الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق الأمين أما بعد ...
من كتاب البخلاء للجاحظ
أبو عبد الرحمن و رأس الذبائح
قال الجاحظ :
وأبو عبد الرحمن هذا شديد البخل، شديد العارضة، عضب اللسان. وكان يحتج للبخل، ويوصي به، ويدعو إليه.
كان أبو الرحمن يعجب بالرءوس، ويحمدها ويصفها وكان لا يأكل اللحم إلا يوم أضحي، أو من بقية أضحيته، أو يكون في عرس أو دعوة أو سفرة. وكان سمى الرأس عرساً، لما يجتمع فيه من الألوان الطيبة. وكان يسميه مرة الجامع، ومرة الكامل.
وكان يقول: الرأس شيء واحد. وهو ذو ألوان عجيبة، وطعوم مختلفة. وكل قدر وكل شواه فإنما هو شيء واحد.
والرأس فيه الدماغ، فطعم الدماغ على حدة. وفيه العينان، وطعمهما شيء على حدة. وفيه الشحمة التي بين أصل الأذن ومؤخر العين، وطعمها على حدة. على أن هذه الشحمة خاصة أطيب من المخ، ونعم من الزبد، وأدسم من السلاء.
وفي الرأس اللسان، وطعمه شيء على حدة. وفيه الخيشوم، والغضروف الذي في الخيشوم، وطعمهما شيء على حدة. وفيه لحم الخدين، وطعمه شيء على حدة - حتى يقسم أسقاطه الباقية.
ويقول: الرأس سيد البدن: وفيه الدماغ، وهو معدن العقل، ومنه يتفرق العصب الذي فيه الحس، وبه قوام البدن. وإنما القلب باب العقل - كما أن النفس هي المدركة، والعين هي باب الألوان، والنفس هي السامعة الذائقة، وإنما الأنف والأذن بابان.
ولولا أن العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه وفي الرأس الحواس الخمس.
وكان ينشد قول الشاعر:
إذا ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري
وكان يقول: الناس لم يقولوا: هذا رأس الأمر، وفلان رأس الكتيبة، وهو رأس القوم، وهم رؤوس الناس وخراطيمهم وأنفهم، ويستقوا من الرأس الرياسة، والرئيس، - وقد رأس القوم فلان إلا والرأس هو المثل، وهو المقدم .
وللرأس عنده إستخدام آخر بعد أن ينتهي من أكل لحمها ومخها :
قال الجاحظ :
وكان إذا فرغ من أكل الرأس عمد إلى القحف، وإلى الجبين، فوضعه بقرب بيوت النمل والذر. فإذا اجتمعت فيه أخذه فنفضه في طست فيها ماء. فلا يزال يعيد ذلك في تلك المواضع، حتى يقلع أصل النمل والذر من داره. فإذا فرغ من ذلك ألقاه في الحطب، ليوقد به سائر الحطب.
وكان إذا كان يوم الرءوس، أقعد ابنه معه على الخوان. إلا أن ذلك بعد تشرط طويل، وبعد أن يقف به على ما يريد!
والخِوَانُ: الذي يُؤْكل عليه ( مثل السُفرة ) أي أنه لا يجلس إبنه ليأكل حتى يأخذ من الرأس ما يريد .lk k,h]v hgfoghx
المفضلات