الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن قارب النجاة حط رحاله بالباب ينادي:
هذا الثواب فافتح لي الباب، وأزل عن عينيك غشاوة الضباب.
هذا رمضان يطرق كل باب ينادي:
بالله لا تغلق الباب وافتح عينيك لترى قدر الثواب.
فيا خسارة من أغلق الباب وسعى بقدميه للعقاب، ويا خسارة من لم يفك في رمضان قيوده، ويضع القيد في رقبته رضاء لمعبوده، يا حسرة من طرق رمضان بابه وهو مدفون بين شهواته.
عاتبه رمضان فلم يسمع عتابه، ورجاه رمضان فأغلق دونه بابه، فرحل؟!
وعندما عاد رمضان فما وجد من أغلق بابه، بحث عنه طرق عليه بابه، فقال أهل الدار: غادر قبل أيام أحبابه، ودفن في القبر وأكله دوده وترابه.
فنادى رمضان: أين زوجته وأمواله؟
قالوا: توزعها أهله وأحبابه...
فنادى رمضان: يا حسرة من أغلق دوني بابه...
في يوم 29/8/1424 تاريخ لا أنساه ذهبنا برفقة مجموعة من الزملاء للعزاء وألقى أحد الإخوان موعظة ودعا للميت بالرحمة وختم كلمته "أسأل الله أن يبلغنا رمضان"
ودعنا أهل العزاء، وبينما نحن في الطريق إذ بأخينا الذي ألقى الموعظة يشعر بضيق في الصدر، نبضات قلبه تتسارع، نناديه لا يجيب، ازدادت حالته سوءاً، وصلنا به المستشفى ما أن وضع على سرير الطوارئ وأقبل إليه الطبيب حتى رفع إصبعه وقال:
"الله الله في رمضان أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"
وقبل غروب شمس ذلك اليوم ودع الدنيا بل فارق الحياة، وكلمات الحسرة تتدافع على لسانه، والأمل انقطع أن يبلغ رمضان.
أيها الحبيب:
هذا هو قارب النجاة، مفتاح السعادة أوشك أن يحط رحاله وينزل مرساته، فتعلق قبل الموت بحباله، أيام بقائه محدودة، شمس رمضان أوشكت على الشروق، لتكسو الكون بجمالها قبل الغروب، إذن فالهروب الهروب إلى علام الغيوب.
همسات:
يا حفيد الحبيب صلى الله عليه وسلم رمضان ليس لتجويع البطون ولا ضماء الشفاه، والله لو عرفت الحكمة لتمنيت السنين كلها رمضان، إن ربك يريد رفعك في أعلى مقام لتنادي يوم العرض من باب الريان، ويبنى لك بيت في أعالي الجنان، أما طرق سمعك خطاب الرحمن في مزاد من يشتري بيتاً في الجنة والمهر صيام رمضان: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: 51-54]
قل لأصحاب القنوات: أما آن يتراكم عليهم الغبار بحلول رمضان...
قل لأقدام تعبت في الأسواق وأيدي كتبت الأرقام، ولقدمين تعبتا من مطاردة الفتيات ومعاكسة الفاتنات، أما آن أن تصف قدميها في محراب القيام بحلول رمضان.
قل لصاحبات النقاب ومتابعة الموضات في الأسواق: يا ابنة الإسلام أما آن أن يسدل الخمار بحلول رمضان، لله در أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تشق نطاقها لخدمة دينها وحمل طعام حبيبها ورسولها، وأنت يا ابنة الإسلام يا حفيدة سيد الأنام تشقين الحجاب وتظهرين ما خفي من الأيدي واللباس!
أما آن لعبائة مزركشة، مطيبة معطرة أن ترحل بحلول رمضان.
قل لأيدي تعبت في تقليب صفحات شبكات المعلومات أما آن أن تغلق صفحات الشات وتفتح بيديها كتاب الله بحلول رمضان.
قل لمن هجر الصلوات وأبعد عن حياض النجاة سنوات، أما آن لقدميك أن تنفض غبارها وتدخل فتأنس وتصلي مع أحبابها وتصالح مسجد حيها.
قل لأصحاب نغمات الجوال موسيقى تهز الأركان وتحرك المشاعر وتثير الأشجان، أما آن أن تستبدل في رمضان.
