تعيش قطاعات كبيرة من مجتمعنا هذه الأيام حالة استنفار ملحوظة حيث يستقبل الناس العودة الى المدارس والكليات والمعاهد والجامعات، وهذه الظاهرة تتكرر كل عام، ولا بد لنا أن نقف معها وقفات:
الوقفة الأولى: ماذا حدث في الإجازة؟ وكيف قضاها أبناؤنا وبناتنا؟
اعلم أيها المسلم أنه قد سُجّل في صحائف أعمالك نتائج المسؤولية الملقاة على عاتقك من خلال حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) فتأمل أيها المسلم أيّ رصيد من الخير جنته رعيتك؟ أم أن الأمر خلاف ذلك كما حدث مع الأسف الشديد حيث كان يعيش كثير من الشباب والشابات في الإجازة حياة بائسة، سهر في الليل ولا ينامون إلا بعد طلوع الشمس، وياليته سهر على مباح، ولكنه سهر على القنوات الفضائية التي تفسد القلوب وتلوث الأخلاق. كان نتاجه على مستوى الشباب مجموعةً من الانحرافات الأخلاقية والسلوكية، كقصات الشعر القبيحة، التخفيف من الأطراف السفلية، والتكثيف من الأعلى، ولبس بعض الأشياء التي يستحي المسلم من وصفها، مقلدين في ذلك أقواماً من الكفرة الذين لايحسنون إلا خداع هؤلاء الشباب المساكين الذين رضوا بأن يكونوا أذناباً لأولئك المنتكسين.
وأما على مستوى البنات فالهمّ أعظم، والخطب أخطر، حيث صارت كثير من البنات لايفكرن إلا في تقليد الكافرات والعاهرات والممثلات والراقصات، ووالله لولا أن مجتمعنا فيه بقية من حياء لرأينا ما يجعل الحليم حيرانا.
وإن نظرة واحدة على البضائع النسائية في سوق الألبسة يعلمك أيها المسلم أيّ مدى وصل إليه نساؤنا وبناتنا، فأكثر السلع الآن في الأسواق هي من القصير الذي ربما لم يصل إلى الركبة، وبعضها أسفل الركبة بقليل، وصارت الفتحات ذات اليمين وذات الشمال في أكثر الملبوسات، أما البنطلونات للنساء فحدث ولا حرج مما يتعجب منه المسلم ويستغرب حدوثه في مثل هذا المجتمع، والأغرب منه هو رضى كثير من أولياء الأمور الطيبين الصالحين المصلين من لبس نسائهم وبناتهم البنطلونات.
وأما العباءات التي هي أصلاً للستر صار الباعة يتفننون في تطريزها واختراع الموديل الجديد لها، فأي ستر يُبحث من وراء عباءات الكتف وغيرها، التي ربما زادت المرأة فتنة على فتنة، والأمر قد يزيد خطره ما دام أولياء الأمور مشغولين بل أقول ممسوخين لأنهم لايعرفون عن بناتهم شيئاً إلا أنها تخرج إلى المدرسة من الصباح إلى المساء وإلى الله المشتكى.
أيها المسلمون: هنيئاً لكل أب وأم ممن رزقهم الله أولاداً صالحين وبنات صالحات، فقد سُجّلت الحسنات في صحيفة كل والدين إن شاء الله تعالى كان ولدهما ممن يثني ركبتيه في حلقات العلم، لاسيما الدروس العلمية التي تشرف عليها بعض المساجد و الجمعيات الثقافية و الدينية ، فكان مجموعات من الشباب المقبل على الله يتزاحمون على أبواب المساجد راغبين في العلم والأجر، مهدين لأهليهم ووالديهم مثل أجورهم، فشكر الله لهؤلاء الشباب صنيعهم. وشكر الله للمشايخ المشاركين جهدهم وعنائهم.
ويا خسارة كل أب وأم ممن رزقهم الله أولاداً وبناتاً على عكس ما ذُكر، فقد يكون قد سجلت السيئات في صحيفة كل والدين ممن كان أولادهم ممن يسهرون حتى الصباح، ومعظم ليلهم في المطاعم والأسواق وأماكن الفساد، محمّلين أهليهم مثل أوزارهم.
أيها الأخوة في الله: قد لا ينفع الآن التحسر على ما مضى من الإجازة، والمقصود لنا جميعاً أن يحاسب كل واحد منا نفسه ماذا صنع في الإجازة؟ وماذا صنع أهله وأولاده؟ وليس المراد هو مجرد المحاسبة، ولكن المراد هو الاستفادة من الأخطاء وتدارك المستقبل وتصحيح الأوضاع.
الوقفة الثانية: مع صبيحة أول يوم من الدراسة تزدحم الشوارع بالسيارات التي يقودها في الغالب السائقون، وربما قادها ولي الأمر نفسه، وسيحدث استنفار عام في البلاد , ويتساءل المسلم كيف استيقظ هؤلاء؟ ومن أجل ماذا ؟
نعم: لقد استيقظوا رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً وأطفالاً من أجل الدراسة. وهذا في حد ذاته أمر حسن، ولكن أين هؤلاء الشباب والرجال عن حضور الصلوات، لقد كان كثير من الآباء والأمهات إلى هذا اليوم، وهو آخر يوم من الاجازة، يشتكون من أولادهم أنهم لايستيقظون إلاّ - وبدون مبالغة - قرب العصر أو بعد العصر أحياناً، فكيف سيستيقظون غداً؟ وماذا سيفعل الآباء والأمهات؟ سيتغير الحال في يوم وليلة.
