السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
فهذا تخريج أعددته لحديث يذكر في كتب التفاسير و غيرها ، و أرجو من الإخوة الكرام أن يتحفوني بدورهم بالاستدراكات و الفوائد و التعليقات النافعة ، و جزاكم الله خيرا .
حديث :" لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر ".
هذا حديث منكر :
روي من حديث أبي بكرة و ابن عمر و ابن عمرو رضي الله عنهم :
أولا : حديث أبي بكرة :
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في بغية الباحث (ج 1/ ص 123 / رقم 356 ) فقال : حدثنا الخليل بن زكريا ، ثنا حبيب بن الشهيد ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن أبي بكرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر " .
و هذا إسناد ضعيف جدا ، فيه الخليل بن زكريا الشيباني البصري و هو متروك ، حدث بالبواطيل .
ثانيا : حديث : ابن عمر :
أخرجه البزار في مسنده كما في كشف الأستار (ج 2 / ص 265 / رقم 1668) ، و الفاكهي في أخبار مكة (857) ، و الطوسي في مختصر الأحكام (رقم 1283/ ترقيم جوامع الكلم ) ، و ابن حبان في المجروحين (2/234) ، كلهم من طريق الحسن بن عرفة عن أبو حفص الأبار عن ليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ :" لا يركب البحر إلا حاج أو غاز أو معتمر " أو بنحوه .
قَالَ الْبَزَّارُ : لا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ إِلا لَيْثٌ ، وَلا عَنْهُ إِلا أَبُو حَفْصٍ.
قلت : و هذا إسناد ضعيف فيه ليث بن أبي سليم ضعيف مختلط ، و قد أضطرب فيه فرواه مقطوعا من قول مجاهد ، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (4/577) قال : حدثنا حفص بن غياث عن ليث عن مجاهد قال : لا يركب البحر إلا حاج أو غاز أو معتمر .
و علقه ابن الجوزي في " التحقيق في مسائل الخلاف " (2/115) فقال :" قال إسماعيل ، عن ليث ، عن مجاهد : " لا يركب البحر إلا حاج , أو معتمر , أو غاز في سبيل الله " .
ثالثا : حديث ابن عمرو :
حصل اختلاف كبير في إسناده ، سنقوم بتحريره ، و معرفة الراجح ان شاء الله تعالى .
و كلهم رووا هذا الطريق ( طريق عبد الله بن عمرو ) من طريق مطرف بن طريف ، فرواه عنه :
1- إسماعيل بن زكريا :
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/186 ، رقم 2393) فقال : نا إسماعيل بن زكريا ، عن مطرف ، عن بشر أبي عبد الله ، عن بشير بن مسلم ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يركب البحر إلا حاج ، أو معتمر ، أو غاز في سبيل الله ، فإن تحت البحر نارا ، وتحت النار بحرا ، ولا تشترين من ذي ضغطة سلطان شيئا " .
و أختلف عنه ، فرواه عن سعيد بن منصور :
أ- أبو داود : أخرجه في سننه (3/6 ، رقم 2489)، و من طريقه الجصاص في أحكام القرآن(1/131) ، و البيهقي في البعث و النشور (437) ، و الخطيب البغدادي في تلخيص المتشابه (ج 1 / ص 157) ، و ابن الجوزي في التحقيق في مسائل الخلاف (2/115) .
قلت : فذكر بشر أبي عبد الله ، بين مطرف ، و بشير .
ب- محمد بن صالح : أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (858) فقال : حدثنا محمد بن صالح , قال : ثنا سعيد بن منصور , قال : ثنا إسماعيل بن زكريا ، عن مطرف ، عن خالد بن أبي مسلم ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز " .
قلت : و ذكر خالد بن أبي مسلم هاهنا منكر و غريب ، إذ يروي سعيد بن منصور هذا الحديث عن إسماعيل بن زكريا ، عن مطرف ، عن بشر أبي عبد الله .
ت- محمد بن علي الصائغ المكي : أخرجه الطبراني (أظنه في المعجم الكبير – الجزء المفقود ) فقال : حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن مطرف بن طريف ، عن بشير أبي عبد الله ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله ، فان تحت البحر نارا ، أو تحت النار بحرا ، ولا تشتر من ذي ضغطة من سلطان شيئا" . و من طريقه المزي في تهذيب الكمال (4/174) ، ثم قال : رواه عن سعيد بن منصور ، فوافقناه فيه بعلو. إلا أنه زاد في إسناده : عن بشر أبي عبد الله ، بين مطرف وبشير.
قلت : و أخرجه أيضا الخطيب البغدادي في تلخيص المتشابه (ج 1 / ص 157) ، ثم قال : مثل حديث أبي داود سواء ولم يذكر في إسناده بشير بن مسلم ، و قال أيضا : وهكذا رواه هلال بن العلاء الرقي ، وجعفر بن محمد القانسي الرملي ، عن سعيد .
ث- أحمد بن الهيثم الشعراني وأحمد بن بشر المرثدى : أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/18 ، رقم 10862) فقال : وأخبرنا أبو الحسن بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا أحمد بن الهيثم الشعراني وأحمد بن بشر المرثدى قالا حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرف عن بشير أبى عبد الله عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :« لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غازي في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحر ». وقال :« لا يشتر من ذي ضغطة سلطان شيئا ». لفظ حديث الشعراني.
وقد قيل عن سعيد بن منصور بهذا الإسناد عن بشر أبى عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو.
قلت : فلم يذكر بشر بن أبي عبد الله .
