بسم الله الرحمن الرحيم
أن تقول لغيرك: "أخطأت" فهذا له ظروفه وآدابه، ومتى يحسن ومتى يسوء، وهل الذي تواجهه بهذه الكلمة إنسان أضعف منك أم مثلك، أم أنه من أصحاب النفوذ والسلطان..
والحديث في ذلك يدخل في باب النصيحة، أو في باب النهي عن المنكر، كما يدخل أحياناً في باب "ما لا يعنيك".
حديثنا هنا عن الوجه الآخر، أن تقر على نفسك بالخطأ، فتقول بتواضع حقيقي: "أخطأت" فهذا لون من ألوان الشجاعة يفقده كثير من الناس.
الإنسان بحاجة إلى أن يتذكر بعض البديهيات المسلمات، ويلتزم بها، ويتكيف معها، كما هو بحاجة إلى أن يتعلم الجديد من المعارف والقيم والمهارات.
ومن البديهيات ذات العلاقة بموضوعنا أن الإنسان يضعف ويجهل ويخطئ وينسى.
القرآن الكريم يقول عن الإنسان: (وخلق الإنسان ضعيفاً)، ولذلك يعجز عن إنجاز كثير من الأمور، فإذا يسره الله للنجاح في هذا الميدان، فقد لا ييسره للنجاح في كل ميدان. وفي الحديث الشريف: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" رواه البخاري ومسلم. وهو كثير الخطأ: "كل ابن آدم خطّاء" من حديث رواه أحمد والترمذي.
وفي حديث الاستخارة يعلمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخاطب العبد ربه: "... فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب" من حديث رواه أحمد والبخاري.
وأمام هذه الحقائق التي يعلمها كل مؤمن، بل يعلمها كثير من الكفار، لا يُستغرب أن يند عن الإنسان -مهما بلغ مقامه- خطأ أو تقصير في قول أو عمل، أو جهل في علم من العلوم، أو مسألة من المسائل...
وإذا كان الله - تعالى -قد عصم رسله عن الوقوع في المعاصي ليكونوا أسوة لمن وراءهم، فإنه - سبحانه - لم يجعل هذه العصمة لغير الرسل، فضلاً عن أن يعصم أحداً عن النسيان والجهل والضعف.
ولعل ما تكلمنا به حتى الآن محل تسليم لدينا جميعاً، فلنسأل أنفسنا: أنلتزم به في حياتنا فعلاً؟!
ننقل هنا نماذج لصور مضيئة من مواقف رجال أسهموا في بناء الحضارة، ننقلها باختصار من كتاب عظيم الشأن، وهو "جامع بيان العلم وفضله" للإمام ابن عبد البر:
عن الإمام التابعي عامر الشعبي قال: ما رأيت مثلي، ما أشاء أن أرى أعلم مني إلا وجدتُه!
وسئل أيوب السختياني عن شيء فقال: لم يبلغني فيه شيء، فقيل له: قل فيه رأيك! قال: لا يبلغه رأيي!
وقال عبد الرحمن بن مهدي: ذاكرت عبيد الله بن الحسين القاضي بحديث، وهو قاضٍ فخالفني فيه. فدخلت عليه (بعدئذٍ) وعنده ناس سماطين (جالسين في صَفًّين) فقال لي: ذلك الحديث كما قلت أنتَ، وأرجع أنا صاغراً!
وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: أيامي أربعة: يوم أخرج فألقى فيه من هو أعلم مني فأتعلم، فذلك يوم فائدتي وغنيمتي، ويوم أخرج فألقى فيه من أنا أعلم منه فذلك يومُ أجري، ويوم أخرج فيه فألقى من هو مثلي فأذاكره، فذلك يوم درسي، ويوم أخرج فألقى من هو دوني، وهو يرى أنه فوقي فلا أكلمه وأجعله يوم راحتي.
وعن محمد بن سيرين قال: لم يكن أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أهيبَ لما لا يعلم من عمر، إن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلاً، ولا في السنة أثراً، فاجتهد رأيه ثم قال: هذا رأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني، وأستغفر الله.
وذكر الشعبي عن علي - رضي الله عنه - أنه خرج عليهم وهو يقول: ما أبردها على الكبد! فقيل له: وما ذلك؟ قال: أن تقول للشيء لا تعلمه: الله أعلم!.
وجاء رجل إلى القاسم بن محمد (التابعي، أحد فقهاء المدينة السبعة) فسأله عن شيء فقال القاسم: لا أحسنه؟ فجعل الرجل يقول: إني رُفعت إليك لا أعرف غيرك! فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، والله لا أحسنه؟!
وسأل عبد الله بن نافع أيوب السختياني عن شيء فلم يجبه، فقال له: لا أراك فهمت ما سألتك عنه. فقال: بلى. قال فلم لم تجبني؟ قال: لا أعلمه!.
ودخل رجل على الإمام مالك بن أنس فقال له: يا أبا عبد الله جئتك من مسيرة ستة أشهر، حمَّلني أهل بلدي مسألة أسألك عنها. فقال: سل، فسأله الرجل عن المسألة فقال مالك: لا أحسنها. فبهت الرجل فقال: أي شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك: لا أُحسِن!
وذكر ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول: لا أدري. فإنه عسى أن يهيَّأ له خير، وقال ابن وهب: وكنت أسمعه كثيراً ما يقول: لا أدري!
فهلا عود أحدنا نفسه أن يقول:أخطأت، ولا أدري، وأستغفر الله؟!ig u,]j kts; Hk jr,g : Ho'Hj?
المفضلات