السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. إبراهيم عوض
نسمع كثيرا بيوحنا الدمشقي (676- 749م) بوصفه أول من كتب يهاجم الإسلام
ويتهم الرسول عليه السلام بأنه نبى مزيف ألَّف القرآن بالاستعانة بكتب اليهود والنصارى
ثم ادعى أنه رسول يُوحَى إليه من السماء.
وكنت الليلة الماضية أقلب صفحات كتاب يدور حول مؤلفى أهل الكتاب الذين اتهموا النبى عليه السلام بأنه ليس نبيا حقيقيا،
وجاءت سيرة هذا اليوحنا، فبزغ فى خاطرى أن أكتب عنه شيئا، فكانت هذه الدراسة.
ويُعَدّ يوحنا الدمشقي واحدا من أكبر آباء الكنيسة الشرقية. وبسبب مكانته الدينية عند قومه نراهم يلقبونه بــ"القديس يوحنا" و"يوحنا ينبوع الذهب".
وكان الدمشقى موظفا قبل ذلك فى بلاط بنى أمية بدمشق. وهو رائد الجدل التنصيري ضد الإسلام،
وأصبح ما خطته يداه فى هذا الشأن ركيزة من ركائز ذلك النوع من الجدل،
إذ أخذ المجادلون من المنصّرين والمستشرقين الذين جاؤوا بعده يستعينون بأكاذيبه وتشنيعاته ويرددون كثيرا منها.
ويتلخص ما كتبه ذلك اليوحنا في الزعم بأن الإسلام ليس دينا سماويا، بل هرطقة مسيحية،
وأن النبى محمدا صلى الله عليه وسلم كان على معرفة بأسفار العهدين القديم والجديد، وأنه تعلم على يد الراهب بحيرا،
وكان يتلقى القرآن وهو نائم.
ومما خلفه لنا هذا اليوحنا كتاب مشهور باسم "De Haeresbius: الهرطقة"، يهاجم فيه الرسول محمدا عليه الصلاة والسلام متهما إياه بأنه نبى زائف
وكان والد يوحنا ذا نفوذ عند بنى أمية، إذ كان يعمل في منصب رفيع في مالية الدولة، وبعد وفاة الأب حل الابن محله.
وأثناء تلك الفترة قام أحد البطاركة في كنيسة القسطنطينية بإصدار تعليمات تمنع النصارى من تقديس صور المسيح أو مريم العذراء،
فهبَّ يوحنا بكل ما لديه من قوة يدافع عن التمسك بالسجود للأيقونات والصور.
فانظر، أيها القارئ الكريم، كيف يدافع هذا الغبى عن السجود للصور والأيقونات، وفى ذات الوقت يهاجم رسول التوحيد النقى،
وإن كان هذا الدفاع عن السجود للأيقونات والصور فى الواقع هو الوجه الآخر لاتهاماته الكاذبة لسيد الأنبياء والمرسلين.
ويقول بعض من ترجموا ليوحنا الدمشقى إن الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث قدم شكوى للخليفة الأموي بدعوى أنه يحرض على ثورة ضد الإمبراطورية.
وقيل: بل زَيَّفَ عليه رسالة يفهم منها أنه كان يراسل أعداء الدولة ويخطط لتسليمهم دمشق.
فقام الخليفة بعزله وقطع يديه. وهنا تسرد لنا سيرته حكاية مضحكة لا يصدقها إلا معتوه خلاصتها أن يوحنا دخل غرفته عقب قطع يديه وطرح جسده قُدّام أيقونة العذراء،
ملصقا كفبه المبتورتين إلى ساعديه، متوسلا إليها، وهو يذرف الدموع، أن تعيد إلصاق يديه المقطوعتين إلى موضعهما.
وللحين غفت عيناه فرأى العذراء تبشره بأن دعاءه قد استجيب وأنه قد شُفِىَ، فاستيقظ فرحا مسرورا.
لكن موسوعة "كولومبيا" لا تشير من قريب أو من بعيد إلى تلك الحكاية البلهاء التى ترددها المراجع الكنسية،
بل تقول ببساطة إن يوحنا الدمشقى استقال من وظيفته فى البلاط الأموى والتحق بأحد الأديرة الفلسطينية.
