بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الإنسان بين القبول والرفض
هناك البعض يرفضون أشياء لعدم فهمها , وهذا شيء طبيعي , ولكن من غير الطبيعي إن يقبل البعض الآخر أشياء غير مفهومة لا يجدي فيها شرح أو تفسير أو تبرير أو حتى خداع النفس بزعم أنها سر لا يدرك أو سر كهنوتي أو سر كنسي , لا يتعلق إلا بالخواص فقط دون العوام !! لان من يقول ذلك يعلم يقينا بأنه يخدع نفسه ويضلل الآخرين
مما يجعلنا نتساءل
1- هل عدم الفهم لشيء ما هل يدل على خطأه أم يدل على غباء المتلقي وعدم تبصره ؟ هذا من جانب .
2- ومن جانب اخر هل قبول الانسان لبعض الاشياء يدل على صحتها ام يدل على التقليد بلا حجة اوبرهان و تكيف هذا الانسان مع الخطأ و الفساد مما يجعله ينصهر معهما فى بوتقة واحدة فيصبحا كيان واحد يرى الحق باطل والباطل حق ؟ .
1- قبل الاجابة عن هذه الاسئلة يجب ان نعلم الفرق بين شيئين هامين وهما غير المفهوم وغير المقبول مع معرفة ما هى الاسباب التى تؤدى الى الرفض ؟ وما هى تلك الحيثيات التى تفرض القبول ؟ وما هو التكيف ؟ وما الذى يؤدى اليه كنتيجة ومسبب ؟ ومتى يقال انه قد حدث يقينا ؟ وهل يمكن له ان يشوشر على الحشوة الفطرية للانسان فيجعله يرى الحق باطل والباطل حق مما يجعل المحصلة النهائية للانسان هى الضلال ام ان ذلك بعيد تماما عن الحسبان ؟ اولا : يجب ان نضح فى حسباننا ان هناك فرق بين غير المفهوم وغير المقبول فغير المفهوم ليس الاعتراض فيه على صحته ولكن وجه الاعتراض فيه مبنى على صعوبة فهمه من جانب وغباء المتلقي من جانب أخر أما غير المقبول فالأغلب فيه هو عدم صحته وإذا كان عدم القبول صادر من عقل صحيح وفطرة سليمة فلا خلاف على عدم صحته مطلقا وخصوصا اذا كان يتناقض مع الثوابت الإنسانية والكونية والعقلية قالي تعالى (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) ) الايات من سورة البلد وقوله:( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) اى وهديناه الطريقين ، طريق الخير وطريق الشر فالنجد هو الطريق وقال سبحانه
(فَأَلْهَمَهَا فجورها وَتَقْوَاهَا) اى عرفها ما تأتي من الخير وما تتقي من شر ( من تفسير البغوى ) وهذه الآيات تشمل كل البشر فاى إنسان على سطح الأرض يستطيع التفريق بين الخير والشر ببساطة تحت عنوان الحسن والقبح الفطري او العقلى بغض النظر عن كونه كافر او مؤمن فهناك بداهات و أوليات تقول بها الفطرة و المنطق السوي و لا تحتاج إلى
تدبيج مقالات في الفلسفة و لا إلى رص حيثيات و مسببات .
