يشن الغربيون المتعصبون من رجال الدين والاستشراق والاستعمار حملة قاسية على الاسلام والمسلمين بسبب تعدد الزوجات، ويتخذون منها دليلاً على اضطهاد الاسلام للمرأة واستغلال المسلمين لها في إرضاء شهواتهم ونزواتهم. والغربيون في ذلك مكشوفو الهدف، مفضوحو النية، متهافتو المنطق.
1- فالاسلام لم يكن أول من شرع تعدد الزوجات، بل كان موجوداً في الأمم القديمة كلها تقريباً: عند الاثينيين، والصينيين، والهنود، والبابليين والأشوريين، والمصريين، ولم يكن له عند أكثر هذه الأمم حد محدود، وقد سمحت شريعة "ليكي" الصينية بتعدد الزوجات الى مائة وثلاثين امرأة، وكان عند أحد أباطرة الصين نحو من ثلاثين ألف امرأة!...
2- والديانة اليهودية كانت تبيح التعدد بدون حد، وأنبياء التوراة جميعاً بلا استثناء كانت لهم زوجات كثيرات، وقد جاء في التوراة أن نبي الله سليمان كان له سبعمائة امرأة من الحرائر وثلاثمائة من الإماء.
3- ولم يرد في المسيحية نص صريح بمنع التعدد، وإنما ورد فيه على سبيل الموعظة أن الله خلق لكل رجل زوجته.. وهذا لا يفيد على أبعد الاحتمالات إلا الترغيب بأن يقتصر الرجل في الأحوال العادية على زوجة واحدة، والاسلام يقول مثل هذا القول، ونحن لا ننكره، ولكن أين الدليل على أن زواج الرجل بزوجة ثانية مع بقاء زوجته الأولى في عصمته يعتبر زنى ويكون العقد باطلاً.
ليس في الأناجيل نص على ذلك، بل في بعض رسائل بولس ما يفيد أن التعدد جائز، فقد قال: "يلزم أن يكون الاسقف زوجا لزوجة واحدة" (انظر رسائل بولس الأولى تيموشاوس) ففي إلزام الأسقف وحده بذلك دليل على جوازه لغيره. وقد ثبت تاريخياً أن بين المسيحيين الأقدمين من كانوا يتزوجون أكثر من واحدة، وفي آباء الكنيسة الأقدمين من كان لهم كثير من الزوجات، وقد كان في أقدم عصور المسيحية من إباحة تعدد الزوجات في أحوال استثنائية وأمكنة مخصوصة. قال "وستر مارك" (Wester Mark) العالم الثقة في تاريخ الزواج: إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي الى القرن السابع عشر.
وكان يتكرر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة (عباس محود العقاد :: حقائق الإسلام ص 177)
ويقول أيضاً في كتابه المذكور:
إن "ديارماسدت" ملك إرلندة كان لو زوجتان وسريتان. وتعددت زوجات الميروفنجيين غير مرة في القرون الوسطى. وكان لشرلمان زوجتان وكثير من السراري، كما يظهر من بعض قوانينه ان تعدد الزوجات لم يكن مجهولاً بين رجال الدين أنفسهم. وبعد ذلك بزمن كان فيليب اوفاهيس وفردريك وليام الثاني البروسي يبرمان عقد الزواج مع اثنتين بموافقة القساوسة اللوثرين. وأقر ماتر لوثر نفسه تصرف الأول منهما كما أقره ملانكنون. وكان لوثر يتكلم في شتى المناسبات عن تعدد الزوجات بغير اعتراض، فإنه لم يحرم بأمر من الله، ولم يكن ابراهيم – وهو مثل المسيحي الصادق – يحجم عنه إذ كان له زوجتان. نعم إن الله أذن بذلك لأناس من رجال العهد القديم في ظروف خاصة ولكن المسيحي الذي يريد أن يقتدي بهم، يحق له أن يفعل ذلك متى تيقن أن ظروفه تشبه تلك الظروف، فإن تعدد الزوجات على كل حال أفضل من الطلاق. وفي سنة 1650 ميلادية بعد صلح وسنفاليا، وبعد أن تبين النقص في عدد السكان من جراء حروب الثلاثين. أصدر مجلس الفرنكيين بنورمبرج قراراً يجيز للرجل أن يجمع بين زوجتين. بل ذهبت بعض الطوائف المسيحية الى ايجاب تعدد الزوجات، ففي سنة 1531 نادى اللامعمدانيون في مونستر صراحة بأن المسيحي – حق المسيحي – ينبغي أن تكون له عدة زوجات، ويعتبر المورمون كما هو معلوم أن تعدد الزوجات نظام الهي مقدس (نقل ذلك الأستاذ العقاد في كتابة المرأة في القرآن الكريم ص 132-133).
