أمثال و كلام يخالف صحيح الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم المرسلين والمبعوث رحمة للعالمين
هناك بعض الأقوال والأمثال في كلامنا نرددها بكل سهولة بلا مبالاة في حين أن هذه الأقوال والأمثال تتضمن ما يخالف تعاليم ديننا الحنيف بل بعضها يوقع قائلها في الذنوب التي قد تصل إلى حد الكبائر ، ولو تفكرنا بشيء من التعقل والفطنة p المؤمن كَيّسْ فَطِن iلأدركنا معاني ما نتلفظ به }ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد{ وقالوا في الأثر ((من لم يفهم المعاني يا ما يُعَاني )) وقد نبهنا رسول الله r إلى خطورة الكلمة التي تخرج من أفواهنا لا نبالي بها وقد توقعنا في سخط الله وقد ورد في مسند الإمام أحمد ما نصه ((حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قالكنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحتيوما قريبا منه ونحن نسير فقلت : يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني منالنار.. قال : لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله ولاتشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ، ثم قال :ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة وصلاة الرجل في جوفالليل ثم قرأ قوله تعالى } تتجافى جنوبهم عن المضاجع { حتى بلغ } يعملون { ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه .. فقلت : بلى يا رسول الله .. قال : رأس الأمر وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثمقال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله فقلت له : بلى يا نبي الله .. فأخذبلسانهفقال : كف عليك هذا .. فقلت : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال :ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار أو قال علىمناخرهم إلاحصائد ألسنتهم )) ولنا في قصة السيدة عائشة رضي الله عنها خير مثال لتعاليم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في وجوب الاهتمام بما نفعل من إشارات وأفعال ونلفظ من أقوال تجري على ألسنتنا بدون تفكر فيما بين حروفها من أخطاء ومخالفات وذنوب فقد جاء في سنن أبي داود ما نصه ((حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني علي بن الأقمر عن أبي حذيفة عن عائشة قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة فقال : لقد قلت كلمةلو مزجت بماءالبحرلمزجته .... )) ومن أبرز ما ينطبق عليه ما قلناه
ويكثر وقوعه في حياتنا اليومية :
1- انتقل إلى الرفيق الأعلى :-
أولا : جاء في صحيح البخاري (( حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد عن عروة عن عائشة قالت : كنت أسمع أنه لا يموت نبيحتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضهالذي مات فيه وأخذته بحة يقول : }مع الذين أنعم الله عليهم { الآية فظننت أنه خُيِّرَ )) والآية المقصودة هي} وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا { (النساء 69) وجاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري في شرح ما نصه (" قوله : ( مع الذين أنعم الله عليهم ) في رواية المطلب عن عائشة عند أحمد " فقال : مع الرفيق الأعلى, مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء - إلى قوله - رفيقا" وفي رواية أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عند النسائي وصححه ابن حبان " فقال : أسأل الله الرفيق الأعلىالأسعد , مع جبريل وميكائيل وإسرافيل " وظاهره أن الرفيقالمكان الذي تحصل المرافقةفيه مع المذكورين . وفي رواية الزهري " في الرفيق الأعلى" وفي رواية عباد عن عائشة