الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أمابعد؛
فمسكينة تلك المرأة تتنازعها أهواء متباينة، وتتناوشها أفكار مختلفة،الكل يدعي العناية بها ورعاية شئونها، الكل يتزلف لها وبها. الكل يتاجر فيها ويتاجرفي قضاياها.
بعضهم صادقين بلا شك حتى من الذين ضلوا الطريقالسوي!
لكن ليس صدق النية وحده ولا طيبة القلب وحدها بكافيان لترشُدالأعمال، لابد من اكتمال المنهج وسلامته، وإلا فكثيرة هي أعمال البشر التي كانتنياتهم فيها حسنة؛ بينما أفضى ذلك إلى الويلات والخراب؛ لاعتمادهم العقل وحده،والنية وحدها ميزانـًا للأمور، من دون الاتكاء على منهج سوي يستقون منه ما ينفعهم،ويرشد طريقهم.
فهل من اخترع المفاعل النووي كان يخطربباله أن يستخدم تلك الإستخدامات التي أفنت وشوَّهت؟
وهل اطلع أصحاب الأفكار الشيوعية والاشتراكية، والفلسفات الرأسماليةعلى الأضرار التي خلفتها أفكارهم على البشرية؟
وقديمًا قالها القرآنفي الذين ادعوا الإصلاح دون منهج، بل غرتهم نياتهم الحسنة فأعرضوا عن منهج اللهتعالى بدعوى أنهم على هدى؛ فلما دعاهم الله إليه وإلى ترك ما سواه، وبيَّن لهم فسادحالهم في بعدهم عن منهجه؛ قالوا: {إِنَّمَا نَحْنُمُصْلِحُونَ} [البقرة:11]، فرد الله تعالى عليهم بقوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لايَشْعُرُونَ} [البقرة:12].
وقضية المرأة كذلك من ضمن القضايا التيللجميع فيها باع، وأحاديث وآراء، وكلام وتفاصيل، لكنها كما لغيرها لابد لها منضوابط، ولابد لنا من معرفة الغثّ من السمين.
إن ما يهمنا هنا هو المرأة فيمجتمعاتنا والحق أننا في هذه المرحلة من تاريخنا نعاني في منطقتنا العربية من عدمالقدرة على الاستفادة من تجاربنا نفسها!!
لقد مرت مصر على سبيل المثال بكلما تمر به المرأة في الخليج مثلاً من محاولات تمرد على وضعها، ومن تحويل قضيتها إلىصراع مع الرجل، وإلى اختزال حريتها في حرية الانحراف والتمرد على الدين، ولكنهل استفادت المرأة هنا مما مر بأختها هناك؟والتي استبانت زيفتلك الدعوى فعادت الكثيرات إلى حصنهن الأول وإلى فكرهن الأصيل.
لا تزال نفسشبهات التقدم ودعاوى الانفتاح، وأوهام سقوط الحواجز تجذب بعض الأغرار في سباق زادتهخسة التجارب المتعلقة بالإنترنت والفضائيات، وما تقدمه من تهوين للعري، وتوريةبالإباحية في الفن والفيديو كليب، بل وفي البرامج الحوارية التي صارت تناقش أمورًامثل ممارسة الجنس قبل الزواج،وماذا عن مصارحة الطرف الآخربذلك؟وعن عادات محرجة، وعن المثليين، وعن غشاء البكارة... الخ.
وكأنالأمر ليس فيه حلال وحرام، وليس فيه حقوق، ولا حدود شرعية لرب العالمين، ولا كرامةلأسرة كريمة، ولا لامرأة عفيفة يريدون أن يطرحوها فريسة لشَرَك التقليد للغرب،والانبهار به.
المثير للسخرية أن يُتهم الإسلام بأنه يؤذي المرأة؛ وهو الذيأعاد لها كرامتها وحافظ عليها أمًا وزوجة وبنتـًا، وأوصى بها، وجعل الرجل مأمورًاببرها والنفقة عليها، ومراعاة حوائجها، وأبعدها عن الفتن والأذى الذي وقعوا فيه،بينما الغرب نفسه يعاني أسريًا ومجتمعيًا من ذلك الإنحراف الذي يبشر به بعض بنيجلدتنا.
فكم من الجرائم هناك المادية والمعنوية التيتـُؤذَى فيها المرأة؛ بينما أهلنا هنا غافلون؟!
كم تـُهمل النساء العجائز؟ وكم تـُهان الدميمات؟ وكم تستخدم الجميلاتكسلعة للترويج للبضائع؟!
ثم بعد ذلك يتبجحون وبكل وقاحة ليزعموا أنهممن المدافعين عن المرأة وحقوقها، بل ويجعلون همهم الأكبر عند احتلال الشعوب هوإفساد المرأة ودعوتها إلى الإباحية والعري! وأيضًا تحت دعوى إصلاح شأنها! وكأنهاتعيش بين وحوش!
وهم واهمون كمن ذكرناهم سابقـًا يحسبون أنهم مهتدون؛ قالتعالى: {وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُاتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْمُهْتَدُونَ} [لأعراف:30]، و: {وَإِنَّهُمْلَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:37].
