربا لا يجوز أبدا سواء مع المسلم أو الكافر، وأما الجزية فهي ضريبة تجعل على الكفار مقابل حمايتهم في ديار المسلمين، أو إبقائهم في الأرض التي يفتحها المسلمون مقابل هذا المال، ويراعى فيها سعة القوم وفقرهم ,ولا يجوز فيها التضييق عليهم.
من كتاب: الرد على الطعن في القرآن الكريم
hgv] ugn hgjkhrqhj hgl.u,lm td hgrvNk hg;vdl
المفضلات