بعد هذا قال : " اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق" وفي رواية ذكوان عن عائشة " فجعل يقول : في الرفيق الأعلىحتى قبض " , وفي رواية ابن أبي مليكة عن عائشة " وقال : في الرفيق الأعلى, في الرفيق الأعلى" وهذه الأحاديث ترد على من زعم أن " الرفيق" تغيير من الراوي وأن الصواب الرقيع بالقاف والعين المهملة وهو من أسماء السماء . وقال الجوهري : الرفيق الأعلىالجنة . ويؤيده ما وقع عند أبي إسحاق : الرفيق الأعلىالجنة , وقيل بل الرفيقهنا اسم جنس يشمل الواحد وما فوقه والمراد الأنبياء ومن ذكر في الآية . وقد ختمت بقوله : ( وحسن أولئك رفيقا) ونكتة الإتيان بهذه الكلمة بالإفراد الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد , نبه عليه السهيلي . وزعم بعض المغاربة أنه يحتمل أن يراد بالرفيق الأعلىالله عز وجل لأنه من أسمائه كما أخرج أبو داود من حديث عبد الله بن مغفل رفعه " إن الله رفيقيحب الرفق" كذا اقتصر عليه , والحديث عند مسلم عن عائشة فعزوه إليه أولى . قال : والرفيق ( (1)يحتمل أن يكون صفة ذات كالحكيم , أو صفة فعل . قال : (2)ويحتمل أن يراد به حضرة القدس , (3)ويحتمل أن يراد به الجماعة المذكورون في آية النساء . ومعنى كونهم رفيقاتعاونهم على طاعة الله وارتفاقبعضهم ببعض , وهذا الثالث هو المعتمد . وعليه اقتصر أكثر الشراح . وقد غلط الأزهري القول الأول , ولا وجه لتغليطه من الجهة التي غلطه بها وهو قوله : مع الرفيقأو في الرفيق, لأن تأويله على ما يليق بالله سائغ . قال السهيلي : الحكمة في اختتام كلام المصطفى بهذه الكلمة كونها تتضمن التوحيد والذكر بالقلب حتى يستفاد منه الرخصة لغيره أنه لا يشترط أن يكون الذكر باللسان ") ، ثانيا : جاء في كتاب الموطأ للإمام مالك حديث ((حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت وهومستند إلى صدرها وأصغت إليه يقول اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى )) وجاء في المنتقى شرح موطأ مالك شرح ما نصه (" قوله : اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلىيحتمل أن يريد به من يرافقهفي الجنة من النبيين والصديقين , وقد روي عن عائشة أنها سمعته يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته غشية يقول مع الذين أنعم الله عليهم الآية ويحتمل أن يريد به الرفيقالذي يرتفقبه يريد بالرفيق الأعلى رفيق الرفيق, وروى ابن سحنون عن ابن نافع أنه يريد بالرفيق الأعلى أعلى مرتفقها, وقد روى الزهري أخبره عروة عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده في الجنة , ثم يحيا أو يخير فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت , ثم قال اللهم في الرفيق الأعلىفقلت إذا لا يجاورنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح فظاهر لفظ هذا الحديث يقتضي أن الرفيقبمعنى المرتفق, والله أعلم , وقال الداودي الرفيقاسم لكل سماء وأراد الأعلىمنها ; لأن الجنة فوق ذلك ولا نعلم أحدا من أهل اللغة ذكره وأراه وهم .") ، ثالثا : نخلص من شرح الحديثين السابق ورودهما أن المعاني المقبولة لتفسير المقصود بـ (الرفيق الأعلى) مُرَتبة حسب قوتها لا تخرج عن : (1) الأنبياء والصديقين والشهداء (2) الملائكة (3) الجنة (4) حضرة القدس الإلهي ، رابعا : من الحديثين السابق ذكرهما وشرحهما واحتمالات المعاني المذكورة أن جملة (انتقل إلى الرفيق الأعلى) إما أنها لا تصح إلا في حق الأنبياء وإما أنها غير مؤكدة الحدوث لعامة المسلمين إذا قصدنا المعنى الأول (الشهداء) أو المعنى الثالث (الجنة) إذا أن ليس كل مسلم شهيد وكذلك ليس كل من مات سيدخل الجنة .
