أسامة حافظ
فى أول موعظة ألقاها بابا الأقباط بعد رحلته الطويلة إلى أمريكا – قالوا أنها رحلة علاجية – أعلن البابا أن أعداد أقباط مصر 12 مليون وسخر ممن يقولون أنهم 4 مليون قائلا " لعلهم يقصدون أعداد القسس فقط " .
ثم وقبل أن نفيق من دهشتنا من خبطة البابا فاجأنا الأستاذ جبرائيل محامى حقوق الإنسان الشهير أن عدد النصارى فى مصر 15 مليون ووسط استغرابنا من هذا الإنفجار السكانى الغريب بزيادة ثلاثة مليون خلال أيام لا تتجاوز الأسبوع ، أعلن الأستاذ ممدوح نخلة المحامى أنه سيرفع قضية يطالب فيها وزارة الخارجية – ولا أدرى لماذا وزارة الخارجية بالذات – أن تكشف عن أعداد النصارى التى أخفتها الحكومة حتى لا يطالبوا بحقوق تساوى عددهم الحقيقى .
ورغم أن دراسات لبنانية تتحدث عن مجموع نصارى العالم العربى كله بشتى طوائفهم لا تتجاوز بهم نصف هذه الأرقام إلا أننا نعيش منذ فترة مزادا حول تعداد النصارى فدائرة المعارف المسيحية تذكر أن عددهم 17.8% - انظروا إلى الدقة – ونشرت النيويورك تايمز فى أحد أعدادها أنهم قرابة العشرين فى المائة ، أما صحف الكرازة ووطنى وأمثالها فهم دائما ما يتحدثون على لسان الأكليروس والعلمانية أنهم قرابة 20% من سكان مصر بل ان مجدي خليل ارتفع بعددهم الي الربع في تعليقه علي احد الكتب.
ولأن قصة التعداد هذه موضوع كبير ومكلف يحتاج إلى جيش من الموظفين لا يقل عن ثلاثين ألفا وإلى تمويل مالى كبير فإنه كان يكفينا أن نطلب من أصحاب هذه الدعاوى أن يشيروا إلى مصدر هذه المعلومات لنكشف كذب دعواهم إذ ليس ثمة مصدر لها إلا دعاوى لا أصل لها ولم يقل بها أى مصدر علمى يعتد به .
ولكن المشكلة أننا شعب قليل القراءة لذلك فكثيرا ما يتأثر بكلام الأدعياء ودعايتهم ولا ينتبه إلى أولئك الذين يصوبون هذه الإدعاءات خصوصا أنهم يتبعون المثل القائل اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس ولذلك فلا بأس من إعادة الحديث فى هذا الموضوع أملا فى تذكير الناس وإخراس الأدعياء فى هذا الأمر وذلك بمناسبة تجديد البابا لهذه الدعوى .
أول ما عرفت مصر الإحصاء الفنى فى العصر الحديث كان سنه 1897 على يد الإنجليز وأشرف على عملية الإحصاء مستر ألبرت بوانه-وهو بالمناسبة إنجليزى مسيحى - وقد كان عدد المصريين فى ذلك الوقت 9.734.405 منهم 8.977.702 من المسلمين والباقى ديانات أخرى وتشمل المسيحيين بشتى طوائفهم ويهود وجاليات أجنبية وجنود الإحتلال وكان الأرثوذوكس فى ذلك الوقت 592.347 أى حوالى 6% .
ثم توالت عمليات الإحصاء كل عشر سنوات وكانت كالتالى :
- سنه 1907 وتحت إشراف نفس الأشخاص كان مجموع السكان 11.189.978 وعدد غير المسلمين 888.692 أى حوالى 7.9% .
- سنه1917 تغير جهاز الإشراف وباشر التعداد المستر كريج وهو أيضا إنجليزى نصرانى وعاونه ا.ليفى وهو إنجليزى أيضا لكنه يهودى وكان جملة السكان 12.718.255 منهم 1.026.115 طوائف أخرى أى حوالى 8% .
- سنه1927 كانت مصر قد حصلت على إٌستقلالها وصارت لها إدارات مستقلة فأشرف على التعداد أول مصرى يقوم بهذا العمل وهو حنين بك حنين وهو للحظ الحسن مسيحى أرثوذوكسى وعاونه المستر كريج سالف الذكر وقد بلغت جملة السكان 14.177.864 أما الطوائف الأخرى 1.181.910 وهى نسبة تعادل 8.33% مع ملاحظة تزايد أعداد الكاثوليك والبروتستانت على حساب النصارى الأرثوذوكس نتيجة تزايد نشاطهم التبشيرى بين الأرثوذوكس .