الاديان مقولة فطرية
و لهذا كانت الأديان كلها مقولة فطرية .. لا تحتمل الجدل و لا تحتمل التكذيب .. و لهذا كانت حقيقة مطلقة تقبلها العقول السوية التي لم تفسدها لفلفات الفلسفة و السفسطة .. و التي احتفظت ببكارتها و نقاوتها و برئت من داء العناد و المكابرة وتحررت من اغلال الجهل والعصبية والتقليد فقد يكون التحرر مطلق فيصل بالانسان الى المعرفة الحقيقية وقد يكون نسبى فيصل بالانسان الى بعض الحقائق دون بعض او يصل بالانسان الى بعض القيم والاخلاق السامية دون الوصول الى الحكمة من وجود الانسان او الطبيعة. فما هو الذي يجعل بشر في الهند مع إنهم وثنيون يقدسون الزواج ويقبحون اى شيء غيره فيما يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة مع تقدير العفة والشرف وما الذي يجعل فيلسوف ككونفوشيوس لا يؤمن باله او حياة آخرة يؤكد على الأخلاق كاحترام الآباء والأسلاف، وعلى الأفكار كاحترام سلطة الحكومة وضرورة قيام الحكم على أسس أخلاقية عالية وما الذي يجعل رجل مشرك كعبد الله بن أريقط. وهو رجلا من بني الديل بن بكر، وكانت أمه من بنى سهم بن عمرو، ان يكون محلا لثقة الرسول صل الله عليه وسلم، فى الدلاله على الطريق اثناء الهجرة ، ويدفعا إليه راحلتيهما ، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما.(من سيرة ابن هشام ) الاجابة (فَأَلْهَمَهَا فجورها وَتَقْوَاهَا)
وهذا لا يقتصر على البشر فقط بل يمتد ليشمل كل المخلوقات "فيمكنك مثلا ان ترى شعور القطة بالخطا عندما تتلصص على مائدة الطعام وفى غفلة من اصحابها تمد فمها فتلتقف قطعة من السمك فمن اين اتت هذه القطة بهذا الشعور انه هو احساس الفطرة الاولى الذى ركبه الخالق فى المخلوق والقط اذا تبرز ثم اثنى على ما فعل واهال عليه التراب حتى يخفيه عن الانظار ذلك الفعل الغريزى يدل على الإحساس الفطري بالقبح الذي لم يكتسب بل موجود منذ لحظة الولادة وكذلك غضبة الجمل بعد تكرر الاهانة من صاحبه وترفع الاسد عن ان يهاجم فريسته غدرا من الخلف وأيضا الوفاء الزوجى فى الحمام والولاء للجماعة فى الحيوانات التى تتحرك فى جماعات وتقديم الخدمات بلا مقابل من الدولفين وتقديم الكلب حياته فى مقابل حياة صاحبه كل هذه أخلاق مفطورة فى الحشوة الحية وفى الحيوان نحن أمام الأسس الأولى للضمير .. نكتشفها تحت الجلد و في الدم لم يعلمها معلم و إنما هي في الخلقة.
"و نحن إذ نتردد قبل الفعل نتيجة إحساس فطري بالمسئولية .. ثم نشعر بالعبء في أثناء الفعل نتيجة تحري الصواب .. و نشعر بالندم بعد الفعل نتيجة الخطأ .
هذه المشاعر الفطرية التي يشترك فيها المثقف و البدائي و الطفل هي دليل على شعور باطن بالقانون و النظام و أن هناك محاسبة .. و أن هناك عدالة .. و أن كل واحد فينا مطالب بالعدالة كما أن له الحق في أن يطلبها .. و أن هذا شعور مفطور فينا منذ الميلاد جاءنا من الخالق الذي خلقنا و من طبيعتنا ذاتها .
بل ان ذلك يمتد ليشمل العلم المادي اجمع فإذا نظرنا إلى العالم المادي من الذرات المتناهية في الصغر إلى المجرات المتناهية في العظم وجدنا كل شيء يجري بقوانين و بحساب و انضباط .
حتى الإلكترون لا ينتقل من مدار إلى مدار في فلك النواة إلا إذا أعطى أو أخذ حزم ا من الطاقة تساوي مقادير انتقاله و كأنه راكب في قطار لا يستطيع أن يستقل القطار إلا إذا دفع ثمن التذكرة .
و ميلاد النجوم و موتها له قوانين و أسباب.
و حركة الكواكب في دولاب الجاذبية لها معادلة .
و تحول المادة إلى طاقة و تحول جسم الشمس إلى نور له معادلة .
و انتقال النور له سرعة .
و كل موجة لها طول و لها ذبذبة و لها ايضا سرعة .
كما أن كل معدن له طيف و له خطوط امتصاص مميزة يعرف بها في جهاز المطياف وبذلك يكون له بطاقة يعرف بها عبر الافاق البعيدة" ( رحلتى من الشك الى الايمان – مصطفى محمود من ص 47 , 48 , 49 ) واذا كان يعبر عن العدل بالميزان المستقيم فان هذا المعنى نراه متجسد فى الكون كله فيما نسميه بالتوازن العظيم "فلو كانت الكرة الأرضية مثلا أصغر حجم مما هي لضغطت جاذبيتها و لأفلت الهواء من جوها و تبعثر في الفضاء و لتبخر الماء و تبدد و لأصبحت جرداء مثل القمر لا ماء و لا هواء و لا جو و لاستحالت الحياة و لو كانت أكبر حجم مما هي لازدادت قوتها الجاذبة و لأصبحت الحركة.
