جرش: مدينة عمرها ثلاثون قرنا تغتسل في نهر الذهب
يقصد السياح القادمون من كل حدب وصوب مدينةجرش الاردنية ليتنسموا عبق الحضارة والتراث الانساني فى هذه المدينة التي تنام فى احضان التاريخ العريق .
وتهب على السياح والزوار نسائم مجد تليد حتى قبل وصولهم الى المدينة التاريخية التي قصدوها ليقرأوا صفحات المجد منحوتة ومحفورة على جدران المعالم الحجرية للمدينة التى تعد نموذجا فريدا للمدينة القديمة المتكاملة بمعالمها الرائعة.
وتنام هذه المدينة الوادعة منذ أكثر من 3000 عام في احضان تاريخ عريق نسجت فصوله وكتبت صفحاته حضارات الاغريق والروم والعرب المسلمين من الامويين والعباسيين وغيرهم ممن جاءوا اليها غزاة أو فاتحين.
وتغتسل جرش بمياه "نهر الذهب" الذي كان فى قديم الزمان يدير طواحينها العامرة كما أوحت مياهه الغزيرة الى أهلها ببناء الحمامات فى القرن الثاني للميلاد لكن مياه النهر قاربت على النضوب بفعل السنين ومع ذلك لا يزال يترقرق عبر الاطلال الباقية.
ويعود تاريخ تأسيس (جرش) الى عهد الاسكندر الكبير فى القرن الرابع قبل الميلاد أو ما يعرف بالعصر اليوناني وكانت تسمى آنذاك (جراسا) فى تحريف لاسمها السامي أو الكنعاني (جرشو) ومعناه " مكان كثيف الاشجار".
وقد خضعت (جراسا) لحكم الروم الذين احتلوا بلاد الشام طيلة 400 سنة وأسسوا اتحاد المدن العشر المعروف باسم (ديكابوليس) وهو اتحاد اقتصادي وثقافي فيدرالي ضم عشر مدن رومانية اقامها القائد (بومبي) عام 63 قبل الميلاد فى شمال الأردن وفلسطين وجنوب سوريا لمواجهة قوة دولة (الأنباط) العرب في الجنوب.
وبسبب موقعها على ملتقى طرق القوافل تحولت المدينة الى مركز تجاري وثقافي مزدهر لتصبح أهم مدن الاتحاد حتى أن الامبراطور (هادريان) قد زارها بنفسه عام 130 ميلادي اثناء مسيره الى احتلال (تدمر).
وقد نمت ثروة (جرش) وازدهرت تجارتها وتوسعت علاقاتها مع الانباط الا ان خراب (تدمر) في الشمال على يد الروم واضطراب الامن وتوسع الامبراطورية الفارسية التي اجتاحت بلاد الشام وتحول طرق التجارة اصابت ازدهار المدينة وتقدمها فى مقتل وادخلتها أسوأ مراحل تاريخها.
عاشت مدينة جرش عصرها الذهبي تحت حكم الروم الذين ادخلوا اليها الديانة المسيحية بحلول عام 350 ميلادي لتنتعش فيها لاحقا حركة تشييد الكنائس والاديرة التي دمر معظمها على يد الجيوش الفارسية الغازية.
وفى عام 635 ميلادي وصلت جيوش الفتح الاسلامي الى جرش بقيادة شرحبيل بن حسنة في عهد الخليفة الثاني ليعود الامن والاستقرار الى المنطقة كلها ولستعيد المدينة ازدهارها فى العصر الأموي.
ودمر زلزال عنيف اجزاء كبيرة من هذه المدينة سنة 747 ميلادية كما ادت الزلازل المتلاحقة ومعها الحروب والفتن التي ضربت المنطقة لاحقا الى دمار اضافى اسهم فى خرابها وبقيت انقاضها مطمورة فى التراب مئات السنين الى ان اكتشفها سائح ألماني سنة 1806 ليبدأ التنقيب عنها واعادة الحياة اليها لتنهض (جرش) الحالية على يد جالية من المسلمين الشراكسة الذين هاجروا الى الاردن من بلاد القفقاس عام 1878 للميلاد اثر الحرب العثمانية الروسية.