ويقول الأستاذ العقاد ( عباس محمود العقاد ) : ومن المعلوم أن اقتناء السراري كان مباحاً – أي في المسيحية – على اطلاقه كتعدد الزوجات، مع اباحة الرق جملة في البلاد الغربية، لا يحده إلا ما كان يحد تعدد الزوجات، من ظروف المعيشة البيتية، ومن سورية جلب الرقيقات المقبولات للتسري من بلاد أجنبية، وربما نصح بعض الأئمة – عند النصارى – بالتسري لاجتناب الطلاق في حالة عقم الزوجة الشرعية. ومن ذلك ما جاء في الفصل الخامس عشر من كتاب الزواج الأمثل للقديس اوغسطين، فانه يفضل التجاء الزوج الى التسري بدلاً من تطليق زوجته العقيم. وتشير موسوعة العقليين الى ذلك. ثم تعود الى الكلام عن تعداد الزوجات فتقول: إن الفقيد الكبير جروتيوس دافع عن الآباء الاقدمين فيما أخذه بعض الناقدين المتأخرين عليهم من التزوج بأكثر من واحدة، لانهم كانوا يتحرون الواجب ولا يطلبون المتعة من الجمع بين الزوجات. وقال جرجي زيدان: "فالنصرانية ليس فيها نص صريح يمنع اتباعها من التزوج بامرأتين فأكثر، ولو شاؤا لكان تعدد الزوجات جائزاً عندهم، ولكن رؤساؤها القدماء وجدوا الاكفتاء بزوجة واحدة أقرب لحفظ نظام العائلة واتحادها – وكان ذلك شائعاً في الدولة الرومانية – فلم يعجزه تأويل آيات الزواج حتى صار التزوج بغير امرأة حراماً كما هو مشهور".
4- ونرى المسيحية المعاصرة تعترف بالتعدد في افريقيا السوداء، فقد وجدت الارسالية التبشيرية نفسها أمام واقع اجتماعي وهو تعدد الزوجات لدى الافريقيين الوثنيين، ورأوا أن الاصرار على منع التعدد يحول بينهم وبين الدخول في النصرانية، فنادوا بوجوب السماح للافريقيين المسيحيين بالتعدد الى غير حد محدود، وقد ذكر السيد نورجيه مؤلف كتاب "الاسلام والنصرانية في أواسط افريقية" (ص 92-98) هذه الحقيقة ثم قال: "فقد كان هؤلاء المرسلون يقولون إنه ليس من السياسة أن نتدخل في شؤون الوثنيين الاجتماعية التي وجدناهم عليها، وليس من الكياسة أن نحرم عليهم التمتع بأزواجهم ماداموا نصارى يدينون بدين المسيح، بل لا ضرر من ذلك ما دامت التوراة وهي الكتاب الذي يجب على المسيحيين أن يجعلوه اساس دينهم تبيح هذا التعدد، فضلاً على أن المسيح قد أقر ذلك في قوله: "لا تظنوا أني جئت لأهدم بل لأتمم" 1. هـ. وأخيراً أعلنت الكنيسة رسمياً السماح للافريقيين النصارى بتعدد الزوجات الى غير حد!...
