القول الثقيل
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة المزمل {انا سنلقي عليك قولا ثقيلا }.المراد بالقول الثقيل هنا هو القرآن المجيد ،قال الحسن وقتادة :اي العمل به
وقيل :ثقيل وقت نزوله من عظمته ،وعن عبد الله بن عمروا قال :سالت النبي:salla:
فقلت يارسول الله ،هل تحس بالوحي؟؟ فقال رسول :salla: :اسمع صلاصل ،ثم اسكت عند ذلك ،فما من مرة يوحى الي الا ظننت ان نفسي تفيض (اي تخرج )
وعن عائشة ان الحارث بن هشام سأل رسول :salla: :كيف يأتيك الوحي ؟ فقال :احيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس ،وهو أشده علىي ،فيفصم عني (يقلع وينكشف )وقد وعيت عنه ماقال ،واحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول.
قالت عائشة:والله لقد رأيته ينزل عليه الوحي :salla: في اليوم الشديد البرد ،فيفصم عنه ،وان جبينه ليتفصد عرقا .
وقالت عائشة :ان كان ليوحى الى رسول :salla: وهو على راحلته فتضرب بجرانها (والجران باطن العنق ) والمعنى :انها تثبت في مكانها ،فما تستطيع أن تتحرك حتى يسري عنه .
واختار ابن جرير انه ثقيل من الوجهين معا ،كما قال عبد الرحمن ابن زيد :كما ثقل في الدنيا ثقل يوم القيامة في الموازين .
وقد اورد الامام فخر الدين محمد بن ضياء الدين عمر الرازي المشهور بخطيب الري وحبرها بلغت عشرة في تفسير هذه الاية .
أولها :وهو المختار عنده ان المراد من كونه ثقيلا عظم قدره وجلالة خطره ،وكل شيئ نفس وعظم خطره فهو ثقيل ،وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء :قولا ثقيلا يعني كلاما عظيما ،ووجه النظم انه تعالى لما امره بصلاة الليل فكأنه قال :انما امرتك بصلاة الليل لأنا سنلقي عليك قولا عظيما ،فلا بد ان تسعى في صيرورة نفسك مستعدة لذلك القول العظيم ،ولا يحصل ذلك الاستعداد الا بصلاة الليل ،فان الانسان في الليلة الظلماء اذا اشتغل بعبادة الله تعالى ،واقبل على ذكره والثناء عليه ،والتضرع بين يديه ،ولم يكن هناك شيئ من الشواغل الحسية والعوائق الجسمانية استعدت النفس هنالك لاشراق جلال الله فيها ،وتهيأت للتجرد التام والانكشاف الاعظم بحسب الطاقة البشرية فلما كان لصلاة الليل اثر في صورة النفس مستعدة لهذا المعنى ،لاجرم قال :اني انما امرتك بصلاة الليل لأنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ،فصير نفسك مستعدة لقبول ذلك المعنى ،وتمام هذا المعنى ما قاله :salla: :"إن لربكم في ايام دهركم نفحات ،ألا فتعرضوا لها "
ثانيهما :قالوا المراد بالقول الثقيل القرآن ومافيه من الاوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين عامة وعلى رسول :salla: خاصة ،لانه يتحملها بنفسه ،ويبلغها الى امته وحاصله ان ثقله راجع الى ثقل العمل به فانه لامعنى للتكليف إلا إالزام ما في فعله كلفة ومشقة .
ثالثهما :روى انه ثقيل في الميزان يوم القيامة ،وهو اشارة الى كثرة منافعه ،وكثرة الثواب في العمل به .
رابعها :المراد انه :salla: كان يثقل عند نزول الوحي اليه ،روى ان الوحي نزل عليه وهو على ناقته فثقل عليها حتى وضعت جرانها فلم تستطع ان تتحرك .
وعن ابن عباس :كان اذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربد وجهه
وعن عائشة رضي الله عنها :رايته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ،فيفصم عنه وان جبينه ليرفض عرقا .
خامسها :قال الفراء :قولا ثقيلا ،اي ليس بالخفيف ولا بالسفاف ،لانه كلام الله ربنا تبارك وتعالى .
سادسها :قال الزجاج :معناه انه قول متين في صحته وبيانه ونفعه ،كما تقول :هذا كلام رزين وهذا قول له وزن ،ان كنت تستجيده ،وتعلم انه قد وقع موقع الحكمة والبيان .
سابعها :قال ابو علي الفارسي انه ثقيل على المنافقين ،من حيث انه يهتك اسرارهم ،ومن حيث انه يبطل اديانهم واقوالهم .
ثامنها : الثقيل من شأنه ان يبقى في مكانه ولايزول ،فجعل الثقيل كناية عن بقاء القران على وجه الدهر ،كما قال :{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } .
تاسعها :انه ثقيل بمعنى ان العقل الواحد لاينفي بادراك فوائده ومعانيه بالكلية،فالمتكلمون غاصوا في بحار معقولاته ،والفقهاء أقبلوا على البحث عن احكامه ،وكذا اهل اللغة والنحو وةأرباب المعاني ،ثم لايزال كل متأخر يفوز منه بفوائد ما وصل اليها المتقدمون ،فعلمنا أن الانسان الواحد لايقوى على الاستقلال بحمله ،فصار كالحمل الثقيل الذي يعجز الخلق عن حمله .
عاشرها :انه ثقيل لكونه مشتملا على الحكم والمتشابه ،والناسخ والمنسوخ ،والفرق بين هذه الاقسام مما لايقدر عليه الا العلماء الراسخون المحيطون بجميع العلوم العقلية والنقلية والحكمية .
والله تبارك وتعالى اعلم
الدكتور احمد الشرباصي رحمه اللهhgr,g hgerdg
المفضلات