مقالات سلفية.. في العلمانية (1/5)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
1 ـ الجاهلية العلمانية
أخطر جوانب الحرب الجاهلية على الإسلام.. الجانب الفكري..
وفيه أشد درجات المكر.. ومنها الخروج على المسلمين بمذاهب ونظريات بصورةمكثفة سريعة، تتبدد في محيطها الطاقة الفكرية للعقل المسلم.. فينشغل عنالتصور الكامل للمواجهة الصحيحة..
حتى أصبح الغوص في دراسة هذه المذاهب المطروحة معيارًا للعلم عند الناس واتهام من لا يدرسها بالجهل وعدم الأهلية..
حتى بلغ الأمر أن وقع كل من يحاول متابعة هذه النظريات في دائرة مغلقة تفصل من يدخلها عن الواقع..
فنتج عن تلك المحاولة مشكلة توازي في خطرها خطر النظريات ذاتها..
والعلمانية بكل تطوراتها هي أخطر هذه النظريات..
فكر عصر النهضة: العلمانية.. فالحداثة.. فما بعد الحداثة...
وهذا التطور هو الذي يثبت الاتجاه العام المفروض على الإنسانية والمصير المدبر لها..
حيث إن العلمانية.. التي تعني التخلص من الدين..
ثم الحداثة.. التي تعني التخلص من القيم السائدة.
ثم ما بعد الحداثة.. التي تعني التخلص من قيود العقل بعد التخلص من قيود القيم.
لنفاجأ أن الهدف النهائي لهذا التطور هو.. الوصول إلى حالة المسخ التيسيكون عليها الإنسان في آخر رحلته الأرضية، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس في الطرق تسافد الحمر»( 1).
لذا أصبح من الضروري تقييم هذه النظريات بتصور سلفي تأصيلي، نبتعد به عنالوقوع في الدائرة الخطيرة التي تتبدد في محيطها الطاقة الفكرية الدعويةللباحث المسلم في تلك النظريات الجاهلية المتسارعة..
وعلى ذلك فإندراسة «العلمانية» سلفيًّا يكون بالتعريف الأساسي لها عند أصحابها.. ثميكون حكم التصور الإسلامي فيها، وتحديد المنهج الشرعي في مواجهتها، وكذلكمعرفة الشبهات المثارة من ناحيتها، ودحضها بالقرآن والسنة وفهم الصحابة.
ولا يخرج معنى العلمانية وفقا لأقوال أصحابها عن «العالم، الدهر، الدنيا».
فالعلماني هو الدنيوي الدهري.
ومن هذا المعنى كان الإنسان هو موضوع النظرية.. باعتباره مصدرًا للتفسير العلمي -المزعوم- للوجود.
ليتحول مركز التصور الإنساني.. من "الوحي الرباني " إلى "الإنسان"..
وتبعًا لهذا التحول تبرز أخطر المفاهيم العلمانية.. ويتحدد دور الإنسان في إطار التحيز للعقل ضد الوحي بعد صنع التناقض بينهما!!
كما تأتي قضية حقوق الإنسان.. في إطار حق الخروج عن الدين!!
ومنه حق التعبير والإبداع وحرية الرأي المتجه نحو معاداة الدين وإلغائه !!
وتطبيقًا لضرورة «المواجهة السلفية» نجد أن.. العلمانية بكل تطوراتها لا تخرج عن مصطلح «الجاهلية» الوارد في القرآن..
لتكون العلمانية بالتعريف السلفي لها هي.. «الصيغة النهائية الحديثة الجامعة لمعنى ا لجاهلية».
ودليل ذلك هو توافق أسس العلمانية مع كل جوانب مصطلح «الجاهلية» في القرآن:
ظن الجاهلية (الاعتقاد): الكافر بقدر الله، والزاعم أن الإنسان هو الذي يصنع حياته..
حكم الجاهلية (التشريع): الكافر بشرع الله، والزاعم بأن الإنسان هو الذي يحكم نفسه..
حمية الجاهلية (الولاء): الداعية إلى الانفكاك من آصرة العقيدة، لتكونمحاربة الدين هي القاعدة العلمانية الأساسية لتفسير معنى الإنسانية عندهم..
تبرج الجاهلية (الأخلاق): الداعية إلى تحرر المرأة ومعه التحرر من كل قيم الدين..
والاتفاق على أن العلمانية هي الصيغة الجامعة للجاهلية، وأن الجاهلية هيالتقابل التام مع الإسلام.. هو الذي يفسر التقابل التام بين العلمانيةوالإسلام، واختصاص العلمانية بالعداء للإسلام دون غيره من الأديان.
