محيط - جهان مصطفى
ما أن قدم بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر اعتذارا علنيا عن الفضائح الجنسية لعشرات القساوسة والأساقفة الكاثوليك ، إلا وتساءل كثيرون حول أسباب خروج الكنيسة الكاثوليكية فجأة عن صمتها تجاه تلك الانتهاكات وعدم التغطية عليها مثلما كان يحدث في السابق ؟.
ورغم أن البابا اعترف بأن تأثير الفضائح السابقة على الديانة المسيحية كان أقسى من تأثير ما أسماها "قرون الاضطهاد التي رافقت بداياتها ، إلا أن هناك من فسر الأمر بتسارع وتيرة اعتناق الإسلام في الغرب ، بالإضافة إلى التداعيات المالية ، حيث اضطرت الكنيسة الأمريكية عام 2008 إلى دفع تعويضات بقيمة 436 مليون دولار لضحايا الانتهاكات الجنسية.
وكان البابا بينديكت السادس عشر فاجأ العالم في 20 مارس / آذار بتقديم اعتذار علني إلى ضحايا عقود من الاستغلال الجنسي والاعتداءات من جانب قساوسة ورجال دين كاثوليك في أيرلندا .
وفي أول رسالة من نوعها ، خاطب البابا الكاثوليك الأيرلنديين ، قائلا :" لقد عانيتم كثيرا وأنا آسف حقا ، الكهنة ورجال الدين المتهمين بالاعتداءات على الأطفال يجب أن يحاكموا على جرائمهم أمام محاكم يتم تشكيلها بصورة مناسبة ".
وتابع " تمت خيانة الثقة وانتهاك الكرامة ، زعماء الكنيسة الأيرلندية ارتكبوا أخطاء فادحة في التعامل مع اتهامات بوقوع إساءات ".
وأكد البابا أن الفاتيكان سيتدخل مباشرة لاستعادة الثقة وأنه سيجري تحقيقا رسميا في الأبرشيات الأيرلندية ، داعيا إلى اتخاذ خطوات حاسمة بشفافية من أجل استعادة "الاسم الجيد" للكنيسة الأيرلندية.
وأقر بأن ما جرى لا يمكن نسيانه بسهولة واعتبر أن تأثير الفضائح على الديانة المسيحية كان أقسى من تأثير قرون الاضطهاد التي رافقت بداياتها ، قائلا :" الفضائح زعزعت إيمان الناس وأبعدتهم عن الكنيسة وحجبت الضوء عن الإنجيل أكثر مما فعلته قرون من الاضطهاد الذي تعرضت له المسيحية في أول عهدها ".
ووجه البابا في هذا الصدد انتقادات حادة للكنيسة الأيرلندية التي قيل إنها تكتمت على تلك القضايا لسنوات ، قائلاً : "لقد شعرت بانزعاج شديد جراء الأنباء التي أشارت إلى انتهاكات بحق أطفال وقصر من قبل أعضاء في الكنيسة بأيرلندا خاصة رهبان وكهنة ، لقد خنتم الأمانة والثقة التي وضعها الأطفال بكم وعليكم مواجهة آثار ذلك أمام الله وأمام القضاء".
ويبدو أن التقارير الحكومية الايرلندية التي كشفت مؤخرا عن تورط أسقف دبلن ومسئولين آخرين في الكنسية بإخفاء ملفات على صلة بقضايا اغتصاب أطفال وتعديات جنسية قام بها رهبان في الفترة ما بين 1975 و2004 أحرجت البابا بشدة ولم تترك خيارا أمامه سوى الإسراع بالاعتذار العلني .
ففي نوفمبر/تشرين ثاني الماضي ، نقلت شبكة "سي ان ان" الإخبارية الأمريكية عن تقرير حكومي ايرلندي القول إن أبرشية دبلن وعددا آخر من الكنائس والمؤسسات الكاثوليكية الأيرلندية أخفت عمليات تحرش جنسي ارتكبها كهنة بحق مئات الأطفال في التسعينيات ، قائلا :" مما لا شك فيه أن اعتداء الكهنة على الأطفال جنسيا تم التستر عليه بين يناير/كانون ثاني عام 1975 وحتى أيار/مايو 2004 " .
بوب ساكرا
وبجانب ما حدث في ايرلندا ، فإن مثل تلك الفضائح تكررت أيضا في عدد من الدول منها ألمانيا التي جاء منها البابا ، ففي 8 فبراير / شباط 2010 ، نشرت مجلة "دير شبيجيل" الألمانية تقريرا مثيراً تناول الاعتداءات الجنسية في المدارس والكليات اليسوعية في ألمانيا ، مؤكدا انتشارها في أربعة وعشرين أبرشية من أصل سبعة وعشرين .
وأضاف التقرير " شكا طالب سابق في كلية الويسيوس في مدينة بون ويبلغ من العمر الآن اثنين وستين عاماً من أنه تعرض في الماضي للاغتصاب على يد قس ، واتهم طالب آخر يدعى ميجيل ابرانتس عدداً من القساوسة بأنهم مارسوا اعتداءات جنسية ضده ورفاقه على مدى سنوات في مدرسة باد غودسبرغ ".
وركز التقرير تحديدا على كتاب تحت عنوان "بوب ساكرا" أعده طالب سابق يبلغ من العمر الآن سبعة وثلاثين عاماً ويروي فيه تجربته في إحدى المدارس الدينية وما تعرض له من اعتداءات جنسية على يد عدد من القساوسة .
