بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلم تكن الأحداث التي وقعت في أمريكا وأفغانستان مؤخراً هي الأولى من الأحداث الفارقة في التاريخ، ولن تكون الأخيرة؛ فتاريخ البشر حافل بأقدار من الخير والشر دارت بشأنها سنن، وجرت بسببها ابتلاءات، وحصلت بعدها تغيرات في أحوال الأفراد والمجتمعات والأمم.
كان بوسعنا أن نسجل عدداً من الآراء في نقاط تُظهر ما تتبناه المجلة من موقف تجاه الأحداث، ولكنا آثرنا أن نستخرج من خلال نصوص الوحي مواقفنا جميعاً؛ فما أشد احتياجنا واحتياج الناس كلهم في أزمنة الشدائد إلى النظر في الثوابت الشرعية والسنن الإلهية؛ لنقيس عليها الأمور ويعتبروا بها في التغيير، وينطلقوا منها في التأملات والتوقعات والتحليلات؛ ومن ثم في التحركات والتصرفات وأداء الواجبات.
فالأيام لا تزال تتوالى بجديد، بين خير وشر، ونفع وضر، ومحن ومنح يُختبر بها العالمون {ليعلم الله من يخافه بالغيب } [المائدة: 94].
ومخافة الله بالغيب تعني الالتزام بطاعته طمعاً في ثوابه وخوفاً من عقابه؛ وهذا لا يكون إلا بالإذعان لأحكامه الشرعية الدينية، والإيمان بأحكامه القدرية الكونية. إن هذا الالتزام دعت إليه الرسالات كلها تحقيقاً للمعنى الشامل للتوحيد المتضمن إفراد الله - تعالى - بالطاعة تحقيقاً لعبادته والإيمان المطلق بقيُّوميته، وهذا هو المعنى الذي هتف به يوسف * عندما قال: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدو إلا إياه ذلك الدين القيثم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [يوسـف: 40]؛ فالدين القيِّم يتضمـن إفراد الله - تعالى - بالحكم شرعاً وقَدَراً، وقد صرَّح بهـذا المعنى قبل يوسف أبـوه يعقوب - عليهما السلام - فقال: {إن الحم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون} [يوسف: 67]، وهو المعنى نفسه الذي أمر الله - تعالى - خير الأنبياء وسيد المرسلين محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن يعلنه في العالمين بأفصح لسان وأصرح بيان: {قل إني نهيت أن أعبد الذي تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين (56) قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين..} [الأنعام: 55 - 67].
حكم الله إذن يتضمن نوعين: حكماً تشريعياً للعمل والامتثال، وحكماً كونياً يُجري به الله - تعالى - المقادير في الدنيا بحسب مواقف الناس من الحكم الشرعي. وأحكام الله القدرية تتضمن ما يُطلق عليه: السنن الإلهية، وهي تلك القوانين التي تجري على وفقها المقادير؛ فلا تقبل التخلف ولا تتعرض للتبديل {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ْ} [الإسراء: 77]، {سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا} [فاطر: 43].
والله - تعالى - أراد من عباده أن يفقهوا سننه الكونية مثلما هـداهــم إلى ســننه الشـــرعية، فقال - سبحانه -: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم } [النساء: 26]، قال ابن كثير: «عليم حكيم في شرعه وقدره، وأفعاله وأقواله»(1).
إن من سنن الله التي تجري عليها الوقائع والحوادث هي المسماة في القرآن: (أيام الله)، وكما أن السنن تحتاج إلى من يستخرجها، ويعرِّف بها؛ فإن أيام الله تحتاج إلى من يلحظها ويذكِّر الناس بها، وهي تجري على البر والفاجر، والمؤمن والكافر. قال - تعالى - عن نبيه مــوسـى - عليه السلام -: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} [إبراهيم: 5]، ومعنى أيام الله في الآية: «وقائع الله في الأمم السالفة، والأيام التي انتقم فيها من الأمم الخالية»(2)، وقال الطبري في معنى: {وذكرهم بأيام الله}: «وعِظْهُم عما سلف في الأيام الماضية لهم بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة»(3).
إن ها هنا معنى عظيماً، وهو أن أيام الله هي تفسير لسنن الله؛ فتلك السنن ليست معاني مجردة أو افتراضات محضة، بل هي حُكم وتطبيق، ودرس وشرح، وعظة وعبرة، ولكن ها هنا أيضاً معنى أعظم، يحتاج إلى تأمل وتدبر وهو أن: (أيام الله) التي تفسر سنن الله ليست ماضية فقط، بل هي حاضرة أيضاً ومستقبلة؛ فكما جرت بشأن السنن أيام ووقائع في الماضي الغائب عنا؛ فهي تجري في الحاضر المحيط بنا والمستقبل البعيد منا.
