الرضا هو من أصعب الأمور على النفس فأنا سمعت معظم الشرائط وقرأت معظم الكتب عن الرضا ولكن يكون لها تاثير المخدر لوقت قصير ثم يأتى الضيق والإكتئاب والشعور بعدم القدرة على التحمل فلماذا ?
أهو ضعف الايمان ام ضعف القدرة على التحمل ام ماذا؟
رضا القلب واطمئنانه وسعادته – والذى سيتبعه بكل تأكيد رضا الجسد واطمئنانه وسعادته بمجرد مراعاة أكله وشربه ونومه ولبسه بتوسط واعتدال كما وصى الإسلام – هو محصلة لعدة أسباب علمنا إياها ربنا ورسولنا وإسلامنا من اتخذها رضى وسعد فى دنياه وأخرته ، ومن لم يتخذها تعس فيهما .. وأهم هذه الأسباب :
1- استشعار النعم وإستعظامها :
فمن استصغر ما عنده من نعم ، كنعم الصحة بكل أنواعها ، ونعم صلاح الأبناء والآباء والأزواج والجيران والأصحاب والزملاء وحسن العلاقات معهم .. وغير ذلك من النعم والتى لا يمكن حصرها كما يقول تعالى :" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها "..
سيشعر دائما بعدم الرضا ، لأنه يرى أنه ينقصه الكثير ، فهو دائم النظر لما ينقصه ولما عند الغير لا لما عنده .. ولذا حذرنا الرسول صلى الله وعليه وسلم من هذا فى قوله :" انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم " أخرجه البخارى ومسلم ..
فلو نظر هذا الذى لا يرضى مثلا إلى الأعمى وهو بصير ، وإلى الكسيح وهو يتحرك وإلى الأخرس والأصم وهو يسمع ويتكلم ، وإلى صاحب المرض وهو سليم ، وإلى الأرمل وهو متزوج ، وإلى العقيم وهو صاحب ذرية ، وإلى .. وإلى .. والذى يصعب حصره .. فليست النعم والأرزاق أوراقا مالية فقط !! فهذا جزء ، وهو يمثل القليل فى تحصيل الرضا .. فهل المال مثلا سيعيد البصر أو السمع أو الزوج الميت أو نحو ذلك ؟!!
لا الأنانية والكراهية والحسد القلبى الذى يعقبه أقوال وأفعال تؤدى إلى إزالة نعمة الغير فعليا كنصائح خبيثة ضارة وكعدم تعاون وما شابه ذلك مما يزيد عدم الرضا ويزيد القلق والتوتر والتعاسة ، الأمر الذى حذر منه الرسول صلى الله وعليه وسلم فى قوله :" دَبَّ بينكم داء الأمم قبلكم ، الحسد والبغضاء ، هى الحالقة ، لا أقوال الحالقة التى تحلق الشعر وإنما الحالقة التى تحلق الدين " أخرجه الترمذى
2- دوام تذكر الآخرة :
لأن من فاته شىء فى الدنيا ، فهو متأكد تمام التأكد أنه لن يفوته فى الآخرة ، بل سيعوضه أضعافا مضاعفة بكرم الله وعدله وحبه لخلقه كما يقول :
" فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".. فمن كان دائم الربط لأعماله الدنيوية بالآخرة بأن أستحضر نوايا الخير فى قلبه أثناء فعلها ، استشعر الرضا والسعادة ..
ومن نسى ذلك ولم يلمسه ويستشعره صعب عليه الرضا ، بل كلما فاته شىء فى الدنيا كان يريده كلما اضطجر وقلق واكتأب وتعس وإزداد حسرة، لأنه يعتبر أن ما فاته كثير ! رغم أنه ضئيل جداً بالنسبة لما ينتظره فى الآخرة !! .. إذا كان يتذكرها .. يقول تعالى :
" ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم "
.. ثم على المسلم أن يذكر نفسه دائماً بأن ما فاته فمن المؤكد أن لا خير له فيه مادام قد أحسن اتخاذ أسباب الحصول عليه وحاول مرات ثم لم يأته فليعلم حينئذ أن هذا تقدير الله وأن عدم مجيئه لابد فيه مصلحة له وخير وسعادة ولو كان جاءه لكان حدث له ضرر ما أو تعاسة .
