صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15
 
  1. #1
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي 24 ساعة من حياة الطفل المسلم


    سم الله الرحمن الرحيم
    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    عزيزي البرعم

    هل تأملت هذا يوما؟

    24 ساعة من حياة الطفل المسلم


    ساعة حياة الطفل المسلم


    القرآن الكريم هو كتاب الله الذي يتضمن الحلول المنطقية الكاملة لكل ما يحتاجه الإنسان في مختلف مجالات الحياة. وتشير الآيتان الأوليان من القرآن الكريم إلى أن الله سبحانه وتعالى تحدث عن كل ما يهم الإنسان: ساعة حياة الطفل المسلم : " ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ"، وساعة حياة الطفل المسلم : "مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيل كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (يوسف 111) ويقول الله تعالى": وَنزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89).
    المؤمن الحق هو الذي ينظم حياته وفقا لمقتضيات
    القرآن الكريم، والمؤمن الحق يسعى إلى تطبيق الآيات القرآنية في حياته اليومية، فكل عمل يقوم به منذ استيقاظه صباحا وحتى ساعة نومه يكون انعكاسا لتأثير الآيات القرانية فكلامه وحركاته وسكناته كلها متوحاة من الأخلاق القرآنية، تلك الأخلاق العالية التي هي حلية المؤمن طوال حياته، وقد جاء في القرآن الكريم: "قُلْ إِنِّي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قَيِّمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (الأنعام، 162)
    يعتقد بعض الناس أنّ الدّين مرتبط بأوقات معينة وعبادات معينة والحياة بالنسبة لهم زمنان: زمن للعبادة وزمن للأعمال الأخرى، إذ أنّهم لا يتذكرون الله والآخرة إلاّ عند أداء الصلاة والصوم والتصدّق أو الذهاب إلى الحجّ. أمّا بقية الأعمال فهي أعمال دنيوية مختلفة لا علاقة لها بالدّين، فالحياة الدنيا حسب رأيهم هي تعب و ركض و مشقّة . هؤلاء النّاس أبعد ما يكونون عن الأخلاق القرآنية فلهم حياتهم الخاصّة وأخلاقهم الخاصة ولهم نظرة تتماشي وفق أهوائهم، فهم لا يفهمون المعاني الحقيقية للأخلاق القرآنية.


    ساعة حياة الطفل المسلم

    يؤمّن الإنسان لنفسه حياة مختلفة عن بقيّة الناس لاتباعه الأخلاق القرآنية مبدأ ومنهاجا، فإيمانه بالقضاء والقدر يبعث فيه الطمئنية ويحميه من الخوف والقلق و يبعث فيه الأمل في الحياة فلا يحسّ أبدا بالتشاؤم و تمنحه القوة لمواجهة مصاعب الحياة، و ينعكس ذلك على أقواله وأفعاله وقراراته وكلّ تصرفاته التي هي نتيجة حتمية لاعتماده
    الأخلاق القرآنية منهاجا لحياته، يظهر ذلك عندما يسير في الطريق وعند الأكل وعند الذهاب إلى المدرسة وعند طلب العلم وعند العمل وعند ممارسة الرياضة وعند الحديث وعند مزاولة الأعمال التجارية وحتى عند مشاهدة التلفاز أو سماع الموسيقى، عندها يعي الإنسان أنّ العيش ضمن التعاليم القرآنية تكليف وتشريف يجب تطبيقها بكلّ دقة سعيا إلى مرضاة الله تعالى في كلّ الأعمال و الحرص على عدم الانحراف عن تلك الأخلاق القرآنية السامية.
    الدين هو هو الأخلاق والوصايا والأحكام القرآنية القابلة للتطبيق في جميع مجالات الحياة، وهذا بلا شك هو الطريق القويم الذي إذا ما سار على نهجه الإنسان فاز في الدنيا والآخرة وحقق السعادة الكبرى، وقد قال الله تعالى: " مَنْ عَمَلَ صَالحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهْوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْييَنَّه حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " ( النحل: 97 )

    إنّ العيش ضمن
    الأخلاق القرآنية يكوّن في الإنسان – بإذن الله – ملكة بعد النظر والعقل الراجح فيكون قادرا على التمييز بين الطريق السليم، والخطإ وكلّما التزم بالمنهج القرآني اكتسب القدرة على التفكير العميق وتحليل الوقائع تحليلا منطقيا. بفضل هذه الصفات تسهل حياة الفرد ويسمو إلى أعلى المراتب لأن الإنسان الذي يؤمن بالله ويحيى بالأخلاق القرآنية تكون جميع تصرّفاته وحركاته؛ قيامه ومشيته ونظرته للأشياء وتقييمه للأمور مختلف تماما عن الناس الآخرين.

    ساعة حياة الطفل المسلم

    إذن سنتناول بالتحليل في هذا الكتاب الأعمال اليومية والأحداث التي يعيشها المسلم على أساس الالتزام ب
    الأخلاق القرآنية، وسنتعرّض بالشّرح للسبل التي يتّبعها المسلمون لحلّ مشاكلهم اليوميّة غايتنا من ذلك تحسّس طريق الحياة السعيدة التي تحققها الأخلاق القرآنية، والله في كتابه الكريم يدعو كل الناس إلى هذه الحياة السّامية، فالطريق الوحيد لحياة خالية من الشك والقلق والخوف والحزن والكدر والعيش في جوّ ملؤه الطّمأنينة والسعادة، هو التحرّك ضمن الأخلاق القرآنية في كلّ ساعة و كلّ لحظة من لحظات الحياة.

    ساعة حياة الطفل المسلم



    24 shum lk pdhm hg'tg hglsgl






    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



  2. #2
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي


    كيف تقضي عزيزي البرعم 24 ساعة وفق تعاليم القرآن

    عند الاستيقاظ صباحا

    لحياة في ضوء الأخلاق القرآنية من أهمّ الفروق بين المسلمين والكافرين، فالمؤمنون يخافون الله ويحكّمون ضمائرهم وعقولهم لتجلّي طريق الإيمان والتيقّن من أنّ الّذين يُرجعون وجود المخلوقات إلى المصادفة أو ينكرون الحقيقة، هم في غفلة من أمرهم. المؤمن الحق يعي جيّدا أنّ الأعمال التي يقوم بها والأحداث التي يعيشها خلال اليوم منذ استيقاضه صباحا هي في الحقيقة انعكاس لما ذكره الله تعالى في آياته قرآنية، تلك الآيات تناولت الحديث عن المخلوقات على أنّها الدّليل البيّن على وجود الله ووحدانيّته وجلال صفاته وعظمة قدرته تعالى، ذلك ما نقصده بما أسميناه "حقائق الايمان". وحقائق الايمان هي العناصر الدّافعة للإيمان والوسائل المثبتة له.



    المؤمن الذي يهتدي
    بالأخلاق القرآنية يجدد إيمانه ويكتشف الحقائق، فمع مطلع كل يوم جديد يفتح الإنسان عينيه ويرى النعم التي أسبغها الله على الإنسان، فيدرك أنه من الضروري شكر هذا المنعم العظيم. فنحن نفيق بعد ليلة كلملة من النوم ننفصل فيها عن العالم الموضوعي، وقد لا يتذكلر الواحد منا سوى ثلاث أو خمس ثوان من الأحلام التي قد لا نتذكرها بتفاصيلها. وخلال تلك الفترة الزمنية تنفصل الروح عن البدن، فلحظات النوم إنما هي في الحقيقة ضرب من ضروب الموت لذلك قال الله تعالى: "الله يَتَوَفَّى اْلآنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرسِلُ اْلأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى..." ( الزمر 42 ) كما يقول تعالى: "وَهْوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَي أَجَلٌ مُسَمًًّى...." ( الأنعام 60 )



    هذه الآيات دليل على أنّ الروح تنفصل عن الجسد أثناء النوم ثمّ تعود إليه ليبدأ الحياة من جديد إلى أن يأتي أجل الموت الحقيقي فتخرج الروح من الجسد تماما دون رجعة. إذن يفقد الانسان قسما كبيرا من وعيه بالوجود والشعور بما حوله من الأشياء أثناء فترة النوم، ويعود له ذلك الشعور كاملا عند الاستيقاظ، و هذه حادثة على الانسان أن يفكّر فيها باعتبارها معجزة من معجزات الله تعالي.
    يأوي الانسان إلأى فراشه ليلا ويتمتع بنعمة النوم، لكنه لا يضمن استيقاظه من الغد رغم خلاء جسمه من الأمراض ودون أن يتعرض إلى أيّ كارثة طبيعية أو حادث، لذلك على المؤمن أن يفكر في ذلك كلما استفاق صباحا، ويشكر الله على نعمة الحياة التي يهبه إياها مع مطلع كلّ صباح جديد، وعليه استغلال الفرصة الجديدة للتقرب إلى الله و الفوز بجنته، و ذلك بأن يبدأ يومه بالدعاء إلى الله ويقوم بالأعمال اليوميّة موقنا بأن الله يراقب أعماله وهو شاهد عليها فيسعى إلى مرضاته و يحرص على تطبيق أوامره، فيكون المؤمن بذلك قريبا من الله تعالى فتقلّ ذنوبه و يعي بأن الله يمتحنه في هذه الدنيا وعلى أساس ذلك يختار أعماله و أقواله.
    هكذا خلق الله الإنسان ومنحه نعمه التي لا تحصى ولا تعد، وعلى الإنسان أن لا يغتر، وعليه أن يتأكد بأنه لا أحد غير الله عز وجل قادر على منحه تلك النعم، : "قُلْ آرَآيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِه انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ " ( الأنعام 46 )
    لا ريب أنّ الله تعالى هو القادر على منح الانسان القدرة على النّوم وهو القادر على إرجاع الحياة مع مطلع كلّ يوم جديد للتمتّع بنعمة الحياة.
    الّذين يعون هذه الحقيقة يبدؤون يومهم بإحساسهم أنّهم قريبون من الله تعالي ويحسّون بالسّعادة بفضل ما أنعم الله عليهم من النعم. أمّا الجاحدون فإنه لا يمكنهم بأيّ حال من الأحوال الوعي بقيمة هذه النّعم، ولا يستطيعون تذوق السّعادة مثلما يتذوقها المؤمن الحق، هم عادة يقومون في الصباح متثاقلين يودّون البقاء في فرشهم الساخنة وقتا أطول، وهم يحسّون بالقلق عند بداية كل يوم جديد لأنهم مقدمون على أعمال روتينيّة تبعث فيهم الملل، لذلك يحرصون على التمتّع بكل دقيقة في النّوم والراحة. العديد من الناس ينهضون من النوم متوتّرى الأعصاب، عبوسي الوجوه، وكل ذلك ناتج عن خلل في إيمانهم.
    إن المنكرين المحرومين من نعمة الإيمان يدورون في حلقة مفرغة منذ قيامهم صباحا وحتى انتهاء يومهم لأنهم يغفلون عن حقيقة مهمة وهي أنه يومهم ذاك ربما كان الفرصة الأخهيرة التي يمنحها الله لهم للتوبة والرجوع إلى طريق الحق. إنهم يحرصون على جمع المال وينسون هذه الحقائق المهمة، ونصب حرصهم على البحث عن الشهرة ونيل إعجاب الآخرين. إنهم يبدأون يومهم بنوع من اللامبالاة غافلين عن أن من واجبهم التفكير في خالقهم الذي سوف يسـألهم لا محالة عما قدمت أيديهم. نعم إن كل يوم جديد هو فرصة عظيمة للتوبة والعودة إلى الله والسعي في إرضائه: "اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَ هُمْ فِى غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ " ( الأنبياء، 1)
    إنّ هؤلاء الناس في غفلة كبيرة و هم يرتكبون خطأ كبيرا. علينا أن لا ننسى أنّ كلّ صباح يمكن أن يكون بداية نهاية كل إنسان، قد تختلف أسباب الموت، كأن يموت الإنسان بحادث مرور أو نوبة قلبيّة أو بأيّ سبب من الأسباب، الموت يمكن أن يداهم الانسان في كلّ لحظة، لذلك على الانسان مثلما بيّنّا سابقا أن يبدأ يومه بالسعي إلى مرضاة الله و القيام بالأعمال الصالحة.

