كلنا او بعضنا قرأ او سمع بكتاب قصة الحضارة القيم ولمزيد من الفائدة سانقل منه اجزاء عن المسيحيه من وجهة نظر الكاتب وول ديورانت وبدون تدخل منى فى الموضوع باى شكل من الاشكال وهو كتاب شيق استغرق من الكاتب زمنا طويلا 1885-1981
ولان الموضوع طويل لذا ساضع كل يوم جزء حتى يكتمل الموضوع
الباب السادس والعشرون(عيسى أو يسوع)
4 ق.م- 30 م
الفصل الأول
المراجع
هل وجد المسيح حقاً؟ أو أن قصة حياة مؤسس المسيحية وثمرة أحزان البشرية، وخيالها، وآمالها- أسطورة من الأساطير شبيهة بخرافات كرشنا، وأوزريس، وأتيس، وأدنيس، وديونيشس، ومثراس؟ لقد كان بولنجبروك والملتفون حوله، وهم جماعة ارتاع لأفكارهم فلتير نفسه، يقولون في مجالسهم الخاصة إن المسيح قد لا يكون له وجود على الإطلاق، وجهر فلني Volney بهذا الشك نفسه في كتابه خرائب الإمبراطوريّة الذي نشره في عام 1991؛ ولما التقى نابليون في عام 1808 بفيلاند Wieland العالم الألماني لم يسأله القائد الفاتح سؤالاً تافهاً في السياسة أو الحرب، بل سأله هل يؤمن بتاريخية المسيح؟
ولقد كان من أعظم ميادين نشاط العقل الإنساني في العصر الحديث وأبعدها أثراً ميدان "النقد الأعلى" للكتاب المقدس- التهجّم الشديد على صحته وصدق روايته، تقابله جهود قوية لإثبات صحة الأسس التاريخية للدين المسيحي؛ وربما أدت هذه البحوث على مر الأيام إلى ثورة في التفكير لا تقل شأناً عن الثورة التي أحدثتها المسيحية نفسها. وقد دارت رحى أولى المعارك في هذه الحرب التي دامت مائتي عام كاملة في صمت وسكون، وكان الذي أدارها هو هرمان ريمارس Hermann Reimarus أستاذ اللغات الشرقية في جامعة همبرج، فقد ترك بعد وفاته في عام 1768 مخطوطاً عن حياة المسيح يشتمل على 1400 صفحة حرص على ألا ينشره في أثناء حياته. وبعد ستة سنين من ذلك الوقت نشر جتهولد لسنج Gotthold Lessing أجزاء من هذا المخطوط، رغم معارضة أصدقائه في هذا النشر، وسماه هتامات ولفنبتل Wolfenbuttel Fragments. ويقول ريمارس أن يسوع لا يمكن أن يُعد مؤسس المسيحية أو أن يفهم هذا الفهم، بل يجب أن يفهم على أنه الشخصية النهائية الرئيسية في جماعة المتصوفة اليهود القائلين بالبعث والحساب، ومعنى أن المسيح لم يُفكر في إيجاد دين جديد بل كان يفكر في تهيئة الناس في استقبال دمار العالم المرتقب، وليوم الحشر الذي يحاسب فيه الله الأرواح على ما قدمت من خير أو شر. وفي عام 1796 أشار هردر إلى ما بين مسيح متى، ومرقص، ولوقا، ومسيح إنجيل يوحنا من فوارق لا يمكن التوفيق بينهما، وفي عام 1828 لخص هنريخ بولص Heinrich Paulus حياة المسيح في 1192، صفحة، وعرض تفسيراً عقلياً للمعجزات: أي أنه آمن بوقوعهما، ولكنه عزاها إلى علل وقوى طبيعية. ثم جاء دافد استروس David Strauss (1835- 1836) في كتابه عن حياة المسيح- وهو كتاب عظيم الأثر في التاريخ- فرفض ما حاوله بولص من توفيق بين المعجزات والعلل الطبيعية، وقال إن ما في الأناجيل من خوارق الطبيعة يجب أن يُعد من الأساطير الخرافية، وإن حياة المسيح الحقيقية يجب أن تعاد كتابتها بعد أن تحذف منها هذه العناصر أياً كانت عناصرها. وقد أثارت مجلدات استروس الضخمة عاصفة قوية في التفكير الألماني دامت جيلاً من الزمان. وفي نفس العام الذي ظهر في كتاب استروس هاجم فردنادندكرستيان بور Ferdinand Christian Bour رسائل بولص وقال انها كلها مدسوسة عليه عدا رسائله إلى أهل غلاطية، وكورنثوس، (كورنثة) ورومية (روما). وفي عام 1840 بدأ برونو بور Bruno Bauer سلسلة من الكتب الجدلية الحماسية يبغي بها أن يثبت يسوع لا يعدو أن يكون أسطورة من الأساطير، أو تجسيداً لطقس من الطقوس نشأ في القرن الثاني من مزيج من الأديان اليهودية، واليونانية، والرومانية. وفي عام 