لورشة عمل تتحدَّث عن أهميَّة التَّخطيط للمستقبل، وترَكتُ حريَّة الإجابة للطلاَّب دون تقيُّد
مَن أنت؟
هشام محمد سعيد قربان
هذا سؤالٌ قصيرٌ طلَبتُ إجابته من مِئاتٍ من الطلاب في المرحلة الثانويَّة، خلال مقدمة
بأيِّ إطارٍ فكري أو منهجيَّة للحل، ولقد انحصَرَت الأجوبة في مجملها في جوابٍ محدودٍويسير: أنا فلان بن فلان، وأثار هذا الجواب بعضَ التساؤلات والتأمُّلات التي تتمَحوَر
حول موضوعٍ يشغلني كثيرًا، هو: الوعي بالذات.هذه المرحلة العمريَّة؟
هل تُفِيد هذه الإجابة انحِصار مفهوم الذات لدى هؤلاء الناشِئة في أسمائهم وأنسابهم؟
هل من الإنصاف أنْ نتوقَّع إجابات أكثَر تفصيلاً تَعكِس وعيًا عميقًا بالذات من طلاب في
هل تحرص مناهج التربية والتعليم على أنْ تكون معرفة الذات ضمن أهدافها المرحليَّة؟وأكثر إدراكًا ووعيًا بذَواتِنا؟
هل ساءَلنا عُلَماء النفس والشريعة عن الخط الزمني لتشكُّل وارتِقاء الوعي بالذات الإنسانيَّة؟
هل ستختَلِف الإجابة كثيرًا إذا طرَحنا السؤال نفسَه علينا نحن الكبار، أو مَن نظنُّ أنَّنا أكبر
كم من الوقت والجهد والفكر والبحث والنِّقاش نستَثمِر بهدف زيادة وعينا بذواتنا؟
يقول الخالق - عزَّ وجلَّ -:أنْ نُولِيها حقَّها من الفهم والتطبيق العملي، تُصوِّر هذه الكلماتُ الإلهيَّة الحياةَ بأنها رحلة تزكية
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]،
هذه آيةٌ كريمةٌ حفظناها منذ نعومة أظفارنا، وكبِرْنا وأصداؤها لم تزَل عالقةً بذاكرتنا دون
للنفس، وبمقدار التزكية يكون الفلاح في الدارين، ومن المعلوم أنَّ تزكية النفس لا تستَقِيم إلاَّعلى أساسٍ مَتِين من الوعي والإدراك بها.
عجيبةٌ هذه النفس الإنسانيَّة! نجهَل الكثير من جوانبها أو نَتجاهَلها وهي قريبةٌ منَّا وبين أضلعنا،هل نغرس في أطفالنا وطلاَّبنا بُذُور الوعي بالذات، أم أنَّنا نتركها للعفويَّة والمصادَفة؟ هل نُذكِّر
أنفسَنا وأولادنا بأنَّنا أكثر بكثيرٍ من مجرَّد اسمٍ اختارَه غيرنا لنا، ونَسَب نفاخر به مع أنَّنا لمنجتهد في الحصول عليه؟
أنا أكثر وأكبر بكثيرٍ من اسمي، هذه هي الإجابة التي اجتَهدنا أنْ نلفت أنظار الناشئة إليها،إنَّ ذاتي أكثر من اسمي؛ فأنا اسمٌ ودين وقيم وتاريخ وطموحات وأحلام وأدوار مختلفة، أنا
خليفة الله في أرضه، أنا انتماءٌ حيٌّ لخير أمَّة أُخرِجت للناس، أنا ماضٍ وحاضر ومستقبل،أنا عاملٌ أتعبَّد ربي بالإتقان في كلِّ عمل أؤدِّيه، أنا صاحب همَّة عالية ليس لها حدٌّ إلا جنَّة
عرضها السموات والأرض، أنا صاحب مواهب وطاقات اختصَّني الله بها دون كلِّ المخلوقات،وكلَّفني باكتِشافها وتطويرها وتسخيرها لخير الدنيا والآخِرة، أنا جَوانِب كثيرةٌ تجعلني بحقٍّ
أكثر وأكبر من اسمي ونسبي.
إنَّ خيرَ ما يُختَم به الحديث عن الوعي بالذات، هو الفائدة العمليَّة؛ فإنَّ مَن يعرف نفسَه كخليفةالله في أرضه وفق هديِه وشرعه، وأنَّه ينتَمِي إلى أمَّة الخيريَّة والشهادة - فهو بلا شكٍّ يثمن ذاته
ويُنزِلها منزلتها العالية، التي تترفَّع عن سَفاسِف الأمور وكل ما لا يَلِيق بها، إنَّ الوعي النَّشِطوالمُتَنامِي للذات يُولِّد المرجعيَّة المُثلَى في الفكر والسلوك، والطموح والإبداع والتميُّز، إنَّ مَن
يَعِي ذاته من خِلال دراسة وتحليل لتاريخ أمَّته وأسباب عزَّتها، لا شكَّ يشعُر بمزيجٍ من الفخربماضيها المُشرِق، والحرقة والشَّوق الدافعين إلى العمل الجاد الذي يهدف إلى إعادة عزَّتها،
وهو مُوقِنٌ بأنَّ الله لا يُخلِف وعدَه، وشتَّان بين مَن يمشي مكبًّا على وجهه، لا يعرف ذاته ولايثمنها، ومَن يمشي سويًّا على صراط مستقيمٍ، أساسه الوعي المتجدِّد بالذات، وتزكيتها الواعية،
والمنهجيَّة على درب الفلاح والسَّعادة.
منقولlQk Hkj?
المفضلات