وتحت شعارات مضللة ومزيفة عن حرية المرأة والحفاظ على حقوقهاتعقد "الأمم المتحدة" مؤتمراتها الدولية منذ عام 1975م وحتى اليوم؛ لتؤكد هذهالمعاني الفاسدة الكفيلة بالقضاء على الأسرة في وثائقها، ورغم أن الشعوب المسلمةوالعديد من الحكومات في العالم الإسلامي والكثير من المنظمات الغربية، وحتىالفاتيكان قد أعلنوا رفضهم لما جاء في هذه الوثائق، وأكدوا خطورتها على المجتمعاتالإنسانية ومازالوا يؤكدون ذلك؛ إلا أن تلك المنظمات الشيطانية التي تمتطي الأممالمتحدة لتحقيق مشروعها؛ لتدمير الفرد، والأسرة، والمجتمع لا تكف عن مواصلة مساعيهالذلك، ولم تتوقف عن عقد تلك المؤتمرات الدولية المشبوهة التي صارت أشبه بتقليد سنويتفرضه الأمم المتحدة على العالم؛ لتشغله بما يسمى زورًا وبهتانـًا بـ"حقوقالمرأة".
والغريب أن الأمم المتحدة تهمل معظم قضايا المرأة، والطفل التيتهدد حياتهما ومستقبلهما وأوضاعهما المأساوية في عالم الحروب، والكوارث والنكبات،والشتات، وتجاهل محن أكثر من 100 مليون سيدة وفتاة يفترسهن الحرمان من الرعايةالغذائية، وأكثر من مليون فتاة تتم المتاجرة بهن في الدعارة.
ولننظر فيشهادة شاهد من أهلها في تقرير صادر عن القنصلية الأمريكية العامة في القدس ومنشورعلى موقعها على الإنترنت، يتحدث التقرير "22/2/2005" عن بعض أوضاع حقوق الإنسان عنداليهود وسنجتزئ منه ما يتعلق بحقوق المرأة، وكيف أنهم أهانوها وما رسوا العنف ضدها،والتي منها:
"واستمر وجود التمييز ضد المرأة والعنف الذي تتعرض له منالمجتمع، مع أن الحكومة استمرت في معالجة هذه المشاكل، ومشاكل المتاجرة بالمرأةوالعمال الأجانب، وإساءة معاملتهم لا تزال قائمة، واستمر التمييز ضد المعوقين...". اهـ.
وما يحدث في أوروبا وأمريكا ليس ببعيد عن هذا؟!
كما تكرس الأممالمتحدة جلّ اهتمامها عبر ما يقرب من ثلاثين عامًا لتقنين حرية المرأة الإباحية،وحريتها في الخروج على الأسرة، وتدمير المجتمعات تحت مزاعم وشعارات كاذبة، الأمرالذي يفضح رسالة تلك المؤتمرات، ويؤكد أن منظمات الهوس الفكري، والشذوذ الجنسيالغربية قد فرضت سطوتها على المنظمة الدولية.
وللأسف الشديد فإن تلك الدعاوىالتي تروج لها تلك المؤتمرات تجد لها صدى في عدد من البلاد الإسلامية عبر المنظماتالمعنية بشئون المرأة؛ خداعًا للجماهير، ومحاولة لتضليل البسطاء، وبين الحين والآخرتخرج علينا مجموعات ما تسمى بحقوق المرأة وحريتها بآراء وكتابات وتصريحات تصب فيمجملها وفحواها في التخديم على ما تروج له مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة، والتيهي محل رفض من الشعوب المسلمة، وتتترس هذه المجموعات خلف المنظمة الدولية؛ فالأمرليس جنة، بل نار، وعار، وضياع، وشنار.
لقد أصبح من ضغط الواقع على الأمة أنيتم إقحام موضوع المرأة في جميع الأمور، وكأننا ندفع تهمة عن أنفسنا بأن المرأةعندنا مظلومة مضطهدة؛ ومن ثمَّ نحرص في كل الأحوال على التأكيد على عدم اضطهادها،وأنها تأخذ حقها كاملاً، إلى غير ذلك.
ومن ثمَّ تجد تصرفات ساذجة في التعاملمع الموضوع، مثل: إقحام المرأة فيما قد لا تكون أهلاً له من الوزارات والمسئوليات؛وفقـًا للتدرج الوظيفي والعلمي! فقد تـُسند مهمة ما أو منصب لامرأة ما في الوقتالذي لو رشح رجل لنفس المنصب لما تم اختياره له أبدًا؛ لأنه ليس لهأهل!
فالأمر ليس استجابة لواقع المجتمع، وليس منحًا للمرأة فرصة تتناسب معمؤهلاتها، وليس درءًا لاضطهاد وقع على المرأة، بل هو رضوخ لشبهات الأعداء، ودفاع عنتهمة لا تعشش إلا في أذهان قائليها؛وإلا فأي جديد في الأمر منناحية العدل أن يتم فرض بعض النساء بدون مواهب على بعض الأماكن دون استحقاقهنلذلك؟!