    عند النظافة


    عند النهوض من النّوم يلاحظ الانسان العديد من التغيّرات في جسمه وفي ذلك حكم عديدة، فانتفاخ الوجه وتجعّد الشعر والروائح الصادرة من الفم والجسم، كل ذلك دليل على عجز الانسان وضعفه أثناء النوم. إذن على كل إنسان عند قيامه في الصّباح أن يغسل أطرافه وينظف أسنانه، إنّه منهج المسلم الّذي اتّخذ من القرآن طريقا، فهو يحسّ بالتّواضع ويزداد قناعة بأنّ الكمال لله وحده و النقصان صفة انسانية. كما يتأكد المؤمن كلّما نظر في المرآة أنّ إمكانياته لا تسمح له بتحديد مظاهر جماله بل هي هبة من الله تعالى.
    هكذا خلق الله في عباده صفات النقص والعجز، وكمثال على ذلك فجسم الإنسان يتسخ بسرعة، ولكن في المقابل خلق الله للإنسان الكثير من النعم التي تساعده على النظافة مثل الماء والصابون وعلمه طريقة استعمالها، :"إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا" (الشرح، 5-6)
    نودّ التأكيد هنا أنّ المؤمن الحق فقط يستطيع اكتشاف الحكمة من خلق النّعم الموجودة، ولذلك يحمد الله ويشكره، والمؤمن الحق له القدرة على التفكير تفكيرا سليما.
    والمؤمن يحمد الله على نعمة النظافة ويشكره على ما منحه من وسائل التنظيف. والمؤمن يعي جيدا أن النظافة جزء من الإيمان وهي طريق للتقرب من الله عز وجل، فالله طيب لا يقبل إلا طيبا فبها ينال العبد مرضاة الله وثوابه، يقول تعالى في كتابه الكريم: "وَثِيَابَك فَطَهِّرْ وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ" وهذا امر لجميع المؤمنين بأن يلتزموا بالطهارة. وقد ذكر الله الإنسان بأنه هو الذي أنزل نعمة الماء فقال: "وَيُنَزِّلَُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَ كُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ " ( الأنفال، 11)
    إذن الماء هو العنصر الأساسيّ لنظافة الجسم والبيت والأشياء الأخرى، فهو ينظف الأوساخ ظاهرها وباطنها كما ينعش الانسان ويريحه من التعب، ويفيد الماء أيضا في إزالة الشعور بالإرهاق والقلق ويساهم في تخفيض الأمراض لدى الانسان ويزيل الطاقة الكامنة التي تتسبب في وهن الجسم، تلك الطاقة الكامنة في الجسم ولا يستطيع الانسان رؤيتها بالعين المجردة لكننا نحسّ بها في بعض الأحيان عند قيامنا بحركة خلع قميصنا الصّوفي فينبعث صوت، أو عندما نلمس شيئا نحسّ كأنّه لسعة كهربائية تهزّ أجسامنا، كما نحسّ أحيانا بانتفاش الشعر. هكذا يتخلّص الانسان من كلّ ذلك عندما ينّظف جسمه فيحسّ أنّ جسمه خفيف نشيط ويحسّ بالرّاحة الكاملة مثلما يساهم طلوع الشّمس بعد يوم ممطر فى بعث البهجة والفرحة في القلوب لأن الماء يقضى على تلك التراكمات الموجودة في الجسم والباعثة على القلق والوهن.
    فالمؤمن يحرص دائما على النظافة والاعتناء بنفسه لأن الله يحب الطاهرين، وأهل الجنة هم من الذين يحرصون على النظافة كما تذكر بعض الآيات في وصف أهل الجنة: "كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ..." (الطور، 24). كما تبشر آيات أخرى "بأزواج مطهرة" في الجنة (البقرة، 25ّ؛ آل عمران، 15؛ النساء، 57).

    يتبع





    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



  3. #3
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي




    المؤمن الحقّ هو من يسعى إلى بناء جنّة على الأرض بأن يطبّق قدر الإمكان ما وعد به الله المؤمنين في الجنّة الحقيقيّة، لذلك يهتمّ المؤمنون اهتماما كبيرا بنظافة أجسامهم.
    هنا نتوقّف عند نقطة مهمّة جدّا، بعض النّاس يهتمون بالتجمّل والنظافة فقط عندما يكونون فى محيط مختلط مع أناس آخرين ويهملونها فى أوقاتهم الأخرى، فلا يغسل وجهه إلى المساء ويبقي مبعثر الشعر والملابس، يتجوّل بقميص النّوم ولا يرتّب فراشه طوال اليوم. والأواني مبعثرة هنا وهناك في أرجاء الارض، فهم يعيشون بهذا المنطق الخاطئ.
    إنّ من يعيش بهذا الأسلوب تبقى نظافته خارجيّة ظاهريّة، وهمّه الوحيد إخفاء أوساخه عن العيون، هؤلاء الناّس يرون أنّ الغسل أو تغيير المنشفة والفراش و الملابس وترتيب المنزل فيه مضيعة للوقت، وهم لا يقتربون من النظافة إلاّ عند اكتشاف أوساخ ظاهرة للعيان ويكتفون في أغلب الأحيان خاصّة عند البرد بغسل شعورهم. وتجد بعض النّساء يذهبن إلى صالون الحلاقة والتجميل لغسل شعورهن وترتيبها بشكل مناسب ولا يرين بعدها حاجة إلى غسله إلاّ بعد أن تفسد تسريحته. كما يحاولن إخفاء رائحة أجسامهنّ بوضع العطور القويّة، لكنّهنّ لا يعين أنّ تلك الروائح لا تزيد البدن إلاّ وهنا على وهن.

    أماّ بالنسبة إلى الملابس، فهناك أناس لا يعتنون إلاّ بملابسهم الخارجيّة فلا يغسلون قمصانهم وسراويلهم إلاّ إذا بدت عليها بقع ظاهرة للعيان، أمّا رائحة السّجائر والأطعمة ورائحة العرق وغيرها من الروائح الكريهة فهم لا يرون فيها حرجا، وهي ليست بالأسباب الكافية حتى تدفعهم إلى غسل ثيابهم. وعلى هذا النحو نلاحظ أنّ العيش بهذا المنطق لا يسبب إلاّ الأضرار سواء للكبار أو الصغار، وبسبب ذلك تنتشر أمراض مختلفة نتيجة التغذية غير السليمة وعدم الحرص على النظافة الشاملة. فالتدخين فى الأماكن المغلقة يكون سببا فى اصفرار المكان والتأثير على جلد الإنسان وتأذّي الكبد. وهذه لا تعدو أن تكون أضرارا ظاهرة تصيب الجسم فقط، لكن العيش فى الأماكن المتسخة يسبب أمراضا نفسية أيضا، فيكون الانسان بعيدا عن الذوق السليم والجمال وحتى التفكير السليم، وبذلك تكون عاقبة هذا الاختيار سيئة وووخيمة على الانسان.
    حث الإسلام المؤمنين على النظافة وأمرهم بالعناية بنظافة مأكلهم ومشربهم وملبسهم وقد قال الله تعالى في هذا الشأن: " يَا أَيُّها النََّاسُ كُلُوا مِمَّا فِى الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا..." ( البقرة 168).
    "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُم الطَّيِّبَاتُ..." (المائدة، 4).
    "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُم الطَّيِّباَتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيِهم الخَبَائِثَ" (الأعراف، 157)
    "وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلَّطائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (البقرة، 125)
    "قَالُوا رَبُّكُم أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُم فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِيِنَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا" (الكهف 19)
    "وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا" (مريم، 13)

    وقد كانت حياة الإنسان فى الجاهليّة غير صحية ولا تنسجم مع قواعد الصحة الأساسية. وجاء الإسلام بالأخلاق القرآنية واهتمّ المؤمنون بالعيش فى دنيا جميلة قبل بلوغ الآخرة الموعودة، كما أنّ حياة المجتمع الجاهلي كانت مليئة الفوضي والاضطرابات. أمّا بعد مجيء الإسلام فقد تحوّلت حياة الإنسان إلى وضع مختلف تماما. أصبح الناس سعداء مطمئنين، يحبون الطهارة ويمقتون النجاسات ولا يرضون بالعيش إلا في الأماكن النظيفة.



    وباختصار فإن المؤمن يلتزم بالمنهج القرآني في النظافة لا من أجل كسب مديح الآخرين بل لأنّه سلوك يحبّه الله تعالى. المؤمن يهتم براحة نفسه، ولا ينسى السهر على راحة الآخرين. وهمه أن يبلغ درجة عالية من النظافة والطهارة، فهو لا يتكاسل أبدا في تحقيق هذا المطلب الربّاني.







    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



  4. #4
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي


    عند ارتداء الملابس


    يختار المؤمن ما يرتديه كلّ يوم، وعندما يرتدى ملابسه تتجدّد فى ذهنه حقيقة مهمة تتمثل في أن الثّياب نعمة من نعم الله الكثيرة التي أنعم بها على الإنسان وله فى ذلك حكم كثيرة، ويستفيد كل النّاس من هذه النّعمة. لكنّ المؤمنين الّذين يعيشون فى رحاب الأخلاق القرآنية هم فقط يعرفون أنّ ذلك لطف ورحمة من الله بعباده فيشكرونه ويحمدونه على أن كساهم. والثياب عند المؤمن تعنى الملابس التي تستخرج من الصوف أو القطن أو الحرير، كما أنّ الملابس التي تصنع فى كلّ لحظة يلبسها الإنسان من أبسطها إلى أفخرها مصدرها المخلوقات الحية التي خلقها الله تعالى فتكون فى خدمة الإنسان، ولو لم توجد هذه المخلوقات لما استطاع الإنسان أن يكتسي أو يستر نفسه.

