رغم أننا عادة نفضل الصمت وقت الفتن لأننا لا نريد أن نكون وقود لها في كل الأحوال إلا أنه هناك أوقات يكون فيها الكلام واجب لنؤد هذه الفتن قبل أن تشتعل . ومع أن المقام مقام تعزية وحزن إلا أن تحويل هذا الحزن إلى عقل وتفكير إيجابي نراه أفضل من مجرد التعزية والحزن حتى نعبد طريق مرور منير ونبني جسر قوى نعبر عليه ونحاول منع تكرار سبب هذا الحزن وأحزان أخرى .
صُدمنا بسماع ورؤية أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية في وسائل الإعلام وسبب الصدمة أن ما وئد بفضل من الله ثم بجهود العلماء من عنف على مدى سنوات يحاول إرجاعه هؤلاء الذين لم يكن لهم موطئ قدم في هذا البلد الذي يتفاعل بحراك ديني وسياسي مستمر ولكنه أبداً لا يفور مدمر ذاته وإذا فار يفور ضد الدخلاء والمستعمرين ولا يفور على نفسه وهؤلاء الذين يحاولون إيجاد موطأ قدم مره أخري فيه سواء كانوا هم الفاعلين أم فعلها غيرهم باسمهم إن شاء الله لن يفلحوا أبداً فهذا البلد مليء بفضل الله بعلماء يفقهون كيف يكون التغيير ويعملون لتحقيق أسباب النصرة الشرعية ويفرقون بينها وبين الأسباب الغير شرعية والتي وإن بدت للبعض سريعة إلا أنها مدمرة .
ورغم أن الجميع يشعر بوجود جو مهيأ للفتنة تَسبب فيه كثير من العوامل والجهات و الأشخاص وخاصة هؤلاء الذين يقطنون بعيداً عن ساحة هذه الفتن ومخاطرها أو على الأقل هم يعتقدون ذلك . إلا أنه رغم كل ذلك فلم نتوقع أن تمتد أيادي عشاق الدماء ( سواء كانوا من الخوارج أو غيرهم ) وأيدي المتربصين بهذا البلد الذي قدر له أن يكون دائماً مهداً يحافظ على بيضة الإسلام وقد أدرك أعداء الأمة ذلك أكثر مما أدركه أهل الإسلام أنفسهم وذلك رغم ما يبدو وبدا أحياناً من أن هذا البلد لم يعد يتبوأ مكانة ولا بقى له تأثير في أُمته . وهؤلاء الذين لم يدركوا ذلك هم ممن لم يقرؤوا التاريخ أو قرأ التاريخ ولم يفهم أن عمر الأمم لا يقاس بالسنوات فقد تضعف بلدة أو أمة ردح من الزمان ولكن تبقى أماكن المنارات تضيء عندما تُحَقق أسباب النصر بنصرتها لرب العالمين فتستحق النصر منه سبحانه وتعالى بهذه الأسباب وبغيرها .
وهذه الحادثة تأتي في سياق تفتيت المفتت وهي أداة الاستعمار الجديدة القديمة التي أثبتت فاعليتها أكثر من الغزو العسكري . أما المستعمر فلم يعد فقط دولة أو إمبراطورية تبحث عن موارد لدعم كيانها ولكن أيضاً دول صغيرة لها أغراض أخرى كالتهميش والإقصاء والإضعاف والترقيع وأيضاً من أفراد استغلوا تأثير الإعلام الإلكتروني والقنوات الفضائية ليقيموا الدنيا بكلمة رغم أنهم هم أنفسهم ليسوا أهلاً للكلام ولكن تصادف أن طريقة الأسواق أصبحت مقبولة لدى الكثيرين الذين أثر فيهم الإعلام الهابط والإحباط المتسلسل وانعدام المَثل والمُثل والقيم والقيمة .
