كتبه : د.أمير عبداللهالبحْثُ عن اليقين
أحبتنا في الله .. كثُر التساؤل عن البحث عن اليقين بين كثيرٍ من الإخوة والاخوات .. الذين تعرضوا في لحظة من حياتِهِم لشبهةٍ أو شكٍ أو فتور .. فيظُن أنه قد عُدِمَ اليقين .. فيبحثُ عنه وهو أرقبُ ما يكونُ منه.
وقد يصِل اليقين إلى الإنسان .. ولا يُدرِك أنه قد وصَلَ إليهِ .. هل يُمكِن أن يحْدُث ذلِك؟!
الجواب: نعم .. يُمكِن أن يصلك اليقين ألف مرة .. وفي كل مرةٍ لن تجده لأنك استخْدَمت مقياساً مغلوطاً لقياس اليقين .. وبالتالي غالطْتَ نفسَك .. واصطنعت مقياسًا لليقين غير صحيح .. وطالما المقياس غير صحيح .. فلن نصِل حتْمًا إلى هذا اليقين المطلوب ..
مثالُ ذلِك :
لو أردت قياس درجة حرارة الجِسْم .. ولم تعْلم أن الترمومتر الزِئْبقي هو المقياس الصحيح لدرجةِ الحرارة .. وتكونت عندَك القناعة بأن درجة الحرارة تُقاس بالمسطرة المدرسيّة .. فهل ستصل إلى درجة الحرارة؟!..
لو جلسْت عُمْرَك كُلَّهُ تبحث عن درجة الحرارةِ (اليقين) , فلن تصِل إليها .. لأنكِ اسْتخدمت المسطرة (مقياس مغلوط) في غيرِ محلّه.. ولم تتعرف على الترمومتر(المقياس الصحيح).
من يبْحَثُ عن اليقين .. لابُد أن يسْتَخْدِم المقياس الصحيح لليقين.
وهذا هو لُبُّ المشكِلَةِ عِنْدَ أحبتنا هؤلاء.
المقياس الصحيح لليقين.
لكي نتعرف على المقياسِ الصحيحِ لليقين .. فلابُد أن نحدد أولًا .. اليقين من ماذا؟َ!
اليقينُ من شيء مادي أم من شيء معنوي؟!
المادي : كل مالهُ كُتْلَة وله حجْم .. وهو ما يُمكِنُ أن نُمسِكَهُ باليد .. او نُخْضِعَهُ للتجربةِ المعْمَلِيّة .. أو نتحسسهُ أو ما يدًل عليْهِ بالحواسِ الخمْسَة .. مِثْلَ : كوب الماء .. او الكُرْسي .. المسمار .. الغازات .. المياه... الخ.
المعنوي: كل ما ليْسَ له كتلة وليْس له حجْم ولا يُمكِن رؤْيَتُه .. وغاب عني كُنْهُهُ وحقيقتُه .. مثل الذكاء , العلم , الجهل , الحق , الباطل , الصدق , الكذب , الروح ... الخ.
كيْف نتيقّنُ من المادي؟! : أراه بعيْنيّ .. امسِكُهُ بيديّ .. له كُتْلَة ولهُ حجْم .. اتيقنُ منه إن أمسكتُهُ بيديّ .. أو نظرتُ إليْهِ بعيْنَيّ .. أو شممتُ ما يدُل عليْهِ بأنْفي .... الخ. , النتيجةُ: أني تيقنتُ منه.
كيْف نتيقّنُ من المعنوي؟! :بالدليلِ العقْلي .. أو بالتواتُر .. يكْفي أن يكون لديْنا دليل يدُل على صحة الشيء .. دليلًا لا يُخْتَلَفُ عليْهِ .. الكوباية بتمسكها في ايدك لكن الذكاء هل يمكن امساكه باليد؟ العلم هل يُمكن امساكه باليد؟ .. بالطبعِ لا.. ومع ذلِك نستطيع البرهنَةَ على الذكاءِ والبرهنةَ على العلم.. والتيقُنُ منه.. بل نسْتطيعُ الجزْمَ يقينًا بأنّ! هذا الفلان ذكي , وأن هذا الأكثر ذكاءًا .. وأن ذاَك ألمعي ..وفلان الآخرُ غبي .. عافانا الله وإياكم... ويُمكننا أن نقول هذا عنده علم .. وهذا عالم .. وذاكَ جاهل- عافانا الله وإياكم.
ما هي المعايير التي بها أتيقَنُ من وجود ما لا أراه مثل الذكاء ؟!.. كيْف أتيقنُ من ذكاءِ فلان ونجْزِم انه ذكي ؟!.. بمعايير الذكاء : كتابته, اسلوبه , نجاحه , تفوقه مقارنةً باقرانِه, درجةُ حِفْظِهِ , ذاكرته ... الخ.
