بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فهذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال ، فمذهب الأئمة الثلاثة : أن الرجل الواحد يجوز له أن يصف خلف الصف وحده لعذر أو لغير عذر ، وهذا مذهب الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، واحتجوا بوقوف المرأة خلف الرجل ، فإنها تقف خلف الرجل وحدها ، وتقف خلف الصف وحدها كما تبث في الصحيح .
لكن في الإستدلال نظر : فإن المرأة نص النبي - صلى الله عليه وسلم- على جواز وقوفها وحدها مع الرجال ، وثبت في السنن أنه قال : { لا صلاة لفرد خلف الصف } [1] رواه أحمد وابن ماجه .
ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الرجل والمرأة ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد : أن المشروع للمرأة أن تصف خلف الرجل وحدها ، وأن الرجل لايكون وحده ، فإن فعل فلا صلاة له إذا صلى ركعة فأكثر سواء كان لعذر أو لغير عذر ، للحديث الذي ذكرناه آنفا وعمومه .
والقول الثالث : اختاره شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم وغيرهما من المحققين أن في هذا تفصيلا ، وهو أنه إذا وجد في الصف محلا يقف فيه ، لم يصح أن يقف وحده خلف الصف ، وإن لم يجد محلا يقف فيه ، جاز له أن يصف وحده بل وجب عليه ، ولا يترك الجماعة ، وهذا هو الصواب ، والدليل على هذا أن العلماء رحمهم الله أجمعوا على أن جميع ما يجب في الصلاة ، يجب مع القدرة عليه ، وأنه إذا عجز عنه سقطت عليه المصافة ، وكذلك الفاتحة وغيرها من أركان الصلاة وواجباتها تسقط مع عدم القدرة ، فمن باب أولى وأحرى سقوط المصافة المختلف في وجوبها إذا تعذر الوقوف في الصف ، ويؤيد هذا أن صلاة الجماعة فرض عين على الرجل المكلف ، فإذا أدرك الناس يصلون ، ولم يجد في الصف موضعا يقف فيه ، فإن ترك الصلاة فقد ترك ماهو فرض وهو صلاة الجماعة ، وإن صلى معهم ووقف وحده ، فقد أدرك هذا الفرض وسقطت عنه المصافة التي تعذرت عليه .
وهذا القول هو الموافق لأصول الشريعة وقواعدها ،فنقف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة لفرد خلف الصف } [2] فمتى صلى خلف الصف لغير عذر لم تصح صلاته إذا كان رجلا ونقول أيضا : إن هذا الواجب يسقط بالعجز عنه ، لقول الله سبحانه وتعالى :{ فَاتَّقُواْ اللهَ مَاسْتَطَعْتُمْ } وقوله صلى الله عليه وسلم :{ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ماستطعتم } متفق عليه ، فلم يوجب علينا ما لا نستطيعه ، فلا واجب مع عجز ، كما لا محرم مع اضطرار .. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
كتبها
أبو عبد الرحمن المدني
عشية يوم الأربعاء الموافق 18 / رجب / 1428 هجري
[1] أخرجه ابن ماجه (1003) من حديث علي بن شيبان رضي الله عنه ، وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (949).
[2] سبق تخريجه .p;l wghm hglktv] ogt hgwt
المفضلات