بسم اللهِ الرحمنِ الرحيم
السلام عليكم ورحمة اللهِ وبركاته
نحن نعلم جميعاً أن الإسلام كان ولا يزال هدفاً لسهام الأعداء
من الكفار والمنافقين والملحدين .
وقد ظن هؤلاء وأولئك أنهم يستطيعون النيل من هذا الدين إذا وجهوا معاول
هدمهم إلى الأساس منه وهو القرآن الكريم الذى تولى سبحانه وتعالى حفظه
فقال فى كتابه الكريم (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))
( الحجر : آية رقم : 9 )
فأنى لهم ذلك (( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ))
( الصف : آية رقم : 8 )
من ثم فإن محاولاتهم التشكيك فى القرآن الكريم لم تنقطع من قديم
وإن كانوا فى كل مرة يُردُّون على أعقابهم خاسرين .
ومن بين هذه المحاولات ما أثاروه من شبهات باطلة حول موضوع جمع القرآن الكريم
على أن الشبهات التى أثارها هؤلاء مهما تفننوا فى تنويعها وتعديدها فإنها كلها
تدور حول التشكيك فى سلامة النص القرآنى , وذلك هو الباطل الذى نفاه سبحانه وتعالى
نفياً قاطعاً حينما قال فى كتابه الكريم (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ))
( فصلت : الآيات : 41 , 42 )
ونحن الآن بصدد استعراض بعض هذه المزاعم التى يتقولون بها على كتاب الله
ثم تفنيدها حتى لا ينخدع بها الغافلون .
1 : قولهم أن القرآن قد سقط منه آيات فجاءنا ناقصاً :
وأقوى ما ساقوه للاستدلال على ذلك هو فهمهم المغلوط للحديث الذى
رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت :
سمع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه رجلاً يقرأ فى سورة بالليل فقال ( يرحمه
الله لقد أذكرنى آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا )
الحديث أخرجه البخارى فى صحيحه , كتاب فضائل القرآن , باب نسيان القرآن
فقد زعموا أن هذا الحديث دليل على أن النبى صلوات الله وسلامه عليه قد أسقط
آيات من القرآن الكريم أو أنسيها , ووجه الاستدلال أن ذلك قد فتح باب الاحتمال
لنقص القرآن وأنه لم يُجمع كاملاً .
وهذا الفهم الخاطئ للحديث وإن بدا فى ظاهره غير مستحيل إلا أن بطلانه يظهر
عند التأمل فى دلالة الحديث , لكن قبل توضيح الدلالة تجدر الإشارة إلى أن الرواية
الأولى من الروايتين السابقتين تفسر الثانية , فرواية الإسقاط تفسرها رواية النسيان
لأن ذلك هو الحمل السائغ ولا يسوغ عكسه , وعليه فإن الكلام سيدور على أن المعتبر
فى الحديث هو الإنساء وليس الإسقاط وذلك يدل عليه لفظ ( أذكرنى ) .
وفى هذا نقرر أن النسيان غير ممتنع على النبى صلوات الله وسلامه عليه ولكن ليس فى
تبليغ ما أُمرَ بتبليغه فإذا بلغ النبى صلوات الله وسلامه عليه ما أُنزلَ إليه من ربه
وحفظه من بلغهم به فقد خرج بذلك من عهدة البلاغ , وأما ورود النسيان على
ما حفظه وبلغه وكان هذا النسيان طارئاً لغيبة المحفوظ عن الذهن والانشغال عنه بغيره
مع استقراره فى الحافظة بحيث إذا ذُكِّر به تذكر فهذا أمر سائغ لا ضيرَ فيه
لأن النبى صلوات الله وسلامه عليه ينسى كما ينسى البشر بخلاف النسيان الدائم
الذى يرادف محو الشئ وإزالته وفقده من الذاكرة بالكلية .
أما ما مجاله التبليغ فلا يتصور فيه النسيان قبل بلاغه بل يستحيل ذلك
وإلا نقضت الرسالة فى كل جوانبها وهذا ما عصم الله منه رسوله صلوات الله وسلامه عليه
والحديث ينطق بأن غير النبى صلوات الله وسلامه عليه كان يحفظ تلك الآية
وهو الرجل الذى ذكره بها وغيره الكثير وأن النبى صلوات الله وسلامه عليه
تذكرها لما ذُكِّر بها فلا إشكال هنالك .
