"هامان"معجزة قرآنية وليست شبهة ضده!!
:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)(القصص)
دأب المستشرقون منذ سنوات عديدة على تكرار شبهة ضد القرآن، فذكر وا أن ورود اسم "هامان" كأحد المقربين إلى فرعون في عهد موسى عليه السلام خطأ تاريخي، حيث لم تورد التوراة اسم "هامان" عند ذكرها قصة موسى عليه السلام وبني إسرائيل مع فرعون، كما لم يذكر هذا الاسم أي مؤرخ يوناني قديم، ولم يرد اسمه في أي نص تاريخي قديم يتكلم عن تاريخ مصر القديم، ولم يرد هذا الاسم إلا في سفر "إيستر" في التوراة، الذي أورد أن: "ملك بابل "أحشوبروش" كان له وزير اسمه هامان، كان يعادي اليهود (الموجودين في بابل بعد الأسر البابلي)، وأنه ظلمهم ظلماً كبيراً.
ولكن اليهود تخلصوا من وضعهم المزري، ومن ظلم هذا الوزير بعد زواج الملك من فتاة يهودية حسناء فتنته، وسعت لدى الملك حتى نجحت في قتل هذا الوزير والانتقام لشعبها"(1).
أي أن هامان لم يكن في عهد فرعون موسى عليه السلام في مصر، بل في بابل وبعد 1000عام تقريباً بعد موسى عليه السلام.. ومن ثم يفترون أن القرآن وقع في خطأ تاريخي كبير، وقد ترددت هذه الشبهة كثيراً في السنوات الأخيرة.
فمثلاً يذكر د.عبد الجليل شلبي (الأمين العام الاسبق لمجمع البحوث الإسلامية مصر) في كتابه: "مفتريات المبشرين على الإسلام" أنه تلقى رسالتين مع الأولى خطاب من المجلس الملّي الأرثوذكسي، موقع من الأسقف العام ورئيس المجلس والنائب العام البابوي "تيمو ثاوس"، يردد نفس الأكاذيب ومن ضمنها شبهة "هامان"(2).
وهناك مواقع تنصيرية عديدة في الإنترنت تشير إلى هذه الشبهة وتؤكدها، وإزاء ذلك قام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في وزارة الأوقاف المصرية عام 2002م بتأليف كتاب "حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين" يرد على الشبهات التي أثارها المنّصرون في مصر، وصدرت بمصر دراسة بعنوان:
"هل القرآن معصوم؟" وكتاب آخر بعنوان "الباكورة الشهية في الروايات الدينية"(3).
وفنّد الكتاب 147 شبهة متداولة ومتكررة، كان من بينها شبهة "هامان" أيضاً، مما يعني أنها شبهة أثيرت في المطبوعات التبشيرية المذكورة أعلاه وفي غيرها من المطبوعات.
تفنيد شبهة "هامان"
كان جواب د. عبد الجليل شلبي هو أنه لا يوجد أي مانع منطقي من وجود شخص اسمه "هامان" في عهد فرعون موسى عليه السلام، وشخص آخر بالاسم نفسه في عهد ملك بابل "أحشوبروش".
وأشار إلى أن قصة الفتاة "أستير"، والملك، ووزيره "هامان" قصة خيالية وأسطورة من الأساطير لا حقيقة لها،
وذكر أدلة كذبها:
التي لخصها في أنها أي قصة أستير لم تذكر في غير التوراة، والنبيان عزرا ونحميا، اللذان كانا من أوائل العائدين من بابل، وقصا قصة السبي البابلي، لم يشيرا إلى أستير ولا إلى أي شيء مما جاء في السفر المسمى باسمها، وكذلك المؤرخ الإغريقي هيروديت الذي عاصر "أكزسيس" ودوّن سيرته لم يشر إلى أستير وأحداثها..
ثم إذا كان هناك لبس في الأسماء في التوراة، فهامان إله عيلامي قديم ومردخاي (4) إله كلداني، وربما كان اسم "أستير" محرفاً عن عشتار، وهذا مما وضح أن القصة أخذت عن أسطورة بابلية".