1863 أخرج إيرنس رينان Ernest Renan حياة يسوع الذي روع ملايين الناس باعتماده فيه على العقل وسحر لب الملايين بنثره الجزل. وقد جمع رينان في هذا الكتاب نتائج النقد الألماني، وعرض مشكلة الأناجيل على العالم المثقف كله. وبلغت المدرسة الفلسفية صاحبة البحوث الدينية ذروتها في أواخر القرن التاسع عشر على يد الأب لوازي Loisy الذي حلل نصوص العهد الجديد تحليلاً بلغ من الصرامة حداً اضطرت معه الكنيسة الكاثوليكية إلى إصدار قرار يحرمانه هو وغيره من "المحدثين". وفي هذه الأثناء وصلت المدرسة الهولندية مدرسة بيرسن Pierson ونابر Naber، ومتثاس Matthas بالحركة إلى أبعد حدودها إذ أنكرت بعد بحوث مضنية حقيقية المسيح التاريخية. وفي ألمانيا عرض آرثر دروز Arthur Drews هذه النتيجة السالبة عرضاً واضحاً محدداً (1906)؛ وفي إنكلترا أدلى و.ب. اسمث W. B. Smith، و ج. م ربرتسن J. M. Robertson بحجج من هذا النوع أنكر فيها وجود المسيح. وهكذا بدا أن الجدل الذي دام مائتي عام سينتهي إلى إفناء شخصية المسيح إفناء تاماً. وبعد فما هي الأدلة التي تثبت وجود المسيح؟ إن أقدم إشارة غير مسيحية إليه هي التي وردت في كتاب قدم اليهود ليوسفوس (93؟م):
"وفي ذلك الوقت كان يعيش يسوع، وهو رجل من رجال الدين، إذا جاز أن نسميه رجلاً، لأنه كان يأتي بأعمال عجيبة، ويعلم الناس، ويتلقى الحقيقة وهو مغتبط. وقد إتبعه كثيرون من اليهود وكثيرون من اليونان. لقد كان هو المسيح"؟
قد تنطوي هذه السطور العجيبة على أصل صادق صحيح؛ ولكن هذا الثناء العظيم الذي يثنى به على المسيح يهودي يريد به الزلفى للرومان أو اليهود- وكانا كلاهما يناصبان المسيحية العداء في ذلك الوقت -، نقول إن هذا الثناء لما يبعث الريبة في هذه الفقرة، ولذلك يرفضها علماء المسيحية، ولا يكادون يشكون في أنها مدسوسة على يوسفوس(3). وفي التلمود إشارات إلى يسوع الناصري، ولكنها من عهد متأخر جداً يجعلها مجرد ترديد الأصداء والأفكار المسيحية(4). وأقدم ما لدينا من إشارات إلى المسيح في أدب الوثنيين ما ورد في خطاب كتبه بلني الأصغر (حوالي 110)(5)، يستشير فيه تراجان عما يعامل به المسيحيين وبعد خمس سنين من ذلك الوقت وصف تاستس(6) إضطهاد نيرون للكرستياني Christiani في رومة ويقول انهم في ذلك الوقت كان لهم أتباع في جميع أنحاء أوربا. وهذه الفقرة شبيهة بكتابات تاستس في أسلوبه، وقوته، وتحيزه شبها له يرتب معه أحد من الباحثين إلا درور وحده في صدورها من هذا الكتاب(7). ويذكر روتونيوس (حوالي 125) خبر هذا الاضطهاد نفسه(8)، كما يذكر نفي كلوديوس (حوالي 52) "اليهود الذين أثاروا اضطرابات عامة بتحريض المسيح (Impuisore Chresto)"(9). وتتفق هذه الفقرة اشد الاتفاق مع ما ورد في إصحاح أعمال الرسل من أن كلوديوس أصدر مرسوماً أوجب فيه على "اليهود أن يخرجوا من روما"(10). وهذه الإشارات كلها تثبت وجود المسيحيين لا المسيح نفسه؛ ولكننا إذا لم نسلم بوجود المسيح فلا مناص لنا من أن نأخذ بالفرض الضعيف جداً وهو أن شخصية يسوع قد اخترعت اختراعاً في جيل واحد؛ ولابد لنا من أن نفترض فوق ذلك أن الجالية المسيحية وجدت في روما قبل عام 52 ببضع سنين، وإلا لما كانت خليقة أن يصدر بشأنها مرسوم إمبراطوري. ويقول ثالس Thallus وهو كاتب وثني عاش في منتصف ذلك القرن الأول في هتامه من كتاب احتفظ لنا بها يويوس افركانس(11) إن الظلمة العجيبة التي يقال إنها حدثت وقت موت المسيح، كانت ظاهرة طبيعية محضة، ولم تكن أكثر من مصادفة عادية. أما وجود المسيح فهو عند هذا الكاتب قضية مسلم بها مفروغ من صحتها. وقصارى القول أن نكران ذلك الوجود لم يخطر على ما يظهر لأشد المخالفين لليهودية أو لليهود المعارضين للمسيحية الناشئة في ذلك الوقت.
