أولا : تخريج الحديث :
روي من حديث عائشة و أنس بن مالك و طلحة بن عبيد الله و رافع بن خديج و جابر بن عبد الله رضوان الله عليهم ، و روي كذلك من مرسل أبي مجلز رحمه الله :
1- حديث عائشة :
أخرجه أحمد في مسنده (24964) ، و مسلم في صحيحه (2363) – و من طريقه ابن حزم في الاحكام (5/138) -، و ابن ماجه في سننه (2471) ، و أبو يعلى في مسنده(3480) و (3531)– و عنه ابن حبان في صحيحه (22) – و ابن خزيمة في كتاب التوكل كما في إتحاف المهرة (1/485) لابن حجر ، و الطحاوي في مشكل الآثار (1722) ، و تمام في فوائده (1167) .
و حديث عائشة رواه حماد بن سلمة مقرونا مع حديث أنس بن مالك .
كلهم من طريق حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ أَصْوَاتًا ، فَقَالَ : " مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ ؟ " ، قَالُوا : النَّخْلُ يَأْبِرُونَهُ ، فَقَالَ : " لَوْ لَمْ يَفْعَلُوا لَصَلُحَ ذَلِكَ " ، فَأَمْسَكُوا ، فَلَمْ يَأْبِرُوا عَامَّتَهُ ، فَصَارَ شِيصًا ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ ، وَكَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ " ، و في لفظ مسلم :" فَقَالَ : مَا لِنَخْلِكُمْ ، قَالُوا : قُلْتَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ " .
قلت : و حديث عائشة الصواب فيه أنه مرسل عن عروة بن الزبير مرسلا ، و أن حماد بن سلمة قد وهم فيه فرواه موصولا ، فقد خالفه خالد بن الحارث و محاضر و حفص بن غياث و غيرهم فرووه مرسلا .
ففي علل الدارقطني (14/187/ رقم 3531) : "وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ سَمِعَ تَأَبُّرَ النَّخْلِ , فَقَالَ : " لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ " . فَلَمْ يُوبِّرُوا , فَصَارَ شَيْصًا , فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنَكُمْ بِهِ " . فَقَالَ : رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ هِشَامٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَةَ . وَخَالَفَهُ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ , وَمُحَاضِرٌ , وَغَيْرُهُمَا , رَوَوْهُ عَنْ هِشَامٍ , عَنْ أَبِيهِ , مُرْسَلا , وَهُوَ الصَّوَابُ " .
قلت : و أما مخالفة حفص بن غياث ، فقد أخرجها يحيى بن آدم في "الخراج" (347) بلفظ : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآهم يؤبرون النخل ، فقال : « ما هذا ؟ لو تركوه » . فتركوه ، ولم تحمل النخل ، فقالوا له ، فقال : « عليكم بما كنتم تصنعون - أو قال : - بما ينفعكم » .
2- حديث أنس بن مالك :
بالاضافة لما سبق فقد أخرجه أيضا : أحمد في مسنده (12566) ، و البزار في مسنده (6992) كلهم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، مثل حديث عائشة رضي الله عنها .
قال البزار : لم يرويه إلاَّ حماد.
قلت : برغم تفرد حماد بن سلمة بهذا عن ثابت البناني الا أنه أثبت الناس عنه ، فتفرده لا يضر .
فرواية حماد بن سلمة عن ثابت البناني من أصح الأسانيد وأقواها عن ثابت بإجماع أهل العلم.
قلت : فهذا الاسناد صحيح لا غبار عليه .
3- حديث طلحة بن عبيد الله :
أخرجه يحيى بن آدم في الخراج (345) ، و الطيالسي في مسنده (230- رواية يونس بن حبيب عنه) ، و أحمد في مسنده (1395) و (1399) ، و مسلم في صحيحه (2361) ، و ابن ماجه في سننه (2470) ، و عبد بن حميد في المنتخب (102) ،و ابن أبي عاصم في الآحاد و المثاني (207) ، و البزار في مسنده (937) و (938) ، و أبو يعلى الموصلي في مسنده (639) ، و ابن خزيمة في التوكل كما في إتحاف المهرة (1/485) لابن حجر ، و الطحاوي في شرح مشكل الآثار (1720) و (1721) ، و في شرح معاني الآثار (4098) و (4099) و (4100) و (6324) ، و الشاشي في مسنده (7) و (8) و (9) ، و أبو الشيخ الأصبهاني في التوبيخ و التنبيه (151) و (238) ، و أبو نعيم في الحلية (4/372- 373) ، و الحازمي في الاعتبار (1/167) .
كلهم من طريق سماك بن حرب عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قَالَ : " مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ ، فَقَالَ : مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ فَقَالُوا يُلَقِّحُونَهُ ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى ، فَيَلْقَحُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا ، قَالَ : فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ ، فَتَرَكُوهُ ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ : إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ ، فَلْيَصْنَعُوهُ ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا ، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللَّهِ شَيْئًا ، فَخُذُوا بِهِ ، فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ " . هذا لفظ مسلم .
قال البزار : وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سِمَاكٍ إِسْرَائِيلُ ، وَأَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، وَلاَ نَعْلَمُ يُرْوَى عَنْ طَلْحَةَ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ : أَنَسٌ ، وَعَائِشَةُ ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، وَيَسِيرُ بْنُ عَمْرٍو.