فما هو السر؟ إنه ليس سر، وليس هناك أسرار، إنه الحرص والحرص على الدنيا، لقد قدّس بعض المسلمين الدراسة أكثر من تقديسهم للصلاة، التي هي فرض بإجماع المسلمين، هذا هو السر. أيّ معنى أيها المسلم للإسلام الذي تدعيه وأنت لم تتكدر طوال الإجازة عندما كان أولادك البالغين ينامون عن صلاة الفجر ويتخلفون عن غيرها عن المساجد، وأنت أنت بنفسك غداً ستعمل المستحيل حتى توقظهم من أجل المدرسة.
نقولها أيها الأخوة بكل صراحة ووضوح ولا أحد يزعل: أن الدراسة أصبحت عند من هذا حاله مقدمة على طاعة الله جل جلاله. لكن الذي قد يخفى على البعض، هل تدرون ما حكم هذا في الشرع؟ حكمه: أن الدراسة إذا قدمت على طاعة الله واحتلت المرتبة الأولى في اهتمام المسلمين على حساب أعظم شيء من الأعمال، وهو الصلاة كما هو واقع اليوم، فإن الدراسة حينذٍ ستكون طاغوتاً يعبد من دون الله.
إن الأمر أيها الأحبة يحتاج منا إلى تفكر وتأمل، فإن الله يمهل ولا يهمل، والعاقل من وعظ بغيره، فلماذا لا نحرص على الدين وعلى طاعة الله وعلى إصلاح أبنائنا كما نحرص من أجل الدراسة؟ ولماذا يتغير وجه ولي الأمر إذا جاءه الخبر أن أحد أولاده قد رسب في أحد المواد، ولا يتغير وجهه بل ولا يهمه أن يرى أبناءه يشاهدون فلماً خليعاً أو مسلسلاً ماجناً أو حتى يشاهدون مباراة لكرة القدم، فيؤذن المؤذن للصلاة ويصلي المسلمون، بل ربما خرج الوالد بنفسه وصلى مع الناس، ويخرجون من المسجد وأولاده كالأصنام لم يتحركوا؟ لماذا لم يتغير الوجه هنا وتغير هناك؟ الجواب أتركه لك أيها الوالد الكريم. لكن أنا متأكد أني أتفق أنا وأنت بأن هذا الأمر لا يرضى به إلا من ضعف يقينه بالله، واستهان بمحارم الله، كما أتفق معك بأن باب التوبة مفتوح، وأن التوبة تلغي ما قبلها من السيئات. إن الحسنات يذهبن السيئات.
أيها المسلمون: يجب علينا تدارك المنكرات الآتية: ونحن نستقبل عاماً دراسياً جديداً:
أولاً: عدم الاستيقاظ لصلاة الفجر والتفريط في ذلك من قبل بعض الطلاب والطالبات، وقد ورد من الوعيد للذي يترك صلاة الفجر في وقتها ما تقشعر منه الأبدان، وتخافه القلوب المؤمنة.
ثانياً: يجب على أولياء الأمور أن يتابعوا أولادهم في أثناء الدراسة وأن يحرصوا على الصحبة الطيبة لأولادهم وبناتهم، فمن الإهمال الذي يأثم صاحبه أن لا يسأل الأب ولا الأم أولادهما عن أسماء أصحابهم ومع من يجلسون.
ثالثاً: من المنكرات التي يجب على المسلمين الإقلاع عنها ركوب الفتاة الطالبة مع السائق لوحدها، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) فيجب على المسلم أن يتقي الله ما استطاع، ومن استعان بالله أعانه الله.
رابعاً: من المنكرات وهذا يجب أن يشدد فيها الآباء بل ويتأكد منه بنفسه عدم خروج الطالبة متعطرة إلى المدرسة، وهذا أمر قد شاع وانتشر ولا حول ولا قوة إلا بالله، مع علمنا بأن المتعطرة إذا خرجت وشمها ولو رجل واحد فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عدها زانية نسأل الله العافية، والأحاديث في هذا الباب كثيرة مشهورة.
خامساً: من المنكرات المتكررة تسكع بعض البطالين من الشباب المشكوك في رجولتهم، يتسكعون عند مدارس البنات، وهذه الظاهرة تدل على تخلف المجتمع، وعلى غياب الرقابة، وعلى ضعف الدين والخلق، وعلى الفراغ الذي يعيشه هؤلاء الشباب إما لعدم الدراسة أو عدم الوظيفة. فيجب علينا جميعاً التعاون في إزالتها بنصح هؤلاء الجهلة وبحفظ بناتنا من التبرج وتحذيرهن باستمرار من هؤلاء، بالإضافة إلى التعاون مع رجال الهيئة وفقهم الله لإزالة هذا المنكر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم }.
الوقفة الثالثة: ومع استقبال عام دراسي جديد، فإن المشروع الخيري الذي يجب التفكير فيه هو تأمين حاجيات الطلاب المدرسية للأسر الفقيرة في الحيّ.
ولو أن كل إمام في حيّه أو حتى بعض الطيبين اعتنى بهذا الجانب واستحث الموسرين في الحي وسدوا النقص عند الفقير فإن هذا عمل نبيل، وقد تعاون معنا أغنياء الحي والموسرين منهم مشكورين، وأنا أعلم أنهم لا يريدون الشكر من أحد، وإنما ساهموا معنا إحتساباً عند الله عز وجل، أسأل الله جل جلاله أن لا يحرمهم الأجر والمثوبة.
jghld`kh , hgl,sl hg]vhsd hg[]d] >>[]dv fhgrvhxm >>>lil []h
المفضلات