كثيرا ما يتلفظ الآباء والأمهات بكلمات لا يحسبون لها حساب ، ولكنها تدمر الأهداف التربوية التي ينشدونها
فالكلمة هي أساس التربية ، ونحن نوجّه أبناءنا بالكلام ونحاسبهم بالكلام ونشجعهم بالكلام ونمدحهم بالكلام ونغضب عليهم بالكلام ، فتربية الأبناء إما بالكلام أو بالأفعال وفي الحالتين هي كلام ، فالكلام حوار لفظي والأفعال حوار غير لفظي ، فالموضوع إذن كله كلام بكلام وهذه هي التربية .
ومن خلال تجاربي في حل المشاكل التربوية اكتشفت أن أكثر ما يساهم في انحراف الأبناء سوء استخدام الألفاظ والكلام ، ومن يومين جلست مع شاب هارب من بيته لأستمع لمشكلته التربوية مع والديه وكان ملخصها في الكلام السيء الذي يسمعه منهما ، وفتاة اشتكت لي الحال من انحرافها وهي غير راضية عن نفسها ولكنها أرادت أن تنتقم من سوء كلام والديها لها ، وقد جمعت بهذا المقال الأمراض التربوية في اللسان بعشرة كلمات تدمر نفسية الأبناء وتشجعهم على الانحراف وهي كالتالي :
أولاً : الشتــــم بوصف الطفل بأوصــاف الحيوانـــــــــــات .
مثل (حمار ، كلب ، ثور ، تيس ، يا حيوان ، ...) ، أو تشتم اليوم الذي ولد فيه .
ثانياً : الإهانة من خلال الانتقاص منه بأوصاف سلبية .
مثل أنت ( شقي ، كذاب ، قبيح ، سمين ، أعرج ، حرامي ) والإهانة مثل الجمرة تحرق القلب .
ثالثاً : المقارنة ، وهذه تدمر شخصية الطفل لأن كل طفل لديه قدرات ومواهب مختلفة عن الآخر ، والمقارنة تشعره بالنقص وتقتل عنده الثقة بالنفس وتجعله يكره من يقارن به .
رابعاً : الحب المشروط ، كأن تشترط حبك له بفعل معين مثل ( أنا ما أحبك لأنك فعلت كذا ، أحبك لو أكلت كذا أو لو نجحت وذاكرت ) فالحب المشروط يشعر الطفل بأنه غير محبوب ومرغوب فيه ، وإذا كبر يشعر بعدم الانتماء للأسرة لأنه كان مكروها فيها عندما كان صغيرا ، ولهذا الأطفال يحبون الجد والجدة كثيرا لأن حبهم غير مشروط .
خامساً : معلومة خاطئـــة ، مثل ( الرجل لا يبكي ، اسكت بعدك صغير ، هذا الولد جنني ، أنا ما أقدر عليه ، الله يعاقبك ويحرقك بالنار ) .
سادساً : الإحـبـــــــــــــاط ، مثل ( أنت ما تفهم ، اسكت يا شيطان ، ما منك فايدة ) .
سابعـاً : التهديد الخاطــــئ ، مثل ( أكسر راسك ، أشرب دمك ، أذبحك ) .
ثامنــاً : المنع غير المقنـع ، مثل ( تكرار قول : لا لا لا ، ودائماً نرفض طلباته من غير بيان للسبب .
تاسعاً : الدعـــاء عليـــــه ، مثل ( الله يأخذك ، عساك تموت ، ملعون ) .
عاشراً : الفضيحـــــــــــة ، وذلك بكشف أسراره وخصوصياته .
فهذه عشرة كاملة ، وقد اطلعت على دراسة تفيد أن الطفل إلى سن المراهقة يكون قد استمع من والديه ستة عشر ألف كلمة سيئة من الشتائم ، إلا إن الدراسة لم ترصد لنا إلا نوعاً واحداً من الأمراض اللسانية والتي ذكرناها ، فتخيلوا معي طفلا لم يبلغ من العمر ثماني سنوات وفي قاموسه أكثر من خمسة آلاف كلمة مدمرة فإن أثرها عليه سيكون أكبر من أسلحة الدمار الشامل فتدمر حياته ونفسيته .
وقد لخص لنا رسولنا الكريم – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - هذا المقال كله بأربع كلمات وهي في قوله عليه السلام : ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) فالأصل أن نتجنب هذه الرباعية السلبية وأن نستبدلها برباعية إيجابية أخرى مع أبنائنا فنركز على الحب والتشجيع والمدح والاحترام .
فالكلمة الطيبة أهم من العطية (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) ونحن نعطي أولادنا كل شيء طعام وألعاب وترفيه وتعليم ولكننا نحرقهم وندمرهم بالكلام وهذا خلاف المنهج القرآني ،
وقد اكتشف العلماء المعاصرون أن (الكلمة الطيبة والصدقة) لهما نفس الأثر على الدماغ . فلنحرص على انتقاء الكلام في بيوتنا فللكلمة أثر عظيم ، فالقرآن الكريم أصله كلمة ، والإنسان يدخل في الإسلام ويخرج منه بكلمة ، والأعزب ينتقل للحياة الزوجية ويخرج منها بكلمة ، فلا نستهين بالكلمة ولنحرص عليها وعلى الكلمة المؤثرة التي تساهم في بناء أطفالنا وتنميتهم ، فبالكلام نصنع السلام والوئام ويكون أبناؤنا تمام التمام .
الكاتب : د . جاسم المطوّع;glhj j]l~v ktsd~m Hfkhzkh
المفضلات