2- انتقل إلى جوار ربه / انتقل إلى رحمة الله :-
أولا : الجوار من الجيرة والجيران معروفون وفلان جاري أي يسكن في نفس العقار الذي أسكن فيه أو يسكن في عقار مجاور وإن بعد بعض الشيء عن عقاري بما لا يزيد عن شارع واحد وبالتالي فلا تصح هذه الجملة في حق البشر لأننا بالمنطق وبإيماننا بسمو وعلو الذات الإلهية فلا يمكن للبشر - غير الرسل – أن يكونوا بالقرب من الله إلى الحد الذي يقال عليه جيرة أو جوار ، ثانيا : بالرجوع إلى الشرح الوارد في جملة (انتقل إلى الرفيق الأعلى) نجد أننا إذا أخذنا أن معناها هي حضرة القدس الإلهي وأن هذا المعنى لا يجوز إلا في حق الأنبياء فقط ففي هذه الحالة فقط يمكن أن نقول أن الأنبياء انتقلوا إلى جوار ربهم ومن ثم فلا يجوز قولنا في حق عامة المسلمين إذا وافتهم المنية أنهم (انتقلوا إلى جوار ربهم) ، لأنهم إن دخلوا الجنة لم يكونوا في حضرة القدس الإلهي ، أما إذا دخلوا النار فكيف يكونون وقتئذ في جوار الله ؟ وبما أننا أصلا لا نعرف هل هم من أهل الجنة أم من أهل النار والعياذ بالله فلا يجوز لنا التلفظ بهاتين الجملتين ( انتقل إلى الرفيق الأعلى / انتقل إلى جوار ربه ) ثالثا : نفس ما قلناه ينطبق على قولنا ( انتقل إلى رحمة الله ) إذ أننا لم نطلع على الغيب فلا نعلم هل الشخص الذي توفاه الله دخل في رحمة الله أم في عذابه ، أعاذنا الله وإياكم من عذاب الله وشملنا بواسع رحمته .
3- انتقل إلى مثواه الأخير :-
أولا : المثوى في اللغة هو مقر الإقامة الدائم ليل نهار ، ثانيا : نقصد بهذه الجملة أن الميت نزل إلى القبر ومن ثم نكون كمسلمين أخطأنا إذا قلنا هذه الجملة لأننا بإيماننا بالإسلام نؤمن بأن القبر ليس المثوى الأخير للإنسان لا لجسده ولا لروحه لأن الجسد يبلى داخل القبر نعم ولكنه لا يبقى فيه إلى الأبد لأن الدود الذي يأكل الجسد قد ينتقل إلى أرض أخري خارج القبر أو ينقل عظام أو جثة الميت إلى مكان آخر أو قد تسوى القبور لبناء مساكن أو تعبيد طريق ثم يوم البعث يبعثنا الله سبحانه وتعالى أرواح وأجسام ليوم الحساب ، ثالثا : المثوى الأخير للإنسان إما النار والعياذ بالله وإما الجنة فقد جاء في آيات الذكر الحكيم قوله تعالى } سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ {(آل عمران151) كما قال} فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ {(النحل29) ، رابعا : بالبحث في آيات القرآن الكريم كلها نجد أن كلمة (مثوى) ذكرت تسع مرات فقط (آل عمران 151 / النحل 29 / العنكبوت 68 / الزمر 33 و 60 و 72 / غافر 76 / فصلت 34 / محمد 12) وجميعها ذكرت إما مع النار (3مرات) أو مع جهنم (6مرات) ، أي أن القرآن قد خصّ كلمة (مثوى) بقرار ومُقام الظالمين والمتكبرين والمشركين وأعداء الله والكفار في الآخرة ، خامسا : يمكننا بدلا من الثلاث جمل السابقة لما فيهما من مخالفة لآداب وتعاليم صحيح الإسلام ويوقعنا في الذنب ( انتقل إلى الرفيق الأعلى / انتقل إلى جوار ربه / انتقل إلى مثواه الأخير ) أن نقول إذا أردنا الإعلان أو الإبلاغ عن وفاة شخص أن نقول ( فلان توفاه الله ) أو ( فلانة وافتها المنية ) وتستعمل الصحف في بعض الأحيان جملا لا بأس بها مثل ( رحل عن دنيانا / غادر عالمنا ) ، وجملة (مات فلان) وإن كانت تحتوى على خطأ لغوي لأن فلان هذا لم يقم في الحقيقة بفعل الإماتة لنفسه بل لم يمت أصلا بإرادته لأن الله هو الذي يحيي ويميت ولكنها جملة لا تحتوى على أي مخالفة شرعية .