أما الأدلة المسيحية على وجود المسيح فتبدأ إلى الرسائل المعزوة إلى القدّيس بولص. وبعض هذه الرسائل لا يعرف كاتبها معرفة أكيدة، ومنها عدة رسائل- تؤرخ بعام 64م ولكنها كتبت في الحقيقة بعد ذلك التاريخ- لا يكاد يختلف الباحثون في أنها في جوهرها من كتابات بولص. ولم يشك أحد قط من وجود بولص نفسه أو في لقائه الكثير لبطرس، ويعقوب، ويوحنا؛ ويعترف بولص بأن هؤلاء الرجال قد عرفوا المسيح في أثناء حياته ويحسدهم على هذه المعرفة(12). وكثيراً ما تشير الرسائل المعترف بنسبتها إليه إلى العشاء الأخير(13) وإلى حادث الصلب(14).
هذا ما كان من أمر المسيح نفسه، أما الأناجيل فليس أمرها بهذه السهولة. ذلك أن الأربعة أناجيل التي وصلت إلينا هي البقية الباقية من عدد أكبر منها كثيراً، كانت في وقت ما منتشرة بين المسيحيين في القرنين الأول والثاني. واللفظ الدال على الإنجيل "Gospel" (وهو في اللغة الإنكليزية القديمة Gopspel أي أخبار طيبة) ترجمة للفظ اليوناني Euangelion والذي يبدأ به إنجيل مرقس
ومعناه "أخبار سارة"- هي أن المسيح قد جاء، وأن ملكوت الله قريبة المنال. وأناجيل متى، ومرقس، ولوقا، يمكن الإحاطة بها بنظرة واحدة: ذلك بأن محتوياتها وحوادثها يمكن ترتيبها في أعمدة متوازية "والنظر إليها كلها مجتمعة"؛ وقد كتبت كلها باللغة اليونانية الدارجة، ولم تكن نماذج طيبة في النحو أو في الصقل الأدبي. بيد أن ما في أسلوبها السهل من قوة وإيصال المعاني عن أقرب طريق، وما في تشبيهاتها والصور التي ترسمها من وضوح، وما في الاحساسات التي تصورها من عمق، وما في القصص التي ترويها من روعة، كل هذا يكسبها حتى في صورتها الأصلية الفجة جمالاً فذاً، زاده قوة عند العالم الإنجليزي الترجمة العظيمة البعيدة كل البعد عن الدقة، والتي وضعت للملك جيمس.
وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث. أما النسخ الأصلية فيبدو أنها كتبت بين عامي 60، 120م، ثم تعرضت بعد كتابتها مدى قرنين من الزمان الأخطاء في النقل، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها. والكتّاب الذين عاشوا قبل نهاية القرن الأول الميلادي لا ينقلون قط شيئاً عن العهد الجديد، بل كان ما ينقلونه مأخوذ من العهد القديم ولسنا نجد إشارة لإنجيل مسيحي قبل عام 150 إلا في كتاب ببياس Papias الذي كتب في عام 135 إذ يقول أن "يوحنا الأكبر"- وهو شخصية لم يستطع الاستدلال على صاحبها- قال إن مرقس ألّف إنجيله من ذكريات نقلها إليه بطرس(15). ويضيف ببياس إلى هذا قوله: "وأعاد متّى كتابة الكلمات بالعبرية"- ويبدو أن هذا الإنجيل مجموعة آرامية من أقوال المسيح. والراجح أن بولص كانت لديه وثيقة من هذا النوع، وذلك لأنه ينقل أحياناً كلمات يسوع بنصها%=@كشف جرنفل Grenfell وهنت Hunt في خرائب إحدى المُدن القديمة في مصر في عامي 1897، 1903 عن عشرين قطعة من الكلمات تتفق إلى حد ما في فقرات مماثلة لها في الأناجيل. ولا ترجع هذه البرديات إلى ما قبل القرن الثالث ولكنها قد تكون نسخاً من مخطوطات أقدم منها.@ وإن كان لا يذكر الأناجيل قط. ويتفق الناقدون الثقاة بوجه عام على أسبقية إنجيل مرقس في الزمن على سائر الأناجيل، وفي تحديد تاريخه بين عامي 65 و 70م. وإذ كان هذا الإنجيل يكرر المسألة الواحدة أحياناً في عدة صور(16) فإن الكثيرين من الباحثين يعتقدون أنه يعتمد على الكلمات السالفة الذكر وعلى قصة أخرى قديمة العهد قد تكون هي الصورة الأولى لإنجيل مرقس نفسه. ويبدو أن إنجيل مرقس كان منتشراً أثناء حياة بعض الرسل أو حياة الرعيل الأول من أتباعهم ومريديهم. ولهذا فإنه يبدو من غير المحتمل أنه كان يختلف اختلافاً جوهرياً عما كان لديهم من أقول وعن تفسير المسيح لهذه الأقوال(17). ومن حقنا إذن أن نحكم كما حكم شوتزر Schwetyer ذلك العالم النابه الحكيم بأن إنجيل مرقس في جوهره "تاريخ صحيح"(18).
وتقول الرواية المأخوذ بها إن إنجيل متى أقدم الأناجيل كلها، ويعتقد إيرنيوس Ireneaeus أنه كتب في الأصل باللغة "العبرية"- أي الآرامية، ولكنه لم يصل إلينا إلا باللغة اليونانية. وإذ كان يبدو لنا انه في هذه الصورة الأخيرة يردد أقوال إنجيل مرقس، وأنه ينقل في أكبر الظن من أقوال يسوع نفسها، فإن النقاد يميلون إلى القول بأنه من تأليف أحد أتباع متى، وليس من أقوال "العشار" نفسه. وحتى أكثر العلماء يرجعون به إلى تلك الفترة البعيدة المحصورة بين عامي 85-90م(30). وإذ كان الغرض الذي يبتغيه متّى هو هداية اليهود فإنه يعتمد أكثر من غيره من المبشرين على المعجزات التي تعزى إلى المسيح، ويحرص حرصاً يدعو إلى الريبة على أن يثبت أن كثيراً من نبوءات
العهد القديم تحققت على يدي المسيح. بيد أنه رغم هذا أشد الأناجيل الأربعة تأثيراً إلى النفس وإثارة إلى العاطفة. ولا يسعنا إلا أن نعده بين روائع الآداب العالمية، وإن لم يدرك ذلك كاتبه القديم.
والإنجيل حسب نص القدّيس لوقا، وهو النص الذي يعزى عادة إلى العقد الأخير من القرن الأول، يعلن أنه يرغب في تنسيق الروايات السابقة عن المسيح، والتوفيق بينها، وأنه يهدف إلى هداية كفرة لا اليهود. وأكبر الظن أن لوقا نفسه كان من غير اليهود، وأنه كان صديق بولص، ومؤلف سفر أعمال الرسل(21). وهو يقتبس كثيراً من كتابات مرقس كما يقتبس منها متّى(22)، فإنك لتجد في إنجيل متّى ستمائة آية من الستمائة والإحدى والستين التي يشتمل عليها النص المعتمد لإنجيل مرقس، ونجد منها ثلاثمائة وخمسين في إنجيل لوقا تكاد أن تكون هي بنصها(23). وفي إنجيل متّى كثير من الفقرات التي توجد في لوقا ولا توجد في إنجيل مرقس، وهنا أيضاً تكاد تكون هي بنصها، ويبدو أن لوقا أخذ هذه عن متّى أو أن لوقا ومتّى أخذاها عن أصل مشترك، لم نعثر عليه بعد. ويصقل لوقا هذه المقتبسات الصريحة بمهارة أدبية تحمل لينان على الظن بأن هذا الإنجيل أجمل ما ألف من الكتب.