على سطحها أكثر مشقة و لازداد وزن كل منا أضعاف و لأصبح جسده عبئا ثقيلا لا يمكن حمله .
و لو أنها دارت حول نفسها بسرعة أقل كسرعة القمر مثلا لاستطال النهار إلى 14 يوم و الليل إلى 14 ليلة و لتقلب الجو من حر مهلك بطول أسبوعين إلى صقيع قاتل بطول أسبوعين و لأصبحت الحياة مستحيلة .
و بالمثل لو أن الأرض اقتربت في فلكها من الشمس مثل حال الزهرة لأهلكتنا الحرارة .. و لو أنها ابتعدت في مدارها مثل زحل و المشتري لأهلكنا البرد .
و أكثر من هذا فنحن نعلم أنها تدور بزاوية ميل قدرها 33 درجة الأمر الذي
تنشأ عنه المواسم و تنتج عنه صلاحية أكثر مناطق الأرض للزراعة و السكن و لو كانت قشرة الأرض أكثر سمك لامتصت الأكسجين , و لما وجدنا حاجتنا من هذا الغاز الثمين.
و لو كانت البحار أعمق لامتصت المياه الزائدة ثاني أكسيد الكربون و لما وجد النبات كفايته ليعيش و يتنفس .
و لو كان الغلاف الهوائي أقل كثافة لأحرقتنا النيازك و الشهب المتساقطة بد لا من أن تستهلك هذه الشهب و تتفتت في أثناء اختراقها للغلاف
الهوائي الكثيف كما يحدث حالي .
و لو زادت نسبة الأكسجين عما هي عليه حال ي ا في الجو لازدادت القابلية
للاحتراق و لتحولت الحرائق البسيطة إلى انفجارات هائلة .
و لو انخفضت لاستحال نشاطنا إلى خمول .
و لولا أن الثلج أقل كثافة من الماء لما طفا على السطح و لما حفظ أعماق البحار دافئة وصالحة لنشأة و حياة الأسماك و الأحياء البحرية .
و لولا مظلة الأوزون المنصوبة في الفضاء فوق الأرض و التي تمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض إلا بنسب ضئيلة .. لأهلكتنا هذه الأشعة القاتلة .
فإذا جئنا إلى تشريح الإنسان نفسه فسوف نرى المعجز و الملغز من أمر هذا التوازن الدقيق المحسوب .. فكل عنصر له في الدم نسبة و مقدار ..
الصوديوم .. البوتاسيوم .. الكالسيوم .. السكر .. الكوليسترول .. البولينا .
و أي اختلال في هذه النسب و لو بمقادير ضئيلة يكون معناه المرض .. فإذا تفاقم الاختلال فهو العجز و الموت .
و الجسم مسلح بوسائل آلية تعمل في تلقائية على حفظ هذا التوازن طوال الحياة .
بل إن قلوية الدم لها ضوابط لحفظها .
و حموضة البول لها ضوابط لحفظها .
و درجة الحرارة المكيفة دائم ا عند 37 مئوية من ورائها عمليات فسيولوجية
و كيميائية ثابتة متزنة عن هذا المستوى .
و كذلك ضغط الدم .
و توتر العضلات .
و نبض القلب .
و نظام الامتصاص و الإخراج .
و نظام الاحتراق الكيميائي في فرن الكبد .
ثم الاتزان العصبي بين عوامل التهدئة و الإثارة .
ثم عملية التنظيم التي تقوم بها الهرمونات و الإنزيمات بين التعجيل و الإبطاء للعمليات الكيميائية و الحيوية
معجزة فنية من معجزات التوازن و الاتساق و الهارموني يعرفها كل طبيب و كل دارس للفسيولوجيا و التشريح و الكيمياء العضوية .
و لن تنتهي الأمثلة في علم النبات و الحيوان و الطب و الفلك , مجلدات و مجلدات .و كل صفحة سوف تؤيد و تؤكد هذا التوازن المحكم و الانضباط إن الفوضى هي فعلنا نحن و هي النتيجة المترتبة على حريتنا .
أما العالم فهو بالغ الذروة في الانضباط و النظام .
و لو شاء الله لأخضعنا نحن أيضا للنظام قهرا كما أخضع الجبال و البحار و النجوم و الفضاء .. و لكنه شاء أن يفنى عنا القهر لتكتمل بذلك عدالته .. و ليكون لكل منا فعله الخاص الحر الذي هو من جنس دخيلته .