ثم قال: "أما هامان يقصد هامان بابل فشخصية خيالية، ومن الجائز أن يكون العبرانيون أثناء إقامتهم في مصر نقلوا هذا الاسم كما نقلوا أسماء أخرى، ومثل هذا موسى، فهو موش، من مثل:
أح موس (أحمس) و(تحوت موس) تحتمس، ثم حوّل إلى هذا النطق ونطقه العبرانيون بالشين"(5).
أما جواب كتاب "حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين" فكان جواباً موجزاً، وملخصه: أنه من الجائز أن كلمة "هامان" ليست اسما لشخص ولكنه لقب يطلق على "نائب فرعون" مثلما يطلق اسم فرعون لقباً على حاكم مصر أو ملكها(6).
ولكن أفضل من شرح موضوع هامان هو العالم الفرنسي المسلم "موريس بوكاي" في كتابه:
(MOISE
ET PHARAON)موسى وفرعون"، إذ قام ببحث مستفيض حول قصتي يوسف وموسى (عليهما السلام) كما وردتا في التوراة وقارنهما بما جاء في القرآن حولهما، وتوصل بعد بحث علمي وموضوعي دقيق إلى أن المعلومات العلمية المتوافرة لدينا تقف بجانب ما جاء في القرآن وتخالف ما جاء في التوراة.
وندع هنا قصة يوسف عليه السلام ونتناول ما ذكره هذا المؤلف حول قصة موسى عليه السلام وهامان، يقول الكاتب: "إن المعلومات المتعلقة بهذه الموضوعات في الكتاب المقدس ليست من الوحي الإلهي، بل هي كتابات أشخاص، لأنه لا يمكن تفسير كل هذه التناقضات بشكل أو بتفسير آخر... كما أن كل ما جاء في العهد القديم يجرّ الإنسان إلى مشاكل كبيرة فيما يتعلق بالموضوعات التاريخية لا يمكن حلها، وقد تعلمنا في "المعهد المسيحي" أن جميع ما جاء في العهد القديم "كلام الله"، ولكن لحسن الحظ قام مجلس الفاتيكان فيما بين أعوام 1962م 1965م باتباع أسلوب أكثر مرونة، وكان هذا هو الصواب...
وقمت في بحثي الأخير هذا بمقارنة المعلومات القطعية الموجودة لدينا حالياً مع ما جاء في العهد القديم، فقمت في الفصل الثاني بتطبيق المقارنات نفسها التي أجريتها في الفصل الأول مع العهد القديم مع القرآن، وقد أوضحت في الفصل الأول كيف أن المعلومات المعطاة في العهد القديم تتناقض مع العلم الحديث.
حسناً!.. هل كانت في القرآن أي نقاط أو أمور تتناقض مع العلم الحديث؟ كلا.. لم يكن فيه أي تناقض مهما كان بسيطاً؛ لأن القرآن يعطي معلومات متلائمة تماماً مع العلم الحديث. وكان هناك اتجاه عام حتى القرن السابع عشر الميلادي بأن الأسفار الخمسة التي تشكل التوراة كتبت من قبل موسى عليه السلام علماً بأن وفاة موسى عليه السلام كانت مسجلة فيها، ولا أدري كيف يمكن لهذا النبي أن يكتب ويسجل مراسيم وفاته؟.. هل يعقل هذا؟ وكان عدم قبول هذا الأمر (أي قيام موسى عليه السلام بكتابة التوراة) يعد كفرا بالدين.
ولكن بعد أن قام طبيب عالم في عام 1753م بتقديم اعتراضاته بدأ النقد يزداد، واستمر حتى قيل في النهاية: "أنه تمت مقارنة الكتاب المقدس مع حقائق العلوم الحديثة وظهرت تناقضات حادة معها. أو يسلك سلوك تأسيس توافق زائف معها".