ورغم أن المقام مقام ألم وضيق وخوف على دعوة تنمو وأمة تنتظر ووطن يعاني إلا أن تشخيص أسباب مقام الألم سيكون مهم حتى لا نترك الفرصة لأهل الفتن أن يزكوا فتنتهم ولا للمتربصين أن يحصدوا نتائجهم وهكذا فإن المرتكبين لهذه الجريمة هم ثلاث أصناف :
1- خوارج هذا العصر وكل عصر و الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه قال( بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً أتاهذ والخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال : يا رسول الله اعدل فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لمأكن أعدل. فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: دعه فإن له أصحاباًيحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراق يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيهشيء ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا يوجدفيه شيء ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس) .
وهؤلاء يستغلون خلط الناس بين المجاهدين الحقيقيين والتكفيريين الذين لا يتورعون عن قتل كل من تطوله أيديهم مستحلين الدماء بغير حق ولا تأصيل إلا التأصيل المريض الذي يشفي غليل النفس المريضة .
فإن انتقدت التكفيريين سيقولون يحرم الجهاد أقتلوا هذا الكافر وإن صمت قتلوا أهلهم وأهلك ودمروا كل خطوة دعوية يقطعها الدعاة في طريق الدعوة الحقيقية لدين الله على سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم والذي علمنا كيف ننشرها وبشرنا بسواد هذه الدعوة فعن تميم الداري رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل والنهار ولا يترك اللهبيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل يعز بعز الله فيالإسلام ويذل به في الكفر ) .
فدين الله سيسود رغم أنف من لم يشأ لكن بمن وكيف ؟ من يتحسر على الدعوة ويريد أن ينصرها خارج الأسباب الشرعية بحجة أنها أسرع نتيجة فليتقي الله .
وليخشى أن يكون ممن قال فيهم رب العالمين ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) فتغيير الفساد لا يكون بفساد أعظم منه ومن المعلوم أن الجو الآمن هو جو تنتشر فيه الدعوة ويعمل فيها الدعاة في أقل قدر من الاضطهاد والتعويق .
أما في جو خوارج العصر الذين لم تحصد الأمة من وراء أفعالهم إلا تعويق الدعاة والدعوة إلى دين الله واستعداء المتربصين بالأمة وإعطائهم مبررات ينتظرونها لتدمير ما يستطيعون تدميره فالنتائج كما يرى كل لبيب , فأصبح الكثير من الناس تتخوف من مجرد الهدي الظاهري الذي من المفترض أن يكون مرادف لمنارة هدي لأن صاحبه صلى الله عليه وسلم كان كذلك ولعل تسمية السلفية والسلفية الجهادية هو لبس عند المسميين ( الذين سموها كذلك وكأن قتل الناس بغير حق جهاد بل وسلفية ) في ماهية الجهاد وعدم التفريق بينه وبين استحلال الدماء فليس هناك إلا سلفية واحدة وهي قرآن وسنة بفهم سلف الأمة أما التكفيريين فيسموا بأسمائهم ( خوارج العصر ) بلا خوف ولا مداهنة وهؤلاء لن يمكن لهم إن شاء الله الكريم لا في مصر ولا في غيرها .
2- الأيادي الخفية وهي كثيرة يأتي على رأسها اليهود الصهاينة الذين عاثوا فساداً وتغلغلوا في صمت في جسد هذه الأمة كالسرطان الصامت مستغلين أن العالم أصبح كبلدة صغيرة يسمع صدى ما يحدث في أي مكان منها وقت حدوثه في كل مكان فيها . ومن ورائهم أمهم بالتبني والتي تحاول التدخل في شئون الشعوب باسم الحرية بعد أن أحسوا بقرب فشل رهانهم على الحكومات التي راهنوا عليها لأزمنة طويلة . وتعلموا الدرس جيداً أن خير من يهدم هو أهل ما يُراد هدمه ولذلك راهنوا على كل فتنة بين مكونات الوطن والأمة . وبالطبع ليس هؤلاء وحدهم ولكن هناك دول تبحث عن أدوار في المنطقة مستغلين وضع الثُبات التي تعانى منه دول لطالما لعبت دور رئيسي في أمن هذه المنطقة وشَغل هذه الدول بأنفسها أفضل الطرق لسرقة هذا الدور وتصدير ما يمكن تصديره وتشييع ما يمكن تشييعه وإن شاء الله لن يسمح لكل هؤلاء ( سواء كانوا دول أو حماة باسم الدين أو منظمات أو أفراد ) بالتدخل في شئون أوطاننا فأهل هذا البلد بكافة أطيافهم يملكون من الوعي ما يجعلهم يرفضون هذا التدخل ويفرقون بين نقمتهم على أوضاع معينة ورغبتهم في التغيير وبين أمن البلد بل وأمن الأمة .