أراد بذلك عد لا ليكون بعثنا بعد ذلك على مقامات و درجات هو إحقاق الحق و وضع كل شيء في نصابه" (رؤية من كتاب . رحلتي من الشك إلى الإيمان للدكتور مصطفى محمود من ص86 الى ص89 )
اما العقاد فيقول عن الاخلاق المفطورة :
"وان المسلم ليؤمن بصدر هذه الاخلاق المثلى , ويؤمن بأنها جميعا مفروضة عليه بامر من الله .
ولكن المسلم وغير المسلم ليؤمن يستطيعان إن يقولا معا انها صفات لا ترجع الى مصدر غير المصدر الالهى , الذى تصدر منه جميع الاشياء , لان مناطها الاعلى لم يتعلق بمنفعة المجتمع , ولا بأستطاعة القوة , ولا بالقانون والسلطان , ولكنه تعلق بما فى الإنسان من حب للجمال وشوق للكمال , وكلاهما نفحة من الخالق يهتدى بها الاحياء عامة فى معارج الرفعة والارتقاء" .
(الفلسفة القرآنية- عباس محمودالعقاد ص27)
وليؤكد على مكنون الحواشى الفطرية والالهام الالهى الذى يمتد ليشمل كل المخلوقات يقول الدكتور مصطفى محمود مستوبخا فى كتابه "رحلتى من الشك الى الايمان ص90"
بالصدفة يكسر الكتكوت البيضة عند أضعف نقطة فيها ليخرج .
بالصدفة تلتئم الجروح وتخيط شفراتها بنفسها بدون جراح .
بالصدفة يدرك عباد الشمس أن الشمس هي مصدر حياته فيتبعها .
بالصدفة تصنع أشجار الصحارى لنفسها بذوراً مجنحة لتطير عبر الصحارى إلى حيث ظروف إنبات ورى وأمطار أحسن .
بالصدقة اكتشف النبات قنبلته الخضراء ( الكلوروفيل) واستخدامها في توليد طاقة حياته .
بالصداقة صنعت البعوضة لبيضها أكياساً للطفو(بدون معونة أرشميدس) .
والنحلة التي أقامت مجتمعاً ونظاماً ومارست العمارة وفنون الكيمياء المعقدة التي تحول بها الرحيق إلى عسل وشمع .
وحشرة وطبقت في مجتمعها نظاماً صارماً للطبقات .
والحشرات الملونة التي اكتشفت أصول وفن مكياج التنكر والتخفي .
هل كل هذا جاء صدفة .
بينما يعطى الاستاذ عبد الرزاق نوفل امثلة على ذلك فى كتابه الله والعلم الحديث فيقول :
"ها هو حيوان الاكسيلوكوب يعيش منفردا في فصل الربيع ومتى باض مات فالأمهات لا ترى صغارها ولا تعيش لتساعدها في غذائها لمدة سنة كاملة ولذلك هي لا تستطيع الحصول على غذائها لمدة سنة كاملة لذلك نرى الأم تعمد إلى قطعة من الخشب فتحفر فيها حفرة مستطيلة ثم تجلب طلع الإزهار وبعض الأوراق السكرية وتحشوا بها ذلك السرداب ثم تبيض ثم تأتى بنشارة الخشب وتجعلها عجينة لتكون سقفا لذلك السرداب وتصنع بعد ذلك سرداب أخر فمتى فقست البيضة وخرجت الدودة كفاها الطعام المدخر لمدة سنة فمن الذي فطرها على ذلك ؟ وكذا حشرة الزنبور الحفار التي تحفر أنثاه في الأرض نفقا تضع فيه بيضها وبعد أن تحفر النفق لا تضع فيه البيض مباشرة بل تبحث عن دودة تلسعها لسعة تخدرها ولا نميتها ثم تسحبها إلى داخل النفق وتضع عليها البيض وتسد النفق وتموت الأنثى عن بيض قد توافر لدوده عند فقسه ما يكفيه من القوت" فمن الذي علمها ذلك ؟ و ما هي الفائدة المادية والمعنوية التي سوف تعود على أم من صغار لن تراهم لكي تقوم بكل هذه التضحيات لو بحثنا عن إجابة فلن نجد إلا إجابة واحدة أنها مفطورة على ذلك وكذلك البشر مفطورون على توحيد الله وتنزيهه وقبول كل حسن ورفض كل قبيح [عن كتاب الله والعلم الحديث للأستاذ عبد الرزاق نوفل ص108]
: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) ) الايات من سورة النحل
ايضا الفطرة التى تدل على توحيد الله وتنزيهه كما دلت على وجوده لا يمكن إن تكذب اوتضلل والا لضللت الكتكوت والنحلة والطفل الرضيع الذى بمجرد نزوله من بطن امه يلتقم ثديها بدون اى اكتساب علمى أو تجريبى مسبق وبدون اى اخطاء , فهل حدث مرة و اخطا الطفل والتقم شىء اخر .