ثم يتناول موريس بوكاي موضوع هامان فيقول ما ملخصه: "لقد جاء ذكر هامان في القرآن كرئيس المعماريين والبنّائين، ولكن الكتاب المقدس لا يذكر أي شيء عن هامان في عهد فرعون. وقد قمت بكتابة كلمة "هامان" باللغة الهيروغليفية (لغة مصر القديمة) وعرضتها على أحد المختصين في تاريخ مصر القديمة، ولكي لا أدعهم تحت أي تأثير، فإنني لم أذكر له أنها وردت في القرآن. بل قلت له أنها وردت في وثيقة عربية قديمة يرجع تاريخها إلى القرن السابع الميلادي. فقال لي المختص:
"يستحيل أن ترد هذه الكلمة في أي وثيقة عربية في القرن السابع؛ لأن رموز الكتابة باللغة الهيروغليفية لم تكن قد حلت آنذاك". ولكي أتحقق من هذا الأمر فقد أوصاني بمراجعة قاموس
(Dictionnaire des Noms de Personn du Nouvel Empire) أي (قاموس أسماء الأشخاص في الإمبراطورية الجديدة) لمؤلفهAllemand Rank ورجعت إلى القاموس فوجدت أن هذا الاسم موجود هناك ومكتوب باللغة الهيروغليفية وباللغة الألمانية كذلك. كما كانت هناك ترجمة لمعنى هذا الاسم وهو: رئيس عمال مقالع الحجر.
وكان يطلق هذا الاسم أو اللقب آنذاك على الرئيس الذي يتولى إدارة المشاريع الإنشائية الكبيرة. فنقلت تلك الصفحة من ذلك القاموس، وذهبت إلى المختص الذي أوصاني بقراءة هذا القاموس، ثم فتحت ترجمة القرآن بالألمانية وأريته ورود اسم هامان فيه، فدهش كثيراً وصمت.
لو جاء ذكر اسم هامان فرعون في أي كتاب قبل القرآن، أو لو جاء ذكره في الكتاب المقدس لكان المعترضون علينا على حق. ولكن لم يرد هذا الاسم حتى نزول القرآن في أي نص، بل ورد فقط على الأحجار الأثرية لمصر القديمة وبالخط الهيروغليفي.
إن ورود هذا الاسم في القرآن بهذا الشكل المذهل لا يمكن تفسيره إلا بأنه معجزة، فلا سبب آخر لهذا، ولا تعليل آخر. أجل!...إن القرآن أكبر معجزة"(7) هذا موجز ما أورده موريس بوكاي في هذا الموضوع.
وفي هذا السياق لابد من سرد بعض الحقائق:
ما من مؤرخ أو كتاب أشار إلى شخص "هامان" الذي كان مقرباً من فرعون مصر في عهد موسى عليه السلام، ولم يكن أحد يعلم الشيء الكثير عن تاريخ مصر القديم؛ لأن العلماء كانوا عاجزين عن قراءة الكتابات المصرية القديمة المكتوبة بالهيروغليفية، وقد اندثرت اللغة الهيروغليفية تدريجياً بعد انتشار المسيحية في مصر حتى اندثرت تماماً، وآخر نص مكتوب بهذه اللغة كان في عام 394م، ولم يعد أحد يتكلم بها أو يعرف قراءتها.
ودام هذا الوضع حتى عام 1822م عندما استطاع العالم الفرنسي "فراجيان فرانسوا شامبليون" فك رموز هذه اللغة من على حجر رشيد Rosetta stone، الذي اكتشفه ضابط فرنسي عام 1799م أثناء الحملة الفرنسية على مصر.
وكان مرسوماً عليه نص يمجد فرعون مصر وانتصاراته، مكتوب بثلاث لغات هي:
اللغة الهيروغليفية، واللغة الديموطيقية وهي اللغة العامية المصرية القديمة واللغة الإغريقية. وكان تاريخ الكتابة يعود إلى عام 196 ق.م، وساعد وجود هذه اللغات الثلاث العالم الفرنسي على فك رموز اللغة الهيروغلوفية، فقد قام بمضاهاة هذا النص بالنص الإغريقي ونصوص هيروغليفية أخرى، حتى نجح عام 1822م في فك رموز الهيروغليفية؛ لأن النص اليوناني كان عبارة عن 54 سطراً سهل القراءة..
