بسم الله الرحمن الرحيم
نبدأ باسم الله تعالى في القسم الاول وهو مراحل جمع القران الكريم ...
مرت عملية جمع القران الكريم بأربع مراحل وهي:
اولا: الحفظ في الصدور
ثانيا: ترتيب سور القرآن الكريم.
ثالثا: ترتيب الآيات في السورة الواحدة من القرآن الكريم.
رابعا: كتابة القرآن الكريم في الصحف والمصاحف
اما الاطلاق الاول فقد حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .... وحفظ النبي صلوات ربي وسلامه عليه القران الكريم ومعه جمع من الصحابة رضوان الله عليهم ... ومنه قوله تعالى " لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ" القيامة 16،17 .... وقد ثبت حفظ المئات من الصحابة للقران الكريم غيبا .. منهم علي بن ابي طالب وابي بن كعب وزيد بن ثابت وعثمان بن عفان ومعاذ بن جبل ... والقائمة تطول
اماا الاطلاق الثاني والثالث فقال الزركشي: قال أبو الحسين أحمد بن فارسٍ في كتاب المسائل الخمس: جمع القرآن على ضربين: أحدهما: ترتيب السور، كتقديم السبع الطُّوال ، وتعقيبها بالمئين، فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة رضي الله عنهم وأما الجمع الآخر، فضمُّ الآي بعضها إلى بعضٍ، وتعقيب القصة بالقصة، فذلك شيءٌ تولاَّه رسول الله كما أخبر به جبريل عن أمر ربه (قلت: والارجح ان ترتيب السور امر توقيفي وليس اجتهادا من الصحابة )
وأما الإطلاق الرابع، فيتضمن مرحلتين: الأولى جمع متَفَرِّقِهِ في صحفٍ، وهو ما حدث في عصر الصِّدِّيق رضي الله عنه ، والثانية: جمع تلك الصحف في مصحفٍ واحدٍ، وهو ما حدث في عصر عثمان بن عفان رضي الله عنه .... (انظر جمع القران
في مراحله التاريخية من العصر النبوي إلى العصر الحديث ... محمد شرعي أبو زيد) ...
وقد كان من ميزات العرب في الجاهلية وهم امة امية ان يحفظوا اشعارهم وانسابهم ومواعظهم وخطبهم في الصدور ... لكي لا ينسوها ... وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعاني مشقة عظيمة من حفظ القران وترديده وتحريك لسانه به كي لا ينساه فطمأنه رب العزة تبارك وتعالى ان عليه سبحانه حفظ هذا القران فقال سبحانه " لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ" ...وقد كان الصحابة كما مر قريبا يحفظون القران غيبا ... وبهذا نعلم ان اول وسيلة في حفظ القران الكريم كانت في الصدور .... ثم ولزيادة الاطمئنان أمر النبي بكتابة القرآن، حفظًا له في السطور بعد أن حفظه هو وأصحابه في الصدور، ونَهى في بداية الأمرعن كتابة غير القرآن ؛ حتى لا يلتبس به:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: لا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا إِلاَّ الْقُرْآنَ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ.
وقد بلغ من عناية النبي بتدوين القرآن أنَّه كان إذا أنزل عليه شيءٌ يدعو أحد كُتَّابه ، ويأمره بكتابة ما نزل عليه - ولو كان كلمة واحدة ، أو سورة طويلة - بمجرد نزوله عليه :
فعن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، قال: كَانَ النَّبِيُّ مِمَّا تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا. (المصدر نفسه)
اما مواد الكتابة فقد كان أصحاب النبي يستعملون في كتابة القرآن كل ما توفَّر في بيئتهم وتيسَّر لَهم من أدوات الكتابة كالجلود والعظام والحجارة ونحوها، فكانوا يكتبون القرآن على الرِّقَاع، وَالأَكْتَافِ، وَالْعُسُبِ، واللخاف، والأضلاع،والأقتاب، والأَلواحِ، وقطع الأديم ...الخ
وبقي القرآن مكتوبًا على هذه الأشياء محفوظًا عند النبي وأصحابه، ولم يجمع في صحف أو مصاحف في ذلك العهد.
