بسم الله الرحمن الرحيم
بعث الله - عز وجل - رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - في مكة المكرمة، نُبِّئَ ب اقرأ، وأُرسل ب يا أيها المدثر، فبدأ الدعوة إلى الله - عز وجل -.
دعا سراً. ثم دعا جهراً.
فآذاه شرار قومه، وآذو أصحابه.
توالت الأحداث حتى أذن الله له بالهجرة إلى دار الإيمان، "المدينة" فلما وصل كان أول عمل عمله أن اختط مسجد قباء.
ثم سار متوجهاً نحو المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في الطريق فصلاها، وواصل المسير والناس من حوله كلٌ يأخذ بخطام ناقته وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول: "دعوها فإنها مأمورة".
سارت بأمر الله حتى بركت، فأنشأ في ذلك المكان مركز الدعوة الذي انتشر منه نور الإسلام إلى شتى بقاع الأرض.
كان - صلى الله عليه وسلم - مدة حياته وهذا المسجد النبوي هو مركز الدعوة إلى الله..مركز العلم والتعليم..مركز الفُتيا.. مركز العبادة.. مركز القضاء.. مركز تجهيز الدعاة والجيوش وانطلاقها للدعوة إلى الله - تعالى -.
وفي عهد الخلافة الراشدة زمن الصحابة الكرام.. أبو بكر.. وعمر.. وعثمان.. وعلي.. رضوان الله عليهم أجمعين. بقي المسجد النبوي كما أسسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مركزاً من مراكز الدعوة إلى الله - عز وجل -.
فالقرآن الكريم أقرأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المسجد النبوي.
سمعه الصحابة الكرام من فِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلقوه عنه وقرأوه عليه - صلى الله عليه وسلم - وأقرأوه من بعدهم من التابعين، وهكذا إلى يومنا هذا والقرآن الكريم يقرأ ويتلقى في المسجد النبوي.
وإذا جئنا إلى تفسير القرآن الكريم فقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن الكريم لصحابته في مجالسه في هذا المسجد وفي غيره، وهم رضوان الله عليهم تلقوه وأوصلوه لمن بعدهم من التابعين وهكذا..
وإذا جئنا لعلم الحديث فقد تلقاه الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أقواله وأفعاله وتقريراته، وتلقاه الصحابة بعضهم عن بعض والتابعون عن الصحابة وتابع التابعين عن التابعين حتى دون في الكتب المشتهرة وجمع وأصبح يقرأ منها ويتلقاه الآخر عن الأول..
وهكذا بقية العلوم المنقولة أو التي استجدت كعلم النحو وغيره..
وقد كانت مجالس الحديث والعلم والدعوة إلى الله - عز وجل - في هذا المسجد النبوي لم تنقطع عبر هذه العصور الطويلة وإن كانت تقل في عصور وتقوى في عصور أخرى.
وقد تعددت وسائل الدعوة إلى الله - تعالى -في العصور السابقة في هذا المسجد النبوي بما يتماشى مع الإمكانيات المتاحة في تلك العصور:
فقد كان المسجد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو مقر القيادة والعلم والتعليم والقضاء، ومنه تدار جميع شؤون المجتمع.
وكان الداعي الأول والمرجع في الدعوة في هذه المرحلة هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فكان من في المدينة والقريبون منها ينعمون برؤية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاستماع مباشرة منه - صلى الله عليه وسلم - وسؤاله عن ما يستجد من وقائع لدى أفراد المسلمين، وكانت الدعوة تتجدد وتنزل الأحكام بحسب الوقائع.
كما أن هذا المسجد النبوي كانت تنطلق منه الجيوش الإسلامية لغزو أو لرد عدوان المشركين وغيرهم.
ونستطيع أن نجمل وسائل الدعوة إلى الله في هذه الفترة:
1 التعليم.
2 بناء الشخصية المسلمة وتثبيت الإيمان في نفوس المسلمين بما يشاهدونه من تنزل الوحي والمعجزات التي يجريها الله - عز وجل - على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - لبناء الجيل الذي سيتحمل أعباء الدعوة إلى الله بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
3 مكاتبة الملوك وأصحاب السلطان لدعوتهم للإسلام.
4 إرسال الرسل لتعليم الإسلام للمسلمين الجدد، أو القوم الذين أسلم بعضهم ويرجى إسلام بقيتهم.
5 دعوة غير المسلمين عامة للدخول في دين الله - سبحانه وتعالى -.
6 استقبال الوفود والأعراب القادمين من خارج المدينة وتعليمهم دين الإسلام والإجابة عن أسئلتهم.
7 تجهيز الجيوش لغزو من يقف في وجه انتشار الدعوة إلى الله - عز وجل - (الجهاد في سبيل الله).
وبعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استمر دور المسجد النبوي في الدعوة إلى الله في عهد الخلفاء الراشدين كما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنه لما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية كثرت الأعباء مما اضطر إلى إنشاء دواوين خارج نطاق المسجد.
وكان من أهم وسائل الدعوة في هذه الفترة:
1 قتال من ارتد عن دين الله - عز وجل - بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإعادتهم إلى دين الله - عز وجل - حيث كان ذلك عاملاً رئيساً لتوحيد صف الأمة للتفرغ لمد الدعوة إلى البلدان التي لم تصلها الدعوة حتى ذلك الوقت.
