قالَ إنه أحد أركان الكفر
حذر الشيخ الدكتور إبراهيم الدويش الأمين العام لمركز رؤية للدراسات الاجتماعية من خطورة الحسد، وقال الداعية الإسلامي المعروف إن الحسد هو أول ذنب عُصي الله فيه بالأرض والسماء، نعـــم إنــــه الحـســـد أول ذنب عصي الله به في السماء حين حسد إبليس آدم فلم يسجد له ، وأول ذنب عصي الله به في الأرض حين حسد ابن آدم أخاه حتى قتله " .
وأضاف الدويش: الحسد أحد أركان الكفر ، فقد قيل أن أركان الكفر أربعة : الكبـــر ، والحسد، والغضب، والشهوة. فالكبر : يمنع الانقياد. والحسد : يمنع قبول النصيحة وبذلها. والغضب : يمنع العدل. والشهوة : تمنع التفرغ للعبادة . الحسد الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو العشب. الحسد حالق الدين ، كما قال المصطفى الأمين e :" دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ " خرّجه الترمذي . الحسد داء الأمم ،كما قال رسول الله e : "إنه سيصيب أمتي داءُ الأمم " قالوا :وما داء الأمم ؟ قال :" الأشرُ والبطرُ ،والتكاثرُ والتنافسُ في الدنيا ،والتباعد والتحاسدُ ، حتى يكون البغي ،ثم الهرجُ " . الحسد الذي لم يسلم منه أحد ،سواء كان في العلم بين العلماء ،أوبين التجار في البيع والشراء، أو في المناصب بين أهل الجاه والسلطان ، أو في التنافس والتفوق بين الأقران ، أو في الحظ والجمال بين النساء ، فاتقوا الله عباد الله ،واحذروا أن تكونوا من أعداء نعم الله ،فقد قال e : " إن لنعم الله أعداء " قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال :" الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " خرّجه الطبراني بإسناد حسن .. .. .. والحسد هو :كراهية وصول النعمة إلى الغير، وتمني زوالها عنه . أما إن كنت تتمنى مثلها فقط فهذه هي الغبطة ولا بأس بهذا خاصة إن كانت في الخيرات ،بل إن الله أثنى وحث على هذا فقال: ((إنهم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"،وحث على المنافسة فقال : خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ() )) ،وقال : (( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ))،ومنه قول النبي e :" لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ،وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا " كما في الصحيحين .وفي لفظ " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ " . فلنغبط الناس على مثل هذا ،وفي مثل هذا فليتنافس المتنافسون ،أما التنافس على الدنيا والترف والشهوات فلا فخر ،بل هذا عند العقلاء تقليد وحمق وغباء ،والمصيبة أن يحل محل التنافس :التحاسد ،ويصل لحد البغي والكيد للمحسود ،مر أنس بن مالك رضي الله عنه على ديار خربة خاوية فقال : هذه أهلكها وأهلك أهلها البغي والحسد ،إن الحسد ليطفيء نور الحسنات ،والبغي يصدق ذلك أو يكذبه ،فإذ حسدتم فلا تبغوا . .
وأوضح الدويش: أن الحسد أوله خطرة فإن لم تدفع وتجاهد ، كانت قولاً وهمزاً وغمزاً ،فإن لم تقطع أصبحت فعلاً وبغياً وظلماً ، و قد لا يستطيع بعض الناس بدافع الغيرة أن يدفع ما يجد في نفسه على أخيه ،لكن إياكم أن يَظهر ذلك ،أو أن يصل الحسد للبغي والتعدي والكيد ،قال ابن القيم في أثناء كلامه عن تفسير المعوذتين : " وتأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله :" إذا حسد " لأن الرجل قد يكون عنده حسد ،ولكن يخفيه ولا يُرتب عليه أذى بوجه ما ، لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده ، بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله ، فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله .." الخ . ومن تأمل حال الناس اليوم وجد أن الحسد قد تعدى مداه ،فكم هي النفوس التي تتنفس الهواء الملوث،وتشرب من المستنقعات الآسنة ،تتشفى ممن أنعم الله عليهم من فضله ورزقه ،بالحقد والحسد ،فنبتت في نفسه نبتة خبيثة ،أثمرت ثماراً بغيضة :كيد وبغي ،ووشاية وظلم ،وتصيدٌ ونميمة، حتى وصل الأمر إلى الاستعانة بالسحرة والمشعوذين ، فكم من نفس تتقطع ألماً من أذى الحاسدين، وكم من بيت تهدّم بكيد الحاسدين ، وكم من صحبة تفرقت بمكر الحاسدين ،وكم صاحب جاه ومنصب أُشغل ببغي الحاسدين ، وكم من امرأة تصطلي بنار الحاسدات ، ولكنا نقول لكل الحاسدين : اعلموا أن الله بكل شيء عليم ، وأن لليل سهام لا تُخطىء ،يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ ،وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ،وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِين، اعلموا أن الله أخبرنا بالقرآن فقال : (( إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ )) وقال : (( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ))،وقال : ((فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ))، فهل بعد هذا يُطلق العنان للقلب ، فيبغض من يشاء ؟ ويكيد لمن يشاء ؟
وتساءل الدويش : وما الدافع لأذية المسلمين ؟ الأسباب كثيرة ، لكن حصرها الإمام الماوردي رحمه الله في أسباب ثلاثة ،خلاصتها فيما يلي : بغض للمحسود ،أو عَجْزٌ عن الوصول لما وصل إليه ،أو لفضلِ نعمةٍ أو فضيلةٍ تميز بها المحسود.
وقال الدويش: إن علاج الحسد بالنسبة للحاسد : "يكون بالرضى بقضاء الله وقدره ،ويأخذ النفس باللوم وقهرها بالندم ، حتى يحب الخير لغيره كما يحب لنفسه ، وليخش لقاء الله وسؤاله بين يديه ، وليحرص على إنجاء نفسه من عذاب الله وقهره ، وليكن دائم الذكر لله حتى يعينه على نفسه ، وليتضرع إليه تعالى بإخلاص وصدق حتى يملأ بالنور قلبه ، ويشرح للخير صدره ، ويخرج من ظلمة الحسد إلى نور حب الخير لكل عباد الله .وعليه أن يحكم نفسه عملياً فلا يقول ولا يفعل شيئاً يؤذي محسوده أو يضره أي ضرر ، فإن لم يستطع فليهجر البيئة التي تغريه بالإيذاء ، والصحبة التي تنفخ في نفسه أسباب الداء.
وأوضح الدويش: أن الحسد قاتل لصاحبه ،إذ يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل إلى المحسود شيء من بغيه :غم لا ينقطع ، ومصيبة لا يؤجر عليها ،ومذمة لا يحمد عليها ، وسخط الرب سبحانه وتعالى ، وتغلق عليه أبواب التوفيق.hg],da: hgps] drjg whpfi
المفضلات