ومن ضمن هذه الأيدي الخفية أيادي أفراد وجماعات ومنظمات منهم من ظل خفي ومنهم من اضطر لإظهار نفسه كلياً وليس يديه فقط . وعرفه القاصي والداني لأن صخبه كان عصي على الخفاء لأنه كان صخب فضائي بدأ الفتنة وأستفز حتى غير الملتزمين من المسلمين لأنه أساء إلى أعز ما يملكون وهو دينهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم حتى أنه طلب من المسلمين الرد إن كان عندهم رد فلما بدؤوا الرد ولمدة عدة شهور فقط وبأدب صاح من صاح قائلاً هؤلاء سبب الفتنة ونحن نقول الحوار بدأ ولن يتوقف ولكن المهم هو أسلوب الحوار الذي يهدى ولا يثير الفتن وتشجيعه من عقلاء الطرفين هو الحل وليس محاولة منعه لأن الزمن لن يعود للوراء .
3- الجهل وعن الجهل حدث ولا حرج فالبعض يخلط بين الدعوة لدينه وبين العداء للآخر ولو كان الذي أدعوه هو عدو لي يجب قتله أو إيذائه على كل حال كما يعتقد غلاة الجهلة والمتنطعين بعلم يحفظ ولا يفقه فلماذا يجب أن أدعوه للخير ؟ إلا إذا كانت العلاقة هي عدم موالاه لأسباب مصحوبة بقدر من الحقوق تتحول لحقوق وموالاه في لحظة عند زوال هذه الأسباب وليس عداء القتل الذي فيه تختصر العلاقة في رغبة في القتل أو الإيذاء بغض النظر عن الأسباب .
أما الجاهل الغير مغالي فهو يعتبر نفسه أثناء الدعوة لدينه في خصومة مع خصم يجب ترقيعه وبالطبع ليس بالعلم لأنه لا يملكه أصلاً ولكن بأسلوب الأسواق والردح تحت حجة أن هؤلاء لا يفهمون إلا هذه اللغة .
والنوع الأول والثاني أُناس يؤصلون أو يؤصل لهم دينياً لأمراضهم النفسية فالنوع الأول كاره للناس وللأرض ولنفسه وهو ينتحر عندما يكون خارج حظيرة الدين وينتحر تحت مسمى الشهادة عندما يعتقد أنه داخل حظيرة الدين أما النوع الثالث فهم من الذين يبحثون لأنفسهم عن دور في صراع ويجدون مبتغاهم في معركة كلامية ( خناقه ) في سوق وهم خارج حظيرة الدين كما يجدوه في معركة كلامية في دعوة أو ما يعتقدون أنه دعوة للدين مؤصلين ذلك تارة باستحسان النبي صلى الله عليه وسلم لهجاء حسان بن ثابت للمشركين وتارة بمعرفته طباع الأخريين وأنهم لا يصلح معهم إلا هذا الأسلوب وفي أمر حسان بن ثابت لم يكن الهجاء سب قدر ما كان أسلوب معتمد في هذا العصر وإلا لما اختاروا شاعر بل أتوا بداعرة ردح وسب فهي أقدر على ذلك وأما معرفة هؤلاء وأنه لا يصلح معهم إلا السب فهي حجه واهية فنحن مأمورون بالتعامل مع كل فئة منهم بطريقه محددة :
فالجاهل الأحمق نقول له سلام أي نمتنع عن مناقشته ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) ويؤكد على هذا ويبينه حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( أنا زعيمٌ ببيت في ربض الجنة لمن تركألمراء وإن كان محقاً وبيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)
أما المجادل المناقش فنجادله بالتي هي أحسن قال الله تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) وهذه الدعوة الأساسية لنا فنحن لم نتصدى لدعوته للحق لنسبه ونشتمه بل لندعو الناس ونجذبهم إلى الحق .