المهم إن تكون سليمة غير مشوهة .
وهذا من عجائب الالهام الالهى واذا اردت يمكن إن نبدأ القصة من اولها من كتاب "الله والعلم الحديث" "للاستاذ عبد الرزاق نوفل" حيث يقول عن رضاعة الطفل : "تنموا الغدد التى تصنع اللبن فى مدة الحمل , ويدفعها الى هذا النمو مواد يفرزها المبيضان , وفى نهاية الحمل وبدء الوضع , تتلقى هذه الغدد من الغدة النخامية القائمة فى قاعدة الجمجمة , امرا بالبدء فى صنع اللبن , وتعتبر عملية الرضاعة اولى عمليات الالهام للكائن الحى , فأنها عملية شاقة , تتم للطفل عن طريق الالهام فهى لذلك تشهدج يقدرة الخالق , اذ انها تقتضى انقباضات متوالية فى عضلات وجه الرضيع ولسانه وعنقه , وحركات كتلاحقة فى فكه الاسفل وتنفسا من انفه , ولا يمكن إن يتم ذلك مصادفة من اول رضعة لرضيع , الى اخر رضعة لفطيم , بل قرر العلماء اكثر من ذلك , انه لا يمكن للرجل إن يقوم بها بالنجاح الذى يقوم به الطفل الذى لا يتجاوز عمره ساعات . بل دقائق , ولمن يحدث إن اخطأ طفل واحد من ملايين الاطفال الذين ولدوا من يوم إن قامت الدنيا , الى الان والى ما شاء الله فى طريقة الرضاعة" . (الله والعلم الحديث – عبد الرزاق نوفل ص109 , 111 )
ويستطرد الدكتور مصطفى محمود فى كتابه (رحلتى من الشك الى الايمان ) فيقول :
"اننا و إن لم نر الحق و إن لم نصل إليه و إن لم نبلغه فهو فينا و هو يحفزنا و هو مثال مطلق لا يغيب عن ضميرنا لحظة و بصائرنا مفتوحة عليه دوماً .
و لحظة التأمل الصافي تقودنا إليه .
و العلم يقودنا إليه .
و مراقبتنا لأنفسنا من الداخل تقودنا إليه .
و بصائرنا تهدى إليه .
و الحق في القرآن هو الله .. و هو أحد أسمائه الحسنى .
و كل هذه المؤثرات الداخلية تدل عليه .
و هو متجاوز للدنيا متعال عليها .
نراه رؤية بصيرة لا رؤية بصر .
و تبرهن عليه أرواحنا بكل شوقها و بكل نزوعها .
و العجب كل العجب لمن يسألنا عن برهان على وجود الله .. على وجود الحق .. و هو نازع إليه بكليته مشغوف به بجماع قلبه .
و كيف يكون موضع شك من قلبه كل القلوب و مهوى جميع الأفئدة و هدف جميع البصائر ؟
كيف نشك في وجوده و هو مستول على كل مشاعرنا ؟
كيف نشك في الحق و نطلب عليه دليلاً من الباطل ؟
كيف ننزلق مع المنطق المراوغ إلى هذه الدرجة من التناقض فنجعل من لب الوجود و حقيقة حقائقه محل سؤال ؟
إني لا أجد نصيحة أثمن من أن أقول ليعد كل منا إلى فطرته .. ليعد إلى بكارته و عذريته التي لم تدنسها لفلفات المنطق و مراوغات العقل .
ليعد كل منا إلى قلبه في ساعة خلوة .
و ليسأل قلبه .
و سوف يدل قلبه على كل شيء .
فقد أودع الله في قلوبنا تلك البوصلة التي لا تخطئ .. و التي اسمها الفطرة و البداهة .
و هي فطرة لا تقبل التبديل و لا التشويه لأنها محور الوجود و لبه و مداره و عليها تقوم كل المعارف و العلوم .
