فصل قوله تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء اللهوقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله}
[1]، لا يدل على أن العبد ليس بفاعل لفعله الاختياري، ولا أنه ليس بقادر عليه، ولا أنه ليس بمريد،
بل يدل على أنه لا يشاؤه إلا أن يشاء الله، وهذه الآية رد على الطائفتين: المجبرة الجهمية والمعتزلة القدرية. فإنه تعالى قال: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}
[2]، فأثبت للعبد مشيئة وفعلا، ثم قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ}
[3]، فبين أن مشيئة العبد معلقة بمشيئة الله. والأولى رد على الجبرية، وهذه رد على القدرية، الذين يقولون: قد يشاء العبد ما لا يشاؤه الله كما يقولون: إن الله يشاء ما لا يشاؤون.
وإذا قالوا: المراد بالمشيئة هنا الأمر على أصلهم، والمعنى وما يشاؤون فعل ما أمر الله به إن لم يأمر الله به. قيل: سياق الآية يبين أنه ليس المراد هذا، بل المراد وما تشاؤون بعد أن أمرتم بالفعل أن تفعلوه إلا أن يشاء الله، فإنه تعالى ذكر الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، ثم قال بعد ذلك: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله}
[4] وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ}
نفي لمشيئتهم في المستقبل. وكذلك قوله {إلاَّ أّن يّشّاءّ بلَّه} تعليق لها بمشيئة الرب في المستقبل، فإن حرف «أن» تخلص الفعل المضارع للاستقبال، فالمعنى: إلا أن يشاء بعد ذلك، والأمر متقدم على ذلك، وهذا كقول الإنسان: لا أفعل هذا إلا أن يشاء الله.
وقد اتفق السلف، والفقهاء على أن من حلف فقال: لأصلين غدًا، إن شاء الله، أو لأقضين ديني غدًا إن شاء الله، ومضى الغد ولم يقضه أنه لا يحنث، ولو كانت المشيئة هي الأمر لحنث، لأن الله أمره بذلك، وهذا مما احتج به على القدرية، وليس لهم عنه جواب، ولهذا خرق بعضهم الإجماع القديم وقال: إنه يحنث.
وأيضا، فقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله}
[5] سيق لبيان مدح الرب والثناء عليه ببيان قدرته، وبيان حاجة العباد إليه، ولو كان المراد لا تفعلون إلا أن يأمركم لكان كل أمر بهذه المثابة، فلم يكن ذلك من خصائص الرب التي يمدح بها، وإن أريد أنهم لا يفعلون إلا بأمره كان هذا مدحًا لهم، لا له.
نفي لمشيئتهم في المستقبل.
نفي لمشيئتهم في المستقبل.
نفي لمشيئتهم في المستقبل.
نفي لمشيئتهم في المستقبل.
مجموع الفتاوى/المجلد الثامن/سئل عن أقوام يقولون المشيئة مشيئة الله في الماضي والمستقبل
سئل عن أقوام يقولون المشيئة مشيئة الله في الماضي والمستقبل
سئل رحمه الله تعالى: عن أقوام يقولون: المشيئة مشيئة الله في الماضي والمستقبل، وأقوام يقولون: المشيئة في المستقبل لا في الماضي. ما الصواب؟
فأجاب:
الماضي مضى بمشيئة الله، والمستقبل لا يكون إلا أن يشاء الله، فمن قال في الماضي: إن الله خلق السموات إن شاء الله، وأرسل محمدا إن شاء الله، فقد أخطأ. ومن قال: خلق الله السموات بمشيئة الله، وأرسل محمدا بمشيئته ونحو ذلك، فقد أصاب.
ومن قال: إنه يكون في الوجود شيء بدون مشيئة الله، فقد أخطأ. ومن قال: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فقد أصاب، وكل ما تقدم فقد كان بمشيئة الله قطعا، فالله خلق السموات بمشيئته قطعًا، وأرسل محمدا بمشيئته قطعًا، والإنسان الموجود خلقه الله بمشيئته قطعًا، وإن شاء الله أن يغير المخلوق من حال إلى حال، فهو قادر على ذلك، فما خلقه فقد كان بمشيئته قطعًا، وإن شاء الله أن يغيره غيره بمشيئته قطعًا، والله أعلم
المفضلات