السؤال: ما رأي حضرتكم في المطاعن لحديث البخاري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ»؟
الجواب:
ابتداء، الحديث أي حديث قد يردُّ رواية من جهة السند، وقد يردُّ دراية من جهة المتن، وقد يردُّ رواية ودراية. وكل ذلك حسب أصول وقواعد علمية.
لقد نشر الصحفي المصري إسلام بحيري مقالا في مجلة اليوم السابع يوم الخميس، الموافق: 16 أكتوبر 2008م، تحت عنوان: (زواج النبى من عائشة وهى بنت 9 سنين.. أكذوبة!).
ونشر كذلك الكاتب السعودي صالح إبراهيم الطريقي مقالا في صحيفة عكاظ يوم السبت، الموافق: 06 مارس 2010م، تحت عنوان: (الرسول تزوج عائشة وعمرها 19عاما.. ليس إلا!).
والحقُّ أنَّ هذين الشخصين لصان فيما نشرا؛ يفتقدان للأمانة العلمية؛ لأنهما قد سَطَيَا على أفكار لكاتب مسلم، ألا وهو: (T.o Shanavas)_ وهو فيزيائي من ولاية ميشيغان _، فقد نشر مقالا في مجلة (The Minaret) الألمانية يوم الأربعاء، الموافق: 02 مارس 1999م، تحت عنوان: (هل كانت عائشة عروس وهي في السادسة؟)، وكان مقال إسلام بحيري سرقة كاملة، بينما اكتفى صالح إبراهيم بالسرقة الجزئية لمقاله.
وعليه، فإن النقد في جوابي لن يكون موجها إلى هذين اللصين الذين قال الله في أمثالهما: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، بل موجه لصاحب الفكرة الأساس، الفيزيائي شانافاز.
وقبل الولوج في تفنيد مطاعنه، لا بدَّ من التنويه إلى أن مقاله كتب دفاعًا عن رسول الله ضد المبشرين الذين يتناولون زواجه من أمنا عائشة بالقدح وكيل التهم، واصفين إياه بالشذوذ الجنسي تارة، وبمغتصب الأطفال تارة أخرى! وهو مبرأ مما قالوا، وصدق الله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
يقول شافاناز: سألني مرة صديق مسيحي، عن إن كنت سأزوج ابنتي ذات الأعوام السبعة لرجل في الخمسين من عمره، فأجبته بالصمت. فقال: إذا كنت لاتريد ذلك، فكيف تقبل زواج الطفلة البريئة عائشة ابنة السبع سنوات من النبي؟! قلت له: لا أملك إجابة. فابتسم صديقي، وترك في قلبي جرحا!
نعم، هذا هو منشأ المقال؛ الدفاع عن الرسول، لا التهجم على البخاري. وعليه، ردُّ الحديث دراية أو رواية لا يطعن بالبخاري ولا يطعن بالرواة العدول، وهذا ما عليه المحدثون والأصوليون.
الأدلة التي اعتمدها في رد الحديث:
أولا-الفرق في العمر بين أسماء وعائشة بنتي أبي بكر الصديق_ رضي الله عنهم _:
اعتمد في هذه الحسبة على تاريخين ورقمين؛
فأما التاريخان فهما:
1. تاريخ ميلاد أسماء: 27 قبل الهجرة.
2. تاريخ موتها: 73 بعد الهجرة.
وأما الرقمان فهما:
1. عمرها: 100 سنة.
2. الفرق بين عمرها وعمر عائشة: 10 سنوات لصالحها.
النتيجة:
_ دخل النبي بعائشة عام 1ه، وعمرها هو: (27-10) + 1 = 18سنة. (إسلام بحيري)
_ دخل النبي بعائشة عام 2ه، وعمرها هو: 74 - (57_2) = 19 سنة. (صالح إبراهيم)
المسألة (1): تاريخ ميلاد أسماء.