    ورغم هذه الحقائق تجد من الناس من ينكرها أو يكون في غفلة عنها، لذلك نراهم لا يقدّرون النعم التي أنعمها الله عليهم، ربّما يكون ذلك لأنهم تعودوا على وجود هذه الملابس منذ الولادة فنسوا أنّ تلك الثياب هي في الحقيقة نعمة من نعم الله تعالى، وبالتالي لا بدّ من شكره عليها.
    لقد خلق الله سبحانه وتعالى النّعم فى الأرض من أجل الإنسان فقط حتّى يشكره عليها، لذلك علينا النظر فى حكمة الله من خلقه للثياب والفوائد الجمّة التي تعود على الإنسان منها. والثوب يقي الجسم من صرّ البرد و حر الشّمس وغير ذلك من الأخطار الخارجيّة. وعدم لبس الثياب يؤثر تأثيرا سلبيا على جلد الإنسان الحسّاس فيصاب بالألم و يصبح مهدّدا بالأمراض، زيادة على التشوهات التي قد تلحق بالجسم فتفسد منظره الجميل.

    لقد ذكرنا الله سبحانه وتعالى بأهمية الثوب والحكمة منه في ستر العورة وحماية البدن ف: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسَا يُوَارِِى سَوْآتِكُمْ وَ رِيشًا وَلِبَاسَ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ" ( الأعراف 26).

    فإذن، الثياب تمنح الإنسان احتراما وتزيد جسمه جمالا وجاذبية. ولاشكّ أن اللّباس من أهمّ النّعم التي أنعمها الله علينا وهو حاجة ملحّة لا يمكن الاستغناء عنها، لذلك نرى المؤمن الحقّ يحرص دائما على اختيار اللّباس اللاّئق النّظيف، وتلك وسيلة من وسائل التّقرب من الله تعالى و شكره على نعمه الجمّة.
    ما يميز المؤمن انه –عند اختياره لملابسه- لا يسرف ولا يصل حتى البذخ بل يشتري الملابس المحترمة معقولة الثمن وذلك استجابة لأمر الله تعالى حيث قال: " وَالّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا " ( الفرقان 67).
    والمؤمن الذي يعيش وفق أخلاق الإسلام يحرص على نظافة هندامه لأن الله تعالى يأمرنا بالقول: " وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّر وَ الرِّجْزَ فَاهْجُرْ " ( المدثر 4-5 ). والمؤمن الصادق هو الذي ينزل عند أوامر القرآن الكريم، فهو لا يكتفي باختيار ملابس للستر كيفما كانت بل هو مطالب أن يكون حسن المظهر. فالزينة أمر مطلوب لأن المؤمن يأخذ أوامر الله كلها ولا يدع منها شيئا. فلا يستقيم أن يلبس الواحد منا لباسا غريبا شاذا ينفر منه الناس أو يثير سخريتهم، : " قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِى سَوْآتِكُمْ وَ رِيشًا..." ( الأعراف، 26 ).

    كما أنّ لنا فى أحاديث الرسول – صلى الله عليه و سلم – أسوة حسنة و وصايا يجب الأخذ بها في خصوص نظام اللّباس، مثالنا على ذلك ما قاله حفيد الرسول عليه الصلاة و السلام سيدنا الحسن فى ما يخصّ اللّباس فقال: "أمرنا رسول الله بارتداء أحسن ثيابنا ووضع أحسن ما عندنا من العطور" ( البخاري، التاريخ الكبير،I ،382 رقم 1222 ) . و من الأحاديث المأثورة عن لباس الرسول صلى الله عليه و سلّم قوله: "رأيت رسول الله عليه الصلاة والسّلام يلبس أحسن ما عنده من الثياب" ( مختصر الكتب الستّة، ترجمة و شرح البروفوسور.د. إبراهيم جَنان، المجلد 15، دار أكتشاغ للنشر، أنقرة ص. 68-69 )
    رأى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أحد أصحابه لا يهتمّ بهندامه فسأله قائلا:

    - أليس لك مال؟
    - فأجابه "بلى عندي".
    - فسأله" أيّ نوع من الأموال؟"
    - فقال" رزقني الله كلّ أنواع المال"
    - فقال " إذا كان الأمر كذلك يجب عليك أن تظهر عليك نعمة الله الّتي أنعمها عليك وفضله". ( بروفوسور علي ياردم شمائل النبيّ، دملة للنشر، الطبعة 3، استانبول 1998 ص. 119 ). (الرجاء اقتباس الشاهد من الأصل العربي)
    وقد بينت العديد من الآيات القرآنية أن اللباس والحلي من نعم الجنة، :"إِنَّ الله يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤًا وَ لِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ" ( الحج، 23 ).
    و: "يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَاسْتبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ " ( الدخان، 53 ) .
    ويقـول أيضا: "عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَاسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا آسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ... " (الإنسان، 21 ).

    هكذا نلاحظ أنّ الله تعالى أنزل للإنسان لباسا من الحرير والصّوف وأنزل الذّهب والفضة لتكون زينة للإنسان في الدّنيا وليجد مثلها في الآخرة. والمؤمن الحق سواء امتلك تلك الزينة أو لم يمتلكها فهو حافز يجعله يفكر فى الجنّة ويسعي إلى الفوز بها. والمؤمن يبحث دائما عن الحكمة من خلق الله لتلك الأشياء والنعم التي هي متاع الحياة الدنيا. أمّا غايته فهي نعم الآخرة الأبدية التي لا زوال لها.
    يقول تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتٌ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَاسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقًا" ( الكهف 30-31 ) .

    إنّ المؤمن الذي يعيش فى رحاب
    الأخلاق القرآنية يسعى من خلال الاهتمام بمظهره إلى تحقيق غايات منها: عند ربط علاقات مع الآخرين لأوّل مرّة يحصل انطباع ايجابي عند رأيته بمظهر لائق خاصّة إذا كان داعية للإسلام والأخلاق القرآنية فيحرص على أن يكون نظيفا بشوشا، ولا يُفرط في ارتداء اللّباس الفاخر. فهو هنا يقدم رسالة للآخرين من خلال مظهره تدل على حرصه على تطبيق الأوامر الإلهيّة فيكسب تقديرهم واحترامهم.


    إن للمؤمن الصادق ميزة لا نجدها عند غيره، وهي أن لباسه يبعث على الطمأنينة مهما كانت الحالة النفسية للطرف المقابل، ويتصرف المؤمن حينها حسب تلك الحالة، فهو بشكله الظاهر المتواضع يرفع الحواجز بينه وبين مخاطبه، ويزيل ما عنده من هواجس منذ الوهلة الأولى.
    خلاصة القول، إنّ المؤمن يتّخذ من الرّسول صلّى الله عليه وسلم القدوة، فهو دائما نظيف ومرتب سواء في بيته أو في مجتمعه، معتنيا بنفسه، محترمَ اللّباس غايته من ذلك كسب مرضاة الله تعالى.







    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



  5. #5
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي


    عند فطور الصباح




    المؤمن الذي منحه الله ملكة التّفكير والتأمل يعرف جيّدا عندما يدخل إلى المطبخ لتناول فطور الصّباح أنّ كلّ النعم والمأكولات الّتي خلقها الله هي فى الأصل إشارات لدعوة الناس للحمد والشكر.
    لنأخذ مثالا على ذلك، النار التي نستعملها لطبخ الطّعام يمكن أن تكون سببا للعديد من الأضرار فيمكنها أن تلتهم كلّ شيء، لكنّها فى الوقت نفسه ضروريّة لطبخ الطعام كي يصبح صالحا للأكل، وهي ضرورية لصنع العديد من المنتوجات الاستهلاكية، فهي لذلك نعمة كبيرة.
    وبعبارة أخرى فالنار شأنها شأن بقية النعم الأخرى جعلت ليستخدمها الإنسان، : "وَسَخَّرَ لَكُـمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَـا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّّ فِـي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ( الجاثية، 13). والناّر كذلك هي مصدر تذكير للمؤمن بعذاب جهنّم أعدّت للكافرين وهي التي وصفها القرآن بأنّها نار شديدة سيُرمى فيها المنكرون الكافرون كما جاء فى بعض الآيات:
    "يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ " ( الذاريات، 19 )
    "تَلْفَحُ وُجُوهَهُم النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ"( المؤمنون، 104 )
    "وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا" ( الفتح 13 )
    المؤمن الصّادق من يزداد خوفا من الله كلّما فكّر فى عظمة نار جهنم.




    كلّ نوع من الأطعمة لها فائدة خاصة بها، كالخبز والعسل والحليب والطماطم والفلفل والزيتون والبيض والشاي والقهوة. كلّها موادّ لها طعمها ورائحتها وقيمتها الغذائية ولونها الخاصّ بها. وكلّ نوع منها هو نعمة كبيرة لأنّه يغذّي الجسم بما يحتاجه من بروتينات وأمينوسيتات وكربوهيدرات وزيوت وفيتامينات ومعادن وسوائل. ولكي نعيش حياة سليمة علينا أن ننظّم غذاءنا من خلال تناول الأطعمة والغلال والخضروات والمرطبات والحلويّات وكلّ أنواع الأطعمة التي نحبّها بشكل منتظم لكي نسد حاجتنا الغذائية ونشعر بلذة هذه النعم.



    في الحقيقة إنّ ما ذكرناه معروف لدى كل واحد منا، فمنذ اللحظة التي يستقبل فيها الإنسان الحياة تصبح جميع هذه النعم في متناوله وتحت تصرفه، غير أن أكثر الناس ينسون حقيقة هذه النعم فيتعاملون معها تعامل عاديا خاليا من أي روح رغم ما فيها من جمال ونفع، وبالتالي تغيب عن أذهانهم القيمة الحقيقية لهذه المخلوقات. ولو تاملوا فيها تأملا ممتزجا بالإيمان لأدركوا أن تلك المأكولات والمشروبات اللذيذة لها فوائد مختلفة وعظيمة، وكل واحدة من هذه المخلوقات تعد بحد ذاتها معجزة من المعجزات. ولنأخذ كمثال على ذلك العسل، فهذه المادة عظيمة النفع تصنعها حشرة صغيرة لا يتعدى حجمها بضع غرامات. وللعسل فوائد غذاشية وطبية، ففيه الفيتامينات والمعادن وغيرها من المواد الأخرى. وقد ذكر القرآن الكريم فوائد العسل فقال: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتِّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاْسلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلَلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ( النحل، 68-69 ).



    إذا تفكّر المؤمن في كيفيّة صنع العسل، اكتشف معجزة خلقه، واقتنع بلا شكّ أنّه من المستحيل أن يتحوّل ما تأكله النّحلة من رحيق الأزهار والغلال إلى عسل لا مثيل له بمجرد المصادفة العمياء، وبذلك يزداد تقرّبا من الله تعالى ويحصل عنده يقين بأنّ النّحلة الصغيرة إنما تطيع الله في عملها، وهي في إتقانها ومثابرتها على عملها تنجز ما يلهمها الله تعالى إياها.