اما ترتيب الايات في المصحف فقد كان جبريل عليه السلام ينزل بالآيات على رسول الله ، ويرشده إلى السورة التي هي منها، ويرشده أيضًا إلى موضعها من تلك السورة. وكان النبي بعد ذلك يأمر كتبة الوحي بكتابتها، وإدراجها في الموضع الذي أرشده إليه جبريل عليه السلام
فمسالة ترتيب الايات توقيفية تولاها الرسول صلى الله عليه وسلم وتاليف الصحابة لها انما كان وضعها في مواضعها كما اخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ...
قال الباقلاني في الانتصار: الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذين أنزله الله وأمر بإثبات رسمه، ولم ينسخه، ولا رفع تلاوته بعد نزوله هو الذي بين الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان ، وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه شيء، وأن ترتيبه ونظمه ثابتٌ على ما نظمه الله تعالى، ورتب عليه رسوله من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر، ولا أخر منه مقدم...
واختلف هل ترتيب السور امر توقيفي ام اجتهاد من فعل الصحابة ... والارجح كما قرر اهل العلم انه توقيفي ورتبها الرسول صلى الله عليه وسلم وليس اجتهاد من الصحابة ...
ثم وبعد وفاة الرسول بابي هو وامي صلى الله عليه وسلم قام ابو بكر رضي الله عنه بجمع القران خشية عليه من الضياع ... ومن مميزات مرحلة جمع القران في عهد ابو بكر :
اولا: أن يأتي كلُّ من تلَقَّى شيئًا من القرآن من رَسُول اللهِ به إلى زيد بن ثابت ومن معه.
ثانيا: أن لا يُقبل من أحدٍ شيءٌ حتى يشهد عليه شهيدان، أي أنه لم يكن يكتفي بِمجرد وجدان الشيء مكتوبًا حتى يشهد عليه شهيدان قال ابن حجر: وكأن الْمراد بالشاهدين الحفظ والكتاب
ثالثا: أن لا يُقبل مِمَّا يُؤتى به إلا ما تحقق فيه الشروط الآتية:
أ- أن يكون مكتوبًا بين يدي النَّبِيّ ، لا من مُجرد الحفظ، مع المبالغة في الاستظهار والوقوف عند هذا الشرط.
قال أبو شامة: وكان غرضهم ألا يُكتب إلا من عين ما كُتب بين يدي النَّبِيّ ، لا من مجرد الحفظ.
ب- أن يكون مما ثبت عرضه على النَّبِيّ عام وفاته، أي في العرضة الأخيرة. وذلك أن ما لم يثبت عرضه في العرضة الأخيرة لم تثبت قرآنيته
ج- أن تكتب الآيات في سورها على الترتيب والضبط اللذين تلقاهما المسلمون عن النَّبِيّ وقد التُزم في هذا الجمع كل الضوابط السابقة بدقة صارمة
ثم ومن بعد ذلك، وبعد اتساع رقعة الفتوحات الاسلامية ودخول الكثير من غير العرب في الاسلام، بدأت تنشأ بعض الخلافات في القراءة ، وخشية من هذا الاختلاف ...فقد قرر الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وارضاه جمع القران ونسخه وارسال نسخ منه الى الامصار الاسلامية المختلفة ...
قال القاضي الباقلاني: لم يقصد عثمانُ قَصْدَ أبي بكرٍ في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعَهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النَّبِيّ ، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخْذَهُم بِمصحفٍ لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أُثبِت مع تنزيلٍ، ولا منسوخ تلاوته كُتِبَ مع مُثْبَت رسمه ومفروضٍ قراءتُه وحفظُه؛ خشية وقوع الفساد والشبهة على من يأتي بعد.
فأراد عثمان أن ينسخ من الصحف التي جمعها أبو بكر مصاحف مجمعًا عليها تكون أئمة للناس في تلاوة القرآن.
فلم يكن قصد عثمان جمع ما ليس مجموعًا، فقد كان القرآن زمن الصديق قد جُمِع، وإنما قصَدَ نسخَ ما كان مجموعًا منه زمن الصديق في مصاحف يقتدي بِها المسلمون.