أما الظالمون منهم فقد استثناهم رب العالمين من الجدال بالتي هي أحسن في قوله تعالى ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ونلاحظ أولاً أنه حصر جدال أهل الكتاب بطريقة واحدة وهي بالتي هي أحسن أما عن الظالمون الذين ذكروا في الآية الكريمة فقال مجاهد وسعيد بن جبير : وقوله : إلا الذين ظلموا منهم معناه إلا الذين نصبوا للمؤمنين الحرب فجدالهم بالسيف حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية .
وإذا كان الجهاد الشرعي وتطبيق الحدود لا يمكن أن يطبق إلا تحت راية ولى الأمر فكيف يحاول تطبيقه الداعية الذي هو أعلم من الآخرين بدين الله وحدوده وكيفية تطبيقها ؟ ثم ما علاقة السب والشتم بتطبيق حد معين حدده رب العالمين ؟ وقد نهانا الله حتى عن سب الذين يدعون الله مبيناً السبب فقد قال الله تعالى ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) فالمسلم ليس بسباب ولا لعان ولا بفاحش ولا ببذيء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس المسلم بالسباب , ولا باللعان , ولا بالفاحش ولا بالبذيء ) وعن أنس رضي الله عنه قال ( لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً كان يقول لأحدنا عند المعتبه ما له ترب جبينه ) .
هذه هي الطرق التي سمح لنا ديننا باستخدامها في التعامل مع الآخر فأين ذلك مما يستحله من يؤصل لما يهوى وليس لما هو مشروع ؟
والتأصيل الديني للأمراض النفسية لا يخص دين بعينه ولكنه ينطبق على كل من يعتقد أنه ملتزم بطاعة يدين بها لإله وهو من أخطر طرق الإسقاط النفسي الذي يشعر الشخص بالرضى عن نفسه ومن أكثر الحيل النفسية التي يستخدمها الكثيرون .
فالبذيء النمام المغتاب خارج حظيرة الدين هو من أهل الجرح والتجريح ( وليس الجرح والتعديل ) عندما يظن أنه داخل حظيرة الدين والسارق خارج حظيرة الدين هو مجاهد عن ماله عندما يظن أنه داخل حظيرة الدين وهكذا ..
وبالطبع ليس مجال الحديث هنا عن الذين أنعم الله عليهم بفقه علوم تعلموها من شيوخ عرفوا كيفية تعليم تلاميذهم الآخذ بالأسباب الشرعية للنصرة وإن بدت نتائجها بطيئة والبعد عن الأسباب غير الشرعية للنصرة وإن بدت سريعة النتائج .
وبالتأكيد ليست هذه كل أسباب انتشار جو الفتن ولكنها الأسباب الآنية التي تفعل الأسباب الأساسية والتي على رأسها عدم الالتزام بالدين قرآن وسنة بفهم السلف الصالح تحت إشراف علماء فقهوا واختبروا أساليب التغيير الفعالة ولو كانت بطيئة والتي لا تعتمد على تغيير الفساد بفساد أعظم وكذلك تصدى الجهلة من المسيحيين الذين لم يقبلوا طريقة يسوع في التعامل مع العدو قبل الصديق بالتسامح والمباركة والحب وراحوا يؤصلوا إن جاز التعبير للسب والشتم .
وأيضاً من أسباب الفتنة هو الجو العام الذي يشعر فيه الكثيرون بالضيم وخيبة الأمل والفراغ الفكري والعاطفي والسياسي والذي يؤدى إلى الاستهتار وعدم المسئولية مما يؤدى إلى أن يكون هؤلاء وقود سهل المنال لأي فتنة مفتعله يفتعلها من لا يخدم أغراضه إلا هذا الجو العفن .