    كل ذلك وغيره أوجده الله تعالى لفائدة الإنسان، فالأغذية المختلفة مثل اللحم والحليب والجبن وغيرها من الأغذية الحيوانية نعمة من عند الله عز وجل، وتنبهنا آيات القرآن الكريم إلى ذلك: "إِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيـرَةٌ وَمِنْهَا تَـأْكُلُونَ" (المؤمنون، 21).



    هذه الآية تتحدّث عن فوائد ما تحمله الحيوانات في بطونها، فمثلا: ما تأكله البقرة من حشائش وما تشربه من ماء بعضه يذهب إلى الأوعية الدّموية وبعضه يذهب إلى الأعضاء الدّاخلية ويخرج ما تبقّي منه فضلات. من كلّ هذا الخليط يخرج سائل أبيض ناصع، نظيف، له رائحة طيّبة وفوائد جمّة للإنسان ألا وهو الحليب. ألا يعتبر هذا معجزة حقيقية؟ إنّ الحليب يتكوّن من أنفع الموادّ لصحّة الإنسان. فعلم الله وسع كل شيء، أخرج من المرعى الأخضر حليبا أبيض ناصعا بفضل النّظام اللامتناهي في الدّقّة الّذي وضعه في جسم البقرة فيتحول الحشيش الأخضر إلى سائل أبيض. يقول تعالى في هذا الشأن: "وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نٌسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبينَ" ( النحل، 66 ).
    كما هو معلوم فإنّ الحليب مادّة غذائية غنية بالفيتامينات وهي عنصر غذائي يحتاج إليه الصغار والكبار لتأمين حياة خالية من الأمراض. البيض أيضا منتوج من منتجات الحيوان صغير الحجم لكنّه كثير الفوائد، له قيمة غذائية عالية فهو مخزن للبروتينات والفيتامينات والمعادن تبيضه كلّ يوم دجاجة لا حول لها ولا قوة بالرغم أنّ البيض لا يمثّل حاجة بيولوجيّة بالنسبة إلى ذلك الحيوان. وعندما يفكّر المؤمن كيف تكوّن السائل الّذي بداخل البيضة، وعندما يمعن في دقّة صنع البيضة يزداد دهشة أمام قدرة الله وكمال عظمته.

    الشاي عنصر ضروري من عناصر فطور الصباح ومنتوج نباتي، تمر أوراقه بمراحل مختلفة ليصبح على هيئته الأخيرة المعروفة. له رائحة طيبة، يبعث النشاط في الإنسان بعد أن يتحول إلى مشروب سائغ للشاربين. كما تخرج من الأرض مئات الأنواع من الأعشاب خلقها الله رحمة بعباده فيها الغذاء وفيها الشفاء، قال تعـالى: "وَهُوَ الّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْْعَ مُخْتَلِفًا اُكُلُهُ وَالزّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وغَيْـرَ مُتَشَابِهٍ" (الأنعام، 141) .

    الذي نرجي ان نؤكد عليه هنا هو ان الله تعالى خلق النعم الكثيرة اللامحدودة رزقا للعباد واختبارا لهم بالفقر والغنى. والفائزون بجنة الخلد هم المؤمنون الصادقون أصحاب الاخلاق العالية. فمن الناس من تجد على موائده شتى أنواع الأطعمة، أما المؤمن الصادق فهو يعرف ان من مظاهر شكر النعمة ألا يسرف في الأطعمة مهما كان غنيا. فبدل أن يكدس المأكولات، فيذهب بعضها إلى الزبالة يكتفي بصنف أو صنفين شاكرا لله على أنعمه. فالمؤمن لا يبطر ويتكبر إن كان غنيا ولا ييأس أو يقنط إن كان فقيرا. فهو يعي جيدا أن هذه الدنيا هي اختبار له، وكل ما عليها ومن عليها فان، يقول تعالى: "وَنَبْلُوَكُمْ بِالشََّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" (الأنبياء، 35).



    لذلك فإنّ الإنسان الذي يعيش في ضوء الأخلاق القرآنية يتخذ من النعم التي أنعمها الله عليه سبيلا للتقرب أكثر إلى الله والتمسّك بإيمانه، ويحمد الله على تلك النعم وإن كانت قليلة لأنّ الله تعالى وعد المؤمنين الصادقين الشاكرين بمزيد من الخير والرّزق، أماّ المنكرون لهذه النعم فجزاؤهم العذاب الشديد في الآخرة. : "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" ( إبراهيم، 7 ).

    كلّما نظر الإنسان إلى محيطه اكتشف الرّوعة والكمال في الخلق، ابتداء من المأكولات وما تحتويه من منافع للإنسان الذي خلق الله فيه أعضاء مختصّة لأكل تلك المأكولات. فانظر إلى الفم وما يقوم به من وظائف من أجل تناول الطعام، وانظر إلى الشفتين والأسنان واللسان والحنكين والبصاق وملايين الخلايا، كلّها تعمل في آن واحد في انسجام صارم دون أي تقصير من أيّ عضو. فالأسنان تقطع الطعام قطعا صغيرة واللسان يضع تلك القطع مرّات ومرّات تحت الأسنان ليمضغها، والحنك ذو العضلات الصّلبة يساعدها أيضا على مضغ الطعام بتنسيق مع اللّسان، أمّا الشفتان فهي السدّ المنيع ضدّ إفلاة الطعام من الفم، علاوة على أنّ كلّ عضو من تلك الأعضاء له مكوّناته الخاصّة التي تعمل بدون انقطاع وبكلّ دقة. أمّا الأسنان فقد صفّفت بشكل يتوافق مع دورها، كما وضعت في مكان ثابت وحجم ثابت ممّا ييسّر لها العمل بشكل متكامل مع بعضها البعض.

    لا شك أنّ تلك الأعضاء لا تملك شعورا ولا عقلا، ومن المستحيل أن تقوم بتلك الأعمال المشتركة بإرادتها لأنّ ما شرحناه هو عمل غاية في الدّقة والرّوعة، إضافة إلى أن كلّ عضو خلق لغاية ووظيفة محدّدة ودقيقة.
    إن صانع ذلك الإبداع وذلك النظام المتكامل هو الله تعالى الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك: " وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا" ( الفرقان، 2 ).



    لقد خلق الله كل ذلك من أجل الإنسان، ومن أجل أن يتمتع الإنسان بطيبات الحياة الدنيا. وقد يتبادر إلى ذهن المؤمن التفكير في رائحة وطعم مختلف الأطعمة، إذ يمكنه التمييز بينها بكلّ سهولة وذلك بفضل نظام متكامل خارق.
    إنّ حاسّة الشمّ والتذوّق تصاحبان الإنسان طوال العمر دون توقف أو تقصير في الأداء أو انتظار لمكافأة، وهذه الملكات اكتسبها الإنسان بالغريزة ولم يقم بأي جهد للحصول عليها. (لمزيد من التفصيل انظر: هارون يحيى، معجزة التذوّق والشمّ ). وتخيّل غياب نظام التذوّق عند الإنسان، فما الذي سيحصل يا ترى؟ لا شكّ أنّه لن يبقى أي معنى لأنواع الأطعمة والأشربة، وتصبح الحلوّيات واللّحوم والأسماك والخضروات والكعك والفطائر والغلال والمشروبات والمربّيات والمثلّجات والحلويات كأنّها صنف واحد من الطعام، ولا تكون لها أي لذة، بل وتسبب الأمراض وتضر بالصحة.
    لا شك أن نظام التذوق خلقه الله تعالى وجعله نعمة للإنسان، والتغافل عن هذه النعمة خطأ كبير. فالله خلق في الإنسان هذه الأنظمة للحفاظ على صحته وسلامته، وحتى يشعره بمتعة الأشياء، : "الله الّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ قَرَارًا وَ السَّمَاءَ بِنَاءً وَ صَوََّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزقَكُمْ مِنَ الطّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ" ( المؤمنون، 64 ).

    لاشك أن التفكير في موضوع التذوق يدفع بالإنسان العاقل لكي يدرك عظمة الخالق عز وجل ويجعله يعترف بنعمه وجميل فضله عليه فيشكره عليها. فعلى المؤمن أن يفكر عند جلوسه على مائدة الطعام أن جميع الخيرات من مأكل ومشرب من عند الله تعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: "وَآيَةٌ لَهُمْ الأرْضُ المَيْتةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ العُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ" ( يس 33-35).

    يعيش بعض الناس طوال حياتهم في الرّفاهيّة فيشبعون جميع رغباتهم، ورغم أنّهم يأكلون ما لذّ وطاب من المأكولات فإنّهم يغفلون عن التفكير في أشياء مهمّة، منها بالخصوص أنّ الله خلق تلك النّعم من أجل سعادة الإنسان، فلا ينتبهون إلى ضرورة شكر الله على تلك النعم وهذا خطأ كبير لأنّ الإنسان سوف يحاسب في الآخرة و سوف يسأل عمّا إذا كان من الشاّكرين أو من النّاكرين لنعم الله في الدنيا.
    نتوقف هنا عند نقطة مهمة وهي أن المؤمن مكلّف بأمانة الحفاظ على نعمة هذا البدن وعليه مسؤولية العناية به بما رزقه الله من نعم فيحافظ عليه من الأمراض ويغذّيه تغذية سليمة، لأنّ القيام بالأعمال الصالحة يتطلب جسما سليما، لذلك يجب على المؤمن اتّباع نظام تغذية متكامل. فالجسم المتكون من 100 تريليون خليّة يحتاج إلى تغذية سليمة حتّى يقوم بدوره على أحسن وجه. لذلك، على الإنسان أن يحافظ على كلّ أشكال النظافة و يأكل الأطعمة النظيفة والطبيعيّة سواء عند فطور الصباح أو أثناء اليوم، كما يجب عليه أن يتجنّب المأكولات المضرّة مهما كانت جذّابة ولذيذة، إذ لا تهاون و تساهل في هذا الأمر.