وهو ما تقوله موسوعة "لاروس" الفرنسية، وإن لم تنص على الأمويين أو فلسطين نصًّا
(انظر مقال "اللادينية العربية بوابة التنصير الخلفية" المنشور فى "موسوعات الساحة الألكترونية- الموسوعة الحرة"،
ومقالا آخر بموسوعة "الويكيبيديا" عنوانه: "انتقاد شخصية محمد بن عبد الله"،
وكذلك ترجمة يوحنا الدمشقى فى كل من "الموسوعة البريطانية"
و"الموسوعة اليونيفرسالية" الفرنسية و"موسوعة الإنكارتا" بطبعتيها الإنجليزية والفرنسية
و"الموسوعة الكاثوليكية" الإنجليزية،
وموسوعة "كولومبيا" الإنجليزية والنسخة العربية من "الموسوعة الأرثوذكسية"،
وموسوعة "لاروس" الفرنسية).
والطريف أن كبار رجال الدين النصارى ممن يروجون لهذه الحكاية المسلية وأمثالها لا يعتمدون فى علاج أمراضهم على العذراء،
بل على الطب والأطباء فى ذات الوقت الذى يغرسون فى رُوع العوامّ أن العذراء عليها السلام تظهر فوق أبراج الكنائس وتشفى من يتجمع هناك من المرضى لمشاهدة ظهورها.
وكنت قبل الآن لا يتيسر لى أن أقرأ إلا "عما" كتبه يوحنا الدمشقى لا "ما" كتبه هو نفسه،
وغالبا ما كان هذا الذى أقرؤه عبارة عن إشارة صغيرة إلى ما كتبه هذا المأفون...
إلى أن كنت أنظر الليلة الماضية فى كتاب قوى ممتع ألفه الأستاذ سامى عامرى، وهو شابٌّ مسلمٌ مُجِيدٌ واسع الاطلاع ذو أسلوب قوى منساب،
وإن كان بحاجة إلى شىء من التنقيح تتكفل به المراجعة النهائية إن شاء الله قبل الدفع به إلى القراء،
عنوانه: "هل القرآن الكريم مقتبس من كتب اليهود والنصارى؟"،
يعرض فيه لما يزعمه المبشرون والمستشرقون من أن الرسول محمدا عليه الصلاة والسلام قد وضع يده على كتب اليهود والنصارى
وألف منها دينا جديدا، ويسوق فى آخره ثبتا كبيرا بأسماء المراجع الهامة التى تتصل بهذا الموضوع،
وجاءت فى أثناء الكلام سيرة يوحنا الدمشقى بوصفه أول من قال بهذا الزعم وأن جميع من أَتَوْا بعده كانوا عِيَالاًً عليه،
فقلت فى نفسى: ولم لا أبحث عن كتابه الذى ساق فيه هذا الكلام لأقرأه بنفسى؟
وأخذت أبحث عن الكتاب المذكور حتى عثرت، فى قسم "Orthodoxy & Islam" من موقع "Orthodox Christian Information Center"،
على الصفحات التى خصصها فى ذلك الكتاب للإسلام، وهى نحو عشر صفحات، مترجمة إلى الإنجليزية،
فلم يكن عندى من رد فعل لما قرأتُ سوى اليقين بأن كاتب هذا الكلام كذاب جاهل لا يستحى رغم أنه كان من آباء الكنيسة الشرقية،
بما يدل على أن داء الكذب والتدليس متأصل فى نفوس هؤلاء الناس منذ قديم الزمان.
وقد وَصَف كاتب مادة "St. John Damascene" فى " Catholic Encyclopedia: الموسوعة الكاثوليكية" ما سطرته يد يوحنا الدمشقى النجسة على النحو التالى:
"In treating of Islamism he vigorously assails the immoral practices of Mohammed and the corrupt teachings inserted in the Koran to legalize the delinquencies of the prophet"hg;`hf hg[hig d,pkh hg]lard vhz] hg;jhfhj hgjakdudm q] hgYsghl
المفضلات