2 : قولهم بأن القرآن قد زيد فيه ما ليس منه :
ودليلهم فى ذلك ما تناقلته بعض الروايات من أن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه
قد أنكر المعوذتين ولم يعدهما من القرآن الكريم .
والجواب على ذلك هو نقض ما قامت عليه تلك الشبهة من الأساس فلم يصح
عن ابن مسعود رضى الله عنه ذلك , كيف وهو أكثر الصحابة أخذاً للقرآن
من فم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وقد قال صلوات الله وسلامه عليه فى شأنه : من
سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد .
الحديث أخرجه أحمد فى المسند عن أبى بكر وعمر بإسناد حسن
فكيف يغيب عنه - وتلك مكانته - ما أجمع الصحابة على قرآنيته ؟؟
وأجمعت الأمة من بعدهم على ذلك ولم يخالف فيه أحد ومثل ذلك
يجاب به أيضاً عن القول بأن مصحف ابن مسعود رضى الله عنه قد خلا من الفاتحة .
وقد قال النووى فى شرح المهذب : ( وأجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة
من القرآن وأن من جحد شيئاً منهما كفر وما نُقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح ) .
وقال ابن حزم : ( هذا كذب على ابن مسعود وموضوع ) .
بل صح عن ابن مسعود نفسه قراءة عاصم وفيها المعوذتان والفاتحة .
3 : ما زعمه نفر من غلاة الشيعة من أن أبا بكر وعمر وعثمان
حرفوا القرآن وحذفوا بعض آياته وسوره :
فقد زعم هؤلاء - كاذبين - أن الصحابة قد حرفوا قوله تعالى (( أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ))
( النحل : آية 92 )
وكان الأصل فيها ( أن تكون أئمة هى أزكى من أئمتكم ) , كما أنهم أسقطوا
من سورة الأحزاب آيات فى فضائل أهل البيت , وقد كانت فى طولها مثل سورة الأنعام
كما أسقطوا سورة بتمامها تسمى سورة الولاية كانت تتحدث عن فضائل
على رضى الله عنه وعن أهل البيت .
وهذه الشبهة هى أشد وهناً من سابقتيها لأنها تقوم على أقوال مرسلة باطلة لا سند لها
وتستند إلى دعاوى لا بينة عليها , وقد تبرأ علماء الشيعة أنفسهم من هذا السخف
ثم إن المنقول عن على رضى الله عنه يناقض ادعائهم ويصادمه
ويدل على موافقته بل وثنائه على جمع عثمان رضى الله عنه للقرآن .
قال السيوطى رحمه الله تعالى : ( وأخرج ابن أبى داوود بسند صحيح عن سويد بن غفلة
قال : قال على : لا تقولوا فى عثمان إلا خيراً
فوالله ما فعل فى المصاحف - يقصد الجمع - إلا عن ملأ منا ) يعنى موافقة جميع الصحابة
رضوان الله عليهم أجمعين .
وذلك ما يقطع ألسنة المرجفين حول القرآن من هذا الجانب لأن هؤلاء الأدعياء
قد أتوا باطلاً من القول وزوراً وعلى رضى الله عنه منهم براء .
ومما يلقم هؤلاء حجر الإفحام أن علياً رضى الله عنه قد تولى الخلافة
من بعد عثمان رضى الله عنه خمس سنين وآل إليه أمر المسلمين
فلو كان ينقم شيئاً فى جمع القرآن لبادر إلى تصحيحه وتصويبه لوضع الأمور فى نصابها
ولكنه لم يفعل شيئاً من ذلك ولو فعل لشاع واستفاض بل لوصل إلينا ما فعله وحمل الناس عليه
ولكننا لا نملك إلا أن نقول فيما يفتريه هؤلاء : سبحانك هذا بهتان عظيم .
===================
المراجع المستخدمة :
الموسوعة الحديثية
مناهل العرفان للزرقانى رحمه الله تعالى
الإتقان فى علوم القرآن
فضائل القرآن
============================================
وبعد أيها الإخوة أرجو أن أكون قد وُفقت فى طرح جوانب الموضوع
ولكم جميعاً خالص تحياتى
v] fuq hgafihj hglEehvm p,g [lu hgrvNk hg;vdl
المفضلات