وبعد تشخيص أسباب الفتنة نرى أنه من المهم أن نوجه عدة رسائل لعدة جهات :
شيوخ المسلمين الفقهاء
شيوخنا الأفاضل عودة إلى التربية وخاصة تربية الجيل الثاني الذي يُرَبى فلا نريد أن يذهب مجهود دعوي لسنوات طوال بذهاب شيخ ( أطال الله أعماركم ومتعكم بالصحة ) وإعطاء علم فقط لطالب دون تربيته وتزكية نفس كأنه إعطاء سلاح لحدث صغير السن لا يحمد عواقب حمله لهذا السلاح وأعلنوا بارك الله فيكم بلا تردد موقف الدين ممن يستحل الدماء بلا حق وسموا هؤلاء بأسمائهم خوارج العصر حتى لا يتلوث الجهاد بالهوى والمرض النفسي أو الجهل وأعلنوا دائما وسائل الإصلاح والتغيير التي يعتمدها المنهج الصحيح .
شباب الدعوة
اتقوا الله في دعوتكم وألجئوا لشيوخكم إن كان لكم شيوخاً وإن لم يكن فابحثوا عنهم وأجلسوا إليهم ولا يغرنكم جو شاع فيه أن يكون الحبل على الظهر والارتجال والخلط عرف سائد في وسط ديني جديد فيه أصبحت الروشنة والتكبير والإفتكاس علامات للداعية الجديد وليس معنى هذا أننا ندعو لأن نكون هذا النمط الذي لا يتبسم مخافة أن تزول هيبته أو لأنه يعتقد أن التبسم عكس الالتزام فدين الله دين أتزان وعقل وحكمة وتعلموا من الشيوخ أساليب التغيير وأخلاقياته قبل تعلم العلم واحذروا من أنفسكم فمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ) يعني ريحها وخرج الترمذي من حديث كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يجاري به العلماء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار ) وخرجه ابن ماجه بمعناه من حديث ابن عمر وحذيفة وجابر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظ حديث جابر لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا تخيروا بالمجالس فمن فعل ذلك فالنار النار فقال ابن مسعود لا تعلموا العلم لثلاث لتماروا به السفهاء أو لتجادلوا به الفقهاء أو لتصرفوا وجوه الناس إليكم وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله فإنه يبقى ويذهب ما سواه .
واعلموا أن الانتماء لمنهج ليس مجرد مسمى نطلقه على أنفسنا بل هو وصف يطلقه علينا الناس موصفين طريقة التزامنا ومنهاج سلوكنا وإلا فسيكون هذا الانتماء كبذرة نبتت في الليل على سطح أرض صماء لن تستطيع أن تتجذر وستموت سريعاً عند بزوغ النهار .
غلاة المسيحيين
اياكم أن يغركم بعدكم عن ساحة الفتنة التي تشعلون فإشعال النار سهل ولكن عندما تشتعل لا يعرف أحد من يستطيع إخمادها ومتى وأنتم مسئولون أمام الله إن كنتم تخافون الله عن هذا الذي تفعلونه بأبناء إخوانكم من المسيحيين في ساحة الفتنة وأيضاً أبناء المسلمين الذين سيشاركونهم نفس المصير فعواصف الفتن لا تفرق بين مسيحي ومسلم فاحذروا فالله قادر سبحانه أن ينتقم منكم في عقر داركم وإن عجز الناس .
