عتبة بن غزوان رضي الله عنه
هو الصحابي الجليل الذي لايعرفه الكثير من المسلمين
لقد اسلم عتبة رضي الله عنه مبكرا حتى كان سابع سبعة في الاسلام وصمد مع المسلمين في تلك الايام العصيبة التي كان من يستعلي فيها بايمانه ويعلن اسلامه يتحول جسده الى اشلاء ممزقة من سياط المشركين
ولما اشفق النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الظلم الذي كان يزداد يوما بعد يوم امر اصحابه بالهجرة الحبشة فخرج عتبة مع من هاجر الى الحبشة ولكن حنينه وشوقه لمجاورة الرسول :salla: جعله لايهنأ بالراحة والنعيم في الحبشة ،بل آثر العذاب والشقاء في مكة طالما انه يملأ عينيه من رؤية الرسول :salla: فسرعان ماعاد الى مكة حتى آن اوان الهجرة الى المدينة فهاجر عتبة :radi: مع اخوانه المسلمين وهناك جمع بين الحسنيين بين رؤية الرسول :salla: والنعيم والراحة في رحاب الانصار رضي الله عنهم .
وبدات مرحلة الجهاد في سبيل الله جل وعلا وعتبة يسير معها خطوة خطوة فهو من المذكورين فمازال يخوض المشاهد مع النبي :salla: وهو يقاتل بكل بسالة وشجاعة مساهما في هدم صرح الباطل واقامة دولة الاسلام
ولما توفي النبي :salla: ظل عتبة :radi: على عهده مجاهدا صابرا مخلصا لله في كل وقت وحين .
مشهد لاينساه التاريخ
وفي عهد الفاروق عمر :radi: ترامى الى مسامعه ان جيوش الفرس المنهزمة امام جند المسلمين كانت كلما اوشك المسلمون على ان يقضوا عليها واذا بها ياتيها المدد من هنا وهناك وما بيت غمضة عين تستعيد جيوش الفرس قوتها ونشاطها مرة اخرى وتستانف القتال .
وكانت مدينة الابلة وقتها من اهم المدن التي ترسل الاموال والرجال والسلاح الى جيوش الفرس .
فراى عمر رضي الله عنه بفطنته وذكائه ان يفتح تلك المدينة ليقطع المدد عن جيوش الفرس ،ومن ثم تكون الهزيمة التي لاتقوم بعدها للفرس قائمة .
ولما تهيأ عمر لان يرسل جيشا من المسلمين واذا به يتذكر ان شباب المسلمين بل وكهولهم قد خرجوا غزاة في سبيل الله يفتحون البلاد ليخرجوا من شاء من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ،ومن جور الاديان الى عدل الاسلام ومن ضيق الدنيا الى سعة الاخرة .
فاراد عمر رضي الله عنه ان يستعيض عن قلة الجند بقوة القائد واخلاصه وتقواه وذكائه .
فاخذ يبحث في قائمة الاتقياء الانقياء الاصفياء الاقوياء واذا به يجد صورته اما عينيه بل وفي قلبه نعم انه سابع سبعة اسلموا في هذا الكون انه المجاهد الكبير انه الذي شهد المشاهد مع رسول الله :salla: انه الرامي الذي لاتخطئ له رمية انه عتبة ابن غزوان
فبعث اليه في الصباح واخبره بتلك المهمة الصعبة التي تحتاج الى رجال يعرفون ربهم ويعبدونه حق عبادته ليعوضهم الله بالنصرة من عنده وان كانوا لا يملكون الا النذر القليل من الرجال والعتاد .
وعقد له الراية على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وسار اليه من الاعراب ما كمل معه خمسمائة .
ووقف الفاروق :radi: كعادته يوصي هذا الجيش ويوصي قائده قبلهم بتقوى الله فقال له عمر :يا عتبة اني قد وجهتك الى ارض الابلة وهي حصن من حصون الاعداء فارجوا الله ان يعينك عليها ،فاذا نزلت بها فادع قومها الى الله فمن اجابك فاقبل منه ومن ابى فخذ منه الجزية عن صغار وذلة والا قضع في رقابهم السيف في غير هوادة
واتق الله ياعتبة فيما وليت عليه واياك ان تنازعك نفسك الى كبر يفسد عليك آخرتك واعلم انك صحبت رسول الله:salla: فاعزك الله به بعد الذلة وقواك به بعد الضعف حتى صرت اميرا مسلطا وقائدا مطاعا تقول فيسمع منك وتامر فيطاع امرك فيالها من نعمة اذا هي لم تبطرك على من دونك احتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية وهي اخوفهما عندي عليك ان يستدرجك ويخدعك فتسقط سقطة فتصير بها الى جهنم اعيذك بالله ونفسي من ذلك .