قال الحازمي : وَهَذَا حَدِيثٌ مَدَنِيُّ الْمَخْرَجِ ، وَقَدْ تَدَاوَلَهُ الْكُوفِيُّونَ ، وَلَهُ طُرُقٌ عِنْدَهُمْ ، وَيُرْوَى أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ .
قلت : و سماك بن حرب ثقة الا أن في روايته عن عكرمة ضعف و لين ، و هذا ليس منها ، فالاسناد صحيح ، و لله الحمد و المنة .
4- حديث جابر بن عبد الله :
أخرجه البزار في "مسنده" كما في كشف الأستار (202) قال : حَدَّثَنا محمد بن المثنى حَدَّثَنا عياش بن أبان ، حَدَّثَنا محمد بن فُضَيل ، عَن مجالد عن الشعبي عن جابر أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بقوم يلقحون النخل ، فَقال ما أرى هذا يغني شيئا فتركوها ذلك العام فشيصت فأخبر النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقال : أنتم أعلم بما يصلحكم في دنياكم.
و أخرجه أيضا الطحاوي في شرح مشكل الآثار (1723) ، و الطبراني في المعجم الأوسط (1030) و ذكره الحازمي في الاعتبار (1/167) ، والرافعي في "التدوين في أخبار قزوين" (2/112- 113)كلهم من طريق محمد بن فضيل عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه قال : أبصر رسول الله الناس يلقحون النخل ، فقال : ما للناس ، قال : يلقحون يا رسول الله ، قال : لا لقاح أو ما أرى اللقاح بشيء ، قال :فتركوا اللقاح فجاء تمر الناس شيصا ، فقال رسول الله : ما أنا بزراع ولا صاحب نخل لقحوا . و هذا لفظ الطبراني .
قلت : و هذا اسناد ضعيف ، فيه مجالد بن سعيد و هو ضعيف اختلط بآخره .
قال البزار : لاَ نعلمُ رواه عَن ابن فضيل إلاَّ محمد بن عَمْرو التنوري وعياش وهما بصريان.
قلت : قد تابعهما أيضا سعيد بن عنبسة الخراز كما في الاعتبار للحازمي ، و التدوين للرافعي ، الا أن سعيد هذا كذاب ليس بصدوق ، فلا يستبعد سرقته للحديث .
و قال الهيثمى (1/430) : رواه البزار والطبرانى فى الأوسط بمعناه وفيه مجالد بن سعيد وقد اختلط .
ملحوظة : وقع في كتاب كشف الأستار ، أن أسم عياش هو عياش بن أبان و هو خطأ ، و الصواب هو عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّقَّامُ كما في روايتي الطحاوي و الطبراني .
5- حديث رافع بن خديج :
أخرجه مسلم في صحيحه (2362) – و من طريقه القاضي عياض في الشفا (2/183-184) - و ابن حبان في صحيحه (23) ، و الطبراني في المعجم الكبير (4424)
كلهم من طريق النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن أبو النجاشي عطاء بن صهيب مولى رافع عن رافع بن خديج قَالَ : " قَدِمَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْلَ ، يَقُولُونَ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ ، فَقَالَ : مَا تَصْنَعُونَ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَصْنَعُهُ ، قَالَ : لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا ، فَتَرَكُوهُ ، فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ ، قَالَ : فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ ، فَخُذُوا بِهِ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ " و هذا لفظ مسلم .
قلت : و فيه النضر بن محمد بن موسى أبو محمد اليمامي و هو ثقة له أفراد ، و لا يضر تفرده بها .
و فيه أيضا عكرمة بن عمار العجلى أبو عمار اليمامي ، و هو ثقة ، و في بعض حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب و ضعف .
قلت : و هذا الحديث ليس عن يحيى بن أبي كثير ، فالاسناد صحيح ان شاء الله .
ملحوظة : وقع في اسناد الطبراني " المنصور بن محمد " بدلا من "النضر بن محمد " و هو تحريف و خطأ ظاهر .
6- مرسل أبي مجلز :
أخرجه يحيى بن آدم في الخراج (346) فقال : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ , عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ، قَالَ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا لِلأَنْصَارِ وَهُمْ يُلَقِّحُونَ نَخْلا , فَقَالَ : " وَيُغْنِي هَذَا شَيْئًا ؟ " فَتَرَكُوهُ , فَلَمْ تَحْمِلِ النَّخْلُ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عُودُوا , فَإِنَّمَا قُلْتُ لَكُمْ , وَلا أَعْلَمُ "
قلت : و هذا اسناد حسن مرسل لأن أبي مجلز تابعي ، و لم يكن أبوبكر بن عياش وهم فيه فأنه كان صدوق له أوهام ، و كتابه صحيح .
الخلاصة :
الحديث صحيح لا غبار عليه .
فقد صح من حديث أنس بن مالك ، و طلحة بن عبيد الله ، و رافع بن خديج رضوان الله عليهم جميعا .
و أما حديث عائشة فأنه ضعيف لأن الصواب فيه الارسال عن عروة بن الزبير مرسلا .
و أما حديث جابر بن عبد الله فاسناده ضعيف لأن مداره على مجالد بن سعيد و هو ضعيف اختلط بآخره .
و حديث أبي مجلز ضعيف مرسل لأنه تابعي .
المفضلات