إنَّ كثيرًا من المسلمين هدانا الله وإياهم في غفلةٍ عن قلوبهم، ولهذا حرص الإسلام على تربية قلوب المسلمين، وبُعِث محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- لعمارة القلوب بالإيمان وما يقرِّب إلى الله -عزَّ وجل-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حينما أنقذ هذه الأمة، لم ينقذها بالسلاح المادي، ولا بالتعبئة الجسدية، وإنما هي في الحقيقة بتربية القلوب على الإيمان، فكان سلف هذه الأمة وصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقلية في أعدادهم وعتادهم، ولكنهم أرهبوا الأمم، ودمَّروا جميع الحضارات والعروش الكافرة؛ لأنهم تربوا على الإيمان بالله، وعمرت قلوبهم بما يقرِّبهم إلى الله، وهكذا حال المسلمين في كل زمان ومكان، إذا اعتنوا بقلوبهم وأرواحهم، وحرصوا على عمارتها بما يقرِّب إلى الله -عزَّ وجل-، وعالجوا أمراضها وأدواءها وما أكثرها، حين ذاك تصلح أحوالهم.
إذا كان المسلمون اليوم أكثر من مليار مسلم، وأحوال الأمة الإسلامية في بقاع شتى، أحوالٌ مبكية، وأوضاع مزرية، فما السر فيما أصاب المسلمين؟!
وما السر في أحوال المسلمين المتردية؟!
إن القضية قضية قلوب، لم تُعْمَر قلوب الناس بالإيمان، وإنما دُمِّرت بالمعاصي والذنوب التي غَشَت القلوب حتى أعمتها -والعياذ بالله-، فالقلوب تعمى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: 46].
الذين لا يعرفون المساجد، ولا يعرفون بيوت الله، ولا يعرفون القرآن، ولا يعرفون الإيمان، ما هي أحوال قلوبهم؟!
قلوبٌ منتكسة! قلوبٌ ميتة! قلوبٌ خاوية!! والعياذ بالله، ولكن هذا هو العطب، فإنه لا ينجو من عذاب الله، إلا صاحب القلب السليم: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء: 89،88]. والقلب السليم: هو القلب المؤمن الموحِّد الذي لم تخالطه الأمور الشركية، ولا الأمور المبتدعة.
ولهذا فإن ربيع القلوب أيُّها الإخوة ليس في أن يذهب الناس على الشواطئ، والمنتزهات، والبراري، ويضيعوا الأوقات ويعمروها باللهو والأكل والشرب، ويتركوا الفرائض، ولكنها تعمر بالإيمان بالله.
الأمة اليوم لا ينقصها أعداد، ولا ينقصها عتاد، ولكن ينقصها رجالٌ مؤمنون موحِّدون، والخير في هذه الأمة باقٍ، وأهل الإيمان -ولله الحمد والمنة- في ازديادٍ وكثرة، لكن لا تزال الكثرة الكاثرة غثاءً كغثاء السيل، ينبغي أن نعود إلى قلوبنا، فننظر مدى عمارتها بتوحيد الله، نحن أمة توحيدٍ وعقيدة، أمة إيمانٍ بالله -عزَّ وجل-، وهذا هو الذي يعمر القلوب في الحقيقة، فينبغي على المسلم أن يحرص على الإيمان والتوحيد علمًا وعملًا واعتقادًا، وأن يجالس أهله، وأن يبتعد عما يخالف العقيدة الصحيحة؛ فإنها تخدش إيمانه، وتسوِّد قلبه، وتجعله معرضًا عن الله -عزَّ وجل-.
للشيخ: عبد الرحمن السديس -حفظه الله-Hev jvfdm hgrg,f ugn hgYdlhk
المفضلات