الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
يحتل شهر رمضان منزلة عظيمة في قلوب المسلمين الموحدين لله رب العالمين، فهو يمثِّل قيماً روحية، ومشاعر وجدانية عظيمة لدى أبناء الإسلام، كيف لا وفيه درر العام وأفضليتها، فيه الرحمة، والمغفرة، والعتق من النار، فيه العشر الأواخر التي فيها ليلة القدر، من أدركها فقد أدرك خيراً كثيراً.
وهذا الشهر يقطف لنا طاقات من البهجة والفرح، إذ تجتمع فيه الكثير من أمهات العبادة: فهو شهر الصيام، والقيام، والصدقة، وغيرها من أبواب الخير…
وكلما أقبل هذا الشهر الكريم المبارك المعظم تطلعت النفوس المؤمنة إلى لقائه، واستبشرت بمقدمه، وفرحت بقربه، فهو نعمة إلهية عظيمة ليس في الأجور الكثيرة التي أودعها الله فيه فقط، ولا في العتق من النيران فحسب، بل لما اشتمل عليه من دروس عظيمة لا يقدرها حق قدرها إلا من عرف حكمة الصوم وفائدته، وآثاره على القلب والنفس والبدن والمجتمع كله.
وشهر رمضان قد اختص عن غيره من الأشهر بـ:
1. مغفرة الذنوب:
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، رواه البخاري (37)، ومسلم (1268)…
"إيماناً: أي تصديقاً بأنه حق، واحتساباً: أي يريد الله وحده لا رؤية الناس"، عانة المسلم في شرح صحيح مسلم (1/3).
2. وفيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار:
وهذا يتم في أول ليلة من هذا الشهر المبارك، كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة»، رواه الترمذي (618)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2/182)…
وفي الحديث بيان لفضائل عديدة تقع في هذا الشهر.
3. أنه فيه عبادة من أعظم العبادات:
وهذا من أكبر دواعي الفرحة بقدوم هذا الشهر، وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه»، رواه البخاري (1771)، ومسلم (1944).
4. ويستحق المؤمن أن يفرح بقدوم هذا الشهر، وحُق له أن يفرح للبشرى التي أعدها الله عز وجل للصائمين، فعن سهل رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة باباً يقال له "الريان" يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد»، رواه البخاري (1763)، ومسلم (1947).
أخي العزيز…
إن شهر رمضان فرحة وبهجة يجدها كل عبد مؤمن، وقد سطرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه»، وإنه لمحل الفرحة ووقتها حقاً، إذ كيف لا يفرح المؤمن وقد فُتح له بابٌ إلى الجنة، وبابٌ لمغفرة ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، ولعتق رقبته من النار، ومناداة لباغي الخير أن أقبل، أقبل بصدق إلى رب البرية، بكل ما فيه فلاح وفوز العبد في الدنيا والآخرة…
ولا شك أن هذا مطلب كل عبد، ومراد كل موحد، فكيف إذن لا يفرح العبد بقدوم هذا الشهر عليه، وكيف لا يُسَرُّ وقد وهبت له منحة إلهية ربانية للنجاة من النار، والفوز برضا الله رب العالمين.
نسأل الله عز وجل أن يبلغنا هذا الشهر، وأن ييسر لنا الصيام والقيام، وأن يتقبل منا القليل، ويعفو عن الكثير، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
نقلا من: طريق الاسلامhgtvpm fr],l vlqhk
المفضلات