وتنبئ آثار المدينة الواقعة فى منطقة حباها الخالق بجمال خلاب عن بدايات الاستيطان البشري فيها قبل اكثر من ثلاثين قرنا كما تعتبر مثالا رائعا للتطور المدني والعمراني للحضارات المتعاقبة عليها متجسدا فى شوارع مبلطة تزينها اعمدة متقنة الصنع والزخرفة الى جانب معابد وكنائس مهيبة ومسارح انيقة وميادين وقصور ونوافير وبرك وحمامات واسوار وابراج وبوابات.
وكشفت الحفريات الاثارية عن سور عريض كان يحيط بالمدينة ويمتد مسافة 5500 متر ويعود بناؤه الى القرن الاول الميلادي.
ومن ابرز المعالم البديعة التي تفاخر بها (جرش) والتي تقف حتى الان شاهدة على عظمتها وعزها (قوس النصر) على المدخل الجنوبي الذي اقيم عام 129 للميلاد احتفاء بزيارة الامبراطور الروماني (هادريان) للمدينة فى العام التالي. - وتطل من عيون زائري المدينة نظرات الاعجاب الممزوج بالدهشة اثناء زيارتهم الكاتدرائية ذات البوابة الحجرية الضخمة الغنية بصور منحوتة تخلب الالباب وهي أجمل البنايات الدينية فى (جرش) وكانت فى الأصل معبد (ديونيسوس) الرومي الذي اقيم فى القرن الميلادي الثاني وقد اعيد بناؤه ككنيسة بيزنطية فى القرن الرابع.
ويعتبر معبد (ارتيميس) الالهة الحارسة للمدينة الذي اقيم في القرن الثاني للميلاد من أفخر معالم جرش التاريخية التي تضم ايضا معابد زيوس وزفس وقاعة البرلمان والمقبرة وحلبة سباق الخيل واقنية الري والحمامات الفاخرة.
ولايزال (سبيل الحوريات) المعروف باسم ( نمفيوم ) الذي شيد عام 191 للميلاد يثير خيالات الزائر والسائح وهو حوض رخامي فخم من طابقين ويضم نوافير للمياة أقيم لحوريات الماء ويزين الرخام الجزء السفلي من واجهاته البديعة بينما تزين أعلاها زخارف هندسية رائعة التكوين.
ولكثرة الاعمدة التي تزين مختلف معالمها تسمى جرش ايضا (مدينة الألف عمود) ومعظمها تلك التي تحف بشارع الاعمدة المبلط من الجانبين وهو الشارع الرئيسي في المدينة الرومانية وطوله نحو كيلومتر ولا يزال 71 من أصل 520 عمودا رخاميا هناك منتصبة فى مواقعها محتفظة بقواعدها وتيجانها المزخرفة ببراعة لافتة.
ويؤم السياح والزوار المسرح الجنوبي وهو مدرج روماني تقليدي بني أواخر القرن الأول الميلادي ويستوعب 5000 متفرج اضافة الى المسرح الشمالي الذي يسع 1200 مشاهد وكان مخصصا للمبارزات ومصارعة الحيوانات المفترسة.
ويستغل المدرجان حاليا لعرض الفعاليات الفنية والثقافية من مسرحيات وحفلات غنائية وامسيات شعرية يتضمنها (مهرجان جرش للثقافة والفنون) السنوي الذي انطلق لأول مرة عام 1981 بمبادرة من الملكة نور الحسين.
وتستيقظ (جرش) من نومها فى شهر يوليو كل عام حين تبدأ فعاليات المهرجان فتستعيد المدينة امجادها العريقة وبعض الازدهار الذي كانت عليه فى غابر أيام العز والمجد.
ويقدم المهرجان للسياح العرب والاجانب وللمواطنين توليفة فريدة من العروض التراثية والثقافية والفنية التي تمثل ثقافات العالم وفنونه وتعبر عن أرقى الفنون العالمية ما اكسب المهرجان والمدينة سمعة متميزة ووضع الاردن على خارطة الثقافة الدولية.
المصدر شبكة النبأ المعلوماتية
[va: l]dkm ulvih eghe,k rvkh jyjsg td kiv hg`if
المفضلات