    تنشيط الأعضاء يحتاج إلى مادّة التوكسيت التي يتسبب غيابها في نحافة الجسم والإرهاق وتأتي من الماء ( يهمل بعض الناس شرب
    الماء بشكل منتظم)، لذلك على الإنسان أن يعتني بشرب الماء بصفة منتظمة خلال اليوم. وفي هذا الخصوص نبّه الرّسول صلّى الله عليه و سلّم في كثير من الأحاديث إلى أهمّية الماء نورد منها ما يلي:
    خلال إحدى غزواته توقف النبي صلى الله عليه وسلم وطلب من أصحابه ماء، وبعد
    أن غسل يديه وشرب نصيبا من
    الماء التفت إلى أصحابه وقال في معنى الحديث "أنتم أيضا اغسلوا وجوهكم وصبّوا شيئا منه عليكم" ( صحيح البخاري، النص الكامل، المجلّد الرابع، نشريات أوتشدال، استانبول 1993 ص. 64-65). وبعد أن شرب النبي صلى الله عليه وسلم دعا بما معناه قائلا:"الحمد لله الذي جعل هذا الماء عذبا ولم يجعله مرا ولا مالحا" )حجّة الإسلام الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين، المجلّدالثاني نشر دار حضور للنشر، استانبول 1998، ص.16 ). (الرجاء اقتباس الشاهد من الأصل العربي)





    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



  6. #6
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي


    في الطريق



    بعد تناول فطور الصباح يتوج الناس إلى أعمالهم ومدارسهم ومختلف المشاغل الأخرى في حياتهم، يقول تعالى: "إِنََّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً" ( المزمّل، 7 ). ويقول أيضا" وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُم اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا" ( الفرقان، 47 ). وكل يوم جديد هو فرصة للمؤمن حتى يجدد إيمانه ويقوم بخير الأعمال في سبيل نيل مرضاة الله والفوز بجنته. ولا يغفل المؤمن ولو للحظة للتقرب إلى الله عز وجل، ونبي الله سبيل مثال العبد الصالح الذي يكان يدعو الله أن يسدد أعماله. يقول تعالى على لسان سليمان: "وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" (النمل، 19 ).

    وعندما يخرج كل فرد من بيته يواجه الكثير من الأحداث التي تحتاج إلى النظر والتأمل. وعلى المؤمن أن يعلم أن ثمة حكما وراء كل حركة في هذا الكون، وكل شيء هو بتقدير من الله تعالى. هذه الحقيقة ينبغي ان تكون راسخة في دهن كل مؤمن. والمؤمن يرفع رأسه إلى السماء فيرى عظمة الخلق الإلهي، فيتذكر قوله تعالى: "وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا" ( الأنبياء، 32 ).



    الفضاء هو سقف السّماء يحمي كوكبنا من الأخطار الخارجيّة ويضمن استمرار الحياة عليها، فهو يصفّى الأشعّة الضارّة القادمة من السماء ويذيب الأحجار والنيازك المتّجهة إلى الأرض، وبذلك يكون حاجزا حاميا للأرض والحياة الإنسانية، كما يحمي الفضاء الأرض من التّجّمد الّذي يمكن أن تصل درجة البرودة فيها إن لم يوجد الفضاء إلى 270 درجة تحت الصفر. والإنسان لا يستطيع ان يدرك هذه القدرة العظيمة، لكن الله تعالى خلق الكون بالقسط والميزان حتى يهيء للإنسان أسبابا العيش في في أمن بعيدا عن الاخطار الخارجية، يقول تعالى: "الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوضاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِع الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُتُورٍ ثٌمَّ ارْجِع الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَ هُوَ حَسِيرٌ" ( الملك، 3-4 ).

    تخبرنا الآيات قرأنية ان المؤمن يستطيع ان يكتشف الأدلة الدامغة على أن الله خالق كل شيء إذا ما نظر إلى الأشياء بإيمان عميق، وذلك تأييدا لقوله تعالى: "أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ". (ق ، 6-8).



    "وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُون"َ (الأنبياء 32)

    "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (البقرة 29)

    يقابل المؤمن أدلّة أخرى إذا ما نقل النظر من السماء إلى الأرض الذي يمشي عليها، يجد نفسه يمشي على طبقة من البراكين رغم أنّ الطبقة الأرضية ليّنة جدّا كقشرة التفاحة، بمعنى أنّ الطبقة الناريّة قريبة جدّا من سطح الأرض، و مع ذلك يعيش الإنسان باطمئنان على وجه البسيطة. هكذا يزداد المؤمن إيمانا بأنّ كلّ من على الأرض يعيش بفضل الله وقدرته بفضل التكامل والتناسق في الوجود بحيث تحافظ المخلوقات على بقائها في راحة واطمئنان. والحكيم هو من يدرك في كل شيء عظمة خلق الله وجمال مخلوقاته، فإذا شاهد العصافير المزركشة وهي تطير في السماء، وإذا نظر إلى دكّان الخضّار تزيّن حانوته مختلف الغلال بألوانها الجذّابة، وإذا اشتمّ رائحة المرطّبات تملأ فضاء دكّان الحلوياّت... أدرك نعم الله تعالى واكتشف منها من المعاني التي لا يمكن للإنسان العاديّ اكتشافها.
    إن المؤمن الحكيم يكتشف أثناء السير في طريقه أدلة لا تحصى عند النظر إلى الأشياء والتأمل فيها، والمؤمن لا يمشي بافتخار وخيلاء لأن الله علمه أن يكون متواضعا، يقول تعالى: "وَاقْصِدْ فِي مشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" ( لقمان،19).

    هكذا امر الله لقمان بالتواضع في مشيته والوسطية في تصرفاته وان يتمسك دائما بالطريق القويم وأن يضع نصب عينيه مرضاة الله تعالى. لكن الذين ينحرفون عن الأخلاق القرآنية ولا يلتزمون بها يضعون هذه الحقيقة وراء ظهورهم وهم يتوهمون أنهم اكتسبوا تلك الميزات الإنسان بأنفسهم ولا فضل لله عليهم.ولذلك تراهم يتكبرون ويتفاخرون. فصورهم الجميلة وأشكالهم المتناسقة وأموالهم ونجاحاتهم هي من عند أنفسهم بزعمهم، وهذا هو مصدر تكبرهم وسبب استعلائهم على عباد الله الآخرين.
    هذه الأفكار والقناعات تعكس لنا أقوالهم وتصرفاتهم تجاه الآخرين. غير أن الإنسان يعجز أمام قدرة الله وعظمة علمه، فهو محتاج إلى الله في كل لحظة وفي كل نَفَس. ولهذا السبب بالذات نبهت الآيات القرآنية الإنسان إلى هذه الحقائق ونهت عن التكبر، : "وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" ( لقمان، 18 )، ويقول أيضا: "وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً" ( الإسراء، 37 ).

    إنّ الإنسان الذي يهتدي بالأخلاق
    القرآنية دائما يملأ عجزه بالدّعاء إلى الله صاحب القدرة على كل شيء وواهب الكائنات كلّ قدرة. بهذه الحقيقة يعيش المؤمن ويقيّم الأحداث حسب التعاليم القرآنية.
    يعجز الإنسان على قطع المسافات الطويلة مشيا على الأقدام، وأمام ضعف الإنسان وأمام سرعة إصابة الجسم بالتعب والإرهاق جعل الله للإنسان وسائل للتنقل وهي نعمة كبيرة. ومن هذه الوسائل الحيوانات والسيارات، وهذا وجه آخر من وجوه رحمة الله بعباده وخلقه، يقول تعالى: "وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" ( النحل 7-8 ). ويقول تعالى: "وَالّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ" ( الزخرف 12 ).



    كما يقول أيضا: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرَْضِ وَالفُلْكَ تَجْرِي فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ" ( الحج 65 ).
    لقد خلق الله أنواعا من المعادن كالحديد والصلب والفولاذ وغيرها، ووهب الإنسان القدرة على صنع أنواع من وسائل النقل، وبإذن الله وحده استطاع الإنسان صنع السيارة والحافلة والقطار والسفينة والطائرة وغيرها من وسائل التنقل التي خلقها الله لتسدّ عجز الإنسان وتمكّنه من السفر لمسافات بعيدة. لذلك يتذكّر المؤمن ربه ويحمده كلّما ركب وسيلة من هذه الوسائل، يقول الله تعالى: "لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبٍّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ" ( الزخرف، 13 ) .




    لقد أصبح التنقل اليوم مقارنة بالسابق أكثر تطوّرا وراحة، وعلى المؤمن الصاّدق أن يفكر في ذلك ويزداد تقرّبا إلى الله تعالى ويخلص في عبادته و شكره على نعمه.
    المؤمن يستغل فرصة السّفر للتفكّر في خلق الله إذا ما نظر إلى سائق السيارة الذي بجانبه ولون السيارة ونوعها وحركة الناس والنباتات المصففة على طول الطريق، وشكل البنايات وشكل النوافذ ولوحات إشارة المرور بما تحتويه من كتابات... كلّ ذلك أشياء وجدت بقدرة الله وأمره وكلّ هذه الحقائق أخبرنا بها الله في كتابه العزيز مثل قوله تعالي "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" ( القمر، 49 ).

    إنّ المؤمن الملتزم بالأخلاق
    القرآنية يعي جيّدا أنّ الأشياء التي خلقها الله هي لصالح الملايين من الناس على وجه الأرض وليست حكرا على إنسان واحد، و هي حقيقة تجعل المؤمن يعلم بأن الله يراقب كلّ حركاته وتصرفاته في كلّ لحظة فيحدّد بذلك حركاته وتصرفاته خلال كامل اليوم على أساس هذه الحقيقة، فلا مجال للازدحام في الطريق ولا إلى خروج مفاجئ للسيارة ولا لأيّ نوع من الصعوبات مادام المؤمن متمسّكا بأوامر الله تعالى.
    على عكس بعض الناس الذين يفقدون صبرهم لأبسط الأحداث فينهجون سلوكا غير أخلاقي ويغضبون لازدحام حركة المرور أو لقلّة انتباه بعض السائقين فيصيحون ويصرخون لأنّهم لا يتحمّلون الانتظار ويحتجّون بالدوس على منبه السيارة باستمرار، و يقلقون راحة الآخرين و ينسون تماما أنّ كلّ شيء مقدّر من عند الله تعالى.
    إنّ الّذين يديرون ظهورهم عن الأخلاق
    القرآنية تتحوّل وسيلة النقل عندهم من نعمة إلى نقمة، فتصبح عقولهم مشغولة فقط بحُفَر الطريق وازدحام حركة المرور والمطر الذي ينزل فجأة وغير ذلك من الأشياء التي تشغل الفكر طوال اليوم. هذا الخواء الفكري لا يجرّ لصاحبه النفع لا في الحياة الدنيا ولا في الآخرة.

    يدّعي بعض الناس أنّ الموضوع الحقيقي الّذي يجب التفكير فيه هو الصّراع مع الحياة، فيقضّون معضم الوقت في تأمين الحاجات من المأكل والمشرب والمسكن والصحّة، ولا يخصّصون زمنا للتفكير في الموجودات التي خلقها الله تعالى والتفكّر في الأدلّة الدامغة على وجود الله، فلا توجد علاقة بين الرسالة التي كلّف الله بها الإنسان والمحيط الذي يعيشون فيه. الله في عون الإنسان الذي يفكر في ملكوته ومخلوقاته وقدره والآخرة والموت والنعم التي أنعمها الله في الدنيا، و بذلك يجد المؤمن نفسه يحلّ المشاكل الحياتية بسهولة و دون أن تتطلب منه وقتا طويلا.