ولا يدعى الإنجيل الرابع أنه ترجمة ليسوع، بل هو عرض للمسيح من وجهة النظر اللاهوتية بوصفه كلمة الله، وخالق العالم، ومنقذ البشرية وهو يناقض الأناجيل الأخرى في كثير من التفاصيل وفي الصورة العامة التي يرسمها للمسيح(25). وإن ما يصطبغ به الكتاب من نزعة قريبة من نزعة القائلين بأن الخلاص لا يكون بالإيمان بل بالمعرفة، وما فيه من تأكيد لآراء الميتافيزيقية، قد جعلا الكثيرين من الباحثين في الدين المسيحي يشكون في صدق القول بأن واضعه هو الرسول يوحنا(26). بيد أن التجارب توحي إلينا بأن لا نعجل في تكذيب الروايات القديمة؛ ذلك بأن أسلافنا لم
يكونوا كلهم بلهاء. وتنزع الدراسات الحديثة إلى تحديد تاريخ الإنجيل الرابع بأواخر القرن الأول. والراجح أن الروايات المأثورة كانت صادقة إذ تعزو إلى المؤلف نفسه "رسائل يوحنا"، ذلك بأنه تعرض الأفكار نفسها بالأسلوب نفسه.
وملاك القول أن ثمة تناقضاً كثيراً بين بعض الأناجيل والبعض الآخر، وأن فيها نقطاً تاريخية مشكوكاً في صحتها، وكثيراً من القصص الباعثة على الريبة والشبيهة بما يروى عن آلهة الوثنيين، وكثيراً من الحوادث التي يبدو أنها وضعت عن قصد لإثبات وقوع النبوءات الواردة في العهد القديم، وفقرات كثيرة ربما كان المقصود منها تقدير أساس تاريخي لعقيدة متأخرة من عقائد الكنيسة أو طقس من طقوسها. لقد كان المبشرون بالإنجيل يرون كما يرى شيشرون وسالست، وتاستس أن التاريخ وسيلة لنشر المبادئ الخلقية السامية، ويبدو أن ما تنقله الأناجيل من أحاديث وخطب قد تعرضت لما تتعرض له ذاكرة الأميين من ضعف وعيوب، ولما يرتكبه النساخ من أخطاء أو "تصحيح".
فإذا سلمنا بهذا كله بقي الشيء الكثير إن ما في الأناجيل من تناقض لا يتعدى التفاصيل الجزئية إلى الحقائق العامة، وإن الأناجيل الثلاثة الأولى لتتفق اتفاقاً عجيباً، وتعرض في مجموعها صورة منسقة للمسيح. ولقد دفعت حماسة الكشف كبار الناقدين إلى أن يقيسوا صحة أحوال العهد الجديد بمقاييس لو طبقت على مئات من العظماء الأقدمين أمثال حمورابي، وداود، سقراط- لزالوا كلهم من عالم الحقائق وهووا إلى عالم الخرافات . وإن المبشرين بالإنجيل، رغم ما يتصفون به من تحيز وميل مع الهوى ومن الأخذ بأفكار دينية سابقة، ليسجلون كثيراً من الحادثات التي يعمد المخترعون الملفقون إلى إخفائها- كتنافس الرسل على المنازل العليا في ملكوت الله، وفرارهم بعد القبض على
يسوع، وإنكار بطرس، وعجز المسيح عن إتيان المعجزات في الجليل، وإشارة بعض مَن سمعوه إلى ما عسى أن يكون مصاباً به من الجنون، وتشككه الأول في رسالته، واعترافه بأنه يجهل أمر المستقبل، وما كان يمر به من لحظات يمتلئ قلبه فيها حقداً على أعدائه، وصيحة اليأس التي رفع بها عقيرته وهو على الصليب؛ إن مَن يطلع على هذه المناظر لا يشك قط في أن وراءها شخصية تاريخية حقة. ولو أن عدداً قليلاً من الرجال السذج قد اخترعوا في مدى جيل واحد هذه الشخصية الجذابة، وهذه المبادئ الأخلاقية السامية، وهذه النظرية الأخوية الملهمة، لكان عملهم هذا معجزة أبعد عن العقول من أية معجزة تسجلها الأناجيل. وإن الخطوط الرئيسية في سيرة المسيح، وأخلاقه، وتعاليمه لتبقى بعد قرنين من النقد الشديد واضحة معقولة؛ لتكون أروع ظاهرة في تاريخ الغربيين وأعظمها فتنة للألباب.
وان شاء الله الفصل الثانى مع نشأة عيسى
;jhf rwm hgpqhvm
المفضلات