قل لمن قيد رمضان بقيود الخصام، رمضان يناديك.. فك القيود لتطلق رمضان من أسره، كم صمْت من رمضان لكن قيدته بالمشاحنة والخصام، ترفع الأعمال وتعرض على رب العزة والجلال، فينادي مناد: «أنظروهما حتى يصطلحا».
يا أصحاب قلوب ملئت بالشحناء أما آن بحلول رمضان أن تغادر جيوش البغضاء قلوب الأحياء أما هزك الشوق وأنت ترى هلال رمضان فتعانق الأخلاء.
إياك والعواصف:
هي للصيام قواصف، بيوت تبنى في النهار وتهدم في الليل، كثير فصل ما بين نهار رمضان، وليله، يعف العين والأذان واللسان، فإذا أوشكت الشمس على الغروب وأسدل الليل ستاره، وأفطر على ما لذ وطاب، تنكر لصيامه، وأطلق العنان لسانه، وقلب القنوات وأطرب الأذان بالموسيقى ورديء الكلمات، فيا خسارته هدم ما بنى وأباد رصيد الحسنات وذهب الصيام أدراج الرياح، كل العجب من رجل بنى بيتاً طوال النهار زخرفة بالذكر والقرآن فما أن سمع الأذان حتى دك وحطم بنيانه، انتبه فما بنيته في الدنيا ستلقاه يوم العرض على الله.
إياك والحيتان..
أناس للصيام قطاع طرق شغلهم "قال فلان وفلانة" ليلهم بلوت ولعب ورق، ونهارهم انتظار حتى يعانق صحن المضغوط ويشرب المرق، ما عرف رمضان هو في ترقب وقلق.
إياك أن تكوني منهم..
همها فستانها.. مكياجها.. ليلها في الأسواق.. إن تحدثت ففلانة ثوبها جميل.. والأخرى حذاؤها ليس بلون فستانها.. فرمضانها بين كتب الطعام، فرحل رمضان ولم تهدأ نفسها بقراءة شيء من القرآن.
عجباً لنا لتمثل محمد بن نافع ببيت الشعر في السحر فخرج عليه هرم ابن حيان بعصاه.. وطرق بابه فلما خرج عليه ضربه على رأسه.. يا ابن أخي أتتمثل من الشعر في وقت نزول الرحمن.
ماذا نقول اليوم وقد حشدت المسلسلات بالتلفاز والفضائيات وكأن رمضان تعرض فيه دعاية الأفلام.
مفتــاح الريـــان:
يا حفيدة الحبيب صلى الله عليه وسلم رمضان مفتاح الريان، فعند ابن خزيمة: "أن في الجنة لباب اسمه الريان لا يدخل معه إلا الصائمون فإذا دخلوا أغلق ومن دخل شرب ومن شرب لم يظمأ بعدها أبداً".
فيا حظ من امتلك المفتاح وحفظ الصيام من الصباح وما هتك الأستار، أغلق القنوات وهجر الأغاني، مفتاح الريان بثلاثين سن، كل يوم من رمضان أحد أسنان المفتاح، فيا حسرة من أتى بمفتاح أسنانه مسكورة مهترية مهشومة يوم يفتح كل بمفتاحه، ويأتي من ضيع رمضان ويقف خائراً عند الباب.
جــامعة الأخــلاق:
يا حفيدة الحبيب صلى الله عليه وسلم رمضان جامعة لتدريس الأخلاق، وكلية لتعليم الآداب فيا حظ من انتظم ولم ينتسب لكلية رمضان وحاز جائزة: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وبببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وبببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه". رواه الطبراني.
دعـــــوة:
دعوة من رمضان للعودة لأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم افتقدناها في بيوتنا وشوارعنا في مدارسنا في مساجدنا أين محمد صلى الله عليه وسلم في بيعنا وشرائنا وحتى في صلاتنا لما ابتعدت الأمة عن منهجه وسيرته احتاجت للبرمجة العصبية لتعديل سلوكها، أما فهمت الأمة اليوم أن محمداً صلى الله عليه وسلم أرسى الديمقراطية من قرون حتى قال أحد الكتاب الغربيين: "عجباً لهذا الرجل كيف استطاع أن يتحكم في مليار ومائتين من المسلمين، كي يفطروا في ساعة واحدة ونحن إذا أردنا تحريك كتيبة من الجيش احتجنا لتدريب سنين".