وكل هذا يؤكد الفائدة العظمى والأهمية القصوى للنظر في تلك السنن واستحضار الحقائق المحتفَّة بها؛ لأنها حكم الله الذي لا يُخالَف ولا يستطيع أحد عصيانه؛ فلئن كان بإمكان العصاة أن يخالفوا حكم الله الشرعي؛ فإن أحداً من الخلق لا يستطيع الخروج قيد أنملة عن حكمه القدري، وتجيء (أيام الله) بما فيها من محن أو منح لتثبت ذلك.
ما أحوجنا في أزمنة الأحداث الجسام إلى أن نذكِّر أنفسنا ونذكِّر الناس بأيام الله، وأن نبصِّر أنفسنا ونبصِّر الناس بسنن الله الكونية القدرية مع إرشادهم إلى سننه الدينية الشرعية؛ فالأحداث الكبرى قد تطيش فيها عقول، وتذهل فيها أفئدة، وقد تزل فيها أقدام أقوام، وتضل أفهام آخرين، ولا يثبت إلا من ثبَّته الله، {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27].
إن تلك الآية نفسها تشير إلى عدد من الأحكام القدرية والسنن الإلهية؛ فهي تفيد أن الله - تعالى - قضى قدراً بأنه لا يثبت أمام فتن الدنيا والآخرة إلا من يثبته الله، وتثبيت الله إنما يكون لمن هداه إلى كلمة لا إله إلا الله بمعناها الشامل المقتضـي إفـراده - سبحانه - بالمحبة والخوف والرجاء؛ فمن أحب الله وحده، ورجا الله وحده، ولم يخف إلا من الله وحده فذلكم الثابت بتثبيت الله. والآية أيضاً تفيد أن الثبات يذهب عمن أخل بذلك فظلم نفسه بمحبة غير الله ـ على وجه التعبد ـ أو صرف رجاءه أو خوفه لغير الله {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}.
إن الزمان كلما تقارب كان فعل الفتن في الناس عجيباً؛ لأنها تتوارد وتتكاثر حتى يرقق بعضها بعضاً، وتتابع بالهلاك على أقوام ما كانوا يظنون أو يظن الناس فيهم أنهم يفتنون ـ حيث تجيء الفتنة، فيقول المؤمن ـ كما جاء في الحديث ـ: «هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه»(4)، ولا يزال الأمر في تصاعد وتزايد حتى تتغير الأحوال من تنقُّل بين فتنة وفتنة إلى تقلُّب بين كفر وإيمان ـ عياذاً بالله ـ؛ حيث «يصبح الرجل مؤمناً أو يمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا»(5).
فالناس مواقف في أزمنة الشدائد، ومواقفهم بحسب معادنهم؛ فالمعادن الأصيلة تجلِّيها نار الاختبار، أما الرخيصة فتُنفى مع الخبث.
إن كل موقف من المواقف له حكم شرعي، وعلى كل موقف ديني ينبني حكم قدري كوني في الدنيا وحكم جزائي في الآخرة؛ ذلك أن الأحكام الجزائية في الآخرة ـ ثواباً أو عقاباً ـ هي امتداد للأحكام الكونية والسنن الإلهية في الدنيا، وكلاهما يُبنى على الطاعة أو العصيان.
نحن هنا لا نتحدث عن أحداث أمريكا الأخيرة، أو ما تولدت عنه، حيث إن ذلك قد أفاض الناس في الكلام عنه منددين أو مؤيدين، ولكنا نتحدث عن صراعات ستجري وأحداث ستتفاقم خلال مراحل يبدو أنها ستتتابع على شكل سلسلة من التغيرات الحادة في العالم ـ والله أعلم ـ؛ فما الذي يحكم كل ذلك؟
أولاً: سنن الله في موجبات التغيير:
حركة التغيير على مستوى الأمم والجماعات والأفراد لا تتوقف؛ فإما أن تكون إلى الأحسن وإما أن تكون إلى الأسوأ؛ فأما التي إلى الأحسن، فتحكمها السنة القائلة: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11].