    المؤمن لا ينسى أبدا أن المشاكل اليومية هي قدر الله الذي يمتحن به صبره ويمتحن سعيه على حلّ مشاكل ازدحام المرور إذا كانت له الإمكانيات لفعل ذلك. أمّا المشاكل التي لا يستطيع حلّها بنفسه فعليه التحلّى بالصّبر لمواجهتها ولا يتصرّف مثل بعض الناس بالعصبية والصياح والجدال الحادّ فيضرّ نفسه و يضر الآخرين أيضا لأنّه تصرّف خاطئ وغير عقلانيّ.

    من الخطأ أن نظن أنّ الدّعوة إلى الصبر والتجلّد لا تكون إلاّ عند الآحزان والأحداث التراجيدية لأنّ الله يمتحن الإنسان خلال اليوم بأحداث صغيرة كالتّأخر عن العمل نتيجة ازحام حركة المرور أو ما شابه ذلك من الأحداث اليومية المزعجة للإنسان، لذلك نرى المؤمن الملتزم بالأخلاق
    القرآنية ينأى بنفسه عن المشاكل ويتجنب الشكوى ويلتزم الصبر، وهذه صفة المؤمن الملتزم بالأخلاق القرآنيةالتي عبّر عنها الله في كتابه بقوله تعالى: "الَّذِين إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالمُقِيمِي الصَّلاَة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" ( الحج، 35 ).

    أمّا حوادث الطرقات فيقابلها المؤمن الصّادق بكلّ اعتدال وتوكّل وتجلّد وإيمان بأنّ ذلك الحادث هو قدر من عند الله تعالى فيتصرف بكلّ عقلانيّة و يسعى إلى إنقاذ الجرحى ويطلب النجدة ويحاول إصلاح الأضرار الناجمة عن الحادث بما أوتي من قوّة وإمكانيات. فالمؤمن يسعى دائما إلى مرضاة الله تعالي ويختار تصرّفاته على أساس هذا المبدإ. هكذا عبّرت سورة الملك عن الهدف من خلق الله للإنسان و تكليفه بالرسالة الإلهية فقد : "الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" ( الملك، 2 ).

    إنّ المؤمن المتشبث
    بالأخلاق القرآنية يتجنّب طوال رحلته إشغال ذهنه بالمواضيع التافهة ويحرص دائما على التفكير في المواضيع المهمة النافعة. إنّ الطّير الذي يحلّق في السّماء هو حدث عابر بالنسبة للإنسان العادي،أما بالنسبة إلى المؤمن المخلص فهو يستحقّ التفكير فيه بعمق، فالعصافير المعلّقة في الهواء لا يشدّها سوى أجنحة حسّاسة مصمّمة بكلّ دقّة وجمال، وهي تقوم بحركات مختلفة في الهواء. كذلك طيران العصافير وطريقة غذائها وشكل مناقيرها وهيكلها العظمي الخاص ونظام تنفسها ونظام الهضم لديها وغيرها من الأنظمة وتركيبة ريشها المعقدة وطريقة بناء أعشاشها وأعضائها السمعية وطرق صيد فريستها وأكلها وتحرّكاتها وتناسلها ومختلف الأصوات التي تصدرها عند كلّ عمل تقوم به، هذا النّظام العجيب في خلق العصافير دليل على علم الله الواسع وقدرته اللاّمحدودة مصداقا لقوله تعالى: "أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَن..." ( الملك 19، ). المؤمن وهو في طريق رحلته يلاحظ مثل هذه الحقائق ويشهد في كلّ لحظة قدرة الله اللاّمتناهية.







    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



  7. #7
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي


    الحياة العمليّة



    يقضي الإنسان الراشد معظم وقته في العمل، لكن الإنسان الذي يتبع الأخلاق القرآنية يختلف عن الإنسان الغارق في الأخلاق الجاهلية في نقطة معيّنة وهي أن المؤمن مهما تكن كثافة أشغاله خلال اليوم فهو لا يهمل لأيّ سبب من الأسباب القيام بواجباته الدينية تطبيقا لقوله تعالى:"...مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" ( الجمعة، 11 ) .

    والمؤمن يعي جيّدا ذلك المعنى ولا يلهيه أيّ شيء عن عبادة الله أوتاخير الصلاة عن وقتها مهما كانت الأرباح المادّية. هذه الصفات التي يتحلّى بها المؤمن الملتزم ب
    الأخلاق القرآنية وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى: "رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ" (النور، 37 ). تؤكّد هذه الآية أن المنافع المادية كالتجارة هي الأشياء الكبيرة التي تلهي المؤمن عن الالتزام بأوامر الله تعالى، إذ يسعى الإنسان لكسب المال وجمع الثروة وحشد القوة فيغفل عن الصلاة أو تطبيق تعاليم القرآن.

    إن إنسان الجاهلية مولع بالعمل لتحقيق أغراض دنيوية منها تحقيق حياة مرفّهة، بأن يكون غنيا وصاحب سلطة وجاه وموقع اجتماعي مرموق، أو يكون هدفه من الزواج إنجاب الأولاد للإفتخار بهم... لا شك أن كل هذه الأشياء تحقق رضا الله وهي نعم مشروعة من حقّ كل انسان السعي إلى اكتسابها، لكن ما يفصل المؤمن عن إنسان الجاهلية خصوصيّة هامّة وهي أنّ تحقيق كلّ هذه الأشياء ليس لأغراض دنيوية بل سعيا لمرضاة الله، فالمؤمن ينفق أمواله وفقا لأوامر الله ويحرص حرصا كبيرا على القيام بأعماله ملتزما بتعاليم دينه وقيمه.
    إنّ القوم الفاسقين هدفهم هو الربح الدنيوي لا غير، ولا يفكرون في ثواب أو عقاب وهم الذين عنتهم الآية الكريمة: "قُلْ إِنْ كَانَ آبَاءُكُمْ وَأبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبََّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ " ( التوبة، 24 ).

    إنّ المؤمن الصادق يتحاشي السّقوط في مثل هذه الصفات ويسعي إلى التحلّي بالأخلاق الربانية التي ارتآها الله للمؤمنين ولا يحيد عنها مهما كانت مشاغله، فهو يعتمد الصدق في التجارة ويجتهد في أعماله ويوفي الميزان، وهو متواضع مع الناس، هدفه الأسمى كسب مرضاة الله تعالى والكسب الحلال. لقد أمر الله المؤمنين بأن لا يتعدّوا على حقوق الآخرين ولا ينقصوا في الكيل والميزان وأن يعطوا كلّ صاحب بضاعة حقّه ( سورة هود 85 ) كما وردت في بعض الآيات توصيات تأمر بأن يكون التاجر أمينا، صدوقا، لا يأكل حقوق النّاس بالباطل ويتحلّى بالأخلاق السامية. يقول تعالى: "وَأَوْفُوا الكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ ذَلِْكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" ( الإسراء، 35 ). وقول تعالى: "وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا المِيزَانَ " ( الرحمن، 9 ) .
    بين القرآن أخلاق التجارة وتعاملات البيع والشراء، وأوّل ما يلفت الانتباه أمر الله بالكسب الحلال وتجنب الربا مثل قوله تعالى: "...وَ أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ..." ( البقرة، 275 ).

    وقد أمر الله المؤمنين بكتابة الديون المتداولة ومقادير البيع والشراء حتّى لا ينسى الإنسان ما له وما عليه فتضيع الحقوق وتحصل خلافات وخصومات، إضافة إلى الاستعانة بشاهدين عند عقد الصفقات التجارية ( البقرة، 282 ).
    هناك شيء مهم على المؤمن أن يلتزم به في حياته العملية، فإذا أراد أن يتخذ قرارا أو يقوم بعمل جديد فعليه بالاستشارة أي الاستفادة من خبرات وأفكار الآخرين، وهذه صفات خاصة بالمؤمنين الذين يطبقون التعاليم القرآنية.
    خلاصة القول أن القرآن اهتم بالميدان التجاري مثلما اهتم بميادين الحياة الأخرى فقدّم نموذجا جميلا، سهلا و حقيقيا لطريقة التعاملات و البيع و الشراء، وبذلك فقط يبتعد الإنسان عن الضغوطات النفسية والعصبية ويحقق الراحة والطمأنينة ويستطيع اتخاذ القرارات الصائبة ويهيّأ ظروف عمل تساعد على النجاح. كل ذلك يتحقق باتباع طريق الحق والايمان والاستعانة بالمشورة والاستفادة من خبرات الآخرين.


    إنّ المؤمن العاقل يخطط حياته العملية بفكر واسع فيضع خططا على المدى البعيد والقريب، ويتجاوز النتائج بوضع الحسابات الدقيقة والمربحة، كما يأخذ التدابير اللازمة لمنع حصول الضرر ويختار الحلول التي ارتآها الله لعباده في القرآن الكريم. والمؤمن يستعين بالله عند كلّ عمل يقوم به.
    إننا نعيش حياة متطورة لم تكن موجودة حتى في خيال الإنسان القديم، حياة فيها إمكانيات كبيرة نحمد الله الذي سخّرها لنا وعلينا أن نستعملها وفقا للأخلاق القرآنية. مثلا، ما نعيشه اليوم من تطور تكنولوجي و ما نراه من تقدم في وسائل الاتصالات والمواصلات وما تشهده الحياة العملية من تقدم كبير مثل ظهور الحاسوب والإنترنيت وهو ما مكن الأفراد القاطنين في بقاع مختلفة من الأرض من التحدث والتواصل وتبادل المعلومات والآراء وتكوين علاقات فيما بينهم. إنه لابد علينا التفكير في هذه النعم بعمق كبير لأنّ الله بعث لنا الأنبياء ليكونوا قدوة لنا، فقد كانوا يذكرون الله في السر والعلانية و يذكرون الله كثيرا كلّما قاموا بعمل فلا يعبدون و لايحمدون أحدا سواه مصداقا لقوله تعالى: "يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَ تَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ" ( سبأ، 13 ) .







    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



  8. #8
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي


    عند التسوق

    يهتمّ بعض الناس في هذه الأيام بالتسوق كثيرا، فيقضون الساعات بل الأيام في التجول بين المغازات لاختيار ملابس يتفاخرون بها بين أقرانهم، فيصرفون المال الكثير من أجل ملابس قد يلبسونها بضعة مرات رغم أن خزائنهم مليئة بالملابس، فهم مولعون بشراء الملابس الجديدة. التسوق عند هؤلاء تجاوز كونه وسيلة لتلبية الحاجة ليصبح غاية في حياتهم يتمسكون بها، فيفقدون التحكم في أنفسهم كلّما خرجوا للتسوق ثم يندمون على اختيارهم بعد مدة قصيرة من الزمن، و هذه صفة من صفات المجتمع الجاهلي.


