حقوق غفلنا عنها
إنَّ الناس مكرمون في أصل خلقتهم الإنسانية {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، وهم مبتلَون بما أعطاهم الله ومنح وبما أخذ منهم وسلب، مبتلَون بكمال الخلق وبتمام الصحة وبسلامة الجسد، كما أنهم مبتلون بضد ذلك من النقص والإعاقات والعجز، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، ومن أجل هذا فالإنسان موضع العناية والرعاية والحفاظ على الكرامة مهما كانت ظروفه ومهما ابتلي به من عوائق وإعاقات.
وإن اهتمام الأمة بأفرادها جميعًا بكل فئاتهم وتنوع أحوالهم وابتلاءاتهم دليل على إيمانها وحسن تدينها، ناهيكم إذا كانت لها عناية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، والمبتلين بنقص في قواهم قدراتهم.
إنَّ ذوي الاحتياجات الخاصة هم جزء من بنائنا، إنهم عناصر فعالة ذات إسهام في هذا البناء، وحقهم أن تُوفَّر لهم البيئة الصالحة والظروف الملائمة لمنحهم الفرص الحقيقية المناسبة من أجل البناء والعطاء وتوظيف القدرات واستثمارها لهم ولنا.
وثمة اعتبارات أخرى أن أصحاب الحاجات الخاصة مرهفو الشعور، رقيقو العاطفة، يخشى الواحد منهم أن يكون وجوده مع الأسوياء مكدِّرًا أو مؤذيًا، فيتحرَّج من مخالطتهم والأكل معهم، وربما ساء خلق بعض الناس، فنفر من الأكل مع هذه الفئة الكريمة كِبرًا وتعززا، فجاءت الآية لترفع كل هذه الاحتمالات وتدمج كل الفئات؛ ليعيشوا جميعًا في بنية متراحمة كل ذلك في إنسانية آخاذة ورفق وإبعاد عن الخجل والمسكنة والاستنقاص والازدراء، : {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ} [النور: 61].
ومما ينبغي تقريره أن أصحاب الاحتياجات الخاصة يواجهون مشكلات ومعوِّقات لا يستطيعون معها مواجهة معترك الحياة بقدرتهم الذاتية، مما يُوجب بذل مزيد من العناية وحسن التعامل لتتحقق لهم طموحاتهم وإشباع حاجاتهم.
إن لهؤلاء الحق في إيجاد الوسائل المساعِدة وتوفير البيئة الملائمة وتهيئة الظروف في عملهم وتعليمهم وتنقُّلهم داخل المساكن والطرقات والمرافق العامة والخاصة وأماكن العمل ودور التعليم، ليعتمدوا بعد الله على أنفسهم.
ولا ينبغي أن يتوقف الأمر عند حدود المبادرات الشخصية والتوجُّهات الخيرة لدى بعض الفضلاء والمحسنين، بل يجب أن تتحول الجهود من الجميع دولًا ومؤسسات وأفرادًا إلى برامج وخطط وجهود منظمة لسد الاحتياجات وحسن توظيفها وتحقيق الرعاية الاجتماعية الحقة؛ للوصول إلى أفضل مستوى معيشي وخدمي، ومن العناية بهم إعداد الدراسات والأبحاث، وإنشاء المراكز المتخصصة علميًا وفنيًا وإعداد أهل الاختصاص من المعلمين والمدربين والفنيين.
وهناك خطاب للأسرة التي تحتضن هؤلاء الإخوة والأخوات أن يعينوهم ويربوهم على تحمُّل المسئولية والاعتماد بعد الله على أنفسهم ما أمكن ذلك، فليس من الرحمة واللطف عدم تكليفهم، بل إن لهذه النظرة آثارًا نفسية سلبية لا تخفى.
وما من شك أن بذل مزيد من العناية بهم وحسن رعايتهم والحرص على إعطائهم حقوقهم وتوفير الفرص لهم سيفضي إلى زيادة شعورهم بالأخوة والانتماء والمشاركة، فهم قادرون على الإسهام إسهامًا حقيقيًا في بناء مجتمعهم وتنميته والعيش الكريم.
ولا بد أن نعلم أن نظرة الإسلام لهذه الفئة الكريمة من ذوي الاحتياجات الخاصة لم تكن نظرة شفقة أو استضعاف، ومن نظر إليهم هذه النظرة؛ فهو لم يحسن إليهم، ولم يعطهم حقوقهم، فإن حقوقهم محفوظة بمقتضى حفظ حقوق الإنسان الأساسية، إنهم جزء مما اقتضته حكمة الله وسنته من التنوع البشري والطبيعة البشرية، ومن أجل هذا فإن ما كانوا معذورين فيه لم يكن انتقاصًا من حقهم أو تقليلًا من منزلتهم؛ ذلكم أن الحرج والعذر والرخصة هي لجميع أفراد الأمة فيما يعجزون عنه، فالتكليف مرتبط بالاستطاعة {لَا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، والتقوى مع الاستطاعة، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وهذه خطابات لجميع الأمة، فمن حصل له عذر أو حل به مانع؛ فالحرج عنه مرفوع وله الأجر كاملًا والجزاء موفورًا، وسواء في ذلك من فعل العزيمة أو من فعل الرخصة.
فاتقوا الله رحمكم الله، واعرفوا فضل الله عليكم، واحفظوا حقوق إخوانكم، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان، والمؤمنون إخوة، والكل مكلفون، وكل ميسر لما خلق له.
للشيخ: صالح بن حميد -حفظه الله-pr,r ytgkh ukih
المفضلات