أجاب عن أسئلتهم الشيخ عبد الحليم توميات - إمام خطيب مسجد عمر بن الخطاب/ الجزائر العاصمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أمّا بعد:
فإنّ الله تعالى قد أنعم علينا بنعم لا تعدّ ولا تحصى، ولا يُحاط بها ولا تستقصى، نِعَمٌ لا يشعر بعظمتها إلاّ المحروم منها، ولا يقدر لها قدرها إلاّ المبعد عنها، ومن أعظم هذه النّعم هي الاستقامة، أي الاهتداء والثّبات على هذا الدّين، قال الله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة: من الآية3]. ثمّ أوجب الله علينا اتّباعه، وحذّرنا من الانحراف عنه، فقال:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]. وأرشدنا إلى أن نُقبِل وندعوه الاهتداء إليه، والثّبات عليه، ونقول ونحن ماثلون بين يديه:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7))..
هذه الآية العظيمة الّتي يحفظها الأمّي والأديب، الذّكي والأريب، يتلوها الصّغير والكبير، العزيز والحقير، لو تأمّلها المسلمون كما يجب لأدركوا تمام الإدراك، أنّ من شروط الاستقامة، والفوز يوم القيامة، مخالفة أصحاب الجحيم، من المغضوب عليهم والضالّين..
المغضوب عليهم .. هم اليهود، الأمّة الغضبيّة، وأخبث الأمم طويّة، وأنجسهم سجيّة، أهل الكذب والبهتان، والغدر والمكر والكفران، أكلة السّحت وقتلة الأنبياء، أصحاب الكيد ومعذّبو الأتقياء، عادتهم البغضاء، وديدنهم العداوة والشّحناء، أبعد الخلق عن الرّحمة، وأقربهم من النّقمة، لا يعرفون لمن خالفهم في كفرهم حُرمة، ولا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمّة، أخبثهم هو أعقلهم، وأحذقهم أغشّهم، أضيق الخلق صدورا، وأظلمهم قلوبا، تحيّتهم لعنة، ولقاؤهم محنة .. قاتلهم الله أنّى يؤفكون ..
والضالّون .. هم النّصارى، الأمّة المثلّثة، أمّة الضّلال وعبّاد الصّليب، أمّة الانحلال والمجون الرّهيب، الّذين سبّوا اللهَ سبَّة ما سبّه إيّاها أحد من العالمين، فنطقوا بالشّرك والكفر المبين، أنكروا أنّه الواحد الأحد، الفرد الصّمد، الّذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، قالوا في الله ما تكاد السّموات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا، أن دعوا للرّحمن ولدا، دينهم عبادة الصّلبان، وطاعة القساوسة والرّهبان، فالحلال ما أحلّوه، والحرام ما حرّموه، فسبحان الله عمّا يشركون ..
إخوتي الكرام ..
فقد وصلتني رسالتكم منذ أمد بعيد، منذ شهر أو يزيد، تضمّنت أسئلة تدمي القلب، وتزيد الكرب، حتّى إنّني أردت أن أسمّي الإجابة عنها: ( أحكام أهل الذمّة ).. كما سمّاها من قبل عَلَم الأمّة، الشّيخ الهُمام وشيخ الإسلام ابن القيّم عليه من الله سحائب الرّحمات.. إلاّ أنّه عنى بأهل الذمّة أهلَ الكتاب الّذين يعيشون تحت كنف أهل الإسلام، وأنا أعني بهم المسلمين الّذين يعيشون تحت كنف أهل الكفر اللّئام..
ووجه الشّبه ظاهر لكلّ ذي عينين، لا شكّ في ذلك أو مين، لِما ضُرِب من الذلّة على المسلمين بين أظهر الكفّار والمشركين، حتّى ما استطاعوا أن يعيشوا في طاعة، متّبعين هدي صاحب الوسيلة والشّفاعة ..
فالتمست من أسئلتكم الخير في قلوبكم الّتي تنبض بالإيمان، وفي الوقت نفسه التمست الضّعف الّذي ضرب عليكم من كلّ مكان، حتّى إنّ جلّ الأسئلة الّتي طرحت، فيها البحث عن فُرَجٍ فُسحت، باسم الحاجة تارة، وباسم الضّرورة تارة، حتّى تحلّ عُرى هذا الدّين القويم عروة عروة باسم الضّرورات والحاجات .. وصدق من قال:
( أبكي على الإسلام من كمد وأزفر الآه تلو الآه من ألم )
فقبل الإجابة عن كلّ تلكم الأسئلة، أنادي قلوبكم الّتي آمنت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا ورسولا، أن تفيقوا من غفلتكم، وتستيقظوا من نومتكم، وتنفضوا رفاتكم، وتجمعوا شتاتكم، وتعودوا إلى بلاد أهل الإسلام على عُجرها وبُجرها، وعلى ضررها وكدرها، فالبون شاسع، والفرق واسع، إلاّ أنّ الشّيطان لبّس على كثير من الإخوان، فصوّر لهم البلدين سيّان.
ومع ذلك، فلن آلوَ جهدا، ولن أدّخر وسعا، في أن أجيب إخواني الّذين نُشهد الله تعالى أنّنا نحبّهم في الله، ونسأله سبحانه أن يجمعنا مع النبيّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم في دار كرامته، ومستقرّ رحمته
تحميلtjh,n Hig hgli[v
المفضلات