لقد منَّ الله على البشرية في هذا العصر؛ إذ سخَّر لها ما نراه من الترقي في علوم الصناعة؛ الذي بلغ في زماننا هذا مبلغًا يفوق الوصف، فهذه المراكب البحرية والبرية والجوية، وهذه الآلات الحربية الحديثة التي تبهر العقول بدقة صنعتها ووفرة منجزاتها، وأدائها لوظيفتها أداءً محكمًا دقيقًا، وإن هذه الأمور من ابتلاء الله لخلقه؛ لينظر من يستعين بها على طاعته، ويشكره عليها، ممن يكفر بها ويستعملها فيما يُسخط الله.
ويجب على المسلمين أن يعلموا أن ما وصلوا إليه من تقدم في مجالات الحياة لا يمكن أن يحصل لولا تعليم الله -عز وجل-، فلو شاء لسلبهم العلم، وكانوا جاهلين بمصالحهم، ولكنه تعالى منَّ عليهم بالعلم والقدرة، ومهما أُوتي العباد من علم وقدرة فإنه يسيرٌ جدًا بالنسبة إلى علم الله وقدرته.
فعلينا أن نعتبر بهذه الوسائل الحديثة على كمال الله علمًا وقدرةً ورحمة، وأنه وحده الخالق لهذه الأمور كلها: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]، فهو الذي أبدع هذه الصناعات، وهو الذي خلق صانعيها، وهو الذي دلَّهم وفهَّمهم، ومنَّ عليهم بالإدراك والعلم والعقل، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 137].
كما ينبغي أن تزيد هذه المبتَكرات الجديدة في إيمان المؤمنين، وتمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، فلا يمكن أن يحدث شيء من المحسوس، أو يُعلَم شيء من المعقول يخالف ما جاء به الكتاب والسنة أبدًا بدون تأوُّل أو تمحُّل.
وقد أعمى الله بصائر الكفار والمنافقين، فلم يعتبروا بهذه الآيات على عظَمة الخالق عز وجل، وكماله وقدرته وعلمه، فيفردوه بالعبادة، بل نظروا إليها نظرة التمتع العاجل بها، وكفروا بخالقها، وجحدوا نعمته، ونسبوا ذلك إلى علمهم وحولهم وقوتهم وعقولهم؛ فاغتروا بها وطغوا ولم يعتبروا بمن قبلهم.
واشكروه على ما سخَّر لكم من النعم العظيمة، وتفكروا في مخلوقاته، واعملوا بطاعته واحذروا معصيته، وثقوا بوعد الله لكم بالنصر والتمكين والقوة إنْ تمسَّكتم بدينكم وأعليتم كلمته، وسخَّرتم ما أنعم عليكم مما علَّمه الله تعالى لخلقه من العلوم المتعددة والوسائل المختلفة للدفاع عن الإسلام وإعزاز أهله وبلاده.
للشيخ: عبد الرحمن السديس -حفظه الله-;dt ka;v hggi ugn lh sovi gkh lk kAul?
المفضلات