5- والشعوب الغربية المسيحية وجدت نفسها تجاه زيادة عدد النساء على الرجال عندها – وبخاصة بعد الحربين العالمينين – إزاء مشكلة اجتماعية خطيرة لا تزال تتخبط في ايجاد الحل المناسب لها. وقد كان من بين الحلول التي برزت، اباحة تعدد الزوجات. فقد حدث أن مؤتمراً للشباب العالمي عقد في "مونيخ" بألمانيا عام 1948 واشترك فيه بعض الدارسين المسلمين من البلاد العربية: وكان من لجانه لجنة تبحث مشكلة زيادة عدد النساء في ألمانيا أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب، وقد استعرضت مختلف الحلول لهذه المشكلة وتقدم الأعضاء المسلمون في هذه اللجنة باقتراح اباحة تعدد الزوجات. وقوبل هذا الرأي أولاً بشيء من الدهشة والاشمئزاز، ولكن أعضاء اللجنة اشتركوا جميعاً في مناقشته فتبين بعد البحث الطويل أنه لا حل غيره، وكانت النتيجة أن أقرت اللجنة توصية المؤتمر بالمطالبة باباحة تعدد الزوجات لحل المشكلة. وفي عام 1949 تقدم أهالي "بون" عاصمة ألمانيا الاتحادية بطلب الى السلطات المختصة يطلبون فيه أن ينص في الدستور الألماني على اباحة تعدد الزوجات (الدكتور محمد يوسف في أحكام الشخصية ص 121) ونشرت الصحف في العام الماضي أن الحكومة الألمانية أرسلت الى مشيخة الأزهر تطلب منها نظام تعدد الزوجات في الاسلام لأنها تفكر في الاستفادة منه كحل لمشكلة زيادة النساء ثم أتبع ذلك وصول وفد من علماء الألمان اتصلوا بشيخ الأزهر لهذه الغاية، كما التحقت بعض الألمانيات المسلمات بالأزهر لتطلع بنفسها على أحكام الإسلام في موضوع المرأة عامة وتعدد الزوجات خاصة. وقد حدثت محاولة قبل هذه المحاولات في ألمانيا أيام الحكم النازي لتشريع تعدد الزوجات، فقد حدثنا زعيم عربي اسلامي كبير أن هتلر حدثه برغبته في وضع قانون يبيح تعدد الزوجات، وطلب اليه أن يضع له في ذلك نظاماً مستمداً من الاسلام، ولكن قيام الحرب العالمية الثانية حالت بين هتلر وبين تنفيذ هذا الأمر.
وقد سبق أن حاول "أدوارد السابع" مثل هذه المحاولة فأعد مرسوماً يبيح فيه التعدد ولكن مقاومة رجال الدين قضت عليه (الغلاييني: الإسلام روح المدنية ص 228) ثم إن المفكرين الغربيين الاحرار أثنوا على تعدد الزوجات، وبخاصة عند المسلمين. فقد عرض "جروتيوس Grotius" العالم القانوني المشهور لموضوع تعدد الزوجات فاستصوب شريعة الآباء العبرانيين والانبياء في العهد القديم (العقاد: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص 177) وقال الفيلسوف الألماني الشهير "شوبنهور": في رسالته "كلمة عن النساء". "إن قوانين الزواج في أوروبا فاسدة المبنى بمساواتها المرأة بالرجل، فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة فأفقدتنا نصف حقوقنا، وضاعفت علينا واجباتنا، على أنها ما دامت أباحت للمرأة حقوقاً مثل الرجل كان من اللازم أن تمنحها أيضاً عقلاً مثل عقله!...". إلى أن يقول... "ولا تعدم امرأة من الأمم التي تجيز تعدد الزوجات زوجاً يتكفل بشؤنها، والمتزوجات عندنا نفر قليل، وغيرهن لا يُحصَين عدداً، تراهن بغير كفيل: بين بكر من الطبقات العليا قد شاخت وهي هائمة متحسرة، ومخلوقات ضعيفة من الطبقات السلفى، يتجشمن الصعاب ويتحملن شاق الأعمال، وربما ابتذلن فيعشن تعيسات متلبسات بالخزي والعار ففي مدينة (لندن) وحدها ثمانون ألف بنت عمومية (هذا على عهد شوبنهور!..) سفك دم شرفهن على مذبحة الزواج ضحية الاقتصار على زوجة واحدة، ونيتجة تعنت السيدة الأوروبية وما تدعيه لنفسها من الأباطيل".
