قصر و دهر هي كمسرحية شعرية ، من مشهد واحد ، أبطالها اثنان : الحكيم والقصر ، وقد صغتها في شعر حكمة ، وصورت القصر يخاطب ويناجي ويقص ويحكي ويندم ويبكي ويتحسر ، يعاتبه الحكيم ويذكره بما سلف من أيام لهوه ولعبه وطيشه ، ثم يوجه كلمة للناس يذكرهم فيها أن الدنيا صلٌّ لادغ ، لا أمان لها ، ولا اطمئنان لجانبها .
[ يدخل شيخ كبير مسن يمشي متثاقلاً تبدو على وجهه أمارات التعب والوصب ، فيؤثر أن يستريح على صخرة مستظلاً بظل شجرة وارفة ..
يتنهد تنهدة عميقة وقد استرق بصرَه منظرُ قصر خرِب .. تبدو على وجهه أمارات العجب ، فيناجي نفسه قائلاً ... ] :
1- ما لي أرى القصر الكبير إلى خراب قد أُعير ؟!
2- على عروش قد خوى قد عضه الدهر المكير
3- ماذا دهى سكانه ؟ هجروه في حر الهجير ؟!
4- واليوم يسكنه السكون فللرياح به صفير
5- خانت قوائمُه العروشَ فأرضه مهد وثير
6- وبناؤه من مرمر قد زاره الهُلْك الدغير
[الحكيم للقصر ..........] :
7- يا مصدراً للهو أنت سفارة ، أين السفير ؟
8- أين الجبابرة العتاة ومن لمثلهم نظير ؟
9- عمروا فراغ قبورهم والقبر ليس هو الأثير
10- كم كنت مرمى اللهو والندماء في ساح الخمور
11- واليوم قد أصبحت وحدك لا نديم أو سمير
12- ولكم بسافير الليالي ازّيّنت منك النحور
13- واليوم قد أصبحت لست مساوياً شروى نقير
[ يلمح الحكيم تغيراً في وجه القصر فيدنو منه ويمعن النظر فيه .......
الحكيم للقصر ....... ] :
14- إني لألمح قصة في كاهليك وفي الزفير
15- إن كان ، أخبر ، ربما يوما ستصبح كالنذير
16- قُصَّ الحكاية كلَّها فيم التضجر والنفور ؟!
[ تسيل العبرات على وجه القصر ، ويهز رأسه نادماً ويقول .......... ] :
17- إن الزمان مبدلٌ معي الشبيبة باليسير
18- قد خلت أني عامرٌ عمر الدهور فلا مصير
19- فغزلت أخياط المنى ألبستنى منها الحرير
20- نجدت فرش جهالة وغططت في نوم قعير
21- وولجت أبواب المتاع وأبحر اللهو الزخير
22- وظننت خلداً سرمداً وجهلت دائرة تدور
23- تلت البروقَ رعودُ يوم فيه ريح زمهرير
24- ونقضت غزلي بغتة ويلاه! قد خاب المسير!
[ ينتحب القصر ]
25- شُيِّدت صرحاً من منى عمراً وفي يوم يمور!
26- واحسرتاه على شباب ضاع من لاه غرير!
[ يعلو صوته بالنحيب ، ويطرق الحكيم رأسه ، ثم يتنهد تنهدة عميقة ، ثم يقول ........ ] :
27- آلآن ؟ تبكي آسفاً غور الشبيبة في الحقير ؟!
28- قد كنت تعدو لاهثاً خلف المتاع كما الذَّعور
29- اللهو كان مطية زلّاءَ ليس لها جرير
30- لما ارتقيت لظهرها أردتك في مهوى السعير
31- وتخذتَ ذا الزمنَ الرفيق ، جهلته صل الثبور
32- وجهلت أن الدهر لا يبقي برفقته القصور
[ يحول وجهه مخاطباً الناس جميعاً ..... ]
33- يا أمة شيطانها هو مالك جل الصدور
34- هل تسمعون ضحية قد ضرها أزل الدهور؟!
35- تالله فيها عبرة ولكل ذي لب بصير
36- هلا سمعتم أيها المتناحرون على النقير!
37- فإذا أردتم عبرة ، فانظروا القصر الكبير
[ يتوكأ الحكيم على عصاه ، ويتجه خارجاً مردداً : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون } .........]
. يسدل الستار .rwv , ]iv
المفضلات