4- البقية في حياتك :-
وفيها العديد من المخالفات أولا : لأن التعزية في الإسلام كما علمنا رسول الله أن نقول ما يحث على الصبر والإيمان والاحتساب وهو ما لا يتوافر في هذه الجملة ، ثانيا : من السنة أن نقول عند تعزية شخص في عزيز له توفى (( لله ما أعطى ولله ما أخذ )) أو (( اصبر واحتسب )) أو (( إنا لله وإنا إليه راجعون )) أو ندعو له بخير مثل (( أعانك الله )) أو حتى القول الدارج (( شِدّ حيلك )) ، ثالثا : قول ( البقية في حياتك ) فيه قذف في حق الله جلّ في عُلاه في أنه أمات هذا الشخص قبل أجله وأن المفروض أن في عمره بقية ويدعو بأن تنتقل هذه البقية إلى حياة المعزى رغم أن الله عز وجل قال في كتابه الكريم }وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ{ (النحل61) رابعا : في هذا القول مخالفة إن لم يكن إنكارا لبعض أسماء وصفات الله تعالى لكونه العادل العَدْل الحاكم مالك الملك الرحمن الرحيم فلن يضرّ أحدا أو يظلمه بإماتته قبل أن يستوفي أجله المُقدَّر له قبل خلقه .
5- ليه كِده يا رب :-
أولا : في هذا القول تطفل على تصرفات الله في أمور خلقه كما فيه معارضة واعتراض على أقدار الله وأحكامه ، ثانيا : فيه مخالفة وإنكار لكون الله سبحانه وتعالى هو الحكيم } وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ $ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{ (الدخان 38،39) وأنه يفعل ما يشاء بحِكمة قد يُبَصرّنا بها وقد يُخفيها عن بصيرتنا ، ثالثا : فيه مخالفة لتعاليم الإسلام في وجوب تفويض الأمر لله وتسليم كل ما يتصل بالمسلم إلى الله سبحانه وتعالى يُصَرِّفَه كما يشاء بحكمته ورحمته وبالإسلام نُسَلّم بأنه جلّ عُلاه سيُصَرّف أمورنا لما فيه الخير لنا حتى وإن غاب ذلك عن بصيرتنا أو شق أن تدركه أرواحنا أو عقولنا أو قلوبنا ، رابعا : في هذا القول مخالفة لسنة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام الذي أمرنا بالصبر وقول ما يرضي الله واسترحامه في أحوال وقوع المصائب أو ضيق الحال أو مخالفة ما نراه لما نريده أو نتوقعه ، فيجب أن نقول مثلا (( قدَّرَ الله وما شاء فعل )) أو (( لله الأمر من قبل ومن بعد )) أو (( لا حول ولا قوة إلا بالله )) أو (( سبحان الله )) أو (( إنا لله وإن إليه راجعون )) أو (( لله في ذلك حِكَمْ )) أو الاجتهاد بقول الصالح من الأدعية مثل دعاء أحدهم (( اللهم اشرح صدري لقضائك وقدَرك وأحكامك وثبتني بالصبر أمام قضائك وقدَرك وأحكامك واجعل الخير لي في قضائك وقدَرك وأحكامك يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما إنك أنت اللطيف الحليم الرؤوف العليم وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم )) .
6- يا مستعجل عطلك الله :-
أولا : إن الله لا يعطل أحد من خلقه ولا حتى المتعجلين منهم }وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً{ (الإسراء11) ، ولكنه قد يعطل الظالم عن ظلمه أو يعطل إنسان عن فعل أراده ويكون التعجل ضرر أو شرا بهذا الإنسان أو بغيره }قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ (النمل46) ، ثانيا : إن التعطيل يأتي من الإنسان نفسه إما لتقصير في التخطيط أو جهل بالعقبات التي يمكن أن يواجهها أو شعور سلبي يعتريه مثل الجبن أو الخوف أو تردد أو بطء في التفكير وأخذ القرار أو كسل أو إحباط ...إلخ }خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ{ (الأنبياء37) ، ثالثا : يجب على المسلم أن يؤمن بأن لكل أجل كتاب وأن الله قذّر لكل حث في كونه ميعاد يحدث فيه تماما لا قبله ولا بعده ، وأن أفعال الإنسان لا تقع إلا في الزمان والمكان المحددان لها مسبقا في قدر الله وإرادته سبحانه وتعالى ، وإذا تعجّلّ الإنسان حدث ما ولم يقع وفق رغبته فليوقن أن ميعاده ومكانه لم يحينا بعد أو أن العجلة في هذا الأمر ضرر له أو لآخرين لا يعلمهم ، رابعا : يجب إرجاع كل أمور المسلم إلى الله وإرادته وحده وإذا حدث شيء على غير رغبة المسلم فليتذكر قوله تعالى }وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{ (البقرة 216) وقوله أيضا }فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا { (النساء 19) وليتذكر أيضا المثل القائل (( أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد )) وليقل ما يرضي الله ورسوله مثل (( قدّر الله وما شاء فعل )) .