وهذا يدل على أن هذه اللغات الثلاث كانت سائدة إبان حكم البطالسة الإغريق لمصر.
كانت اللغة الهيروغليفية اللغة الدينية المقدسة متداولة في المعابد، واللغة الديموطيقية لغة الكتابة الشعبية، واللغة اليونانية القديمة كانت لغة الحكام الإغريق، وقد أخذ البريطانيون هذا الحجر ووضعوه في متحف لندن(8)،
وبعد فك رموز الكتابة الهيروغليفية زادت معلوماتنا حول تاريخ مصر القديم زيادة كبيرة، وعلمنا من الكتابات الموجودة على عدد من الأحجار الأثرية العائدة للتاريخ المصري القديم، وجود شخص مقرب من فرعون مصر في عهد موسى عليه السلام كان مسؤولاً عن البناء اسمه "هامان". وهناك حجر من هذه الأحجار المصرية القديمة ورد فيه هذا الاسم وهو موجود في متحف "هوف" في فينا عاصمة النمسا(9).
إذن فكيف تمّ ذكر هذه الشخصية أي شخصية هامان فرعون التي لم ترد حولها أي معلومات في أي كتاب وعند أي مؤرخ قديم ولم يكن أحد يعرف عنه شيئاً؟ لأن آخر نص باللغة الهيروغليفية المشرفة على الاضمحلال كتب في 392م، ثم اندثرت هذه اللغة، ولم يعد أحد يعرفها أو يتكلم بها.. أي أن اللغة الهيروغليفية اختفت تماماً قبل مولد الرسول { بأكثر من ثلاثة قرون. وهذا هو الذي دفع المتخصص والعالم الفرنسي صديق موريس بوكاي إلى القول إن من المستحيل ورود ذكر هامان في أي وثيقة أو كتاب في القرن السابع الميلادي وهو القرن الذي ولد فيه الرسول {.
ونقول للمتشككين الملحدين ولأعداء القرآن: "قوموا بأي تفسير معقول حول هذا الموضوع... قولوا لنا لو أن هذا القرآن لم يكن من وحي الله تعالى فكيف ورد اسم "هامان فيه"؟!!
الهوامش
(1) التوراة سفر "أستير" (101)، ومن قرأ هذا الفصل يعجب من الوحشية التي تدعو إليها التوراة في الانتقام من أعداء اليهود في هذا السفر، فهي تدعو لاستئصال هؤلاء الأعداء، واستئصال أي قوة مسلحة تابعة لأي شعب أو إقليم وذبح أطفالهم ونسائهم.
(2) انظر:(مفتريات المبشرين على الإسلام) د. عبد الجليل شلبي. ص 2726.
(3) انظر: "حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين"، ص 9.
(4) مردخاي: إحدى الشخصيات اليهودية في قصة "أستير"، وهو الذي قدم الفتاة أستير إلى الملك، حسبما جاء في هذه الأسطورة.
(5) انظر: "مفتريات المبشرين على الإسلام" ص 159158.
(6) انظر: "حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين" ص 159158.
(7) انظر: "المعجزات الجديدة للقرآن" مقال منشور، مجلة (ظفر) التركية، عدد (232)، ص 93، لخص فيها المترجم "جمال آيدن" ما جاء في كتاب موريس بوكاي "موسى وفرعون".
(8) انظر: "عبقرية الحضارة المصرية القديمة"، أحمد محمد عوف.
(9) انظر:Walter Wreszinski,Aegyptiscche Inschriften aus dem K.K.Hof Museum in Wien, 1906,J C Hinrichs sche Buchhandlung وأيضاً: "المعجزات القرآنية" للكاتب التركي هارون يحيى، دار ARATIRMA YAYINCILIK للنشر، صفحة 7371.
المصدر هنا مقال لأورخان محمد علي من مجلة المجتمع
ihlhk lu[.m rvNkdm ,gdsj afim q]i
المفضلات