جميع كتب التاريخ استندت على ما ذكره أبو نعيم:" وُلِدَتْ قَبْلَ التَّأْرِيخِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً"، ج: 6، ص: 3253. ولكن هذا الخبر فيه اضطراب من وجهين، والخبر كاملا:" وَكَانَتْ أَسَنَّ مِنْ عَائِشَةَ، وُلِدَتْ قَبْلَ التَّأْرِيخِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ سِنِينَ -، وَوُلِدَتْ وَلِأَبِيهَا الصِّدِّيقِ- يَوْمَ وُلِدَتْ -أَحَدٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً". وتكاد تجمع الأخبار على أن أبا بكر توفي عام 13 ه عن عمر يناهز 63 سنة أو 65 سنة.
الوجه الأول: 10 (قبل البعثة) + 13 (بعد البعثة) = 23 قبل الهجرة، وليس 27.
الوجه الثاني: 21 (عند الميلاد) + 27 (قبل الهجرة) + 13 (بعد الهجرة) = 61 سنة وليس 63، فهو مخالف لما يرويه بنفسه.
وعليه، لا يصح الاعتماد على خبر مضطرب لمعارضة خبر لا اضطراب فيه.
المسألة (2): تاريخ موت أسماء.
ارتبط ذكر موتها بمقتل الحجاج لابنها عبد الله بن الزبير، فموته ذكر فيه الآتي:" قتل سنة ثَلَاث وَسبعين يَوْم الثُّلَاثَاء لسبع عشرَة خلون من جُمَادَى الأولى.. وَقَالَ أَبُو نعيم: سنة ثِنْتَيْنِ وسبعين"، رجال صحيح مسلم: ج، 1، ص: 342. وورد في موتها:" وماتت سنة ثلاث أو أربع وسبعين"، تقريب التهذيب، ص: 743. وكذلك:" وتوفيت أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما -بعده بعشر سنين"، الوفيات لابن منقذ.
أي: 72ه أو 73ه أو 74ه، أو 82ه أو 83ه أو 84ه.
وعليه، لا يصح الاعتماد على عدة احتمالات لمعارضة خبر لا يقبل الاحتمال.
المسألة (3): عمره أسماء.
المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف:" وأَسْمَاءُ بنتُ أبِي بَكْرٍ، ولَهَا إحْدَى وتِسْعُونَ سَنَةً"، ج: 3، ص: 81. وتاريخ الإسلام:" فَعُمْرُهَا على هذا إحدى وتسعون سنة"، ج: 2، ص: 785. وسير أعلام النبلاء:" وَمَاتَتْ أُمُّهُ بَعْدَهُ بِشَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَهَا قَرِيبٌ مِنْ مائَةِ عَامٍ"، ج: 4، ص: 407. وشذرات الذهب في أخبار من ذهب:" وتوفّيت أمّ عبد الله بن الزّبير بعد مصاب ابنها بيسير، وهي أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق، وهي في عشر المائة- أي: (91-99) -"، ج: 1، ص: 308. وتهذيب التهذيب:" وقال هشام بن عروة عن أبيه: كانت أسماء قد بلغت مائة سنة، لم يسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل"، ج: 12، ص: 397. وإسعاف المبطأ في رجال الموطأ:" وَقد جَاوَزت الْمِائَة"، ص: 34.
فكما ترى، فهذا عمرها متردد غير مقطوع به، لا يصلح مع احتماله أن يعارض غير المحتمل.
المسألة (4): فرق العمر.
أما أبو نعيم، فقال:" كَانَتْ أَسَنَّ مِنْ عَائِشَةَ"، ولم يحدد. وأما ابن أبي الزناد، فقال:" وكانت أكبر من عائشة بعشر سنين أو نحوها"، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج: 2، ص: 616. وجميع من ذكر فرق العمر اعتمد على هذا الخبر غير المقطوع به. وأما شمس الدين الذهبي، فقال:" كَانَتْ أَسَنَّ مِنْ عَائِشَةَ بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً"، سير أعلام النبلاء، ج: 3، ص: 52. أي: من 13-19 سنة.