حبيبنا صلى الله عليه وسلم ملك القلوب بخلقه وأسر النفوس بأدبه قاد البشرية بقياد المحبة لا بالأسلحة الذكية، لأنه ما عرف المكر والخديعة، أرسى حقوق الإنسان واقعية يوم عجزت عنها اليوم منظمات الحقوق الإنسانية.
هيــا يا ســواد:
في يوم بدر والنبي صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف قبل المعركة كان سواد ابن غزية رضي الله عنه خارجاً عن الصف ضرب صلى الله عليه وسلم بقدح كان في يده على بطن سواد قائلاً: «استو يا سواد».
استغلها سواد يا رسول الله أوجعتني، القصاص يا رسول الله، سبحان الله يريد القصاص من قائد الجيوش، لما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من تسوية الجيش نادى: «إليّ يا سواد».
كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه: «هيا يا سواد اقتص».
أقبل سواد يعدو من بين الصفوف وسيفه بيده، خافت القلوب ودمعت العيون وهم يرون الحبيب في مشهد من العدل مهيب، أشهر الصحابة سيوفهم أشار إليهم بيده اتركوه، وصل سواد للحبيب صلى الله عليه وسلم لكنه رمى بسيفه واعتنق بطن حبيبه، سالت الدموع، «يا سواد ما حملك على هذا».
يا رسول الله نحن قوم مقبلون على قتال فأردت أن يمس جسدي جسدك يا رسول الله قبل أن أموت.
عجباً لهذا النبي يربي الأمة أن تعدل قبل أن تقاتل، فإن قاتلت وهي ظالمة لم تنصر أبداً.
فهــلاً:
فما بالنا اليوم إن تأخر طعام أو كب أحد الأبناء شيئاً على مائدة الإفطار أتتك راجمات الصواريخ من منصات الصحون تضرب الوجه والعيون وتهدد باستخدام الفيتو، لو تكرر هذا لكان الطلاق.
اتق دعوة المظلوم:
مر صلى الله عليه وسلم بأبي مسعود البدري وهو يضرب أحد عبيده بالسوط لذنب أذنبه فناداه صلى الله عليه وسلم فتوقف عن الضرب واحمر وجهه خجلاً أن رآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو منفعل بضرب عبده، قال له: «يا أبا مسعود إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليه، يا أبا مسعود اعلم أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام».
سقط السوط من يد أبي مسعود وقال يا رسول الله هو حر لوجه الله.
رد الحبيب صلى الله عليه وسلم: «أما إنه لو لم تفعل للفحتك النار يوم القيامة».
هذه حقوق الإنسان مع الخدم والعمال، فأي عدل نراه اليوم، كم من خادمة تتوجع وعامل يشكو.
أما يخاف من يكلفهم ما لا يطيقون في رمضان أن تلفحهم النار يوم القيامة، أو دعوة مظلوم ليس دونها حجاب تسري في ظلمة الليل علمها الله ولم تعلمها.
أخـــــيراً:
رمضان حياتك بل عمرك فهل تضيعه بالله لا تجازف بأيام من عمرك غالية، تندم عليها يوم تكون وحيداً بين اللحود.
من مغســلة الأمــوات!
يذكر أحد المغسلين الثقات في مغسلة الراجحي بأبها، جاءني شاب يريد كفناً لأبيه المريض، حاولت إقناعه أن المغسلة مجهزة وسنقوم بما يريد، ذهب وبعد أيام أتتنا جنازة فلما كشفنا عن وجهه نريد تغسيله رأيت ما أدهشني وإذا بالميت ذلك الشاب الذي جاء يريد الكفن لأبيه، والأب صحيح معافى سبحان الله طويت صفحاته من الدنيا.
يا أيها المشتاق قـــبل بلوغــه *** مهلاً فإن الواردين قليل
مهلاً فـــإن الـــموت آتٍ غـــــرة *** جبل الأماني لا يدوم طويل
ما زلت أنــت مـــعانـد ومكـــابر *** لله لم ترضى إليه سبيل
أثقلت عمرك بالمعاصي دونما *** وجل من المولى ولا تحويل
فك القيود وقم وثابـر واجتـــهد *** واشعل بظلمة ليلك القنديل
لا تلهينك في الحياة مشاغل *** فالعمر محدود ولا تبديل
إن الحياة مواسم ومساكــــن *** مفتاحها الإيمان والتنزيل
إعداد خالد الشهري
تنسيق منتديات البشارة الدعويةltjhp hgvdhk
المفضلات