ج- أبو حاتم الرازي : أخرجه الديلمي في مسنده كما في اللآليء المصنوعة للسيوطي ( ؟ ) ، فقال : أنبأنا أبى وحمد ابن نصر ، قالا : أنبأنا أبو الفرج البجلي ، حدثنا أبو بكر بن لال ، حدثنا عبد الرحمن بن حدان الجلاب ، حدثنا أبو حاتم الرازي ، حدثنا سعيد ، عن إسماعيل بن زكريا ، عن مطرف ، عن بشير بن مسلم ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحت البحر نار وتحت النار بحر وتحت البحر نار " .
قلت : فلم يذكر بشر بن عبد الله .
2- صالح بن عمر :
أخرجه الخطيب البغدادي في تلخيص المتشابه (ج 1 / ص 157 – 158) ، و أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/18 ، رقم 10861) من طريق صَالِحُ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا .
و لفظ الخطيب : " لا يَرْكَبِ الْبَحْرَ إِلا حَاجٌّ ، أَوْ مُعْتَمِرٌ ، أَوْ غَازٍ ، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا ، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا ، وَتَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا ، وَلا يَشْتَرِيَنَّ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ مِنْ مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ذِي ضُغْطَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ " ،
و لفظ البيهقي : « لا يركبن رجل بحرا إلا غازيا أو معتمرا أو حاجا فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحر وتحت البحر نار ولا يشترى مال امرئ مسلم فى ضغطة ».
قَالَ حَمَّادٌ ( أي ابن المؤمل المؤدب ): قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ .
قلت : و قد رواه سعيد بن سليمان عن إسماعيل ابن زكريا وصالح بن عمر معا ، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (4/334) ، و لم يذكر بشر هذا ، ثم قال البيهقي بصيغة التمريض : وقيل فيه عن مطرف عن بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو .
3- عبد الرحيم بن سليمان " : أخرجه أبي عثمان البحيري في الثاني من فوائده (رقم 37/ ترقيم جوامع الكلم ) ، و الخطيب في تلخيص المتشابه ( ج 1/ ص 156 – 157 ) كلاهما من طريق عبد الرحيم بن سليمان ، عن مطرف بن طريف ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا بلفظ : " لا يركبن رجل بحرا إلا حاجا أو معتمرا أو مجاهدا في سبيل الله ، فإن تحت البحر نارا ، وتحت النار بحرا ، وتحت البحر نارا " ، و في رواية بزيادة : " ولا يشربن امرؤ مسلم من مال امرئ مسلم ذي ضغطة من سلطان " .
قلت : فلم يذكر بشر أبي عبد الله .
4- الليث بن سعد :
قال الخطيب في تلخيص المتشابه (1/158) : أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله التميمي ، في كتابه إلينا من الكوفة ، قال : أنا جعفر بن محمد بن عمرو الأحمسي ، ثنا أبو حصين محمد بن الحسين الوادعي ، ثنا محمد بن عبيد ، نا قبيصة ، عن ليث ، عن مطرف ، عن بشير بن مسلم الكندي ، أنه بلغه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : " لا يركب البحر إلا غاز ، أو معتمر ، أو حاج ، فإن تحت البحر نارا ، وتحت النار بحرا ، وتحت البحر نارا " .
قلت : و لم يذكر بشر أبي عبد الله .
خلاصة تحرير الخلاف :
أن بشر أبي عبد الله هذا لم يذكر إلا في رواية سعيد بن منصور في سننه ، و لم يروه عنه إلا أبو داود عن سعيد في سننه ، و من روى من طريقه .
أما الثقات (محمد بن علي الصائغ المكي و هلال بن العلاء الرقي ، وجعفر بن محمد القانسي الرملي ، وأحمد بن بشر المرثدى و أبو حاتم الرازي ) ، فرووه عن سعيد بدون ذكر لبشر هذا .
و لعل سعيد بن منصور وهم فيه مرة فثبته في سننه ، و رواه عنه أبو داود ، فأن بشر أبي عبد الله ، يتضح أنه ناتج عن تصحيف و وهم ، فأنه قد يكون بشر هو بشير نفسه ، فصحف ، ثم ذكر مرة أخرى كشيخ لبشر هذا في هذا الحديث ، و الله أعلم .
و فيه علل :
1- جهالة بشير بن مسلم أبو عبد الله الكندي : و قال البخاري : " و لم يصح حديثه " ، قال مسلمة بن قاسم الاندلسي : " مجهول " ، و قال ابن حجر في التقريب :" مجهول " .
2- الانقطاع بين بشير هذا و عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : قال العراقي في تخريج الاحياء (2/86) : " أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو وقيل إنه منقطع " .
كشف لنا هذا الانقطاع البخاري في التاريخ الكبير (2/104) بشير بن مسلم الكندي عن رجل عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز قاله لنا محمد بن صباح سمع صالح بن عمر سمع مطرفا وقال لي أبو الربيع ثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرف حدثني بشير أبو عبد الله الكندي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم الله عليه وسلم ولم يصح حديثه وقال أبو حمزة عن مطرف عن بشير أبي عبد الله عن عبد الله بن عمرو .
و ذكر الخطيب في التلخيص (1/158) كذلك من رواية الليث بن سعد ، أن بشير بن مسلم رواه بلاغا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما .
3- جهالة بشر أبي عبد الله : و الراجح عندي أنه من وهم الرواة ، ليس أكثر .
4- الاضطراب : فقد اضطرب فيه بشير بن مسلم أبو عبد الله الكندي ، فرواه تارة معنعنا عن عبد الله بن عمرو ، و تارة عن رجل عن عبد الله بن عمرو ، و تارة بلاغا عن عبد الله بن عمرو ، و كذلك أعله المنذري في مختصر سنن أبو داود ( ؟ ) .jovd[ p]de :" gh dv;f hgfpv Ygh yh. H, ph[ H, lujlv ">
المفضلات