وعليه، فقد ثبت أن جميع الأرقام التي استخدمت لمعارضة رواية البخاري لا تصلح، بل على العكس، هي بحاجة للرواية حتى نعرف الصواب منها. وإذا ما قررنا هذه الحقيقة، وأردنا أن نعتمد على تاريخ الميلاد والوفاة، فإن الأقرب للحق هو: ولدت سنة 27 ق. ه، وماتت سنة 73 ه. وعليه، فعمرها هو: 100 سنة، وهي أكبر من عائشة بـ(19) سنة، وهذا هو الحق حسب الروايات الصحيحة. أو قل- إن شئت -: ولدت سنة 18 ق. ه، وماتت سنة 73 ه. وعليه، فعمرها هو: 91 سنة، وهي أكبر من عائشة بـ(10) سنوات.
وثمَّة معضلة أخرى، وهي: توفيت عائشة سنة 57 أو 58 ه، ويدور عمرها بين المؤرخين على 63 أو 66 سنة، بينما العمر المستفاد من حساباتكم لعائشة هو 74 سنة، مما تدحضه الكتب التي ارتضيتموها حكما، فلا تكيلوا بمكيالين. وعمرها الأقرب للصواب هو: 66 سنة، وهو: 8 ق. ه + 58ه = 66 سنة.
ومما جاء في المقال:" وما يعضد ذلك أيضا أن (الطبرى) يجزم بيقين فى كتابه (تاريخ الأمم) أن كل أولاد (أبى بكر) قد ولدوا فى الجاهلية"، وهذا القول لا يتفق مع ما يقوله الطبري _بتصرف _:" تزوج أبو بكر في الجاهلية قتيلة، فولدت له عبد اللَّه وأسماء. وتزوج أيضا في الجاهلية أم رومان، فولدت له عبد الرحمن وعائشة. فكل هؤلاء الأربعة من أولاده، ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية. وتزوج في الإسلام أسماء، فولدت له مُحَمَّد بْن أبي بكر. وتزوج أيضا في الإسلام حبيبة، فولدت له بعد وفاته جارية سميت أم كلثوم"، تاريخ الرسل والملوك: ج: 3، ص: 426. فلأبي بكر ولدان في الإسلام. هذا أولا، وثانيا: العصر الجاهلي استمر حتى الهجرة، ثم بدأ يختفي تدريجيا بعد الغزوات والفتوحات للجزيرة. فالعصر الجاهلي استمر 13 سنة بعد البعثة.
ثانيا_ الفرق في العمر بين فاطمة وعائشة_ رضي الله عنهما _:
تاريخ ميلاد فاطمة هو: 18 ق. ه. وهي أكبر من عائشة بخمس سنوات، فعمر عائشة عند الدخول هو: (18 - 5) + 1 = 14 سنة.
جاء في المقال:" وعلى هذه الرواية التى أوردها (ابن حجر) مع أنها رواية ليست قوية"، ثم قال:" وقد أوردت هذه الرواية فقط لبيان الاضطراب الشديد فى رواية البخارى". سبحان الله! يسوق رواية يعترف بضعفها، أي أنها ليست بشيء، ثم يحكم باضطراب شديد على رواية البخاري، مع أن الأمر يجب أن يعكس، وهو مخالف للنتيجة الأولى.
يقول المقريزي:" وكانت فاطمة وأم كلثوم أصغر بنات النبي- صلّى اللَّه عليه وسلّم -، وفاطمة أصغرهما، ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم"، إمتاع الأسماع: ج: 5، ص: 351. وشهاب الدين:" وأما فاطمة الزهراء البتول فولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبى صلى الله عليه وسلم"، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: ج: 1، ص: 482. وقال النووي:" وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، وتوفيت بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بستة أشهر"، تهذيب الأسماء واللغات: ج: 2، ص: 353. وتزوجها علي في السنة الثانية للهجرة، فعمرها عند الهجرة 13 سنة.
والمعادلة الصحيحة هي: إن اعتمدنا فرق العمر وهو خمس سنوات، فعمر عائشة عند الهجرة هو: 13 - 5 = 8، وهذا هو الحق. وبهذا نعلم أن الروايات الصحيحة تنسجم مع رواية البخاري، وتؤيدها.