المعتدلون من المسيحيين
1_678044_1_48-thumb2.jpgاياكم أن تنجروا وراء هؤلاء الذين يجلسون على مكاتبهم أو في بيوتهم الفخمة في دول أخرى ومعهم أولادهم يؤمنون عليهم من أثر الفتنة التي يثيرونها غير آبهين بمصير أبناؤكم ولا تنجروا وراء شباب صغير السن لم يعرف معنى الفتنة ولم يختبر آثارها وليعلوا صوت العقل فلم يعد هناك مجال لإيقاف الحوار ولكن الطريق هو تشجيع الحوار العاقل الذي ينتهي بحجج وأسباب يترك فيها للمتلقي الحكم بدون أن يترك المجال لمن لا يملكون عقلاً ولا علماً أن يعيثوا فساداً في تشويه جو الحوار العقلي نظراً لصمت العقلاء ومع هذا الحوار العقلي ندعو معاً للالتزام بالحقوق والواجبات والمحافظة على أمن وطن يجمعنا ويجمع أولادنا وأهلينا . وكلنا يعلم أن هذا الوطن لم يعد هناك مجال أن يتركه أحدنا للآخر فلا بديل عن مشاركته وإذا كنا قد تشاركناه كل هذه القرون ولم يستجد ما يجعل أحدنا يضيق بالآخر إلا ما تعرفون من أصوات علت تدعوا إلى الفُرقة و التناحر فلا تتركوا لهذه الأصوات المجال لكي تحاول تحقيق أهدافاً لن يحققوها والخاسر الوحيد هو وقود الفتنه الذي هو بالطبع ليس أولادهم بل أولادنا وأولادكم وليس أهليهم بل أهلنا وأهلكم .
أيضاً محاولة استغلال هذه الظروف في المطالبة بمطالب مبالغ فيها أو تمس المسلمين لن يكون موقف عقلاء وسيكون أقرب للتجارة بدم هؤلاء الذين اعتدى عليهم من حسابه على الدين الإسلامي ظلم للدين وظلم لأهله الذين يتبعون النبي صلى الله عليه وسلم في التبرؤ من الخوارج في أي عصر كانوا ويلتزمون بحقوق أهل الذمة والمعاهدين الملتزمين بالعهد .
ولاة الأمور
اتقوا الله فينا جميعاً فأنتم مسئولون عنا وعن ما يحدث في هذه الأمة أمام الله . شجعوا المتدينين بحق و خذوا على أيدي خوارج العصر ولا تضعوا من اتخذ سنة الحبيب طريقاً ومنهجاً في زمرة الأعداء وفرقوا بين هذا الذي يكفر الناس تحت ستار الدين وهذا الذي يسعى لصالح الناس والمجتمع ويحب هذه الأرض بل يمتد حبه للأمة جميعاً فهذا لن يستطيع أبداً أحد استقطابه أو التغرير به ليخدم أغراض المفسدين والمتربصين بل هؤلاء الدعاة هم صمام أمان فاجعلوهم كذلك واجعلوهم في ظهور أوطانهم فهم خير حماة واجعلوهم طليعة جيوشهم فهم خير طليعة للنصر في أماكن بعيدة يعتمد عليها أمن هذه البلاد لا نقول القومي بل نقول الأممي إن جاز التعبير .
وأخيراً نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحمي أوطاننا وأمتنا ويقيها شر الفتن وأن ييسر لحكامنا بطانة خير ويهديهم للعمل بكتابه وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم حيث تحفظ الحقوق ويأمن المعاهد والذمي وتوأد كل أسباب الفتن ويعز في هذه الأوطان أهل الطاعة ويذل فيها أهل المعصية وأن يهدى شباب المسلمين ويستر بناتهم .
وأن ييسر للمعاهد حفظ العهد فيكون له حق علينا إتباعاً لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ( من قتل معاهداً- ذمياً -لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ( رواه البخاري ) .
وعن أبى بكرة قال: قال رسول الله صلى الله علبه وسلم: من قتل معاهداً في غيركنهه حرم الله عليه الجنة». صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود .
ليس القتل بل الإيذاء أيضاً قال النبي صلى الله عليهوسلم : «من آذى ذمياً فأنا خصيمه يوم القيامة» رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا من ظلم ذمياً أوانتقصه من حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فإنا حجيجه يوم القيامة) رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع .
اللهم احفظ هذه البلاد سخاء رخاء على أهلها وكل بلاد المسلمين اللهم آمين .
شيخ عرب
تحرر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد
وكن عبدا لله
فهذه هي الحرية الحقيقيةehg,e hguwv ,Hlk lwv frgl tqdgm hgado lpl] hgvthud ( hgado uvf)
المفضلات