"أما آن لنا أن نعدّ بعد ذلك تعدد الزوجات حقيقة لنوع النساء بأسره"؟ "إذا رجعنا الى أصول الأشياء لا نجد ثمة سبباً يمنع الرجل من التزوج بثانية إذا أصيبت إمرأته بمرض مزمن تألم منه، أو كانت عقيماً، أو على توالي السنين أصبحت عجوزاً، ولم تنجح "المورمون" (فرقة من البروتستانت تبيح تعدد الزوجات وتمارسه فعلاً ولها كنائسها المنتشرة في أوروبا وأمريكا) في مقاصدها إلا بإبطال هذه الطريقة الفظيعة: طريقة الاقتصار على زوجة واحدة"(الغلاييني: الإسلام روح المدنية ص 224) .
وتحدث "غوستاف لوبون" في "حضارة العرب" عن تعدد الزوجات عند المسلمين وهو الذي عاش بنفسه سنوات طويلة في بلاد الشرق والاسلام فقال "لا نذكر نظاماً اجتماعياً أنحى الأوروبيون عليه باللائمة كمبدأ تعدد الزوجات، كما أننا لا نذكر نظاماً أخطأ الأوروبيون في إدراكه كذلك المبدأ فيرى أكثر مؤرخي أوروبة إتزاناً أن مبدأ تعدد الزوجات حجر الزاوية في الاسلام، وأنه سبب انتشار القرآن، وأنه علة انحطاط الشرقيين ونشأ عن هذه المزاعم الغربية على العموم أصوات سخطٍ رحمة بأولئك البائسات المكدّسات في دوائر الحريم فيراقبهن خصيان غلاظ، ويُقتلن حينما يكرههن سادتهن!... ذلك الوصف مخالف للحق، وأرجو أن يثبت عند القارئ الذي يقرأ هذا الفصل بعد أن يطرح عنه أوهامه الأوروبية جانباً، أن مبدأ تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تقول به، ويزيد الأسرة ارتباطاً، ويمنح المرأة احتراماً وسعادة لا تراهما في أوروبة. وأقول قبل إثبات ذلك: إن مبدأ تعدد الزوجات ليس خاصاً بالاسلام، فقد عرفه اليهود والفرس والعرب وغيرهم من أمم الشرق قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ولم تر الأمم التي دخلت الاسلام فيه غنما جديداً إذن، ولا نعتقد مع ذلك وجود ديانة قوية تستطيع أن تحول الطبائع فتبتدع أو تمنع مثل ذلك المبدأ الذي هو وليد جو الشرقيين وعروقهم وطرق حياتهم. تأثير الجو
والعرق من الوضوح بحيث لا يحتاج الى ايضاح كبير، فبما أن تركيب المرأة الجثماني وأمومتها وأمراضها الخ... مما يكرهها على الابتعاد عن زوجها في الغالب. وبما أن التأيم المؤقت مما يتعذر في جو الشرق، ولا يلائم مزاج الشرقيين، كان مبدأ تعدد الزوجات ضربة لازب. وفي الغرب، حيث الجو والمزاج أقل هيمنة، لم يكن مبدأ الاقتصار على زوجة واحدة في غير القوانين، لا في الطبائع حيث يندُر!. ولا أرى سبباً لجعل مبدأ تعدد الزوجات الشرعي عند الشرقيين أدنى مرتبة من مبدأ تعدد الزوجات السّري عند الغربيين! مع أنني أبصر بالعكس ما يجعله أسنى منه، وبهذا ندرك مغزى تعجب الشرقيين الذين يزورون مدننا الكبيرة من احتجاجنا عليهم، ونظرهم الى هذا الاحتجاج شزراً. ثم ينقل غوستاف لوبون ملاحظات العالم المتدين "لوبليه" في كتابه "عمال الشرق" عن الضرورة التي تدفع أرباب الأسر الزراعية في الشرق الى زيادة عدد نسائهم، وكون النساء في هذه الأسر هن اللائي يحرضن أزواجهن على البناء بزوجات أُخَر من غير أن يتوجعن. وختم ذلك بقوله: إن رأي الأوروبيين (في تعدد الزوجات) ناشئ عن نظرهم الى الأمر من خلال مشاعرهم، لا من خلال مشاعر الآخرين. وقال: ويكفي إنقضاء بضعة أجيال لإطفاء أوهام أو احداثها(حضارة العرب 482-486).
ويقول وستر مارك في تاريخه: إن مسألة تعدد الزوجات لم يفرغ منها بعد تحريمه في القوانين الغربية وقد يتجدد النظر في هذه المسألة كرة بعد أخرى، كلما تحرجت أحوال المجتمع الحديث فيما يتعلق بمشكلات الأسرة. ثم تساءل: هل يكون الاكتفاء بالزوجة الواحدة ختام النظم ونظام المستقبل الوحيد في الأزمنة المقبلة؟. ثم أجاب قائلاً: إنه سؤال أجيب عنه بآراء مختلفة، إذ يرى سبنسر أن نظام الزوجة الواحدة هو ختام الأنظمة الزوجية، وأن كل تغيير في هذه الأنظمة لا بد أن يؤدي الى هذه النهاية. وعلى نقيض ذلك يرى الدكتور ليبون Lepon أن القوانين الأوروبية سوف تجيز التعدد. ويذهب الأستاذ اهرنفيل Ehrenbel إلى حد القول بأن التعدد ضروري للمحافظة على بقاء "السلالة الآرية". ثم يعقب وستر مارك بترجيح الاتجاه الى توحيد الزوجة إذا سارت الأمور على النحو الذي أدى الى تقريره (العقاد: المرأة في القرآن الكريم ص 134).
في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات - ضرورات التعدد الاجتماعية
وإذا نحن حاكمنا الموضوع محاكمة منطقية بعيدة عن العاطفة وجدنا للتعدد حسناته وسيآته. وحسناته ليست من حيث التعدد ذاته، فما من شك أن وحدة الزوجة أولى وأقرب الى الفطرة، وأحصن للأسرة، وأدعى الى تماسكها، وتحاب أفرادها، ومن أجل ذلك كان هو النظام الطبيعي الذي لا يفكر الانسان المتزوج العاقل في العدول عنه إلا عند الضرورات، وهي التي تسبغ عليه وصف الحسن، وتضفي عليه الحسنات. والضرورات هنا تنقسم الى إجتماعية وشخصية.
ضرورات التعدد الاجتماعية:
أما الضرورات الاجتماعية التي تلجئ إلى التعدد فهي كثيرة نذكر منها حالتين لا ينكر أحد وقوعهما:
1- عند زيادة النساء على الرجال في الأحوال العادية، كما هو الشأن في كثير من البلدان كشمال أوروبا، فإن النساء فيها في غير أوقات الحروب وما بعدها تفوق الرجال بكثير، وقد قال لي طبيب في دار للتوليد في هلسنكي (فنلندا) أنه من بين كل أربعة أطفال أو ثلاثة يولدون يكون واحد منهم ذكراً والباقون إناثاً. ففي هذه الحالة يكون التعدد أمراً واجباً أخلاقياً واجتماعياً، وهو أفضل بكثير من تسكع النساء الزائدات عن الرجال في الطرقات لا عائل لهن ولا بيت يؤويهن، ولا يوجد إنسان يحترم استقرار النظام الاجتماعي يفضل انتشار الدعارة على تعدد الزوجات، إلا أن يكون مغلوباً على هواه، كأن يكون رجلاً أنانياً يريد أن يشبع غريزته الجنسية دون أن يحمل نفسه أي التزامات أدبية أو مادية نحو من يتصل بهن، ومثل هؤلاء خراب على المجتمع، واعداء للمرأة نفسها، وليس مما يشرف قضية الاقتصار على زوجة واحدة أن يكونوا من أنصارها، وحياتهم هذه تسخر منهم ومن دعواهم. ومنذ أوائل هذا القرن تنبه عقلاء الغربيين إلى ما ينشأ من منع تعدد الزوجات من تشرد النساء وانتشار الفاحشة وكثرة الأولاد غير الشرعيين، وأعلنوا أنه لا علاج لذلك إلا السماح بتعدد الزوجات.
فقد نشرت جريدة (لاغوص ويكلي ركورد) في عددها الصادر بتاريخ 20 نيسان 1901 نقلاً عن جريدة (لندن تروث) بقلم إحدى السيدات الإنجليزيات ما يلي: "لقد كثرت الشاردات من بناتنا، وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة تراني أنظر الى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا، وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني وإن شاركني فيه الناس جميعاً!! لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة، ولله در العالم الفاضل (تومس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكامل الشفاء وهو "الاباحة للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة" وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محال وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة". "إن هذا التحديد بواحدة هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن الى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة". "أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلاً وعاراً وعالة على المجتمع، فلو كان تعدد الزوجات مباحاً لما حاق بأولئك الأولاد وأمهاتهم ما هم فيه من العذاب الهُون، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن.. إن إباحة تعدد الزوجات تجعل كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين" (مجلة المنار لرشيد رضا (4/485-486)). وتدل الاحصائيات التي تنشر في أوروبا وأمريكا عن ازدياد نسبة الأولاد غير الشرعيين زيادة تقلق الباحثين الاجتماعيين، وهؤلاء ليسوا إلا نتيجة عدم اقتصار الرجل على امرأة واحدة، وكثرة النساء اللاتي لا يجدن طريقاً مشروعاً للإتصال الجنسي.
2- عند قلة الرجال عن النساء قلة بالغة نتيجة الحروب الطاحنة، أو الكوارث العامة. وقد دخلت أوروبا حربين عالميتين خلال ربع قرن، ففني فيهما ملايين الشباب، وأصبحت جماهير من النساء ما بين فتيات وما بين متزوجات، قد فقدن عائلهن، وليس أمامهن – ولو وجدن عملاً – إلا أن يتعرفن على المتزوجين الذي بقوا أحياء، فكانت النتيجة أن عملن باغرائهن على خيانة الأزواج لزوجاتهن، أو انتزاعهم من أحضان زوجاتهن ليتزوجن بهم. وقد وجدت النساء المتزوجات في هذه الأحوال من القلق وتجرع الهجر والحرمان ما يفوق مرارة انضمام زوجة أخرى شرعية الى كل واحدة منهن، وقامت في بعض بلاد أوروبا – وبخاصة في ألمانيا – جمعيات نسائية تطالب بالسماح بتعدد الزوجات، أو بتعبير أخف وقعاً في أسماع الغربيين وهو "إلزام الرجل بأن يتكفل امرأة أخرى غير زوجته". وضرورات الحروب ونقصان الرجال فيها لا تدع مجالاً للمكابرة في أن الوسيلة الوحيدة لتلافي الخسارة البالغة بالرجال هو السماح بتعدد الزوجات. وهذا الفيلسوف الانجليزي "سبنسر" برغم مخالفته لفكرة تعدد الزوجات، يراها ضرورة للأمة التي يفنى رجالها في الحروب. ي
قول "سبنسر" في كتابه "أصول علم الاجتماع":
إذا طرأت على الأمة حال اجتاحت رجالها بالحروب ولم يكن لكل رجل من الباقين إلا زوجة واحدة، وبقيت نساء عديدات بلا أزواج، ينتج عن ذلك نقص في عدد المواليد لا محالة، ولا يكون عددهم مساوياً لعدد الوفيات، فاذا تقاتلت أمتان مع فرض أنها متساويتان في جميع الوسائل المعيشية وكانت إحداهما لا تستفيد من جميع نسائها بالأستيلاد، فإنها لا تستطيع أن تقاوم خصيمتها التي يستولد رجالها جميع نسائها، وتكون النتيجة أن الأمة الموحدة للزوجات تفنى أمام الأمة المعددة للزوجات" (دائرة معارف وجدي (4/692) مادة زوج) هـ. ونحن نقول زيادة على هذا إن الأمم المتحاربة ولو كانت كلها ممن تذهب إلى وحدة الزوجة، إلا أن الأمة المغرقة في الترف هي تتعرض للفناء أمام الأمة التي هي أقل حضارة وأقرب الى الفطرة، لأن نساء الأمة المتحضرة المغرقة في الترف تميل دائماً الى الإقلال من النسل كما هو في فرنسا، بخلاف الأمة الأخرى فإنها تنجب أكثر كما هو في روسيا، فلا بد للأمة الأولى من أن تلجأ إلى تعدد الزوجات لتسدرك نقصان التناسل فيها...
في الأحوال الشخصية - في تعدّد الزوجات - ضرورات التعدد الشخصية
v] afim ju]] hg.,[hj
المفضلات