فما من أهل قرية ولا بيت ولا بلد كانوا على ما كره الله من المعصية، ثم تحوَّلوا عنها إلى ما أحب من الطاعة إلا حوَّلهم الله عما يكرهون من العذاب إلى ما يحبون من الرحمة (6)، وأما التغيير إلى الأسوأ فتحكمه السنة القائلة: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم (53) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين} [الأنفال: 53، 54].
ثانياً: سنن الله في موجبات العز أو الذل:
العزة لله وإلى الله كلها، وقد كتب العزة قدراً للمستقيمين على دينه شرعاً، فبقدر استقامتهم تكون عزتهم، قال ـ سبحانه -: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } [المنافقون: 8]، وقد أخبر - سبحانه - أنه وحده الذي يعز ويذل: {وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير} [آل عمران: 26]؛ ولهذا فإن من أراد العزة فليستمدها منه وحده: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا} [فاطر: 10]، أما الذين يريدون أن يستمدوا العزة من عند غير الله، فأولئك لهم شأن آخر مع الله. قال - سبحانه -: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما (138) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا (139) وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا } [النساء: 138 - 140]. وهذا ذل الدنيا والآخرة، الذي أعلم الله به كل من يحادُّ دينه ويعادي أولياءه: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين } [المجادلة: 20].
ثالثاً: سنن الله في موجبات النجاة:
يتطلع الناس إلى النجاة إذا جاء أمر الله بالانتقام أو العذاب الشديد بالكوارث والمحن أو الحروب والفتن، وقد يعم العذاب بذلك في الدنيا، ثم ينجي الله - تعالى - من أراد نجاته في الآخرة، ولكن تقوى الله - تعالى - في أوقات الرخاء تنجي وقت الشدة؛ تنجي على الأقل من الفتنة، وهي أعظم النجاة. قال - تعالى -: {ثم ننج رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} [يونس: 103]. وقد نجى الله أصنافاً وأصنافاً من المؤمنين من الرسل وأتباع الرسل (عليهم صلوات الله وسلامه) من أنواع شتى من المحن والفتن، نجى نوحاً: {فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} [الأنبياء: 76]، وهوداً: {ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا} [هود: 58]، وصالحاً: {فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه} [هود: 66]، وإبراهيم: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجيناه من النار} [العنكبــوت: 24]، ولـوطاً: {وإن لوطا لمن المرسلين (133) إذ نجيناه وأهله أجمعين ّ} [الصافات: 133، 134]، ويونس: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبيــــاء: 88]، ومــوسى: {وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا} [طه: 40]، وعيســى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم} [النساء: 157]، {بل رفعه الله إليه} [النساء: 158]، ومحمداً (صلوات الله عليه وعلى جميع رسل الله): {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [التوبــة: 40]، نجَّى الله هؤلاء الرسل ونجَّى أتباعهم من نوائب وشدائد ومصائب حلت بأقوامهم، وقد كان الدعاء بالنجاة ـ بعد تحقيق الإيمان ـ هو أقرب سبل النجاة، ولا يشابهه في الأثر إلا القوة في القيام بالحق وقت الفتن، والجرأة على إنكار المنكر رغـــم المحـن. قال - تعالى - عن رهط من قـوم موسى - عليه السلام -: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون}. [الأعراف: 165].
رابعاً: سنن الله في موجبات الهلاك:
القانون في ذلك، أن الله - تعالى - لا يهلك أمة ظلماً، ولا يهلك أمة بغير نذير وتحذيـر. قال - سبحانه -: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} [الأنعام: 131]، فلا بد من انحرافٍ ما يستوجب الهلاك، وقد نص القرآن على عدد من الانحرافات المستوجبة للهلاك الذي قد يكون هلاك استئصال أو هلاك تعذيب واختبار، وقد يسلط العذاب على الكافرين، وقد يُبتلى به بعض المسلمين؛ إذ إنهم لا يخرجون عن السنن الإلهية إذا فرطوا في الشرائع الدينية.
ومن موجبات الهلاك التي تجري بها سنن الله:
* الظلم والطغيان: قال - تعالى -: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين } [يونس: 13]، وقال: {فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد} [الحج: 45]. {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا } [الكهف: 59]، وقد أخبر القرآن أن الظلم والطغيان كانا يقبعان خلف إهلاك أمم عظمى وقوى كبرى كانت ذات عمارة وحضارة. قال - سبحانه - {وأنه أهلك عادا الأولى (50) وثمود فما أبقى(51) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى (52) والمؤتفكة أهوى (53)فغشاها ما غشى }. [النجم: 50 - 54].