2 التعليم وإقامة حلقات التدريس في القرآن الكريم والتفسير وغيره.
3 إرسال الرسل ومنهم الصحابة رضوان الله عليهم إلى شتى البلدان لتعليم المسلمين العلم.
4 الانطلاق لنشر هذه الدعوة الإسلامية، وإيصال هذا الخير للبشرية في شتى البقاع وإقامة الجهاد في سبيل الله ضد من يقف حجر عثرة أمام إيصال هذا الخير للبشرية.
5 المحافظة على جمع كلمة المسلمين ووحدة الصف الإسلامي حيث تم جمع القرآن الكريم مرتين، كانت الأخرى في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، حيث أرسل بالمصاحف إلى البلدان وأرسل معها معلمين يقرؤون الناس ويعلمونهم ما في هذه المصاحف.
6 قيام الخلفاء والعلماء بصد هجمات المبتدعة وغيرهم من أهل الضلال وتبيين الحق للعامة لعدم الانخداع بهم.
وقد ضعفت بعض هذه الجوانب في نهاية عصر الخلفاء الراشدين نظراً لبروز بعض الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة، ولانشغال المسلمين في الفتن التي دارت بينهم.
بعد عصر الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -، انتقلت السلطة السياسية إلى خارج المدينة المنورة، وبقي دور المسجد النبوي دوراً شامخاً في الدعوة إلى الله - عز وجل -، حيث ازدهر التعليم والتدريس في المسجد النبوي، وتنوعت الحلقات العلمية وأصبح المسجد النبوي مقصد العلماء للتعليم وطلاب العلم للتلقي على العلماء فيه، فإن طلب العلم من أفضل الأعمال، لاسيما إذا كان في المسجد النبوي، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "من جاء مسجدي هذا لم يأت إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره" رواه الإمام ابن ماجه والإمام أحمد وغيرهما رحم الله الجميع.
ولأهمية المسجد النبوي وأهمية دوره في الدعوة إلى الله - تعالى -، فقد تنازعت السلاطين للسيادة على إدارة المسجد النبوي.
وقد كثرت وسائل الدعوة وتنوعت في هذه العصور الطويلة وكان من أهمها:
1 التعليم والتدريس لشتى الفنون من قراءة للقرآن الكريم، وتدريس لفنون مختلفة كالتفسير والعقيدة والحديث والفقه وأصول الفقه والفرائض وعلوم اللغة العربية... وغيرها من العلوم.
2 أصبح لعلماء المسجد النبوي حضوة عند سائر المسلمين خاصة طلبة العلم حيث يرحل الطلبة من أقاصي الدنيا للدراسة على علماء المسجد النبوي، والتشرف بالتتلمذ لهم، ويظهر ذلك جلياً لمن قرأ كتب رحلات الحج فما من كاتب إلا وبسط أخذه عن علماء المسجد النبوي وتتلمذه لهم واغتباطه بهذا الأخذ.
3 كانت تزكيات وتقاريظ الكتب لمدرسي المسجد النبوي لها اعتبارها عند الخاص والعام، فمن أثنى عليه أو على كتابه مدرسو المسجد النبوي تلقى الناس كلامه أو كتابه باطمئنان.
وهي من الوسائل المساعدة في إبراز الشخص أو الكتاب وسرعة تلقي الناس له بالقبول، الأمر الذي جعل تلك الكتب وهؤلاء العلماء تقبل أقوالهم في شتى البقاع.
بقي أن نقول إن هناك وسيلة مشتركة بين جميع العصور من وسائل الدعوة إلى الله - تعالى -في المسجد النبوي لم تنقطع ولله الحمد منذ أنشأه النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لها دور مهم وفعال في الأمة، ألا وهي خطب الجمعة المنبرية، على منبر خير البرية - صلى الله عليه وسلم - فكم قد أفادت وأصلحت في الأمة، وأثرها وكونها من وسائل الدعوة الرئيسية في المسجد النبوي لا ينكر ذلك عاقل.
أما في العصر الحاضر فقد تنوعت وسائل الدعوة إلى الله - تعالى - في المسجد النبوي فمنها:
تدريس العلوم الشرعية في حلقات العلم المتنوعة بالمسجد النبوي فهناك حلق في التفسير والحديث والعقيدة والفقه... وغير ذلك.
ومنها حلقات تحفيظ وتعليم وعرض القرآن الكريم برواية حفص أو بالقراءات العشر.
ومن الوسائل المهمة توزيع المطويات والكتيبات على زوار المسجد النبوي.
ومن الوسائل المهمة الحديثة مكتبة المسجد النبوي بأقسامها حيث يستمر فتح مكتبة المسجد النبوي حوالي مدة فتح المسجد النبوي لإفادة طلاب العلم سواء عبر قاعات المطالعة والتي تحوي كتب فنون العلم المتنوعة، أو قسم المخطوطات الذي يزخر بنفائس المخطوطات، أو المكتبة الصوتية والتي تحوي الدروس المسجلة لعلماء المسجد النبوي، حيث يستطيع أي طالب علم أو زائر نسخ مقتنيات المكتبة مجانا.
كما أن هناك وسائل أخرى، وتتنوع هذه الوسائل من عصر إلى عصر حسب الإمكانات المتاحة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
,shzg hg]u,m Ygn hggi juhgn td hgls[] hgkf,d ufv hgjhvdo
المفضلات