وتفسير هذا التقابل راجع إلى أن الإسلام هو المنهج الوحيد الكامل والقادر وحده على إقامة حضارة الحق بمعناها الشرعي والإنساني..
في الوقت الذي تعجز فيه الأديان الأخرى عن تحديد أي تصور ثابت عن الوجود الإنساني بأبسط مستوياته.
ومن هنا يكون البعد النهائي للتقييم السلفي للعلمانية.. أنها المناقض المعاصر للإسلام.
ويكون تفسير المصطلحات القرآنية الأربعة للجاهلية.. هو الإطار الفكري لهذا التقييم:
«ظن الجاهلية»
وهو الظن الكاشف لصفات النفس الجاهلية من خلال النص القرآني..
مثلما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَطَائِفَةٌقَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَىْءٍقُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِله} فأما الذين تهمهم أنفسهم وتصبحمحور تفكيرهم وتقديرهم ومحور اهتمامهم وانشغالهم، ولا يعرفون الله حقمعرفته.. فهم يظنون بالله غير الحق كما تظن الجاهلية(2 ).
ومن هنا كانت خصائص الإنسان العلماني هي:
الأنانية والجبن، ليس لهم همَّة إلا أنفسهم، وخوف المنية عليها، قد طارعن أعينهم الكرى، أجبن قوم وأرعبُه، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية.
وهذه الحالة ناشئة عن التكذيب بالقدر: عن ابن عباس في قوله: {يظنون باللهغير الحق ظن الجاهلية} يعني التكذيب بالقدر. فقال الله تعالى: {قل إن الأمر كله لله} يعني القدر خيره وشره من الله.
وهكذا يكون العلمانيون.. تهمهم أنفسهم وتصبح محور تفكيرهم وتقديرهم ومحوراهتمامهم وانشغالهم، ويكفرون بالقدر لأنهم يؤمنون أن الإنسان هو صانعحياته بنفسه.
«حكم الجاهلية»
{أفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
إن معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص.. فالجاهلية -كما يصفها الله ويحددهاقرآنه- هي حكم البشر للبشر، لأنها هي عبودية البشر للبشر، والخروج منعبودية الله ورفض ألوهية الله، والاعتراف في مقابل هذا الرفض بألوهية بعضالبشر وبالعبودية لهم من دون الله..
إن الجاهلية -في ضوء هذا النص- ليست فترة من الزمان.. ولكنها وضع من الأوضاع.
هذا الوضع يوجد بالأمس، ويوجد اليوم، ويوجد غدًا.. فيأخذ صفة الجاهلية، المقابلة للإسلام، والمناقضة للإسلام..
والناس -في أي زمان وفي أي مكان- إما أنهم يحكمون بشريعة الله -دون فتنةعن بعض منها- ويقبلونها ويسلمون بها تسليمًا.. فهم إذن في دين الله.
وإما إنهم يحكمون بشريعة من صنع البشر -في أي صورة من الصور- ويقبلونها.. فهم إذن في جاهلية؛ وهم في دين من يحكمون بشريعته، وليسوا بحال في دينالله.
والذي لا يبتغي حكم الله يبتغي حكم الجاهلية.. والذي يرفض شريعة الله يقبل شريعة الجاهلية، ويعيش في الجاهلية..
وهذا مفرق الطريق، يقف الله الناس عليه.. وهم بعد ذلك بالخيار!
ثم يسألهم سؤال استنكار لابتغائهم حكم الجاهلية؛ وسؤال تقرير لأفضلية حكم الله:
{ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون}..
وأجل! فمن أحسن من الله حكمًا؟( 3)
وفي قضية الحاكمية.. تركز العلمانية بعد إنكار الوحي وزعم العقلانية عدم صلاحية الشريعة لهذا الزمان.
كأن المشرع لا يعلم أن أحوالًا ستطرأ وأن حاجات ستستجد، وأن ملابساتستقع؛ فلم يحسب حسابها في شريعته؛ لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناسفي آخر الزمان؟!
ومن هنا كان الاتهام العلماني المتواصل بقصور شريعةالله عن استيعاب الحاجات الطارئة، والأوضاع المتجددة، والأحوال المتغلبة.. ألم يكن ذلك في علم الله وهو يشدد هذا التشديد، ويحذر هذا التحذير؟!