7- لو انطبقت السما على الأرض :-
تُقال هذه الجملة للتأكيد على أن قائلها لن يفعل أو يقول شيء ما مهما حدث ولكن هذا القول فيه جهل ومخالفة لتعاليم الإسلام لأنه أولا : من يكون هذا الشخص حتى تنطبق السماء على الأرض من أجل أن يفعل أو يقول شيء ما ؟ ، ثانيا : ما الضرر الذي سيحدث للسماء أو للأرض أو لمن فيهن إذا فعل أو قال أو لم يفعل أو لم يقل هذا الشخص ؟ ، ثالثا : أي عاقل يعرف أنه لو انطبقت السماء على الأرض فلن يكون للبشر أو المخلوقات أي إمكانية لفعل أو قول شيء ما لأنه سيكون وقتئذ (القيامة) ساعة الحساب لا الأفعال أو الأقوال ، رابعا : من تعاليم الإسلام التأدب مع الله ومع مخلوقاته وملكوته وكل موجودات كونه وأن يدع ما لله لله ( سبحانه وتعالى هو الذي يُدبِّر الأمر ويدير شئون كونه ويُسيّر ما به كيفما شاء وقتما شاء ) فهو الذي يدير شئون السماء والأرض وإن أراد أن يطبقهما فليطبقهما وقتما شاء للسبب الذي يشاءه وليس للبشر أو أفعالهم أو أقوالهم أي دخل في ذلك ، وعلى البشر والمسلم خاصة أن يتصرف بالعقل والفطرة السليمة ومحاسن الأخلاق مع موجودات كون الله .
8- أنت لا ترحم ولا تخلي رحمة ربنا تنزل :-
لا أتصور مسلما حقا يعقل ما يقول ثم يتلفظ بمثل هذه الجملة لأنها من وجهة نظري إذا قالها مسلم عن علم بمعناها ووعي بما في طياتها تُعَدّ من الكبائر التي قد تخرجه من الملة أولا : لأن من يقولها يُصرِّح بأن هناك من البشر من هو أقوى من الله حتى يستطيع أن يمنع نزول رحمة الله لشخص ما ، ثانيا : فيها تصريح بأن هناك من البشر من يشارك الله جلّ عُلاه في تصريف أمور الخلق فيرحم من يشاء ويعذب من يشاء مثل الله بل أكثر من الله لأنه بإمكانه أن يُعَدّل في أحكام وأفعال الله إذا رغب فقائل هذه الجملة لم يجعل لله شريكا في الحكم واكتفى بل جعل هذا الشريك مُشرِفا ومراقبا ومتحكّما بالمنع أو الإيجاز في أفعال الله – تنزه الله وتعالى عن ذلك علوا كثيرا - ، ثالثا : فيه جهل وإنكار لكثير من آيات الذكر الحكيم مثل قوله تعالى }وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ{ (البقرة 102) وقوله }وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ (يونس 107) وقوله أيضا }وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ{ (الزمر 38) وأيضا }أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{ (الزخرف 32) ، رابعا : في هذه الجملة نفي لبعض صفات وأسماء الله الحسنى فهو الرحمن الرحيم القادر ذو الجلال والإكرام الرؤوف الحليم اللطيف الكريم الواحد الأحد العاطي المعطي المانع النافع الضار القابض الباسط الأول الآخر لا معقب على حكمه جلّ شأنه .