ما سبق، هو النقد التاريخي للرواية، وقد ثبت بطلانه، والآن نأتي لنقد الرواية من كتب الأحاديث والسيرة؛ لننفي عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
المسألة (1):
ذكر (ابن كثير) فى (البداية والنهاية) عن الذين سبقوا بإسلامهم: «ومن النساء... أسماء بنت أبى بكر وعائشة وهى صغيرة فكان إسلام هؤلاء فى ثلاث سنين ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدعو فى خفية, ثم أمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة», وبالطبع هذه الرواية تدل على أن (عائشة) قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة فى عام (4) من بدء البعثة النبوية, بما يوازى عام (614م), ومعنى ذلك أنها آمنت على الأقل فى عام (3) أى عام (613م), فلو أن (عائشة) على حسب رواية (البخارى) ولدت فى عام (4) من بدء الوحى, معنى ذلك أنها لم تكن على ظهر الأرض عند جهر النبى بالدعوة فى عام (4) من بدء الدعوة, أو أنها كانت رضيعة, وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة, ولكن الحساب السليم لعمرها يؤكد أنها ولدت فى عام (4) قبل بدء الوحى أى عام (606م), ما يستتبع أن عمرها عند الجهر بالدعوة عام (614م), يساوى (8) سنوات وهو ما يتفق مع الخط الزمنى الصحيح للأحداث, وينقض رواية البخارى.
والرد يكون كالآتي:
1. نسبة هذا القول لابن كثير باطل، بل هذا القول في كتاب (البدء والتاريخ) للمؤلف: المطهر بن طاهر المقدسي. وقد ورد النص في: (ج: 4، ص: 137).
2. أما قول ابن كثير في البداية والنهاية، فهو:" وَقَدْ سَرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَسْمَاءَ مَنْ أَسْلَمَ قَدِيمًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قال: ثم أسلم أبو عبيدة [بن الجراح]، وأبو سلمة [عبد الله بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ]، وَالْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ - وَهِيَ صَغِيرَةٌ -..."، ج: 3، ص: 50. فهو لم يجعل من ذكر قد أسلم قبل السنة الرابعة للبعثة، بل قبل الهجرة بشكل عام.
3. ثمَّ إنَّ إسلام أمنا عائشة هو إسلام فطري، قال النبي: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»، أي: الإسلام. فهي ولدت لأبوين مسلمين: «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ»، رواه البخاري. ولم تكن يوما على دين آبائها. ولو أنها أسلمت بنطق الشهادتين، وقبل إظهار الدعوة، لعقلت أبويها أو أمها وهي لا تدين الدين.
4. وعليه، يبطل هذا الاستدلال، ولا يقوى على معارضة حديث البخاري.
المسألة (2):
أخرج البخارى نفسه ( باب - جوار أبى بكر فى عهد النبى) أن (عائشة) قالت: «لم أعقل أبوى قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفى النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قِبَلَ الحبشة», ولا أدرى كيف أخرج البخارى هذا, فـ (عائشة) تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان الدين, وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكَرَت, وتقول إن النبى كان يأتى بيتهم كل يوم, وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات, والمؤكد أن هجرة الحبشة، إجماعا بين كتب التاريخ كانت فى عام (5) من بدء البعثة النبوية ما يوازى عام (615م), فلو صدقنا رواية البخارى أن عائشة ولدت عام (4) من بدء الدعوة عام (614م), فهذا يعنى أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة, فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوى) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحا, ولكن بالحساب الزمنى الصحيح تكون (عائشة) فى هذا الوقت تبلغ (4 قبل بدء الدعوة، + 5 قبل هجرة الحبشة = 9 سنوات) وهو العمر الحقيقى لها آنذاك.
