التربية عن طريق الالتزام بالعادات الإيجابية
محمد بن سالم بن علي جابر
العادة تعني: "تكْرير فعل الشَّيء الواحد مرارًا كثيرة، زمنًا طويلاً، في أوْقات متقاربة"[1]؛ ولهذا قيل: "العادة طبع ثانٍ"؛ وذلك لأنَّها تشبه الطَّبع الأوَّل - وهو الخُلُق الطَّبيعي - في شدَّة ثباتِها ورسوخها في النَّفس[2].
والإنسان عبارةٌ عن مجموعة من العادات، تكيِّف سلوكَه تجاه الحوادث والوقائع، وتساعده على مواجهة متطلَّبات الحياة، وسدِّ حاجاته، وتعزيز فطرتِه[3]، وهو ما يدل على الدَّور الهامِّ الذي تلعبه العادة في حياة الإنسان، فحين ينشأ الإنسانُ على العادات الحسَنة يدل ذلك على تكيُّفه وصحَّته النفسيَّة، ويؤهِّله ذلك للحصول على مكانة اجتماعيَّة راقية في المجتمَع، تُشْعِره باحتِرام ذاته داخل الهيْئة الاجتماعيَّة الَّتي ينتسب إليْها؛ ومن هنا تَظْهر أهمِّيَّة تربية العادات الحسنة لدى النَّاشئة في مرحلَتَي الطُّفولة والصبا؛ ليكون ذلك عونًا لهم بعد ذلك في مسيرة حياتِهم[4].
لهذا نجِد الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يَحرص على استِخْدام أسلوب التَّربية عن طريق العادات الصَّالِحة منذ الصِّغر؛ حتَّى ينشأ النَّشْء عليْها، وتلازمهم عند شبابِهم وشيخوختِهم، وفي نفْس الأمر لا تكلِّف شيئًا إلاَّ التَّوجيه السليم؛ فمَن شبَّ على شيءٍ شاب عليْه، ويدلُّ على ذلك ما رواه عمر بن أبي سلمة - رضِي الله عنْهما - قال: كنت غلامًا في حِجْر رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وكانت يدِي تَطيش في الصَّحْفَة، فقال لي رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((يا غلام، سَمِّ الله، وكُلْ بيمينِك، وكل ممَّا يليك))[5].
فالرسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هنا قد عمَد إلى تغْيير العادة السَّيئة الَّتي اتَّبعها هذا الطِّفْل في الأكل، وأحلَّ محلَّها عادة إيجابيَّة، وهذا هو منهج الإسْلام في التَّربية بالعادة، حيث يستبدل العاداتِ الحسنةَ بالسيِّئة.
ولهذا الاستِبدال طريقان:
أحدهما: طريق الحَسْم والإزالة، إذا كانت العادة تتَّصل بأصل التصوُّر والعقيدة والارتِباط المباشر، فإنَّ الإسلام يقطع هذه العادة قطعًا مباشرًا؛ لأنَّها كالورم الخبيث، لا بدَّ من أن يُجتثَّ ويُسْتأصل من جذوره؛ لأنَّه يتعارض مع الحياة النفسيَّة، ومثال ذلك: موقف الإسلام من عبادة الأوْثان، والكذب، والكِبْر... إلخ.
ثانيًا: التدرُّج البطيء، وذلك في العادات الاجتماعيَّة الَّتي لا تقوم على مشاعِر الفرد وحدها، بل ترتبِط بأحوال اجتماعيَّة واقتصاديَّة متشابكة، ومثال ذلك: موقف الإسْلام من الخمر، والربا، والرق ... إلخ.
وتغْيير العادات السلبيَّة يحتاج من المرْء إلى عزيمة ماضية قويَّة، لا تسمح بأي استثناءات أو عوارض، تتخلَّل ما عزم عليه الإنسان من ترْك العادة السيئة، وإحلال العادة الحسنة محلَّها، فمثلاً إذا عزم المرء على ترْك عادة التَّدخين، فيجِب عليْه ألاَّ يسمح لنفسِه ألبتَّة بتناوُل - ولو نفَسًا واحدًا - من الدخان، وكذلك إذا كان متواكِلاً أو متكاسِلاً، فلا يسمح لنفسِه بتأْجيل عملِه عن وقْتِه مهْما كانت الظُّروف؛ لأنَّه لو سمح لنفسِه بشيء من هذه الاستِثناءات، كان ذلك بمثابة الصَّدع في البنيان، فإنه لا يلبث بعده أن ينهدِم[6].
وحتى تتمَّ التربية بالعادة - أيضًا - فإنَّه لا بدَّ من تعاوُن جميع الأجهزة في ذلك، صغيرها وكبيرها: من الأسرة، والمؤسَّسات التعليميَّة، والثَّقافة الجماهيريَّة بأنواعها، وأنظِمة الحكم؛ وذلك بتهْيئة الظروف للعادات الحسنة لتحلَّ محلَّ العادات السيِّئة؛ لأنَّ كثيرًا من النَّاشئة والشباب يعترف بخطئِه، وبارتِكابه للعادات السيِّئة؛ إلاَّ أنَّ وجود المناخ السيِّئ وإتاحة الفرصة لها يجذبه نحوها، ويجعلها تُلازِمُه وتعترض تفكيرَه[7].
ــــــــــــــــــــ
[1] الدراسات النفسية عند المسلمين، د/ عبدالكريم العثمان، مكتبة وهبة، القاهرة، ص (219).
[2] الانحراف عند الشباب في العصر الحاضر: أسبابه ومظاهره وعلاج الإسلام له، د/ مصطفى نصر أبو المكارم شريف، رسالة دكتوراه، كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بطنطا، جامعة الأزهر، 1410هـ- 1990م. ص (489).
[3] علم النفس التربوي والتوافق الاجتماعي، د/ عبدالمجيد عبدالرحيم، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية، 1981م، ص (147).
[4] تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس، محمد السيد محمد الزعبلاوي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط 4، 1419هـ / 1998م، ص (342).
[5] الانحراف عند الشباب في العصر الحاضر، مرجع سابق، ص (498)، والحديث أخرجه البخاري (9/521) كتاب الأطعمة، باب: التسمية على الطعام والأكل باليمين (5376)، ومسلم (3/1599) كتاب الأشربة، باب: آداب الطَّعام والشَّراب (108/2022).
[6] تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس، مرجع سابق، ص (366، 367).
[7] الانحراف عند الشباب في العصر الحاضر، مرجع سابق، ص (488).hgjvfdm uk 'vdr hghgj.hl fhguh]hj hgYd[hfdm
المفضلات