* البطر والأشر وعدم الشكر: قال - تعالى - عن قارون: {قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون (78) فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم } [القصــــص: 78، 79]، وقال - سبحانه -: {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين }. [القصص: 58].
* الجبروت والبطش: قال - تعالى -: {وكم أهلكنا من قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص } [ق: 36]، وقال: {فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين ّ} [الزخرف: 8].
* التجاوز في السفاهة والتعالي بالترف والفسوق: قال - تعالى - عن قومٍ: {قالوا سواء علينا أوعظت أو لم تكن من الواعظين (136) إن هذا إلا خلق الأولين (137) وما نحن بمعذبين (138) فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين } [الشعراء: 136 - 139]، وقال - سبحانه - عن موسى وقومه: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين } [الأعراف: 155].
وقال - سبحانه -: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها فسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدمير } [الإسراء: 16].
* السكوت عن قول الحــق وترك الإصلاح: قال - تعالى -: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين (116) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} [هود: 116، 117].، وقال - سبحانه -: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصةْ} [الأنفال: 25]، والفتنة هنا هي المحن التي تصيب المسيء وغيره إذا لم تُدفع وتُرفع(7).
* موالاة الظالمين: قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } [الممتحنة: 13] وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (51) فترى الذين ف قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} [المائدة: 51، 52]. وقال - سبحانه -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا}. [النساء: 144].
* معاداة المؤمنين: قال - تعالى -: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} [الأنفال: 73].
خامساً: سنن الله في موجبات الهزيمة والخذلان:
* التفرق والتنازع: قال - تعالى -: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. [الأنفال: 46].
* طاعـة الأعــداء واتخــاذ البطانــة منهـم: قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} [آل عمران: 118]. وقال: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} [آل عمران: 149]، وقال: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم (25) ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم (26) فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (27) ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } [محمد: 25 - 28].
سادساً: سنن الله في موجبات النصر والتمكين:
رُبط تحقيق النصر لأهل الإسلام بتحقيق الإيمان ونصرة الدين. قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد: 7]، وقال: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده} [آل عمران: 160]، وقال: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} [الحج: 40]، وقال: {ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [الروم: 47]، وقال: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} [الحج: 39، 40]، ونصرة الدين تتضمن الامتثال له، والقيام به، ووحدة الصف من أجله والصبر عليه، والجهاد في سبيله.
وأخيراً: لا بد أن يعلم الناس أن هذا الدين منصــور، وأن الله - تعالى - قــد قيَّـض لــه طائفـة لا يخلو منها زمان إلى آخر الزمان، ومن صفات هذه الطائفة:
1 - أنها على الحق والسنة.
2 - أنها ظاهرة على هذا الحق معلنة به.
3 - أنها منصورة بالحق مقاتلة عليه.
4 - أنها محفوفة بمن يسلمونها ويخذلونها.
5 - أنها محاطة بالمخالفين.
6 - أنها لا يضرها هذا الخذلان وتلك المخالفة.
7 - أنها جامعة لشرائح مختلفة من الأمة.
8 - أن الله يبعث منها المجددين للدين.
9 - أنها لا تنحصر بمكان واحد؛ ولكن تتنقل عبر الزمان في أكثر من مكان.
10 - أنها باقية إلى يوم القيامة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال عصابة من أمتي قائمة بأمـــر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس»(8).
إن كل السنن الإلهية المذكورة، وغيرها كثير تحققت بشأنها أقدار ووقائع، وتواريخ وحوادث هي من (أيام الله) وقد مضت بها سنة الأولين وستمضي عليها سنن الآخرين، وقد ظل الإسلام عزيزاً شامخاً، وسيبقى كذلك إلى ما شاء الله؛ فلنتدارس هذه الأيام والسنن، ولنذكِّر الناس بها، فالخوف ليس على الإسلام، ولكن على من يتخلف عن ركب الإسلام.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير ابن كثير، (1/522).
(2) تفسير القرطبي، (9/342).
(3) تفسير الطبري، (7/122).
(4) أخرجه: مسلم، رقم (1844)، وأحمد (11/47).
(5) أخرجه مسلم، رقم (118)، والترمذي، رقم (2196).
(6) انظر هذا المعنى في تفسير ابن كثير، (2/554).
(7) انظر: تفسير ابن كثير، (2/331).
(8) أخرجه مسلم، رقم (1037).
,`;vil fHdhl hggi
المفضلات