((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ))
(الروم – 30)
لقد جعل الله هذه الفطرة نازعة إليه بطبيعتها تطلبه دواماً كما تطلب البوصلة أقطابها مشيرة إليه دالة عليه .
فليكن كل منا كما تملي عليه طبيعته لا أكثر .
و سوف تدله طبيعته على الحق .
و سوف تهديه فطرته إلى الله بدون جهد .
كن كما أنت .
و سوف تهديك نفسك إلى الصراط" .
و هذا العلم الذي نولد به .. و هذه البداهة التي نولد بها .. تقوم شاهدة على جميع العلوم المكتسبة و ملزمة لها .. فجميع العلوم المكتسبة يجوز فيها الخطأ و الصواب .. أما العلم الذي نولد به فهو جزء من نظام الكون المحكم .. وهو الحقيقة الأولى التي نعمل على ضوئها نرى جميع الحقائق الفرعية .. و هي المعيار و المقياس .. و إذا فسد المعيار فسد كل شيء و أصبح كل و أصبح كل شيء عبثاً في عبث و هو أمر غير صحيح .
ويستطرد ايضا الدكتور مصطفى محمود فى نفس الكتاب ليقول :
و إذا اتهمنا بالبداهة فإن جميع العلوم و المعارف سوف ينسحب عليها الاتهام و سوف تنهدم لأنها تقوم أصلاً على البداهات .
فنحن هنا أمام أصل من أصول المعرفة و مرجع لا يجوز الشك فيه ( لأن هذا المرجع شأنه شأن الحياة ذاتها ) نحن أمام متن هو لحم المعرفة و دمها . و كما نأتي إلى الحياة مزودين بعضلات لنتحرك بها و ندافع عن أنفسنا كذلك نولد مزودين بالبداهات الأولى لنحتكم إليها في إدراك الحق من الباطل و الصواب من الخطأ .
و أعلى درجات المعرفة هي ما يأتيك من داخلك , فأنت تستطيع أن تدرك وضعك ( هل أنت واقف أو جالس أو راقد ) دون أن تنظر إلى نفسك .. يأتيك هذا الإدراك و أنت مغمض العينين .. يأتيك من داخلك .. و تقوم هذه المعرفة حجة على أية مشاهدة .
و حينما تقول .. أنا سعيد .. أنا شقيّ .. أنا أتألم .. فكلامك يقوم حجة بالغة و لا يجوز تكذيبه بحجة منطقية .. بل إن تناول هذا الأمر بالمنطق هو تنطع و لجاجة لا معنى لها .. فلا أحد أعرف بحال نفسك من نفسك ذاتها .
و بالمثل شهادة الفطرة و حكم البداهة هي حجة على أعلى مستوى .. و حينما تقول الفطرة و البداهة مؤيدة بالعلم و الفكر و التأمل .. حينما تقول بوجود الروح و النفس و بالحرية و بالمسئولية و المحاسبة , و حينما توحي بالتصرف على أساس أن في الكون نظاماً .. فنحن هنا أمام حجة على أعلى مستوى من اليقين .
و هو يقين مثل يقين العيان أو أكثر .. فالفطرة عضو مثل العين نولد به . و هو يقين أعلى من يقين العلم .. لأن الصدق العلمي هو صدق إحصائي و النظريات العلمية تستنتج من متوسطات الأرقام .. أما حكم البداهة فله صفة القطع و الإطلاق 2 × 2 = 4 هي حقيقة مطلقة صادقة صدقاً مطلقاً , لا يجوز عليها ما يجوز من نسخ و تطور و تغير في نظريات العلم لأنها مقبولة بديهية .
1 + 1 = 2 مسألة لا تقبل الشك لأنها حقيقة ألقتها إلينا الفطرة من داخلنا و أوحت بها البداهة .
و هي معرفة أولى جاءت إلينا مع شهادة الميلاد .