- وهكذا فى عام 1937 كانت نسبة المسلمين 91.81%والطوائف الأخرى 8.19% .
- وفى عام 1947 كان المسلمون 92.09 %والطوائف الأخرى حوالى8%.
- لما قامت ثورة يوليو أجرت تعدادها الأول سنه 1960 فكان عدد السكان 25.184.106 منهم 1.905.182 من الطوائف الأخرى أى حوالى 7.33%منهم 6.49% من الأرثوذوكس .
- وفى عام 1976 كانت كل الطوائف المسيحية لم تجاوز 6.32%منهم 5.68%من الأرثوذوكس .
ولنا عدة ملاجظات قبل أن نتكلم عن تعدادهم الآن :
الأولى : أن المشرفين على التعداد وحتى قيام ثورة يوليو كانوا من النصارى سواء من الإنجليز أو المصريين وبالتالى لا مجال لإتهامهم بالتزوير وبالمثل فإن الأعداد الكبيرة للموظفين القائمين على أمر الإحصاء – حوالى 30.000 – من مسلمين ومسيحيين يصعب الإدعاء بأنهم تواطئوا على الكذب .
الثانية : أنه من محاسن الأقدار أن الحكومات التى أجري الإحصاء فى ظل حكمها يبعد إتهامها مثل هذا الإتهام فالثلاثة الأول كانوا فى ظل حكم الإحتلال ورجاله أمثال مصطفى فهمى باشا وغيره ، أما إحصاء سنه1927 ،سنه 1937 فكانت فى ظل حكومة الوفد ، وإحصاء سنه 1947 فى ظل حكومة النقراشى وكلها حكومات يمثل المسيحيون ثقلا كبيرا فى بنائها ولها علاقات وثيقة معهم .
الثالثة : أن نسبة النصارى فى مجمل هذه الإحصاءات بعد حذف الأجانب واليهود تجدها تدور جول 6% وهو ما اتضح فى الإحصاءات سنه1976 ،سنه1986 إذ أن نسبتهم بجميع طوائفهم كانت 6.32% ، 5.8% خاصة وأن موجة من الهجرة النصرانية كانت فى الستينات نتيجة قوانين التأميم جعلت كثيرا منهم يغادرون البلاد خوفا من مصادرة اموالهم .
نأتى إلى أعدادهم الآن . فلو تجاهلنا موجة الهجرة التى تجتاح النصارى فى العقد الأخير نتيجة فتح الغرب أحضانه لهم وخاصة امريكا بدعوى حمايتهم من الإضطهاد المزعوم ، ولو تجاهلنا موجة الإنتقال للمذاهب الأخرى وللإسلام التى تنتشر فيهم هذه الأيام واعتبرنا أن نسبتهم لا زالت تدور حول نسبتهم فى التعداد السابق 5.8% و مع وصول العدد الإجمالى للمصريين إلى حوالى 70 مليون فإنهم فى هذه الحالة لا يجاوزون 4.1 مليون موزعة على أكثر من سبعين ملة لكل ملة منهم عقيدته وطقوس عبادته وموقفه من الملل الأخرى .. فإذا كان الأرثوذوكس 72 % حسب أقرب الإحصاءات بين الملل فإن عددهم سيكون حوالى 2.9 مليون أرثوذوكسى ، هذا مع كثير من التسامح فى التعداد . وهى نسبة تقترب كثيرا من نسبة الأقليات المسلمة فى كل من ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا .. ونستطيع بمقارنة بسيطة بين وضع أقلياتنا فى هذه البلاد من حيث عدد المساجد والوظائف العالية وحجم ثروتهم وحقهم فى ممارسة شعائرهم أن ندرك كم هى مدللة تلك الأقلية عالية الصوت كثيرة الشكوى .
ثم فى النهاية هل نستطيع أن نقول لكل من يزايد على أعداد النصارى فى مصر- أنت كاذب- دون أن ينبرى لنا أحدهم ليقول عيب خوفا على ما يسمونها الوحدة الوطنية .;l u]] hghrfh' hgprdrd tn lwv
المفضلات