قال النووي: خاف عثمان وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن، أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة، الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحفَ، وبعث بِها إلى البلدان، وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب، وسائر الصحابة، وغيرهم
قال البيهقي: ثم نسخ (زيدٌ) ما جمعه في الصحف (في عهد أبي بكر) في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان على ما رسم المصطفى
اما منهج الخليفة عثمان رضي الله عنه في جمع القران ونسخه فكان كما يلي:
اولا: الاعتماد على جمع أبي بكر الصديق ، ويظهر هذا جليًّا في طلب عثمان الصحف التي جمع فيها أبو بكرٍ القرآن من حفصة -رضي الله عنها، وقد كانت هذه الصحف -كما مرَّ- مستندةً إلى الأصل المكتوب بين يدي النَّبِيّ .
وبذلك ينسد باب القالة، فلا يزعم زاعم أن في الصحف المكتوبة في زمن أبي بكر ما لم يُكتب في المصحف العثماني، أو أنه قد كتب في مصاحف عثمان ما لم يكن في صحف أبي بكر.
ثانيا: أن يُمنع كتابة ما نُسخت تلاوته، وما لم يكن في العرضة الأخيرة، وما كانت روايته آحادًا، وما لم تُعلم قرآنيته، أو ما ليس بقرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة، شرحًا لمعنىً، أو بيانًا لناسخ أو منسوخٍ، أو نحو ذلك.
ثالثا: أن يشتمل الجمع على الأحرف التي نزل بِها القرآن، والتي ثبت عرضها في العرضة الأخيرة مع مراعاة ما يأتي:
أ- عند كتابة اللفظ الذي تواتر النطق به على أوجهٍ مختلفةٍ عن النَّبِيّ ، يبقيه الكَتَبَةُ خاليًا عن أية علامة تقصِر النطق به على وجه واحد؛ لتكون دلالة المكتوب على كلا اللفظين المنقولين المسموعين متساوية، فتكتب هذه الكلمات برسم واحدٍ في جميع المصاحف، محتمل لما فيها من الأوجه المتواترة
ب- ما لا يحتمله الرسم الواحد، كالكلمات التي تضمنت قراءتين أو أكثر، ولم تنسخ في العرضة الأخيرة، ورسمُها على صورة واحدة لا يكون محتملاً لما فيها من أوجه القراء، فمثل هذه الكلمات ترسم في بعض المصاحف على صورة تدل على قراءة، وفي بعضها برسم آخر يدل على القراءة الأخرى.
ومن الأمثلة على ذلك:
1 - قوله تعالى: "وقالوا اتخذ الله ولدًا "، فقد قرأها عبد الله بن عامرٍ الشامي: " قالوا اتخذ الله ولدًا " بغير واو. وهي كذلك في مصاحف أهل الشام.
2 - قوله سبحانه"وَوَصَّى بِها إِبْرَاهِيمُ "، فقد قرأها أبو جعفرٍ، ونافعٌ، وابن عامرٍ: " وَأَوْصَى بِها إِبْرَاهِيمُ " من الإيصاء. وقد رسمت في مصاحف أهل المدينة والشام بإثبات ألف بين الواوين. قال أبو عبيد: وكذلك رأيتها في الإمام مصحف عثمان ، ورسمت في بقية المصاحف بواوين قبل الصاد، من غير ألفٍ بينهما.
3 - وقوله تعالى: " وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ "، فقد قرأها عبد الله بن كثير المكي: " وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ "، بزيادة ( مِنْ) قبل (تَحْتِهَا). وهي كذلك في المصحف المكي، وفي بقية المصاحف بحذفها.
ومِمَّا سبق ذكره في جمع القرآن زمن عثمان يتبين لنا مزايا ذلك الجمع المبارك، ويمكن تلخيص بعضها فيما يأتي:
1. مشاركة جميع من شهد الجمع من الصحابة فيه، وإشراف الخليفة عليه بنفسه.
2. بلوغ من شهد هذا الجمع وأقرّه عدد التواتر.
3. الاقتصار على ما ثبت بالتواتر، دون ما كانت روايته آحادًا.
4. إهمال ما نسخت تلاوته، وما لم يستقرَّ في العرضة الأخيرة.
5. ترتيب السور والآيات على الوجه المعروف الآن، بخلاف صحف أبي بكر ، فقد كانت مرتبة الآيات دون السور.
6. كتابة عدد من المصاحف يجمع وجوه القراءات المختلفة التي نزل بِها القرآن الكريم.
7. تجريد هذه المصاحف من كل ما ليس من القرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة من تفسير للفظ، أو بيان لناسخ أو منسوخ، أو نحو ذلك. (جمع القران)
المفضلات