أبو شامة.. الحافظ المؤرخ الاديب
اطلقت عليه كنيته ابو شامة لوجود شامة كبيرة فوق حاجبه الايسر وقد اشتهر هذا الامام بكنية ابي شامة اكثر من اشتهاره بالقابه ونسبه ،وهو يعرف ايضا بابي محمد وابي القاسم
ابو شامة هو الامام العالم الحافظ ،المحدث الفقيه المؤرخ ولم يكن في وقته مثله في علمه وعفته وامانته ،وابو شامة هو شهاب الدين عبد الرحمن بن اسماعيل ابن ابراهيم بن عثمان بن بكر بن ابراهيم بن محمد المقدس الدمشقي الشافعي واصل اجداده من بيت المقدس
وقد ولد ابو شامة ليلة الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الاخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة ،وكانت ولادته برأس درب الفواخير بدمشق ،داخل الباب الشرقي ،واذا كان ابو شامة اصله من القدس ،فمولده كان في دمشق وبها نشأته ،وفيها وفاته .
حفظ ابي شامة كتاب الله وهو في سن العاشرة وانصرف الى جمع القراءات السبع ،فختمها وهو في السابعة عشرة ،وقد حبب الله اليه من صغره حفظ الكتاب العزيز وطلب العلم ،فجعل ذلك همته ،فلم يشعر به والده الا وهو يقول له :قد ختمت القرآن حفظا ،وقد اخذ بعد حفظ القران في معرفة القراءات السبع والفقه والعربية والحديث وايام الناس ومعرفة الرجال وغيرها من العلوم .
وكان ابو شامة يتردد على مجالس الوعظ التي يعقدها سبط بن الجوزي كل بيت وقد افاده ذلك ومكنه ان يشارك في علوم مختلفة ،فظهر نضوجه في العلم وابيض شعر راسه ولحيته مبكرا وهو في الخامسة والعشرين
ولازم كبار الشيوخ في عصره مثل علم الدين السخاوي والفخر ابن عساكر والعز ابن عبد السلام والتقي ابن الصلاح .
وقد حج ابو شامة مع والده سنة احدى وعشرين وستمائة ،ثم حج في السنة التي بعدها ايضا ،ثم سافر الى بيت المقدس زائرا سنة اربع وعشرين وستمائة ،وسافر الى الديار المصرية سنة ثمان وعشرين وتمائة ،واجتمع بشيوخ البلاد في ذلك الوقت بالقاهرة ودمياط والاسكندرية ،ثم لزم الاقامة بدمشق عاكفا على الاشتغال بالعلم وجمعه في مؤلفاته ..
وكان ابو شامة يدرس في بعض مدارس دمشق كالاشرفية والركنية ،وكان يفتى في العادلية ،وقد عرف بجراته في الجهر بالحق ومحاربة البدع ،ولعل هذا من اثر شيخه العز بن عبد السلام ،وقد ولى ابو شامة عدة وظائف منها :مشيخة القراء بتربة الاشرفية ومشيخة دار الحديث الاشرفية ،والتدريس بالركنية ،وقد بلغ ابو شامة رتبة الاجتهاد ،وكان له تلاميذ ينتفعون بعلمه فكان يحضر عنده بالجامع والتربة الاشرفية جماعة من الاكابر والفضلاء لسماع كتابه في التاريخ وكتابه الروضتين وغيرهما من تصانيفه ،ونظم احد تلاميذه وهو الرئيس الاصيل محسن الدين بن علي بن محمد التميمي من بني القلانس ابياتا يقول فيها :
انا والله والجماعة طرا ..من سماع التاريخ في بستان
ورياض انيقة اطلقتها ..بازاهيرها لنا الروضتان
ايد الله شيخنا فلقد ..ابدع في الاختصار والتبيان
فهو قطب الحجي وبدر المعالي .. وشهاب الفتيا وشمس البيان
وابو شامة لم تنج حياته من مصائب سببتها له الخصومة التي كانت مشتعلة حينئذ بدمشق بين الحنابلة والشافعية ،وابو شامة شافعي ولعل متاعب حياته كانت السبب في ظهور الشيب في لحيته وراسه وهو في سن الشباب
وكان ابو شامة رجلا متخيرا متواضعا قضى حياته محبا للعزلة والانفراد ،لايتردد على ابواب اهل الدنيا ،وكان يتجنب المزاحمة على المناصب .
ويقال ان بعض اراء ابي شامة كانت سبب قتله ،فقد اتهموه براي تظهر براءته منه فألبوا عليه حنبليين اغتالاه ،ويرى جماعة من اهل الحديث انه كان مظلوما ،وكان الذين قتلوه جاءوه قبل ذلك فضربوه ليموت فلم يمت فقيل له :الا تشتكي ؟فابى وقال:
قلت لمن قال لي ألا تشتكي..ماقد جرى فهو عظيم جليل
يقضي الله تعالى لنا ..من ياخذ بالحق ويشفي الغليل
اذا توكلنا عليه كفى ..فحسبنا الله ونعم الوكيل
وعادو اليه فقتلوه بدمشق ليلة الثلاثاء التاسع عشر من رمضان سنة خمس وستين وستمائة للهجرة ،ودفن في باب الفراديس ،وقيل دفن بمقابر باب كيسان
هذا هو ابو شامة ..رحمه اللهHf, ahlm>>
المفضلات