حراسة الخواطر
هذا كلام عظيم النفع لمن قرأه كله وتفكر فيه فإن النفس لاتخلو من خواطر طيبة أو رديئة
وهذه الخواطر تتدرج حتى تكون أعمالا فصرف الهمة إلى تدارك الخواطر من أساسها هو
عين العقل والصواب وقد فصل الكلام على ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين وباب السعادتين وهو من أنفس ماكتبه رحمه الله فتأمل في كلامه بعيني قلبك وبصيرتك
فإلى كلامه:
قاعدة في ذكر طريق يوصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال.
وهي شيئان:
أحدهما حراسة الخواطر وحفظها والحذر كل الحذر من إهمالها والاسترسال معها: فإن أصل الفساد كله من قبلها يجيء لأنها هي بذر الشيطان والنفس في أرض القلب فإذا تمكن بذرها تعاهدها الشيطان بسقيه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات ثم يسقيها بسقيه حتى تكون عزائم ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال.
ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم فيجد العبد نفسه عاجزا أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة وهو المفرط إذا لم يدفعها وهي خاطر ضعيف كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس فلما تمكنت منه عجز عن إطفائها.
فإن قلت: فما الطريق إلى حفظ الخواطر؟
قلت: أسباب عدة:
أحدها:العلم الجازم باطلاع الرب سبحانه ونظره إلى قلبك وعلمه بتفصيل خواطرك.
الثاني : حياؤك منه.
الثالث: إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلق لمعرفته ومحبته.
الرابع: خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
الخامس: إيثارك له أن يساكن قلبك غير محبته.
السادس: خشيتك أن تتولد تلك الخواطر ويستعر شرارها فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.
السابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحب الذي يلقى للطائر ليصاد به فاعلم أن كل خاطر منها فهو حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.
الثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلا بل هي ضدها من كل وجه وما اجتمعا في قلب إلا وغلب أحدهما صاحبه وأخرجه واستوطن مكانه فما الظن بقلب غلبت خواطر النفس والشيطان فيه خواطر الإيمان والمحبة والمعرفة فأخرجتها واستوطنت مكانها لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك وأحس بمصابه.
التاسع: أن يعلم أن تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه وتاه في ظلماته فيطلب الخلاص منه فلا يجد إليه سبيلا.
فقلب تملكه الخواطر بعيد من الفلاح معذب مشغول بما لا يفيد.
العاشر: أن تلك الخواطر هي وادي الحمقى وأماني الجاهلين فلا تثمر لصاحبها إلا الندامة والخزي وإذا غلبت على القلب أورثته الوساوس وعزلته عن سلطانها وأفسدت عليه رعيته وألقته في الأسر الطويل.
وكما أن هذا معلوم في الخواطر النفسانية فهكذا الخواطر الإيمانية الرحمانية هي أصل الخير كله.
فإن أرض القلب متى بذر فيها خواطر الإيمان والخشية والمحبة والإنابة والتصديق بالوعد ورجاء الثواب وسقيت مرة بعد مرة وتعاهدها صاحبها بحفظها ومراعاتها والقيام عليها أثمرت له كل فعل جميل وملأت قلبه من الخيرات واستعملت جوارحه في الطاعات واستقر بها الملك في سلطانه واستقامت له رعيته ولهذا لما تحققت طائفة من السالكين ذلك عملت على حفظ الخواطر فكان ذلك هو سيرها و عملها وهذا نافع لصاحبه بشرطين:
أحدهما أن لا يترك به واجبا ولا سنة
والثاني أن لا يجعل مجرد حفظها هو المقصود بل لا يتم ذلك إلا بأن يجعل موضعها خواطر الإيمان والمحبة والإنابة والتوكل والخشية فيفرغ قلبه من تلك الخواطر ويعمره بأضدادها وإلا فمتى عمل على تفريغه منهما معا كان خاسرا فلا بد من التفطن لهذا.
1 / 377 - 380 طبعة دار عالم الفوائد __________________
منقولschg ;dt Hpt/ ktsd lk p]de hgkts hgsdx ?
المفضلات