    لا شك أن التسوق هو حاجة ضرورية لكل انسان وهو عمل فيه متعة وذوق، لكن الخطأ يكمن في نسيان الإنسان آخرته و يقضي حياته في البيع و الشراء و يركز تفكيره و خطط حياته على هذا الأساس فيغفل عن مرضاة الله الذي خلقه ويشغل نفسه بأشياء تافهة لا قيمة لها.
    أما المؤمن الذي يعيش في ضوء الأخلاق القرآنية فهو يحرص في كلّ المناسبات، ومنها مناسبة التسوق على اكتشاف الجمال الإلهي في خلقه ويسعى إلى استخلاص العبر والحكم من كلّ الأحداث. لذلك فالتسوق -بالنسبة للمؤمن- ليس سوى وسيلة لتلبية حاجياته والتقرب من الله تعالى تطبيقا لأمر الله تعالى في القرآن الكريم: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَداَةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" ( الكهف، 28 ).

    كلّما خرج المؤمن إلى السوق لشراء بعض الحاجات تتبادر إلى ذهنه حقائق لا ينساها وهي أن الله خلق لعباده أنواعا كثيرة من المأكولات والمشروبات ونعما لا حصر لها، لكن بعض الدول تعيش حالة من الجوع والفقر والبطالة وتتخبط في مشاكل الحروب فلا يجد الإنسان ما يأكله، و في بعض الدول تجد الكثير من الخيرات ولا يستطيع الناس شراءها نظرا للفقر المنتشر في تلك الأصقاع. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب وله حكم في ذلك كما جاء في قوله تعالى: " أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" ( الزمر، 52 ) .

    يمتحن الله تعالى الإنسان في مواضع مختلفة وظروف مختلفة، و المؤمن الحق هو الذي يحمد الله مهما كانت الظروف التي يمر بها لأنه يعرف أن الله يمتحنه و أن الظروف التي يمرّ بها زائلة لا محالة، لذلك فهو يسعى إلى فعل ما يرضي الله فيحمده من صميم قلبه. وكلّما عاش المؤمن ضائقة يواجهها بالصبر والدعاء فيعلم أن الله يمتحنه بالفقر فيتسلح بالدعاء لله بأن يمده بالصبر والقوة. غاية المؤمن في كل الأحوال والظروف كسب مرضاة الله تعالى، على عكس المنكرين الجاحدين فهم يعصون الله ويظهرون التمرد والكفر بنعم الله لأقل امتحان يمرون به في الحياة، هؤلاء ذكرهم الله في كتابه العزيز بقوله تعالى: "فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ" ( الفجر 15-16 ) .



    إنّ الله خالق كل النعم التي نَنْعم بها في الدنيا، لكن من الناس من يتناسي أن الخيرات التي اشتراها وصلت إليه بإذنه تعالى فلا يحمده، ويتصرف دائما بأنانية وحبّ المزيد لنفسه فقط، ولا يفكر عند شراء الملابس إلا في اختيار الملابس التي يتفاخر بها أمام أصدقائه. مثل هؤلاء لا يشغلون فكرهم إلاّ بالموضات الجديدة والبحث عن أماكن بيع الملابس الجميلة الفاخرة ذات الجودة الرفيعة، ولا تكون محاور حديثهم إلا في ما اشتراه الآخرون فيغبطونهم. هؤلاء الناس لا يتحملون الفقر ويحرصون بشدة على أن يكونوا من أصحاب الأموال والأملاك فيقيسون ما وهبهم الله من رزق على ما يكسبه الآخرين من نعم فيشعرون بالظلم ولا يصبرون ولا يشكرون. إنهم لا يشبعون أبدا ويرغبون دائما في المزيد فينكرون نعم الله عليهم كما : "وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاِس وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ" ( النمل، 73 ) .

    يحرص المؤمن الصادق المتيقن بأن كلّ النعم هي هبة من الله على أن ينفق أمواله ووقته فيما هو نافع، فلا يسرف عند التسوق لأنه يلتزم بقوله تعالي"...كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" ( الأعراف، 31 ) . والمؤمن لاينسى أبدا أن المسرفين "إِخْوَان الشَّيَاطِينِ " مثلما وصفهم الله تعالى في سورة الإسراء .
    خلاصة القول إنّ الابتعاد عن البخل مثل الابتعاد عن الإسراف عند التسوق هو حقيقة من حقائق الأخلاق القرآنية، والمؤمن مطالب باتباع التعقل والحكمة في البيع والشراء وهي حقيقة تلخّصها الآية 67 من سورة الفرقان في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يُقْتِرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قِوَامًا" ( الفرقان، 67 ) .





    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



  9. #9
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي


    عند ممارسة الرياضة




    الجسم أمانة وهبها الله للإنسان للاستفادة منها في الحياة الدنيا، وهو مسؤول أمام الله للعناية به على أحسن وجه، فيحافظ عليه من الأمراض. لذلك على المؤمن تخصيص زمن معيّن كلّ يوم لممارسة التمارين الرياضية وعليه أن يحرص على ذلك. فالرياضة تعطى القوة للجسم، كما تمنحه شحنة لمقاومة الأمراض وتساعده على العمل بشكل منتظم وصحّي فيكون جاهزا للقيام بأعمال يكسب بها مرضاة الله .
    إن الخلايا الحيوية عند الإنسان ليست جامدة بل هي متحركة، والرياضة تنشط الخلايا الدفاعية والجهاز الدوري والجهاز العصبي والجهاز التنفسي، كما تعطي ممارسة الرياضة قوة للجسم لمجابهة الميكروبات، وتؤمّن العمل المنتظم للهرمونات والقلب والشرايين وتمنح العظام والمفاصل نشاطا وقوّة وتنظم مقدار السكر في الدم، وتساهم في انخفاض "الكولوستيرول"، إلى غير ذلك من الفوائد الجمّة.



    والمؤمنون يتفانون في هذا الخصوص لأن الله نبه بأنّ قوة الجسم خاصية هامة من خصائص المؤمن وقد أورد القرآن الكريم في سورة الأعراف الآية 144 قصة سيدنا موسى صاحب الجسم القوي، و تخبرنا بعض الآيات عن قوة جسم النبي طالوت الذي أرسله الله ليحكم قومه
    ، و في الخصوص: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" ( البقرة 247 ) .

    مع كل هذه الأسباب التي تحفّز المؤمن على ممارسة الرياضة يوجد سبب آخر مهمّ جدّا وهو أن المؤمن الحامل لرسالة التبليغ أي المكلف بمهّة نشر الإسلام في العالم عليه أن يكون صاحب جسم قوي وسليم حتى يستطيع الاضطلاع بمهمته وجلب احترام الآخرين، وهذا يساعده على الحوار والإقناع .



    إذن المنظر الخارجي المتميز بالهيبة والوقار يعطي انطباعا إيجابيا على الإسلام والمسلمين، لذلك يسعى المؤمن دائما إلى اكتساب أسباب القوة والصحة الجسمية ويحرص على مظهره الخارجي وهيئته، ولا مجال للكسل والتهاون أو اللامبالاة في هذا الخصوص إطلاقا.
    عند القيام بالواجبات الدينية
    يقول الله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الإِنْسَ وَالْجِنَّ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" ( الذاريات، 56 ) . يعلمنا الله في هذه الآية أنّه خلق الإنسان ليعبده في الأرض، وليس الإنسان فقط بل كلّ شيء خلقه الله الهدف منه عبادته و تسبيحه، لذلك فإن عبادة الله هي بالنسبة لمن يتخذ القرآن دليلا في حياته هي فوق كل شيء، لذلك يكون خلال العمر القصير مستعدا للآخرة فيسعى إلى كسب مرضاة الله في كل لحظة من لحظات يومه.



    المؤمن يعي جيدا أن العيش وفق الأخلاق القرآنية ليس في جانب من الحياة الدنيا ولا مرحلة معينة من مراحل الحياة بل تشمل الحياة كلها، فيحرص دائما على تطبيق أوامر الله تعالى ويسعى إلى فعل الخير والعمل الصالح أكثر فأكثر، كما يقوم بواجباته الدينية في أوقاتها المحددة ويعمل على القيام بعمل آخر مفيد كلما انتهى من عمل تأييدا عملا بقوله تعالى:" قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ( الأنعام، 162 ) .
    المؤمن إذن دائما وراء خير الأعمال وأحسنها دون انقطاع ولا توقف، و المؤمن الحق هو من إذا أنهى عملا بدأ في غيره لأن كل لحظة من حياته ينبغي أن تكون في عبادة الله وكسب مرضاته لأنه يعلم أنه سيقدم على حساب عسير في الآخرة، لذلك تراه يحرص على قضاء كل لحظة من لحظات حياته في الأعمال الصالحة طمعا في كسب مرضاة الله وتطبيق أوامره كما جاء في قوله تعالى: "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ " ( الإنشراح، 7 ) كما يقول تعالى: "...وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا" ( مريم، 76 ).
    وفي بعض الآيات الأخرى يدعو الله المؤمنين إلى الاستقرار والثبات على العبادات والأخلاق التي يحبها فيقول: "رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا" ( مريم، 65 ).
    الإنسان الجاهلي يتعامل مع هذا الموضوع بمنطق ظالّ مثل الشك في اليوم الآخر وغير ذلك من الأفكار المنحرفة، لكنّه يقوم في بعض الأحيان بالعبادات بشكل عرضيّ.
    بعض الناس هدفهم الوحيد إصابة ما لذّ و طاب من الدنيا، لذلك يظهرون حرصا شديدا فيسعى جاهدا إلى أن يكون غنيا أو صاحب منصب أو تحقيق منافع من الآخرين. كلّ ذلك سيذهب هباءً بعد مدّة قصيرة "ثَمَنًا قَلِيلاً" ( التوبة، 9 )، وهؤلاءالناس يدخلون في سباق كبير من أجل ذلك المتاع القليل. أمّا المؤمنون الراغبون في الجنة الساعون فقط لكسب مرضاة الله فقد عرّف القرآن الكريم خصائصهم في قوله تعالى:" وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا" (الإسراء، 19 ) .



    المؤمن الحق هو من يقضي يومه جاهدا لكسب مرضاة الله ويقوم بواجباته الدينية على الوجه الأكمل، و كلّ أفكاره وتصرّفاته هي في سبيل الله تعالى، فهو يفكّر في قدرة الله اللاّمحدودة وعلمه الواسع وجمال خلقه وغيرها من صفات الله تعالى، قال الله تعالى: "..وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّْح بِالعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ" ( آل عمران، 41 ). كما يقول تعالى: "الّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ " ( الرّعد، 28 ).

    إنّ المؤمن الذي يتخذ من الأخلاق القرىنية طريقا يكون حريصا جدّا على أداء الصلاة في أوقتها ولا يسمح لمشاغل الدنيا أن تلهيه عن أداء عباداته في أوقاتها، وهو يؤدّيها بكلّ فرح وخشوع لأنّها وسيلة تقرّبه من الله . أمّا الّذين يؤدّون الصلاة رياء أو خشية من النّاس فلا يعيشون لذّة العبادة، أو يصرفون أذهانهم إلى أشياء أخرى عوض أداء الصلاة ولا يفكّرون في الأعمال التي تقرّبهم من الله تعالى فتتشتت أفكارهم في المشاكل اليومية, لذلك نبه الله تعالى هؤلاء في قوله تعالى: "الََذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ" ( الماعون، 4-6 ).