لأنه سبحانه يقول :" وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شراً لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " فهو يعلم أين مصلحة خلقه وسعادتهم فيحققه لهم ويمنع عنهم ما يضرهم ويتعسهم لأنه يعلم الغيب ويعلم كل شىء مخفى أم معلن
هذا ، ويراعى أن الحزن عند المصيبة لا يعنى عدم الرضا ، بل هو فى فطرة كل بشر ووضعه خالقهم فيهم ليدفع لمقاومة ما حدث ومحاولة التعامل معه والتغلب عليه ، لكن المهم ألا يصاحبه ماهو حرام من أقوال أو أفعال ، كما قال الرسول صلى الله وعليه وسلم عند وفاة ابنه ابراهيم :" إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون "
أخرجه البخارى
كذلك محاولة تغيير ما حدث نحو الأفضل لا يعنى عدم الرضا ! فقد طلب الرسول صلى الله وعليه وسلم من المسلمين الأوائل الهجرة من مكة للحبشة لفترة لما اشتد إيذاء الكفار لهم إلى حتى تتحسن الأحوال ويمكنهم العودة ونشر الإسلام
3- مراجعة آيات الرضا :
والتى تحمل ضمناً بعض الأعمال التى من يعملها يرضى ، ومن يتركها لا يرضى .. مثل قوله تعالى :" رضى الله عنهم ورضوا عنه ، ذلك لمن خشى ربه " فخشية كراهية الله وامتناع حبه وعونه ورزقه وتوفيقه ، وخشية عقابه فى الآخرة لمن لم يتب ..
كل ذلك يدفع دفعاً شديداً لفعل كل ما يؤدى إلى حبه وعونه .. فيرضى المسلم من أعماله ويرضى عنه ربه فيحيا راضياً فى دنياه مستبشرا بثواب آخرته .. ومثل قوله تعالى :" والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه " فمن اتبع الرسول صلى الله وعليه وسلم وصحابته الكرام فى تمسكم بكل أخلاق الإسلام لابد أن يرضى ، لأنه يتبع أكمل نظام يبين له كل خير وسعادة فى كل مواقف حياته لأنه من عند الله الكامل المنزه عن الأخطاء ..
ومثل قوله تعالى :" رضى الله عنه ورضوا عنه أولئك حزب الله " فمن تجمع مع الصالحين عاش غالبا صالحا راضيا بهذا ، فهو بإذن الله من حزب الله الراضين المرضى عنهم من ربهم .
4- التخطيط ومحاولة تحقيق النجاح وأداء الواجبات :
فمن وضع أهدافا ثم حققها واحدا تلو الآخر شعر بسعادة الإنجاز وشعر بالرضا داخل قلبه أنه ناجح وينتظر حياته وينتظر بإذن الله نجاحا أعظم وأخلد فى الآخرة ، كما يقول تعالى :" وبشر المحسنين " فكلما أحسنوا زادهم الله إحسانا وثوابا .. إن هذا الانشغال بتحقيق الإنجازات بشغل عن النظر للآخرين – إلا لعونهم وطلب معونتهم – ويشعر النفس بتحقيق نجاحات كما هم يحققون .. فيرضى الجميع ويسعدون
5- الدعاء وطلب رضاه .. وذكره سبحانه :
فرغم كل الأسباب السابق ذكرها – والتى من يتخذها يثاب أعظم الثواب عليها – أهمها دعاء الله تعالى بأن يضع الرضا فى القلب ، كما كان يفعل الرسول صلى الله وعليه وسلم ، فقد كان فى دعاء الاستخارة مثلا يقول عن الشىء الذى يستخير عليه إذا وفقه الله له وكان فيه مصلحة :" .. ثم رضنى به " ..
فمن إتخذ أسباب الرضا ولم يدعو فقد لا يأتيه الرضا ! ومن دعا ولم يتخذ الأسباب قد لا يأتيه أيضا ! فلابد من الاثنين معاً
هذا ، ومما يعين على الرضا القلبى بعض الأذكار التى وعد الله من يقولها ويواظب عليها بأن يرضيه فى دنياه وآخرته مثل قول الرسول صلى الله وعليه وسلم :" من قال حين يمسى : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ، كان حقا على الله أن يرضيه " أخرجه الترمذى
وختاماً ، فلاشك أن الرضا هو خلق من الأخلاق الحسنة التى يحتاج المسلم إلى التدريب عليها والتمسك بها .. ومما يعينك على ذلك : العلم والعمل .. وفقك الله وأعانك ورزقنا الرضا وملأ قلوبنا بالسكينة والإطمئنان والرضا .
منقول
lthjdp hgsuh]i
المفضلات