9- يدّي الحلق للي بلا ودان : -
أولا : في هذا القول مخالفة إن لم يكن إنكارا لبعض أسماء وصفات الله تعالى بأنه يعطي لمن لا يستحق أو يعطي سفاهة وهو ما لا يجوز أو يُتصور في حق الله لكونه العدل الحكيم الكريم ، ثانيا : فيه جهل وقصور نظر وفِكر في أن الله قد يعطي الإنسان ولكن العطية ليست من أجل الممنوح بل من أجل آخر أو آخرين كأهله أو عُماله أو جيرانه أو أي شخص آخر محتاج يريد الله أن يعطيه عن طريق هذا الممنوح الذي نراه نحن بالبصر لا بالبصيرة أنه بلا أذن ليستفيد الممنوح بالثواب ويستفيد المحتاج بقضاء حاجته وذلك كله من رحمة الله بخلقه ، ثالثا : : في هذا القول مخالفة إن لم يكن إنكارا لأقوال الله تعالى في قرآنه الحكيم مثل قوله }مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{ (البقرة 105وكذلك الآيات 212 و284) وقوله أيضا }قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ $ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{ (آل عمران 73و74) وغير ذلك كثير من الآيات مثل الأعراف (128) ويونس (107) والرعد (26) والإسراء (30) .
10- رزق الهُبْل على المجانين :-
أولا : هذا القول فيه جهل وإنكار لكثير من آيات كتاب الله الحكيم مثل قوله تعالى } كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ { (البقرة 60)} قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً َ { (يونس 59)} فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ { (الملك 15) فهذه الآيات وغيرها كثير يؤكد أن الرزق رزق الله والرازق هو الله ، ثانيا : في هذا القول أيضا إنكار لاسم أو اسمين من أسماء الله الحسنى فهو الرزاق والرازق ، ثالثا : إذا تحدثنا بالمنطق لنا أن نتخيل إذا كان الرزق بيد مجانين فهل سيكون هناك حقوق ومستحقين للحقوق وعدل وحِكمة وحُسن تقدير ؟ رابعا : المجنون في الشرع والقانون لا يحق له تصريف أموره الشخصية فكيف يكون له حق أو إمكانية تصريف أمور رزق غيره ؟ خامسا : قول (رزق الهُبْل على المجانين) يدفعنا إلى السؤال : وأين العقلاء؟ وأين السفهاء ؟ وعلى من يكون رزقهم ؟ سادسا : هذا القول في طياته إشراك بالله سبحانه وتعالى ، لأن الرزق لا يكون إلا على الخالق وحده ، وإذا قلنا (رزق الهُبْل على المجانين) فإما أن المجانين يخلقون الهُبْل ، وإما أن المجانين شركاء لله في رزق البشر وهذا يَجُرَّنا إلى شيء أبشع فيه إهانة للذات الإلهية إذ : من يقبل أن يشارك مجنونا في أي أمر من الأمور إلا إذا كان مجنونا مثله أو سفيها ؟ تعالى ربنا رب العزة عما يصفون علوا كبيرا ، سابعا : يمكننا بدلا من الجملتين السابقتين اللتين يحتويان على مخالفة لآداب وتعاليم صحيح الإسلام ( يدي الحلق للي بلا ودان / رزق الهُبل على المجانين ) إذا غاب عن بصيرتنا حكمة الخالق في هِباته وعطاياه وسعة رزقه لأحد عباده أن نقول ( سبحانه له في خلقه شئون ) أو (سبحان الله له في ذلك حِكَم ) أو الجملة الدارجة على لسان العامة ( أرزاق ومقسمها الخلاق ) أو نُغبِطَ من وهبه الله بلا سبب واضح لنا وندعو له ولأنفسنا بالدعاء الصالح مثل ( اللهم بارك له وأعطنا خيرا منه ) فلا نقع في الإثم بل نكسب الثواب على القول الحسن وأهم من ذلك نكسب رضا ربنا علينا .
وفي النهاية نقول عافانا الله وإياكم من زلات اللسان ومن سفاهة وتفاهة الإنسان ومن الانقياد لمهالك الشيطان وهدانا سبحانه وتعالى للتفكُر والتفكير في تصرفاتنا وأقوالنا حتى لا نندم وقتما لا ينفع الندم لأن الكلمة طالما هي بين فكيك فأنت تملكها ولكنها إذا خرجت مَلكتك .
منفول;glhj lohgti gg]dk
المفضلات