لو أدرك الإنسان هذا لأراح و استراح .. و لوفّر على نفسه كثيراً من الجدل و الشقشقة و السفسطة و المكابرة في مسألة الروح و الجسد و العقل و المخ و الحرية و الجبر و المسئولية و الحساب و لاكتفى بالإصغاء إلى ما تهمس به فطرته و ما يفتي به قلبه و ما تشير به بصيرته . (رحلتى من الشك الى الايمان – مصطفى محمود ص43 , 44 )
واذا قيل اذا كان كل انسان على سطح الأرض يستطيع التفريق بين الخير والشر وقد ذكرت أمثلة على ذلك فلماذا اذن لا يؤمن كل البشر ؟ نقول ان السر فى الحقيقة يرجع الى مدى تأثر البشر بالجهل والعصبية والتقليد الأعمى والتكيف مع الفساد المسؤلون عن تشوه الفطرة ورؤية الحق باطل والباطل حق فليس كل البشر لهم نفس درجة التأثر فهناك تفاوت واختلاف فاذا كان هناك ذوى أخلاق ومبادئ ومع ذلك غير مؤمنين فهذا معناه انهم لم يتخلصوا من جميع الأغلال كليا وأهمها التقليد الأعمى
واذا كان الله وضع هذه المقدرة فى الانسان للتفريق بين الخير والشر او الخطأ والصواب فلن يلومن الانسان الا نفسة ان لم يستخدمها فى التفريق بين الصحيح وبين المشوه او الفاسد من العقائد والأديان ولا جدال فى ذلك اذا كان هناك ما يحفز هذه المقدرة او يحرك هذه الحواس (الإدراك والتمييز) متمثلا فى وجود الكثير من العقائد المشوهه والفاسدة على سطح الارض , هذا التحفيز سوف يثبت حكمة سامية متعلقة بالادراك والتمييز متمثلة فى تمييز العقيدة السماوية من بين كل مشوه وفاسد و تصفيتها من الشوائب والشطات والنطحات وهذه الحكمة لم تاتى من احد غير الله حتى لا يكون للانسان حجة او اعتذار عن عدم ايمانه او ضلاله وحيوده عن الحق ولن يكون للانسان حجة اذا وقع في فوهة عميق كان يمكن ان يتفاداها لو لم يغلق عينيه وكذلك لن يكون له حجة اذا جمد عقله اوعطل ما له من وظائف تقوده إلى شاطىء النجاة .
ولقد اشار القرآن الكريم الى بداهة وجود الله وذلك فى قوله تعالى : (أفى الله شك ) اى : انه لا يتاتى الشك فى وجود الله عند العقول والفطر السليمة .
والمعنى :ايشك فى الله حتى يطلب دليلا على وجوده ؟ واى دليل اصح واظهر من هذا الدليل .
ثم نبه بعد ذلك القرآن الكريم على الدليل لمن يحتاج اليه لضعف عقله أو انطماس فطرته فى قوله : (فاطر السموات والارض ).
فوجود الله اذن اوضح من إن يبرهن عليه واظهر من إن يحتاج الى دليل خارجى , ولذلك لان الشعور الدينى والايمان بخالق الكون ومدبره امر فطرى فى الإنسان .
والى ذلك يشير القرآن الكريم فى قوله تعالى : (فأقم وجهك للدين القيم فطرة الله التى فطر الناس عليها )
ويقول النبى صلى الله عليه وسلم : (كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) . (العقيدة فى ضوء الكتاب والسنة – الدكتور صلاح عبد العليم ص23 )
ويقول الامام ابن القيم : ومعلوم إن وجود الرب تعالى اظهر للعقول السليمه والفطر من وجود النهار ومن لم ير ذلك فى عقله وفطرته فليتهمهما ) . (مدارج السالكين 1/23 طبع المنار )
ويستطرد فيقول :
"تأمل حال العالم كله علويه وسفليه بجميع أجزائه تجده شاهدا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم وجحده لا فرق بينهما بل دلالة الخالق على المخلوق والفعال على الفعل والصانع على أحوال المصنوع عند العقول الزكية المشرقة العلوية والفطر الصحيحة أظهر من العكس
فالعارفون أرباب البصائر يستدلون بالله على أفعاله وصنعه إذا استدل الناس بصنعه وأفعاله عليه ولا ريب أنهما طريقان صحيحان كل منهما حق والقرآن مشتمل عليهما" . (المرجع السابق ج1 ص32 )
والواقع انه حين بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم , الجهر بدعوته , بعد نحو ثلاث سنوات من الاسرار بها : فأنه صلى الله عليه وسلم , لم يبدأ بأثبات وجود الله , وانما بدأ بالبرهنة على صدقه هو , وتحدى العرب بصدقه , ومن قبل ذلك حين فاجأه الملك ونزل الوحى لم يبدأ الملكاو لم يبدأ الوحى بأثبات وجود الله , وانما بدأ الامر بأ، يقرأ الرسول صلوات الله وسلانه عليه بأسم ربه : (اقرأ باسم ربك الذى خلق ).