والرد يكون كالآتي:
1. الهجرة إلى الحبشة لم تنقطع إلا بالهجرة للمدينة، وقد أذن للمسلمين أن يهاجروا متى شاؤوا، فهاجر في فترة قصيرة أكثر من ثمانين شخصا فيما يسمى هجرة الحبشة الثانية، وأبو بكر لم يكن منهم.
2. لم يكن أبو بكر ممن يتعرض للأذى في بادئ الأمر، ولكن بعد الهجرة أخذت قريش تلحق الأذى بمن بقي، وتوج أذاهم بحصار شعب أبي طالب.
3. لما عظم الأذى بأبي بكر، خرج مهاجرا لاحقا بمن سبقوا إلى الحبشة، فلقيه ابن الدغنة في برك الغماد وأدخله في جواره، وكان بعد مرور عشر سنوات على البعثة تقريبا.
4. لم يمكث أبو بكر الصديق إلا مدة قصيرة في جواره، وذلك أنه بنى مسجدا بفناء داره مما خالف ما اتفقت عليه قريش مع ابن الدغنة حتى تقبل بجواره لأبي بكر: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ، وَالنَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» وَهُمَا الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
5. هذه الرواية قلبت السحر على الساحر من وجهين؛
_فأما الوجه الأول: لو عقلت عائشة هجرة الحبشة لعقلت على الأقل أمها وهي ليست تدين بالإسلام، وهذا ما تدحضه الرواية نفسها: «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ»؛ فإسلام أمها تأخر حتى عن إسلام أختها أسماء.
_وأما الوجه الثاني: لم يلبث أبو بكر أن يدخل في جوار ابن الدغنة حتى خرج منه، ولم يخرج منه إلا والهجرة للمدينة قد لاحت بشائرها بالأفق، وهذا ينفي أن يكون دخل جوار ابن الدغنة قبل ثمان سنوات من الهجرة، فتعين ما قلناه.
وعليه، لا تصلح هذه الرواية لمعارضة حديث البخاري.
المسألة (3):
أخرج الإمام (أحمد) فى (مسند عائشة): «لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت: يا رسول الله ألا تتزوج, قال: من، قالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا, قال: فمن البكر قالت: أحب خلق الله إليك عائشة ابنة أبى بكر», وهنا يتبين أن (خولة بنت حكيم) عرضت البكر والثيب-المتزوجة سابقا-, على النبى فهل كانت تعرضهن على سبيل جاهزيتهن للزواج, أم على أن إحداهما طفلة يجب أن ينتظر النبى بلوغها النكاح, المؤكد من سياق الحديث أنها تعرضهن للزواج الحالى بدليل قولها (إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا) ولذلك لا يعقل أن تكون عائشة فى ذاك الوقت طفلة فى السادسة من عمرها, وتعرضها (خولة) للزواج بقولها (بكرا).
الرد يكون كالآتي:
1. ليس من الأمانة العلمية أن تقتطع الحديث، وقولك هذا:" المؤكد من سياق الحديث أنها تعرضهن للزواج الحالى" لا قيمة له من وجهين:
_فأما الوجه الأول: فالزواج الحالي لا يستلزم الدخول الحالي، وهذا ما وقع بالفعل.
_وأما الوجه الثاني: فإن تكملة الرواية هي:" فَقَالَ لِخَوْلَةَ: ادْعِي لِي رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَدَعَتْهُ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ"، رواه أحمد. فلماذا تأخذ بشطر الرواية الأول ولا تأخذ بشطرها الثاني؟!
2. لقد تزوج نبينا من البكر والثيب، فدخل بالثيب وانتظر البكر.