    إن مثل هؤلاء يظنون أنّهم يتعبّدون من أجل مرضاة الله دون الخوف من الله ولا التفكير فيه ودون الإحساس بوجوده والتقرّب إليه، فهم في غفلة من أنفسهم. فالتقوى هي الطريق الوحيد للتقرب إلى الله تعالى.
    سوف لن نتناول في هذا الكتاب منطق العبادات في الجاهلية، ولمن أراد المزيد من المعلومات في هذا الخصوص يمكنه الرجوع إلى كتابنا "دين الرّجولة" .
    نودّ التوقف عند نقطة مهمة في موضوعنا وهي أن بعض الناس يحصرون العبادات في أشياء محدودة فيظنون أن العبادات هي مجرد تطبيق بعض أوامر الله فقط، غير أنّ العبادات لا تقف عند أداء الصلاة والصيام والحجّ والزّكاة وجملة الفرائض فقط، العبادة بمعنى التعبد أي أن يكون الإنسان عبدا لله في كلّ حركاته وسكناته وتصرّفاته، و بقدر ما تكون الصلاة فرضا واجبا على الإنسان كذلك الابتعاد عن الغضب والالتزام بالقول الحسن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجنب الظنّ والابتعاد عن الجدال، كلّ هذا من صميم العبادة. ( لمزيد من التفاصيل أنظر كتاب هارون يحيى "أسرار الأحكام القرانية")، لذلك يجب الالتزام بكلّ حرص وثبات بالعبادات الفعلية والعبادات الأخلاقية معا. وباختصار على المؤمنين تطبيق كلّ الأحكام القرآنية في كلّ ميادين الحياة بكلّ دقّة وعناية.
    يعتبر التبليغ أي دعوة الناس إلى الطريق الحقّ وفعل الخير وتجنب الشكّ من أهمّ العبادات التي كلّف به المؤمنون، وهي جزء من حياته اليومية. فالمؤمن بحديثه وتصرّفاته ونشاطه في كلّ الميادين الحياتية مطالبٌ بالحديث عن الدين ومطالبٌ بأن يكون نموذجا يحتذى به، وهذا التكليف ليس أمام الذين لا يعرفون الدّين فقط بل هو مطالب بنفس الخُلق في محيطه ومع إخوانه المؤمنين، فيكون مثالا للأخلاق العالية عملا بقوله تعالى: "وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ( التوبة، 71 ).

    على المؤمنين اتباع كلّ الوسائل لدعوة الناس إلى الأخلاق القرآنية فيقنعهم بأن الله واحد أحد له الصفات الحسنى خلق الإنسان ليعبده في الأرض، و يعلّم الناس السلوك الذي يحبه الله والعيش ضمن
    الأخلاق القرآنية وينير لهم طريق الحق ويتبادل معهم الحديث عن الجنة والنار ويوم القيامة.
    إن حديث المؤمنين فيما بينهم ينبغي أن يتركز على التواصي بتطبيق الأحكام الشرعية ودعوة بعضهم البعض إلى التخلق بأخلاق القرآن بكل إخلاص. وباختصار التبليغ هو هداية الناس إلى السلوك الأخلاقي المقبول عند الله. والمؤمن يعتمد الحوار والعلم وسائل للتبليغ، ويمكننا اليوم الاستفادة من التطورات العلمية في هذا الخصوص، فيمكن استعمال الراديو والتلفزيون والكتب والمجلات والجرائد والرسائل وغيرها وسائل لتبليغ الدعوة.
    إنّ المؤمن الملتزم
    بالأخلاق القرآنية يجب عليه أن يتهيّأ للاضطلاع بمهمّة الدعوة وذلك من خلال كسب المعرفة والإلمام بكلّ الميادين والتسلح بالعلم حتى يشرح للآخرين الدين على الوجه الصحيح، بمعنى على المؤمن أن يستعدّ معنويّا وعلميا فيكون قادرا على الإقناع ومُشبعا لحاجة المتلقّي للمعرفة ومؤثرا في السامع... و الأساس في كلّ ذلك أن يكون حافظا للقرآن عارفا بالأحاديث النبوية.
    هكذا تشغل كلّ هذه الاستعدادات والأعمال حيّزا هامّا في الحياة اليومية للمسلم.








    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



  10. #10
    عضو شرفي
    الصورة الرمزية ronya
    ronya غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 27
    تاريخ التسجيل : 3 - 10 - 2007
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 4,121
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 22

    افتراضي


    عند النوم ليلا



    يعتقد كل الناس أن وراء خلق الليل حكما عديدة، وهي حقيقة أخبرنا الله عنها في قوله تعالى: "وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ" ( يس، 37) . وأهم الحكم من غروب الشمس شيئا فشيئا وحلول الظلام رويدا رويدا بفضل هذا التعاقب وبفضل اختلاف درجة الحرارة بين الليل والنهار تتعوّد المخلوقات الحيّة على هذا الاختلاف فلا تتضرّر منه. إنّها رحمة من العلي القدير بعباده، وليكون ذلك تذكرة للناس الذين لم يفكّروا مرّة واحدة في تلك النعم.

    المؤمن صاحب الأخلاق القرآنية يزداد اقتناعا بعد أن يعرف الحقائق بأن الله رؤوف بعباده تأييدا لما أخبرتنا به الآية 92 من سورة يوسف في قوله تعالى"...وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" ( يوسف، 92 ) .
    بلا شك فتعاقب الليل والنهار نعمة من نعم الله العديدة التي خلقها من أجل الإنسان وذلك مصداقا لقوله تعالى:"قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ" ( القصص، 71-72 ).
    إنّ الله خالق الليل والنهار وهو الذي نظم تعاقبهما وهو الوحيد باستطاعته إنقاذ الإنسان من العتمة، ولو شاء لجعل الليل أو النهار إلى الأبد، لكن المخلوقات الحية لا تتحمل ذلك، وبالتالي تنعدم الحياة على وجه الأرض.
    لا ريب أن الله تعالى خلق الليل والنهار بشكل يساعد على الحياة فوق الأرض رحمة وشفقة بعباده فيقول تعالى: "وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" ( القصص، 73 ).

    إنّ الإنسان العاقل وحده يستطيع اكتشاف الحكمة من خلق الليل والنهار وتعاقبهما بنظام ودقّة، والإنسان الذي يخاف الله ويعيش وفق
    الأخلاق القرآنية هو الذي يفكّر في الحكمة من ذلك، وقد وردت آيات عديدة في هذا الخصوص نورد البعض منها:
    : "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُِولِـي الأَلْبَـابِ" ( آل عمران 190). وقد ورد في سورة البقرة قوله تعالى: " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( البقرة، 164 )، و: "إِنَّّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ الله فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُـونَ" (يونس، 6).

    لقد خلق الله في الإنسان خلايا حيوية تساعد على النوم والاسترخاء بالليل وفي هذا الخصوص يقول الله تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ" ( يونس، 67 )، وكذلك قوله تعالى: "ذَالِكُمْ اللهُ رَبَّكُمْ خَاِلقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّي تُؤْفَكُونَ" ( المؤمن، 61 ).

    بالرغم من أن الليل يمثل فرصة للراحة والاسترخاء فإن له خصوصية أخرى وهي السكون الذي يخيم على الدنيا فيكون وقتا مناسبا للعبادة، فسكون الليل يختلف عن حركة النهار فيصفو الذّهن و تحلو العبادة والدعاء تأييدا مصداقا لقوله تعالى: "إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأًً وَأَقْوَمُ قِيلاً إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً" ( المزمل، 6-8 ).
    فأخطاء الإنسان لن تغفر وحاجاته لن تلبّى إلاّ إذا اجتهد بالدعاء ليلا، وبالليل أيضا يستطيع المؤمن تقييم نشاط يومه فيستحضر أخطاءه التي ارتكبها في يومه ويتفرّغ إلى الله بالتوبة والمغفرة ويسعي إلى قضاء وقته في الأعمال التي يرتضيها الله تعالى فيذكره كثيرا ويتقرّب إليه ولا يهتمّ بالتفكير إلاّ في ملكوت الله وآياته ونظام الكون والمخلوقات الحية وفي هذا النظام المتكامل والنعم التي خلقها الله والجنّة و النار ...
    المؤمنون الذين يخصصون جزءا من الليل للعبادة ذكرهم الله في القرآن بقوله تعالى: "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا" ( الفرقان، 64). ويقول تعالى: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ" (السجدة، 16)، ويقول تعالى: "أَمََّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ" ( الزمر، 9).

    بهذا الشكل يخصص المؤمنون قسما من الليل للذكر والدعاء والعبادة فيكونون قد طبّقوا سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الله تعالى هؤلاء في قوله: "إِنَّّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفهُ وَثُلثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ..." ( المزمّل، 20). تتحدث الروايات عن أنّ الرسول صلى الله عليه و سلم كان يدعو الله بأن يجعله حسن الاخلاق، ومن بين تلك الأدعية قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني حسّن خلقي وخلقي، اللهم باعد بيني وبين خطاياي" ( الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين ، المجلد الثاني).

    كما سبق أن ذكرنا فإنّ النوم هو عبارة عن موت مؤقت إذا شاء الله لن يفيق الإنسان بعده، لذلك على الإنسان أن يتضرع بالدعاء لله قبل الركون إلى النوم لعلّها تكون فرصته الأخيرة. هذه الحقيقة أخبرنا بها الله في قوله تعالى: "اللهُ يَتَوَفَّي الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمِسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ( الزمر،42).

    خلاصة القول أن المؤمن الذي يعيش في رحاب
    الأخلاق القرآنية يستغل فرصة قد تكون الأخيرة قبل النوم وهي حقيقة يجب أن تكون نصب أعيننا فندعو الله من صميم الفؤاد بأن يغفر ذنوبنا ويعيننا في أعمالنا، ولا نستجير إلاّ به سبحانه وتعالى.








    (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)



 

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. أساليب التبشير في المدارس وأثرها على الطفل المسلم
    بواسطة أمـــة الله في المنتدى قضايا الأسرة والمجتمع
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 2010-12-05, 12:59 PM
  2. قصص مصورة لسلوكيات الطفل المسلم
    بواسطة لا تسئلني من أنا في المنتدى قسم الأطفال
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 2010-08-03, 06:12 PM
  3. الاسطوانه الرائعه :: عقيدة الطفل المسلم :: بحجم 45 ميجا فقط
    بواسطة جمال المر في المنتدى قسم الأطفال
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2010-04-12, 10:27 PM
  4. ما اثر الصيام في حياة المسلم من حيث تزكية النفس وتهذيب السلوك
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى القسم الإسلامي العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 2008-09-05, 07:12 AM
  5. أسرار حياة الطفل الخجول والانطوائي
    بواسطة ronya في المنتدى قسم الأطفال
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 2008-05-24, 05:55 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML