الفصل الثاني
الطب الإسلامي
(قيادة، وابتكار، وحلقة وصل)
لقد كان الإسلام منذ نشأته على صلة مباشرة بأربع مدنيات كبيرة هي البيزنطية، والساسانية الفارسية، والهندية، والصينية، كذلك فان الخشب الذين فتحوا مساحات شاسعة شملت ما بين جبل طارق والصين كانوا يتسلحون بثلاث عوامل هامة هي: الذكاء، والنشاط، والروح العالية، وبالنسبة للعامل الأول وهو الذكاء الحاد الذي يهدف إلى الوسائل البناءة، والعامل الثاني وهو الدافع الروحي القوي الذي بعثه الحماس الديني، وكان العامل الثالث هو تلك الهبة غير العادية لفهم الجمال والخلق والقوة المعبرة والذي كان بلا شك منشأ تلك الدرجة العالية من تقدير الفكر والميزات الروحية.
وكنتيجة لكل ذلك وبعد مضى قرن من الزمان أصبح للإسلام واحدة من أعظم وأهم المدنيات والحضارات، ويعد أن امتدت الدولة الإسلامية واستقرت أحوالها فإن الحماس الجماعي القوي للعرب قد دفعهم إلى القيام بتجميع الإنجازات الفنية والعلمية والصناعية و الاقتصادية والصحية والأدبية والفنون والفلسفة.
وفيما يتعلق بمجال الطب فقد احتل الإسلام مكان الصدارة بين الدول وأرسى قاعد قوية ووضع الاساسات لحضارتنا ومدنيتنا.
ومن المعروف تماماً أن مراكز الاتصال بين العالم الإسلامي وأوروبا الغربية وأمريكا، كانت تتمثل في أسبانيا وجزيرة صقلية والشرق الأوسط، وخلال الحملات الصليبية كانت سوريا وفلسطين من بين مراكز الاتصال بالعالم الإسلامي، حيث تم الاتصال السياسي والاقتصادي والحضاري عندما ساد الهدوء بين العالم الإسلامي والدول الصغيرة في تلك المناطق خلال قرنين من الزمان.
وعلى وجه التحديد فإن من بين الأدوار الأساسية التي قام بها الإسلام في مجال العلوم كان المحافظة على الأفكار والمعرفة وتعضيدها والتنسيق بينها وتطويرها
وبالنسبة للمدنيات القديمة فقد تم تجميع المؤلفات ودراستها وقد أضاف العرب إليها الكثير من المؤلفات الأصلية والأفكار البارزة.
وإن من دواعي السرور أنه قد بدأ بالفعل الاعتراف بأن الطب والصيدلة من فروع العلم التي كان للإسلام أثر حاسم في الأبحاث الموجودة فيهما وفي تطورهما، وان الترجمة المنظمة لآلاف المؤلفات العربية كانت، مصدر ثراء للمعرفة وساعدت على نقل الطب العربي إلى أوروبا في العصور الوسطى. وعلى نفس المنوال، فقد أنشأ العرب مستشفى مجهزاً تجهيزاً كافياً قبل أن يقوم مثله في العالم الغربي بألف عام تقريباً.
وبعد مضي قرن من الزمان كان في بغداد ستة آلاف دارس للطب وحوالي ألف ممارس طبي، ثم بعد مضى مائة عام أخرى وجد في دمشق مستشفى مركزي تتبعه كلية كبيرة للطب. وفي ذلك الوقت أيضاً أقيم أ المستشفى الكبير في القاهرة والذي ضم عدة أبنية وأربعة حدائق واسعة وقد زود بالموسيقى لراحة المرضى، كما كان يدفع للمريض الذي يشفى خمس قطع ذهبية لتمكنه من مراعاة صحته خلال فترة النقاهة. ويتضح من هذا أن المستشفيات كانت ابتكاراً إسلاميا وبعد أن انتشرت في العالم العربي انتقلت إلى أوروبا مع الحروب الصليبية.
كذلك فقد أنشئت في العالم الإسلامي أولى الصيدليات ومعامل الكيمياء وكانت تعد بالمئات في قرطبة وبغداد والقاهرة وكثير من المدن الأخرى، وكان العرب هم أول من قدموا لأوروبا الأدوية مثل الراوند Ruibarbo والكافور ا camphor وجوز الطيب Vomicanut وعلى سبيل الذكر أورد ابن سينا في مؤلفه الطبي أكثر من سبعمائة دواء.
وقد انتقلت كل العلوم الإسلامية والطب العربي العظيم إلى أوروبا وذلك بفضل الروابط. القوية بين الباحثين الأوائل من المسيحيين ومن بينهم روجر باكون Roger Bacon " الذي يعرف بأنه مبتكر العلوم في أوروبا والذي استقى المعرفة من العرب، كذلك جربوتو Gerberto، الذي أصبح فيما بعد البابا سيلفستر الثاني والذي عاش قبل باكون وكان يعيش في قرطبة المسلمة حيث درس على يد الأساتذة العرب، أيضاً البرت العظيم Albert the Great الذي يشير في مؤلفاته إلى ما يقرب من اثني عشر عالماً عربياً اطلع جيداً على كتبهم من خلال ترجماتهم اللاتينية، وأخيراً وتفادياً للإطالة نذكر رايمندوليليو Raimundo Lulio المولود في باليرز والذي كان يتقن اللغة العربية وتحوي مكتبته مئات المؤلفات الإسلامية، ومنها استقى معرفته العلمية العالية.
وإن الموسوعات العظيمة التي ينسب ابتكارها خطأ إلى أوروبا لها أساسها في العمل الشاق والطويل لمؤلفي الموسوعات المسلمين، ويفتخر الغرب بظهور الموسوعات في القرن الثامن عشر على الرغم من أن مؤلفي الموسوعات ظهروا في العالم الإسلامي قبل ذلك بأربع أو خمس أو ست قرون قبل زملائهم في أوروبا.
ولقد ألفت أول موسعة منظمة بالعربية بواسطة جماعة وجدت في البصرة خلال القرن العاشر، وقد قسموا أنفسهم إلى أربع مجموعات وأطلقوا على أنفسهم اسم " أخوان الصفا "، وقدموا عملاً مشتركاً يضم واحداً وخمسين بحثاً عليماً تغطي فعلاً جميع المعارف في ذلك العصر وتشمل الرياضيات والطب والعلوم الطبيعية والتوحيد، وقد استخدم المسيحيون فيما بعد تلك المؤلفات في أبحاثهم بغية المعرفة وجرياً وراء الحقيقة.
وظهرت فيما بعد موسوعتان أكثر أتساعاً واكتمالاً وقد ألف كلاً منهما مؤلف على انفراد، فالمؤلف الأول هو النويري Nuwayri الذي عاش في القرن الثالث عشر، والمؤلف الآخر هو أبن فضل الله العمري Ibn fadl Allah وكان معاصراً له، كما ألف القلقشندي موسوعة أخرى طبعت في القاهرة وكانت تضم 14 مجلداً.
وتعتبر المعاجم من الوجوه الهامة للتأليف التي قام بها علماء المسلمين، وهو شيء لا قياس عليه، والمثل البارز على ذلك القاموس العربي العظيم الذي يعادل قاموس أكسفورد، والوبستر، ولاروز، وقد كتبه الصفدي safidi الذي عاش في القرن الرابع عشر، وقبل ذلك بمائة عام ألف ابن القفطي Ibn Qifti موسوعة ضخمة سميت "طبقات اللغويين والنحاة " كما كون جاكوت Jakut قاموساً سمي " الرجال والأعلام كذلك كتب الكاتب العظيم ابن أبي أصيبعة Life of doctors طبقات الأطباء "
المفضلات