المسألة (4):
أخرج الإمام (أحمد) أيضا عن (خولة بنت حكيم) حديثا طويلاً عن خطبة عائشة للرسول، ولكن المهم فيه ما يلى: «قالت أم رومان: إن مطعم بن عدى قد ذكرها على ابنه, ووالله ما وعد أبو بكر وعدا قط فاخلفه... لعلك مصبى صاحبنا», والمعنى ببساطة أن (المطعم بن عدى) وكان كافرا قد خطب (عائشة) لابنه (جبير بن مطعم) قبل النبى الكريم, وكان ( أبو بكر) يريد ألا يخلف وعده, فذهب إليه فوجده يقول له لعلِّى إذا زوجت ابنى من (عائشة) يُصبى أى (يؤمن بدينك), وهنا نتوقف مع نتائج مهمة جدا وهى: لا يمكن أن تكون (عائشة) مخطوبة قبل سن (6) سنوات لشاب كبير- لأنه حارب المسلمين فى بدر وأحد- يريد أن يتزوج مثل (جبير), كما أنه من المستحيل أن يخطب (أبو بكر) ابنته لأحد المشركين وهم يؤذون المسلمين فى مكة, مما يدل على أن هذا كان وعدا بالخطبة, وذلك قبل بدء البعثة النبوية حيث كان الاثنان فى سن صغيرة، وهو ما يؤكد أن (عائشة) ولدت قبل بدء البعثة النبوية يقينا.
الرد يكون كالآتي:
1. لقد دخل النبي في جوار مطعم بن عدي، وهذا يدل على أنه لم يكن يؤذي المسلمين، بل يذود عن نبيهم الكريم، وكان يستعين بولده وأهله على توفير الأمن له.
2. لم يكن الزواج من الكافرين محرما، ولم يحرم إلا بعد الهجرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ).
3. لم ينفذ أبو بكر وعده؛ لأن أباه لم يتابع أمه على قولها: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، لَعَلَّكَ مُصْبِئُ هَذَا الْفَتَى وَمُدْخِلَهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ إِنْ أَنْتَ زَوَّجْتَهُ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ: أَتَقُولُ مَا تَقُولُ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لتَقُولُ ذَلِكَ. فلو قال: نعم، لأوفى بوعده.
4. لذلك، لا مانع من أن يكون صدر هذا الوعد من أبي بكر لمن يذود عن نبيه، ويدخله في جواره. وبهذا يبطل الاستدلال بهذه الرواية لمعارضة حديث البخاري.
المسألة (5):
أخرج البخارى فى (باب- قوله: بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) عن (عائشة) قالت: «لقد أنزل على محمد [ بمكة، وإنى جارية ألعب «بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ», والمعلوم بلا خلاف أن سورة (القمر) نزلت بعد أربع سنوات من بدء الوحى بما يوازى (614م), فلو صدقنا رواية البخارى تكون (عائشة) إما أنها لم تولد أو أنها رضيعة حديثة الولادة عند نزول السورة, ولكن (عائشة) تقول (كنت جارية ألعب) أى أنها طفلة تلعب, فكيف تكون لم تولد بعد؟ ولكن الحساب المتوافق مع الأحداث يؤكد أن عمرها عام (4) من بدء الوحى، عند نزول السورة كان (8) سنوات، كما بينا مرارا وهو ما يتفق مع كلمة (جارية ألعب).
والرد يكون كالآتي:
سهل الادعاء (والمعلوم بلا خلاف أن سورة (القمر) نزلت بعد أربع سنوات من بدء الوحى)، وسهل فضحه:
1. جاء في التحرير والتنوير: كان نزولها في حدود سنة خمس قبل الهجرة، وذكر بعض المفسرين أن انشقاق القمر كان سنة خمس قبل الهجرة، وعن ابن عباس: كان بين نزول آية سيهزم الجمع ويولون الدبر وبين بدر سبع سنين.
2. وعليه، فهذا يتفق مع كونها طفلة تلعب، وعمرها يناهز الخمس سنوات.
المسألة (6):
أخرج البخارى ( باب- لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها) قال رسول الله: «لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت», فكيف يقول الرسول الكريم هذا ويفعل عكسه, فالحديث الذى أورده البخارى عن سن أم المؤمنين عند زواجها ينسب إليها أنها قالت كنت ألعب بالبنات - بالعرائس - ولم يسألها أحد عن إذنها فى الزواج من النبى, وكيف يسألها وهى طفلة صغيرة جداً لا تعى معنى الزواج, وحتى موافقتها فى هذه السن لا تنتج أثرا شرعيا لأنها موافقة من غير مكلف ولا بالغ ولا عاقل.