ومضى القرن الاول كله ولم يحاول انسان قط : إن يتحدث حديثا عابرا أو مستفيضا عن اثبات وجود الله تعالى .
ومضى اكثر القرن الثانى والمسألة فيما يتعلق بوجود الله لا توضع موضع البحث .
وذلك لان وجود الله انما هو امر بديهى لا ينبغى إن يتحدث فيه المؤمنون نفيا أو اثباتا ولا سلبا أو ايجابا .
إن وجود الله من القضايا المسلمة التى لا توضع فى الاوساط الدينية موضع البحث : لانها فطرية .
ويقول الشيخ الشعراوى فى كتابه "عقيدة المسلم" عن هذه القضية : وجود الحق سبحانه وتعالى قضية وجدانية اولا نشهد بها الفطرة , وثانيا عقلية ينتهى اليها الفكر , وثالثا مشهدية يشهد لها المشهد والحس .
والانسان له وسائل ادراك بالعلم الخارجى كالسمع والبصر والمس والذوق ليعبر له العالم الخارجى عن نفسه وفيه ملكات يطل منها على ذات نفسه ووجدانه فله منافذ على الخارج ومنافذ على الداخل .
فالمنافذ التى الى الداخل نعرفها حسيا والمنافذ التى الى الداخل نسميها وجدانية .
فمثلا فى المشاهد الحسية يرى الإنسان الاشكال ويرى الالوان ويسمع الاصوات ويلمس الاشياء .....
ومع ذلك فالانسان له ادركات اخرى ليست عن طريق هذه الوسائل , فمثلا يشعر الإنسان باه جوعان , فباى شىء يشعر الإنسان انه جوعان ؟ ابعينه ام بانفه ام بلمسه ؟ لا بشىء من ذلك الا انه يدرك الجوع .
اذن فهناك وسائل ادراك داخل النفس غير وسائل الادراك خارجها .
وانت تدرك انك تحب فلان . وتبغض فلان فباى شىء ادركت هذا الحب ؟ وباى شىء ادركت ذلك البغض ؟ .
اذن فوجود الادركات يدل على إن لها وسائل الا انها لا تقع فى اطار الحواس الظاهرة .
اذن ما دامت هناك هذه الوسائل الادراكية فالفطرة تشهد بذاتها بوجود الله .. وليس بهذه الدقه ((الله)) بل بوجود قوة وراء هذا الكون .
اما كون هذه القوة ((الله)) فهذه لا يدركها العقل ولا تاتى الا بالسمع ولابد إن احدا قال لنا : إن هذه القوة اسمها ((الله)) لان الاسماء لا تدرك بالعقل . (عقيدة المسلم - الشيخ الشعراوى ص 34 , 35 , 36 )
ويقول الشيخ سيد سابق فى كتابه (العقائد الاسلامية ص43) تحت عنوان الفطرة دليل على وجود الله : "والكون وما فيه من نظام واحكام وجمال وكمال وتناسق وابداع ليس هو وحده الشاهد الوحيد على وجود قيوم السموات والارض , انما هناك شاهد اخر , وهو الشعور المغروس فى النفس الانسانية بوجوده سبحانه , وهو شعور فطرى فطر الله الناس عليه وهو المعبر عنه بالغريزة الدينية , وهو المميز للانسان عن الحيوان , وقد يغفوا هذا الشعور بسبب ما من الاسباب فلا يستيقظ الا بمثير يبعث على يقظته من الم ينزل , أو ضر يحيط به والى هذا تشير الاية الكريمة : (واذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا الى ضر مسه )الاية 12 من سورة يونس
واذا دلت الفطرة على وجود الله فأنها ايضا سوف تدل على توحيده وتنزيهه حتى نحصل فى النهاية على عقيدة فطرية خالصة نقية من الشوائب والتشوهات والشطحات والنطحات .
ولا سبيل لذلك الا بالاستعانة بالله ثم التوافق مع الثوابت للاخذ بالاسباب .
ومن غير المعقول ان يرفض العقل او الفطرة ديانة وضعية او عقيدة مشوهة لسبب ويقبل ديانة اخرى او عقيدة لنفس السبب فيكون ذلك بدوره سبب للضلال المقنع والمقنن وانعدام الموضوعية.
hgYkshk fdk hgrf,g ,hgvtq
المفضلات