القاضي الفاضل
هو القاضي أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن المعروف بالقاضي الفاضل كان أبوه قاضياً بعسقلان فأرسل ولده عبد الرحيم إلى الديار المصرية في آخر عهد الدولة الفاطمية فاشتغل بالكتابة والإنشاء فبرع وفاق أقرانه في مصر ثم ما لبث أن فاق وساد أهل زمانه جميعاً , ولما دخل صلاح الدين الأيوبي بلاد مصر سنة 564هـ جعله كاتبه وصاحبه ورفيقه في رحلة الكفاح والجهاد المقدس بل إن صلاح الدين جعله وزيره وجليسه وأنيسه وكان أعز عليه من أهله وأولاده وتساعدا حتى فتحت البلاد والأقاليم هذا بحسامة وسنانه وهذا بقلمه ولسانه وبيانه .
كان القاضي الفاضل ثاقب الفهم جاد الذكاء بعيد النظرة عنده حسن تقدير للأمور وكان صلاح الدين لا يقطع أمراً دونه ولا يولي أحداً من الناس حتى يستشيره ولا يصدر عن رأيه أبداً .
وكان إذا خرج صلاح الدين للجهاد في الشام ضد الصليبيين كان يترك القاضي الفاضل والياً على مصر يضبطها لحين عودته وأيضاً يتركه مسئولاً وراعياً لأبناءه وكانوا سبعة عشر ولداً وبنتاً كان لا يستأمن صلاح الدين عليهم أحداً سواه , وكان القاضي الفاضل هو الوحيد القادر على توجيه صلاح الدين وتهدئته وقت الأزمات فعندما كان صلاح الدين يجاهد الصليبيين في الشام استغلها بعض الروافض في مصر أن يعيدوا الدولة الفاطمية واغتنموا غيبة الناصر عن مصر واستهانوا بأمر العزيز عثمان بن صلاح الدين فبعثوا اثنى عشر رجلاً ينادون في الليل يا أل علي يا أل علي وهم يظنون الحرس وحبسوهم فلما بلغ خبرهم للناصر في الشام ساءه ذلك واغتم واهتم له وكان القاضي الفاضل لا يفارقه في سفر ولا حضر فقال له يا أيها الملك ينبغي أن تفرح ولا تحزن حيث لم يضع إلى هؤلاء الجهلة أحد من رعيتك فسرى عنه ما كان بجد وفرح به وأرسله لمصر ليضبط الأمور بها .
مما يدل على بعد نظر القاضي الفاضل أنه أشار على الناصر بعدم إرسال خطابات لسلطان الموحدين في المغرب لطلب المساعدة ضد الصليبيين ولكن الناصر أصر وأرسل فلم يرد عليه سلطان الموحدين لأنه لم يكتب له في الخطاب ويلقبه بأمير المؤمنين وإنما كتب له بأمير المسلمين فغضب يعقوب بن يوسف سلطان الموحدين ولم يرسل أي مساعدة .
كان القاضي الفاضل بمصر أثناء حصار الفرنج لعكا يدبر الأمور فيها ويجهز للسلطان ما يحتاج إليه من الأموال والجنود وإعداد الأسطول لفك الحصر عن عكا فلما طال أمر الحصار كتب كتاباً بليغاً وفصيحاً للناصر يقول له فيه 'أن سبب التطويل في الحصار هو كثرة الذنوب وارتكاب المحارم بين الناس وإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته وعرفه حال المنكرات التي سادت وظهرت في البلاد وأنها السبب وراء هذا البلاد' فكان هذا الخطاب من أسباب النصر بعدها .
ولما حضرت صلاح الدين الوفاة كان القاضي الفاضل موجوداً عنده أثناء فترة مرضه وكان معه في آخر من حياته وهو الذي قام بتجهيزه وشراء الكفن من ماله الخاص وأمر القاضي الفاضل أن يدفن مع الناصر سيفه الذي كان يجاهد به حتى يتوكأ عليه يوم القيامة .
ولم ينقطع عمل ولا أثر القاضي الفاضل بوفاة صلاح الدين إنما استمر في نصائحه لأولاده من بعده فلما هجمت الفرنج على الشام سنة 593هـ أرسل القاضي الفاضل للملك العادل أخي صلاح الدين يحثه على الجهاد والمصابرة أمام الصليبيين ويثني عليه ويشجعه ويشكر له سعيه في قتالهم .
وكان القاضي الفاضل مع كثرة أمواله كثير الصدقات والصلات والصيام وكان يواظب كل يوم وليلة على ختمه كاملة مع ما يزيد عليها من نافلة وكان رحيم القلب حسن السيرة طاهر القلب والسريرة قد أوقف أوقافاً لتخليص الأسارى من يدي الصليبيين وقد بنى عدة مدارس على الشافعية والمالكية وقد اقتنى مكتبة ضخمة تقدر بمائة ألف كتاب .
توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 6 ربيع الآخر سنة 596هـ
مفكرة الاسلامhgrhqd hgthqg
المفضلات