لابد من أن نتعامل مع الموضوع بموضوعية وثقة فإن وجُد مكانيصلح للمرأة وتصلح لهفما المانع من توليتها إياه؟!أماأن تكون لا تصلح له فمن الظلم للمجتمع ولها أيضًا أن يسند لها.
فمحاولةاتخاذ موضوع المرأة وادعاء إنصافها تكأة لقلب الأمور، وإشاعة الفوضى في المجتمعات؛استجابة لضغوط الواقع أو مجاملة للغرب هو نو ع من المتاجرة بالمرأة، وهو من صورالفساد الذي تسعى الدول إلى التخلص منه ومن آثاره.
ولأننا ننسى فإن موضوعالمرأة واضطهادها هو دومًا أحد التهم الجاهزة ضدنا لدى الغرب بكافة أطيافه الفكرية،والسياسية، والاجتماعية، كأنهم يزعجهم شرف المرأة لدينا، والتزامها بقيم الإسلام،وارتدائها لحجابها، واعتزازها بأسرتها.
في الوقت الذي تدعو قلة من عقلائهمإلى العودة إلى قيم الشرف والطهر، والترفع عن مستنقعات الفحش، والهوى، والرذائلالذي وقعوا فيه.
الغريب أنهم في الوقت الذي يزعجهم وضعية المرأة في بلادناوحجابها على رأسها؛ فإنهم لا يعبئون بكون المرأة إن أرادت التدين والتفرغ للكنيسةعندهم ترتدي ملابس هي شبيهة إلى حد كبير بالحجاب!
حتى إنني رأيتُ بعضهن منظهورهن في إسبانيا فظننتهن خليجيات؛ بسبب أنهن يرتدين عباءات رأس تغطي المرأة منأعلاها لأسفلها فلا تشك أنهن مسلمات لولا أنهن يرتدين الصليب!
ومن المشكلاتالدينية لديهم هناك أنهم يمنعون من كانت حالها كما وصفت من الزواج بدعوى الرهبنة،وهذا نوع آخر من المتاجرة بالمرأة بمنعها من حقوقها وإن كان يشاركها فيه الرجالالمنخرطون في سلك الترهب أيضًا وهذه لعمري سوءة كبيرة في هذه الحضارة؛ لكونها تمنعالزواج الذي هو فطرة الإنسان.
ففي الوقت الذي لا ينزهون الله تعالى عنالصاحبة والولد فيدعون له ذلك عياذًا بالله، وفي الوقت الذي تـُدوَن في كتبهمالمسماة بالمقدسة ممارسات فاجرة ينسبونها إلى الأنبياء؛ فإنهم يأنفون عن الزواج،وعن تزويج المتدينين أولئك؛ ولذا فاحت روائح الانحراف، وتناثرت أنباءالفجور.
يقول الدكتور محمد بن سعدالشويعر:
"في عام 1985م انبرت صحفية أمريكية لمهاجمة التوراةوالإنجيل ورجال الدين عندهم، واتهمت الجميع بنكران حق المرأة، حيث لم يأتِ لها ذكرفي الأناجيل، ولا العهد القديم بينما الإسلام أعطاها مكانة رفيعة، فخاطبها إلى جانبالرجل، وجعلها جوهرة مصونة وبين لها حقوقـًا انفردت بها بالخصوصية، ومع الرجل فيمايشتركان فيه، واستدلت ببعض الآيات مثل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَوَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَوَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِوَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِوَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِوَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْمَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]".
ويحكي الدكتورالشويعر عن طبيب درس في مدينة "كُلُنْ" بألمانيا منذ سنوات، وتزوج زميلته فيالجامعة، ثم عزم على السفر إلى بلاده؛ لأن أمه مريضة، فأصرت زوجته على مرافقته،وذهلت الزوجة من هذا الاهتمام الذي أبداه أبناء الأسرة بأمهم، وبالعناية الشديدةالتي عوملت بها العجوز المريضة، وفي طائرة العودة لم تستطع كتمان شعورها،فقالت لزوجها: "لماذا لم تخبرني عنمكانتكَ الاجتماعية، فهل أمك من الأسرة المالكة؟!
فقال:لا. وما الذي دعاكِ إلى هذاالحكم؟
قالت:المكانة الكبيرة التيتحتلها أمك بين الناس تقديرًا وإكرامًا وحفاوة.
فقال:أنا وأمي وأسرتنا من وسط المجتمع، ولكن هذه تعاليمالإسلام الذي هو ديننا، بل إن حقها الذي يحث عليه ديننا أكبر من ذلك.
وبدأيشرح ويترجم لها فأسلمت، وصارت في المناسبات تردد: الأم في مجتمع المسلمين ملكة غيرمتوجة، بل أسعد من ملكات الغرب".
فهل نعي الدرس ونبتعدعن تسييس وضع المرأة ونكف عن الاتجار بها؟!
كتبه/ ياسر عبدالتواب
www.salafvoice.com
موقع صوتالسلف
hgljh[vm fhglvHm
المفضلات