«تبرج الجاهلية»:
ومن هذا المصطلح رفع شعار «حق المرأة» الذي يعتبر عندهم أبرز تلكالحقوق.. لتصورهم أن قهر المرأة هو رمز التسلط الديني على الإنسان، حتىأصبح مطلب تحررها أهم شعارات العلمانية في الواقع، بما تضمن هذا الحق منإباحية وتحرر من الأخلاق، والدعوة إلى الفوضى الجنسية كصورة طبيعية للمجتمعالإنساني بحسب تصورهم.
فكانت العلمانية تعني مباشرة.. الفوضى فيالعلاقات الجنسية.. ونظام الأسرة المخلخل وهبوط النظرة إلى الجنس؛ وانحطاطالذوق الجمالي؛ والاحتفال بالجسديات العارمة، وعدم الالتفات إلى الجمالالرفيع الهادئ النظيف.. يبدو هذا في أشعار الجاهليين حول جسد المرأة،والتفاتاتهم إلى أغلظ المواضع فيه، وإلى أغلظ معانيه!( 4)
ويبدو هذا حديثًا في الأفلام وكل وسائل الإعلام العلماني.
فالذوق الإنساني الذي يعجب بمفاتن الجسد العاري ذوق بدائي غليظ.. وهو منغير شك أحط من الذوق الذي يعجب بجمال الحشمة الهادئ، وما يشي به من جمالالروح، وجمال العفة، وجمال المشاعر.
وهذا المقياس لا يخطئ في معرفةارتفاع المستوى الإنساني وتقدمه. فالحشمة جميلة جمالًا حقيقيًّا رفيعًا. ولكن هذا الجمال الراقي لا يدركه أصحاب الذوق الجاهلي الغليظ، الذي لا يرىإلا جمال اللحم العاري، ولا يسمع إلا هتاف اللحم الجاهر!
وبهذاالمقياس نجد أننا نعيش الآن في فترة جاهلية عمياء، غليظة الحس، حيوانيةالتصور، هابطة في درك البشرية إلى حضيض مهين. وندرك أنه لا طهارة ولا زكاةولا بركة في مجتمع يحيا هذه الحياة؛ ولا يأخذ بوسائل التطهر والنظافة التيجعلها الله سبيل البشرية إلى التطهر من الرجس، والتخلص من الجاهلية الأولى؛وأخذ بها -أول من أخذ- أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على طهارته ووضاءته ونظافته ( 5).
«حمية الجاهلية»:
والتي يكشفها القرآن في قول الله عز وجل: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله}.
قوله تعالى: {هم الذين كفروا} يعني قريشًا، منعوكم دخولالمسجد الحرامعام الحديبية حين أحرم النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بعمرة، ومنعوا الهدي وحبسوه عن أنيبلغ محله. وهذا كانوا لا يعتقدونه، ولكنه حملتهم الأنفة ودعتهم حميةالجاهلية إلى أن يفعلوا ما لا يعتقدونه دينًا، فوبخهم الله على ذلك وتوعدهمعليه، وأدخل الأُنس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيانه ووعده( 6).
فحميةالجاهلية.. هي طغيانها في محاربة الإسلام على مسلماتها ذاتها، مثلما طغتقريش في منع المسلمين من دخول المسجد الحرام؛ مخالفين بذلك مسلمات حرمةالبيت عندهم بالصد والمنع عن المسجد الحرام..
وهي نفس ظاهرة خروجالعلمانيين في حربهم على الإسلام عما يعتقدونه هم أنفسهم، إذ لم تخرجالجاهلية عن مسلماتها وقواعدها إلا في الحرب على الإسلام..
ففي الحرب العلمانية على الإسلام.. تأييد الديكتاتوريات أمام الحركات الإسلامية.
وفي الحرب العلمانية على الإسلام.. لا حقوق للإنسان ولا ديمقراطية ولا حرية للاعتقاد.. يتعطل كل ذلك ويؤمر بمنعه..
وفي الحرب العلمانية على الإسلام.. لا مانع من المجازر والتعذيب وقمع الحريات..
كل هذا.. فقط إذا كانت الحرب على الإسلام!
ومن هنا كان اختصاص الإسلام بالحرب العلمانية.
أما سبب هذا الاختصاص فهو أن حرب العلمانية على الدين جاء من منازعته لها على تنظيم الحياة البشرية وقيادتها.
والإسلام هو الدين الوحيد الذي يملك القدرة على ذلك، ومن هنا كان التركيزالعلماني على عوامل هذه القدرة وعلى أي أثر يثبت فاعلية هذا المنهج.
والله يقول الحخق وهو يهدي السبيل
lrhg sgtn tn hguglhkdi
المفضلات