كيْف أتيقنُ من علم فلان والعلمُ لا نراه ؟! .. أتيقنُ من علمِهِ .. من إطلاعِه .. من صدق نظريّتِه .. من امتحانِ صحّةِ ما قال .. من المراجِع .. من شهادة العلماء حولَه .. الخ.
إذًا فالماديات يكفيك امساكها واختبارها بحواسِكِ الخمْسَة .. بيْنما المعنويات فالمقياسُ فيهِ هو الدليلُ العقلي : تحتاج إلى معايير ودليل أو أدلة عقلية تُثبِت صحة ما لا نراه أو وجودَه .. ولِذا .. الذي يدُلُّ عليْهِ .. الآيات التي تدُلُّ عليْهِ .. القرائِنُ التي تدُل عليْه .. وهنا نصِلُ إلى درجةِ اليقين ..
دليلٌ واحِدٌ عقلي ومنطقي , صحيحٌ خالٍ من الغلط والمغالطة يكفي لنحْكُم بالشيء وجودًا او عدمًا.. أما لو تضافرت مجموعة أدلة فقد زاد اليقين وثبُت ورسَخ.. ولِذا تختلِفُ درجة اليقين من شخْصٍ إلى آخر , بمقدارِ ما وقف عليْهِ من أدلةٍ وآياتٍ وتدبر فيها.
أخي الكريم/ أختنا الكريمة .. إن مكمن الغلط .. أنكِ تريد قياس المعنوي بنفس مقاييس المادي:
فقبل أن توغِلَ في البحْثِ .. ابحَث أولًا عن مكمنِ هذه الأغلوطة الفكرية التي قد تحجِبُ عنكِ اليقين ..
نقطة تفكير كبيرة جدًا لابُد أن تنضبِط وهو أنّك تُريد قياس المعنوي بنفْس الطريقةِ التي تقيس بهما المادي .. والتيقُن من الماديات يخْتلِفُ عن التيقُن من المعنويات كما بيّناه أعلاه..
ما بيْن اليقينِ والسفْسَطة
أخي الكريم/ أختنا الكريمة : صحةُ الوحيِ , الإسْلام , المسيحيّة , الحق , الصدق , الباطِل , توحيد الله .. ليْست مسامير ولا كرسي ولا مادة يُمكِن امساكها في اليد .. فإن ظننتِ أن اليقين هو أن تستشعر الإسْلام او أي فكر صحيح , كما تستشعر كرسي أو كوب في يدِك , فهذه مغالطة كُبرى للعقل والمنطِق .. وعندها ستظلُ عمرَك كله تبحث عن هذا اليقين المغلوط والمزعوم..
أخي الكريم/ أختنا الكريمة : ما دلّ عليْهِ الحِسُّ , أو ما صدّقَهُ العقْلُ السليمُ بالدليل والمنهجِ الصحيحِ في الإستدلالِ هو اليقين ..
وكل محاولة ارتيابٍ او تشكيكٍ في اليقين هو ضرْبٌ من الجنونِ والمرض وهو ما يُسمى السفسطة ..
والسفسطة أنواع منها :
- إنكار الحق مع وجود الدليل عليه .. واسمُهُ العناد.
- وقد تكون بانكار الحق لمجرد التشكيك في كل شيء وأي شيء حتى ولو ثبُتَ بالدليل , وهذا جُزْءٌ من مرض معلوم في الطب باسم الوسواس القهري , جعله بعض المختلين نظرية فلسفية وهي مغالطة وسفسطة.
- ومنها قلب الحقائِق بجعل الشكّ حقيقة أؤمن بها , فكل ما شككت فيه أؤمن به.
ولو كانت السفسطةُ حقًا لسقطت كل العلوم , ولسقطت شهادات المتعلمين ودكتوراة العلماء ونظرياتهم الطبية أو العلمية أو العملية التي اعتقدوا صحتها.. فكل علمٍ يجِبُ أن يُبنى على حسٍ وعقل وأدلة على صحّتِه , وما بُني على غيْر ذلِك فهو تشكيكٌ وجهالة.
أحبتنا في الله .. كانت هذه فائِدة لابُد منها .. لتصحيحُ الفكْر .. قبل ان نسْلُكَ الطريق معًا
حين ينضبِط تفكيركم ومنطِقُكم بضوابِط الفكر المنهجيِّ , سينضبِطُ لكِ كل شيء.
ثبتنا اللهُ وإياكم على الحق .. آمين.
hgfpe uk hgdrdk >> thzA]m ggfhpedk uk hgpr
المفضلات