وبالنظر إلى أن الكشف عن الاعتداءات الجنسية السابقة سبب حرجا بالغا للكنائس والمؤسسات الكاثوليكية في ألمانيا ، فقد أعلنت إدارة المعاهد اليسوعية هناك أن عميد "كلية الويسيوس" في مدينة بون الأب ثيو شنايدر استقال من منصبه بسبب الاتهامات الموجهة ضده حول تواطؤه في بعض من حالات الاعتداء الجنسي السابقة .
والمثير للانتباه أن الفضائح السابقة لم تقتصر على كنائس أوروبا والولايات المتحدة فقط وإنما طالت أيضا أروقة الكنيسة الأم ذاتها ، فقد كشفت قناة "راي 24 " التليفزيونية الإيطالية مؤخرا أن الفاتيكان يواجه أزمة داخلية منذ سنوات على خلفية تورط عدد من رجال الكنيسة في جرائم اغتصاب لعشرات الأطفال والقصر ، مشيرة إلى أن هناك تحقيقات علنية وسرية بدأت بالفعل منذ حوالي عامين ضد المتورطين في تلك الفضائح ، وأبرزهم القس جاميلي ، المقرب من بابا الفاتيكان والمعروف عنه نشاطاته التبشيرية ، حيث يشرف على حوالي 267 جميعة تبشيرية في العالم .
وفي السياق ذاته ، ذكرت صحيفة " لاريبيبليكا " الإيطالية أن الاعتداءات الجنسية والتي تورط فيها حوالي 4 آلاف كاهن وقسيس وكاردينال لم تعد تقتصر على الأطفال والقصر من النساء فقط ، بل شملت أيضا الراهبات ، حيث قام بعض القساوسة والأساقفة في الكنائس الكاثوليكية بالاعتداء الجنسي على الراهبات واغتصابهن وإجبارهن بعد ذلك على الإجهاض لمنع الفضيحة ، وشمل ذلك 23 دولة منها ، الولايات المتحدة ، البرازيل ، الفلبين ، الهند، إيطاليا ، وداخل الكنيسة الكاثوليكية (الفاتيكان) نفسها.
هجوم على الإسلام
ورغم أن بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر حاول منذ البداية التستر على تلك الفضائح ، إلا أن وسائل الإعلام كان لها الكلمة الفصل ، ولذا سرعان ما صب جل اهتمامه على التحذير من خطر الإسلام للفت انتباه مرتادي الكنيسة بعيدا عن فضائح القساوسة من ناحية وللحد من اعتناقهم للإسلام من ناحية أخرى ، ولعل هذا ما ظهر واضحا في المقابلة التي نشرتها أيضا صحيفة " لاريبيبليكا " مع بطريرك البندقية الكاردينال أنجلو سكولا الذي قال بكل صراحة وهو يعلق على الفضائح الجنسية إن الحرب على الإسلام تتصدر أعمال أجندة البابا ، مؤكدا أن هذا الموضوع يعد بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية ولأوروبا أهم قضية في القرن الحادي والعشرين.
وهناك أيضا تصريحات البابا نفسه ، حيث دعا في 17 مايو 2008 إلى ضم كل البشر إلى المسيحية، واصفا هذا الأمر بـ "الواجب" و"الحق الثابت" بالنسبة إلى الكنيسة وكل مؤمن بالمسيح.
تلك الدعوة - التي تضع أمام الشعب المسيحي فى العالم أجمع مبررات شن الحرب ضد العالم الإسلامي - لم تكن الأولى من نوعها ، فهو خرج على العالم في 2006 أيضا بتصريحات غريبة شن خلالها هجوما حادا على الإسلام وزعم أنه انتشر بحد السيف ، قائلا خلال محاضرة ألقاها بجامعة ريجنزبورج بألمانيا في 12 سبتمبر 2006 :" إن العنف ونشر الدعوة بحد السيف يكمن في بنية وأسس العقيدة الإسلامية "، وهو ما اعتبر حينها مباركة للحروب الاستباقية التي يشنها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة ، فطالما أن "العنف " هو جوهر العقيدة ، على حد زعمه ، فسيظل يفرز "إرهابا" بشكل دائم حتى وإن تمت مواجهة هذه "العملية الإرهابية" أو تلك هنا أو هناك ، وبالتالي لاغنى عن مثل تلك الحروب.
ورغم الهجوم العنيف السابق على الإسلام ، إلا أن محاولات البابا باءت بالفشل ، حيث نشرت صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية تقريرا في 10 أكتوبر 2009 أكد تزايد أعداد المسلمين في أوروبا خلال الأعوام الماضية ، موضحا أن أسماء محمد وآدم وريان وأيوب ومهدي وأمين وحمزة باتت من أكثر سبعة أسماء شيوعاً واستخداماً في بلجيكا التي تشكل مقر الاتحاد الأوروبي .
وقدر التقرير تعداد الجاليات المسلمة في أوروبا حاليا بين 15 مليون إلى 23 مليون نسمة مع توقع أن تصل نسبة الذي يعتنقون الإسلام إلى أكثر من 20 في المائة من سكان أوروبا ، بل إن أعداد المسلمين ستتفوق على سواهم في فرنسا وربما في كافة معظم دول أوروبا الغربية في منتصف القرن الحالي.
ويبدو أن التقرير السابق صدم الغرب بشدة ولذا لم يجد البابا بينديكت السادس عشر في النهاية من خيار سوى الاعتذار وللمرة الأولى في تاريخ الفاتيكان عن الفضائح الجنسية لعشرات القساوسة والأساقفة في محاولة لإنقاذ سمعة الكنيسة الكاثوليكية من جهة وللحد من تسارع وتيرة اعتناق الإسلام من جهة أخرى.hgthjd;hk ,Hsvhv hghuj`hv hgugkd uk hgtqhzp hg[ksdm
المفضلات