أمتي، من أين نبدأ؟
هذا هو السؤال الذي حيَّر المسلمين لسنوات طويلة،
كيف السبيل إلى الخروج مما نحن فيه؟ كم هي توَّاقة هذه الأمة
إلى أن تُحقِّق آمالها! لكن هناك ما هو جدير بإخراج الأمة من هذه الملمات
والمآسي، هل علَّمنا أنفسنا وأطفالنا وتعلَّمنا أن الحِفاظ على وحدة الفِكر الإسلامي
وصيانته من الدسائس والأفكار والبِدع، التي من شأنها أن تَجلِب الفُرقة والكراهية
واستباحة دماء الناس؛ فهذه إحدى الآفات الخطيرة التي تعصِف بآمال المسلمين
ولا سيَّما أنها من خُطط العدو الذي استطاع أن يُتقِن نشْر مِثل هذه الأفكار
التي تُهدِّد الإسلام باسم الإسلام.
الشيء الآخر هو وَحدة الأمة الإسلامية إقليميًّا بعد ذلك،
ولن تتوحَّد الأمة الإسلامية إقليميَّا إلا إذا استطاعت أن تُحيط الفِكر الإسلامي
وتُحصِّنه، وتقوم على صيانته من خطط الحاقدين والمارقين الذين يهدفون إلى
إراقة الدماء وتشويه سمعة الإسلام في كل بِقاع الأرض، ونقْل صورة سيئة ودموية
لغير المسلمين؛ لكي لا يعتَنِقه المزيد من الناس، ومهمَّة العدو هي نشْر الأفكار السامَّة
في أوساط العامة للمسلمين؛ بحيث يستقطِبون شريحة منهم ومن شبابهم بشعاراتهم
وخدعهم البرَّاقة باسم الإسلام؛ مما يجعل الكثير منهم يعتقِدون أنهم على الحق،
ويقوم العدو أيضًا بخلط الأوراق إقليميًّا ومحليًّا وسياسيًّا؛ لتطبيع هذه الأفكار
وإظهار الاستياء مما يقوم به هؤلاء؛ لكي يتصوَّر الكثير منهم ومن غيرهم
أنهم على حق، وبهذا تتناءى آمال الأمة الوَحدويَّة دينيًّا وإقليميًّا عن تحقيق
ما تسعى إليه، وتتحوَّل بلدان المسلمين إلى جبهات وعِصابات تَطحن
بعضها البعض، وترفض أي اتِّفاق حكومي يجتمِع عليه المسلمون؛
كما هو حاصل اليوم في بعض البلدان الإسلامية والعربية.
فوحدة الرؤية في توحيد الله وعدم الإشراك به ووَحدة الأمة
على كتاب الله وسُنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ومَن بعده الخلفاء
الراشدين - هي المنطلَق الأساسي لوَحدة بقية الأفكار الثقافية والعلمية الدينية
والدنيوية على حدٍّ سواء، هي التي من خلالها ستقوم وتَصعَد وتنطلِق الأمة نحو
تحقيق وَحدة حقيقية تَجمَع الأمة الإسلامية على قلب رجل واحد يعبدون ربًّا
واحدًا، ويجتمعون على كتاب واحد، ويتبِعون رسولاً واحدًا، ويحتكِمون
إلى شريعة واحدة، ويتكلمون لغة واحدة، ويعيشون بأرض واحدة.
ولا ننسَ أن نغرِس قيمَ وأخلاقيات وثقافة الوَحدة في صفوفنا
وصفوف أبنائنا، وجعلها الهمَّ الوحيد الذي تستطيع الأمة الإسلامية
الخروج منه والسير نحو ما سار عليه سلفُنا وأجدادنا الصالحون من الصحابة
والخلفاء الراشدين، مرورًا بالتابعين في الدولة الأموية - الإمبراطورية الإسلامية -
التي رفَعت رايات الوَحدة الإسلامية خفَّاقة في مشارِق الأرض ومغاربها،
حتى إن أحد خلفاء الدولة العباسية الوارثة للأمويين هارون الرشيد قال
رافعًا بصره إلى أمجاد السماء يُخاطِب السحابة المثقَلة بغيوم الخير:
"أمطري واذهبي حيث ما شئتِ فسيأتيني خراجُكِ".
ولقد علِمت الدول المتقدمة أن السرَّ وراء قوة الأمم ونَهضتها
هي الوَحدة الإقليميَّة، فتَسابَقت الدول الكبرى في العصر الحديث
بعد أن أدهَشتهم وحدة المسلمين السالفين، فقامت بعد ذلك الدولة
السوفيتية مقلِّدة الدولة العثمانية، ثم بعد ذلك الولايات المتحدة والاتحاد
الأوربي، فسبحان الله! فكم حثَّنا الله ورسوله أن نتمسَّك بالجماعة والوحدة
وعدم الفُرقة، ونتذكَّر هنا قول المصطفى - صلوات ربي عليه - كما جاء
في الصحيحين عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال:
((مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتَراحُمهم وتَعاطفهم مَثل الجسد
إذا اشتكى شيئًا تَداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمى))،
وفيهما عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى
الله عليه وسلم - أنه قال:
((المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشدُّ بعضه بعضًا، وشبَّك بين أصابعه)).
منقولHljdK lk Hdk kf]H?
المفضلات