ان الناس اسرعوا الى الله حتى رفعت لهم الدنيا فارادوها فارد الله ولاترد الدنيا واتق مصارع الظالمين (1)
كانت الابلة التي اتجه اليها عتبة بن غزوان :radi:بجيشه الصغير مدينة حصينة قائمة على شاطئ دجلة وكانت الفرس قد اتخذوها مخازن لاسلحتهم وجعلوا من ابراج حصونها مراصد لمراقبة اعدائهم لكن ذلك لم يمنع عتبة من غزوها على الرغم من قلة رجاله وضآلة سلاحه اذ لم يجتمع له من الرجال غير ستمائة مقاتل تصحبهم طائفة قليلة من النساء ولم يكن عنده من السلاح غير السيوف والرماح فكان لابد له من ان يستعمنل ذكاءه .
اعد عتبة للنسوة رايات رفعها على اعواد الرماح وامرهن ان يمشين بها خلف الجيش وقال لهن :اذا نحن اقتربنا من المدينة فاثرن التراب وراءنا حتى تملان به الجو .
فلما دنوا من الابلة خرج اليهم جند الفرس فراوا اقدامهم عليهم ونظروا الى الرايات التي تخفق ورائهم
ووجدوا الغبار يملأ الجو خلفهم فقال بعضهم لبعض :انهم طليعة (مقدمة )العسكر وان وراءهم جيشا جرارا يثير الغبار ونحن قلة .
ثم دب في قلوبهم الذعر وسيطر عليهم الجزع فطفقوا يحملون ماخف وزنه وغلا ثمنه ويتسابقون الى ركوب السفن الراسية في دجلة ويولون الادبار
فدخل عتبة الابلة دون ان يفقد احدا من رجاله ثم فتح ماحولها من المدن والقرى وغنم من ذلك غنائم عزت على الحصر (تعذر احصاؤها ) وفاقت كل تقدير حتى ان احد رجاله عاد الى المدينة فساله الناس :كيف المسلمون في الابلة ؟؟
فقال :عم تتساءلون ؟؟!!
والله لقد تركتهم وهم يكتالون الذهب والفضة اكتيالا فاخذ الناس يشدون الى الابلة الرحال (2)
عند ذلك بدا عتبة في انشاء مدينة البصرة مكان الابلة وبدا تلك المدينة ببناء السجد فيها .
نعم المسجد اولا فمنه يخرج الرجال والابطال والاتقياء الذين يصلح الله بهم الدنيا وينشر بهم دينه في العالمين
وتسابق الناس الى بناء البيوت اما عتبة فانه ابى ان يبني لنفسه بيتا فلقد كان قلبه يتطلع دوما وابدا الى بيته الذي في الجنة فكان يخشى على قلبه من ان يتعلق بشيئ من حطام الدنيا فجعل لنفسه خيمة ليعيش فيها
وظل عتبة في البصرة يصلي بالناس ويعلمهم امور دينهم ويضرب المثل في العدل والزهد والتقوى .
فلما راى ان الدنيا اقبلت على المسلمين وان كثيرا منهم قد استطابوا تلك العيشة الناعمة خشى عليهم من فتنة الدنيا التي تعصف بقلب الرجل وبدينه فقام يخطب في الناس بتلك الكلمات التي يجب ان تنقش على القلوب بحروف من الذهب .
فعن خالد بن عمير العدوى قال: خطبنا عتبة بن غوان فحمد الله واثنى عليه ثم قال :اما بعد :فان الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذًاء ولم يبقى منها الا صبابة كصبابة الاناء يتصابها صاحبها وانكم منتقلون منها الى دار لازوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم فانه قد ذكر لنا ان الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوى فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا ووالله لتملأن افعجبتم ؟ ولقد ذكر لنا ان مابين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة اربعين سنة ولياتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ولقد رايتي سابع سبعة مع رسول الله :salla: ما لنا طعام الا ورق الشجر حتى قرحت اشداقنا فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما اصبح اليوم منا احد الا اصبح اميرا على مصر من الامصار
واني اعوذ بالله ان اكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا وانها لم تكن نبوة قط الا تناسخت حتى يكون اخر عاقبتها ملكا فستخبرون وتجربون الامراء بعدنا (3)
ولما جاء موسم الحج استخلف عتبة رجلا من اخوانه وهو ابا سبرة بن ابي رهم وخرج حاجا واجتمع بعمر في الموسم وساله ان يقيله يعفيه من الامارة فلم يفعل واقسم عليه ليرجعن الى البصرة مرة اخرى فاذعن لامر عمر :radi: وعاد الى البصرة ولكن قلبه الذي اشتاق الى الجنة توجه الى الله وساله الايرده الى البصرة والى الامارة مرة اخرى فاستجاب الله دعاءه فمات ببطن نخلة فتاثر عليه عمر:radi: واثنى عليه خيرا .
[1) البداية والنهاية للامام ابن كثير
(2) صور من حياة الصحابة (408ـ 409)
(3) هامش سير اعلام النبلاء للامام الذهبي
shfu sfum hsgl,h td i`h hg;,k ggi u. ,[g
المفضلات