الرد يكون كالآتي:
1. هذا الحديث قيل بالمدينة، بعد زواجه من عائشة.
2. للرسول أحكام خاصة بالزواج، كالجمع بين أكثر من أربع نساء، وكقوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، وهذا لا يجوز لغير النبي.
3. المجتمع الجاهلي هيأ الظروف لاطلاع الجاريات على واقع الزواج.
4. لم يدخل بها إلا بعد ثلاث سنوات، وهذه الفترة كفيلة لتهيئتها للحياة الزوجية.
وبعد هذه المطاعن، نأتي للمطعن الأخير، وهو: نقد سند الرواية.
سأهتم هنا ببيان علل السند فى رواية البخارى فقط:
جاء الحديث الذى ذكر فيه سن (أم المؤمنين) بخمس طرق، وترجع كل الروايات لراو واحد وهو (عروة) الذى تفرد بالحديث عن أم المؤمنين (عائشة) وتفرد بروايته عنه ابنه (هشام), وفى (هشام) تكمن المشكلة, حيث قال فيه (ابن حجر) فى (هدى السارى) و(التهذيب): «وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كان مالك لا يرضاه، بلغنى أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم-جاء- الكوفة ثلاث مرات، قدمةً -مرة- كان يقول: حدثنى أبى، قال سمعت عائشة، وقدم-جاء- الثانية فكان يقول: أخبرنى أبى عن عائشة، وقدم-جاء- الثالثة فكان يقول: «أبى عن عائشة».
والمعنى ببساطة أن (هشام بن عروة) كان صدوقا فى المدينة المنورة, ثم لما ذهب للعراق بدأ حفظه للحديث يسوء, وبدأ (يدلس) أى ينسب الحديث لغير راويه, ثم بدأ يقول (عن) أبى، بدلا من (سمعت أو حدثنى), والمعنى أنه فى علم الحديث كلمة (سمعت) أو (حدثنى) هى أقوى من قول الراوى (عن فلان), والحديث فى البخارى هكذا يقول فيه (هشام) عن (أبى) وليس ( سمعت أو حدثنى), وهو ما يؤيد الشك فى سند الحديث, ثم النقطة الأهم أن الإمام (مالك) قال: إن حديث (هشام) بالعراق لا يقبل, فإذا طبقنا هذا على الحديث الذى أخرجه البخارى لوجدنا أنه محقق, فالحديث لم يروه راو واحد من المدينة بل كلهم عراقيون ما يقطع أن (هشام بن عروة) قد رواه بالعراق, بعد أن ساء حفظه ولا يعقل أن يمكث (هشام) بالمدينة عمرا طويلا, ولا يذكر حديثا مثل هذا ولو مرة واحدة, لهذا فإننا لا نجد أى ذكر لعمر السيدة (عائشة) عند زواجها بالنبى فى كتاب (الموطأ) للإمام مالك, وهو الذى رأى وسمع (هشام بن عروة) مباشرة بالمدينة, فكفى بهاتين العلتين للشك فى سند الرواية فى البخارى, وذلك مع التأكيد على فساد متنها - نصها - الذى تأكد بالمقارنة التاريخية السابقة.
الرد يكون كالآتي:
1. قال عنه ابن حبان:" وكان حافظا متقنا، ورعا فاضلا". وقَالَ أَبُو حَاتِم:" هُوَ ثِقَة إِمَام فِي الحَدِيث". ولو سلمنا بما قيل، فإن ثبوته عن طريق من غير هشام يبدد الشك، وقد ثبت:
_وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ»، رواه مسلم.
_حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ»، رواه مسلم.
_حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِنَحْوِهِ، «تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سَبْعٍ، أَوْ سِتٍّ، وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعٍ وَكُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فِي بَيْتِهِ وَهُنَّ اللُّعَبُ، وَكُنَّ جَوَارٍ يَخْتَلِفْنَ إِلَيَّ، فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُسَرِّبُهُنَّ، فَيَدْخُلْنَ عَلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي»، أبو عوانة.
_ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ ابْنَةُ سِتٍّ وَدَخَلَ بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ»، ابن راهويه.
_ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. زَوَّجَهَا إِيَّاهُ أَبُو بَكْرٍ»، أبو يعلى.
_حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَتُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِي عَشْرَةَ.
_حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَبْدِيُّ، ثَنَا بَكْرُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَمَكَثْتُ عِنْدَهُ تِسْعًا، فَهَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ»، الطبري.
_حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ حَمَّادٍ الْبَرْبَرِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَدَخَلَ بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَقُبِضَ وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِ عَشْرَةَ»، الطبري.
-حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَعْيَنَ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، ثنا زُهَيْرُ بْنُ الْعَلَاءِ الْقَيْسِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: " تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَهَا، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ ابْتَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً"، الطبري.
_حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ الْحَنَّاطُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ»، الطبري.
2. بهذه الطرق الشتى، يطمئن القلب، وتتبدد مظنة الشك والريبة.
وبعد دحض هذه المطاعن، فإنَّ ثمة حقائق لا بد من ذكرها ختاما لما سبق ذكره، ألا وهي:
1. إنَّ الله سبحانه قد أجاز لنا الزواج ممن لم تبلغ، وذلك قوله: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ). والتي لم تحض هي التي لم تبلغ، والحيض علامة البلوغ. ولما كانت غير البالغة لا يصلح أن تكون عدتها بالقرء، فقد جعل الله عدتها بالشهر، وهي ثلاثة أشهر. فهل سنجد أصواتا تدعو إلى حذف هذه الآية؟!
2. الدخول بعائشة وهي بنت تسع لم يكن حكرا على رسولنا الكريم، بل هي ذائعة منتشرة. ففي القديم، أصغر جدة إحدى وعشرون سنة، بل ثماني عشرة سنة، وفي الحديث، أصغر جدة ثلاث وعشرون سنة، وهي الرومانية ريفكا ستانسكو عندما أنجبت ابنتها ماريا ولدا وعمرها أحد عشر سنة. قال الحسن بن حي:" رَأَيْتُ جَدَّةً بِنْتَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً". وقال اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي كَاتِبِي عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ:" أَنَّ امْرَأَةً فِي جِوَارِهِمْ حَمَلَتْ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ". وقال ابن عباد المهلبي:" أدركت فينا امرأة صارت جدة، وهي بنت ثمان عشر سنة؛ ولدت لتسع سنين ابنة، فولدت ابنتها لتسع سنين.
3. من كتب عن الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي أثبت الزواج بهذه السن، ويبدو أن انتشاره بداية كان خوفا من السبي، ثم صار لهم عادة. يقول ويل ديورانت:" وكانت حياة المرأة العربية قبل أيام النبي تنتقل من حب الرجل لها حبا يقترب من العبادة إلى الكدح طوال ما بقي من حياتها، ولم تتغير هذه الحياة فيما بعد إلا قليلًا. وكان في وسع أبيها أن يئدها حين مولدها إذا رغب في هذا، فإن لم يفعل فلا أقل من أن يحزن لمولدها، ويواري وجهه خجلًا من الناس، لأنه يحس لسبب ما أن جهوده قد ذهبت أدراج الرياح، وكانت طفولتها الجذابة تستحوذ على قلبه بضع سنين، ولكنها حين تبلغ السنة السابعة أو الثامنة من عمرها كانت تُزوج لأي شاب من شبان القبيلة يرضى والده أن يؤدي للعروس ثمنها (مهرها)"، قصة الحضارة: ج: 13، ص: 13.
4. الأحاديث الصحيحة هي الأساس، لذلك نفهم الروايات بما يوافقها لا بما يعارضها؛ لأن القوي يرد الضعيف لا العكس. والله الموفق.
أ. علي غيث
31/ 5/ 2014مhg'uk td .,h[ hgkfd lk Hlkh uhzam!
المفضلات